اشعري (حسن)
Al-Ash'ari (Abu Al-Hassan-) - Al-Ach'ari (Abou Al-Hassan-)
الأشعري (أبو الحسن ـ)
(260 ـ 324هـ/ 874 ـ 936م)
مؤسس مذهب الأشعرية، من الأئمة المتكلمين المجتهدين، واسمه علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم الأشعري، من أحفاد الصحابي أبي موسى الأشعري[ر]. ولد بالبصرة وبها نشأ، وكان يعيش من ريع ضيعة آلت إليه وقفاً عن أجداده.
توفي أبوه وهو صغير، فتزوجت أمه أبا علي الجُبّائي[ر] (ت303هـ) شيخ معتزلة البصرة [ر. المعتزلة]، فقام بتربيته ورعايته خير قيام، وعلمه أصول الاعتزال. وظل الأشعري على مذهب المعتزلة نحو أربعين سنة، كان يخوض فيها فيما يخوض الناس فيه في تلك المرحلة، حتى أدّاه نظره إلى ترك الاعتزال والخروج على ما كان يؤمن به المعتزلة، وأعلن ذلك جهاراً في مسجد البصرة الجامع في رمضان سنة 304هـ.
تلقى الأشعري العلم عن كبار علماء عصره من أمثال سهل بن نوح وزكريا الساجي وأبي خليفة الجُمحي ومحمد بن يعقوب المُقْري وعبد الرحمن بن خلف الضبي وأبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد القطان المعروف بابن كِلاب وغيرهم.
وأخذ العلم عنه خلق كثير، منهم: أبو إسحاق الإسفراييني وأبو بكر القفّال وأبو زيد المروزي وأبو عبد الله بن خفيف وزاهر بن أحمد السرخسي وغيرهم. وكلهم بين فقيه وأصولي وعالم بالكلام، وقد حملوا فكره وعلمه ونشروه في أرجاء العالم الإسلامي، وما يزال فكر الأشعري وتلاميذه موضع اهتمام الدارسين حتى اليوم.
كان الأشعري علماً بارزاً التف الناس من حوله، وأعطاهم سلاحاً هو سلاح المعتزلة نفسه القائم على الجدل والمنطق. وقد ساعده على ذلك سلوكه طريقاً وسطاً بين المعتزلة والحنابلة، فنفى التشبيه وأثبت الصفات المعنوية، وقصر التنزيه على ما قصره عليه السلف، وشهدت له الأدلة المخصَّصة لعمومه، فأثبت الصفات المعنوية، كالسمع والبصر والكلام القائم بالنفس، بطريق النقل والعقل، وردّ على المخالفين في ذلك كله، ولم يجعل العقل مطلق القدرة، لا يحد سلطته حد، كما فعل المعتزلة الذين حكّموه في الذات الإلهية وما يجوز عليها وما لا يجوز، ورجعوا إليه فيما يتصل بعالم الغيب. ولم ينهج منهج علماء عصره من الحنابلة الذين كانوا يرون أن الدفاع عن الدين والانتصار للعقيدة يستلزم الوقوف عند النصوص وإنكار قوة العقل وازدراء أحكامه، ولو جاء بالحكم الصحيح والمنطق السليم.
لقد ذهب الأشعري إلى أن الإسلام يجل العقل ويؤيده، وأن العقل يؤيد الإسلام ويهدي إلى الإيمان، فلا صراع بينهما. والحقيقة أن ظهور الأشعري بمذهبه الكلامي المعارض لمذهب المعتزلة قد بلور آراء السلفيين في مذهب جديد متكامل الجوانب، فتركزت فيه حركة المعارضة كلها التي انتصبت في وجه المعتزلة، تحاربهم بسلاحهم نفسه، سلاح المباحث الكلامية. هذه الحركة التي تألف منها ومن المعتزلة، منذ ذلك الحين، خطان متوازيان في مجرى واحد هو مجرى البحث النظري الذي كان منه علم الكلام.
وكان الأشعري يؤمن بأن مصدر العقيدة وما يتصل بالذات الإلهية وعالم الغيب هو النصوص التي جاء بها الكتاب والسنة على الوجه الذي فهمه الصحابة وليس العقل المجرد والمنطق اليوناني، ولا يختلف في ذلك عما قاله الحنابلة: «قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب الله وسنة نبيه وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون»، ولكنه مع ذلك كان يعتقد أن الدفاع عن هذه العقيدة ونشرها لا يكون إلا بالحديث عنها بلغة العصر وما فيها من مصطلحات وبأسلوب عقلي، وبهذا تثبت مهابة الشريعة وتعظم في النفوس. ويرى أن ذلك أفضل الجهاد وأعظم القربات، ولعل ذلك أهم خلاف بين طريقة الأشعري وكثير من الحنابلة وعلماء الحديث. فاجتمع عليه الخصوم من كل ناحية المعتزلة والحنابلة وغيرهما. لكنه استطاع بتصميمه ومقدرته وبما ترك من آثار أن ينشر المذهب الذي نسب إليه ليصبح معتقد السواد الأعظم من المسلمين.
كانت للأشعري نظرات في المسائل المثارة على الساحة الفكرية الإسلامية فقد كان أول متكلم من غير الشيعة والمعتزلة في مسألة «الإمامة»، بالمعنى الذي كان «للكلام» في عصره، أي بوصفه خطاباً مبنياً على أصول ومقدمات توضع وضعاً وتستمد من الشريعة بكيفية من الكيفيات. ولآراء الأشعري أهمية خاصة، إذ كانت الأساس الذي شيد عليه أهل السنة من بعده نظريتهم في الخلافة، ووظف من أجل ذلك الأصول الأربعة التي حددها الشافعي للتشريع: القرآن والسنة والإجماع والاجتهاد.
وكان للأشعري رأي فيما يتصل «بكلام الله» وهي مسألة خلافية رئيسة بين المعتزلة وخصومهم، فكان يرى أن كلام الله يطلق إطلاقين، كما هو الشأن في الإنسان، فالإنسان يُسمى متكلماً باعتبارين: أحدهما الصوت، والآخر بكلام النفس الذي ليس بصوت ولا حرف، وهو المعنى القائم بالنفس الذي يعبر عنه بالألفاظ. كذلك الأمر فيما يتعلق بكلام الله، فهو يطلق بهذين الإطلاقين: المعنى النفسي وهو القائم بذاته، وهو الأزلي القديم، وهولا يتغير بتغير العبارات، ولا يختلف باختلاف الدلالات، وهذا هو المقصود إذا وصف كلام الله بالقدم، وهو الذي يطلق عليه «كلام الله» حقيقة، أما القرآن، بمعنى المقروء المكتوب، فهو بلا شك، كما يقول المعتزلة، حادث مخلوق، فإن كل كلمة تقرأ تنقضي بالنطق بما بعدها، فكل كلمة حادثة، فكذا المجموع المركب منها. ويطلق على هذا المقروء المكتوب «كلام الله» مجازاً، فالكلام النفسي قديم في ذات الله، أما الملفوظ من الأصوات والحروف الدالة على المعاني المقصودة فهي حادثة قائمة بغير ذات الله.
والمسألة الثالثة التي كان للأشعري رأي خاص فيها هي حرية الإنسان فيما يأتي من الأفعال، فقد اتخذ موقفاً وسطاً بين القائلين بالجبر المطلق والاختيار المطلق. وقال «بالكسب» وهو الاقتران العادي بين القدرة المحدثة، أي قدرة الإنسان، والفعل، فالله تعالى أجرى العادة بخلق الفعل عند قدرة العبد وإرادته، لا بقدرة العبد وإرادته، وهذا الاقتران هو الكَسب.
ترك الأشعري أكثر من ثلاثمئة مؤلَّفٍ، بين كتاب ورسالة، منها «تفسير القرآن» يقال إنه في سبعين مجلداً، و«الفصول» الذي ردّ فيه على الفلاسفة والطبيعيين والدهريين وأهل الكتاب والمجوس، و«أدب الجدل» و«الموجز» و«الصفات» وهو أكبر كتبه، وقد عاد فيه عما كان يقوله في مرحلة الاعتزال في صفات الله تعالى، وغير ذلك من الكتب.
ضاعت معظم كتبه فيما ضاع من تراث الفكر الإسلامي، وقد طبع من كتبه: «استحسان الخوض في علم الكلام» ترجمه إلى الإنكليزية المستشرق مكارثي R.C.McCarthy. وكتاب «اللمع في الرد على أهل الزَيغ والبِدع» وهو كتاب مهمّ لأنه يعرض المذهب الأشعري كما استقر في ذهن أبي الحسن، وقد نشر في بيروت عام 1953، وكتاب «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين » وهو من أقدم ما كُتب في المذاهب والفرق، وعليه كان اعتماد من جاء بعده من الباحثين والمؤرخين للفرق الإسلامية وغيرها كابن حزم والشهرستاني والبغدادي. وكان الأشعري ينقل في كتابه آراء الفرق والمذاهب وأقوالهم بدقة وأمانة وبأسلوب رصين لا تعصّبَ فيه ولا تجريح، غير أن هذا الكتاب لم يلق رواجاً بين الناس لصعوبته وتعقيده وتداخل موضوعاته. ولعل ما فيه يؤكد صدق من قال: كان الأشعري في المناظرة أقوى منه في التصنيف. وقد نشره المستشرق هلموت ريتّر H.Ritter في اصطنبول سنة 1929، ووضع له فهارس مفصلة ودقيقة، وأعيد طبعه. وكتاب «الإبانة عن أصول الديانة» وهو آخر ما صنفه، وقد أودع فيه ما استقر لديه من عقيدة السلف المتمثلة بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ولاسيما أحمد بن حنبل [ر]، وضمنه رأيه في صفات الله تعالى، والإيمان بالغيب، بأسلوبه القوي المؤيد بالنصوص. وقد طبع الكتاب لأول مرة في حيدر آباد عام 1903م، ونقله إلى الإنكليزية المستشرق كلين W.C.Klein.
لم يسلم أبو الحسن من نقد الخصوم ممن كان لا يرى رأيه، فقد كان محل نقد علماء السنة يوم كان معتزلياً، ثم كان محلّ نقد المعتزلة عندما ترك مذهبهم. ومن أبرز ما أُلّف في نقده كتاب «مثالب ابن أبي بشر» لأبي علي الأهوازي وقد ردّ على هذا الكتاب الحافظ ابن عساكر بكتابه «تبيين كذب المفتري فيما نسب للإمام الأشعري» وفيه رد على ما أثير حول الأشعري وآرائه، وعلى هذا الكتاب اعتماد دارسي سيرة الأشعري. والكتاب مطبوع ومتداول. كما ألف آخرون كتباً ورسائل في الانتصار لأبي الحسن أو الرد عليه. توفي الأشعري في بغداد التي عاش فيها سنواته الأخيرة، وفيها دفن.
سعدي أبو جيب
Al-Ash'ari (Abu Al-Hassan-) - Al-Ach'ari (Abou Al-Hassan-)
الأشعري (أبو الحسن ـ)
(260 ـ 324هـ/ 874 ـ 936م)
مؤسس مذهب الأشعرية، من الأئمة المتكلمين المجتهدين، واسمه علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم الأشعري، من أحفاد الصحابي أبي موسى الأشعري[ر]. ولد بالبصرة وبها نشأ، وكان يعيش من ريع ضيعة آلت إليه وقفاً عن أجداده.
توفي أبوه وهو صغير، فتزوجت أمه أبا علي الجُبّائي[ر] (ت303هـ) شيخ معتزلة البصرة [ر. المعتزلة]، فقام بتربيته ورعايته خير قيام، وعلمه أصول الاعتزال. وظل الأشعري على مذهب المعتزلة نحو أربعين سنة، كان يخوض فيها فيما يخوض الناس فيه في تلك المرحلة، حتى أدّاه نظره إلى ترك الاعتزال والخروج على ما كان يؤمن به المعتزلة، وأعلن ذلك جهاراً في مسجد البصرة الجامع في رمضان سنة 304هـ.
تلقى الأشعري العلم عن كبار علماء عصره من أمثال سهل بن نوح وزكريا الساجي وأبي خليفة الجُمحي ومحمد بن يعقوب المُقْري وعبد الرحمن بن خلف الضبي وأبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد القطان المعروف بابن كِلاب وغيرهم.
وأخذ العلم عنه خلق كثير، منهم: أبو إسحاق الإسفراييني وأبو بكر القفّال وأبو زيد المروزي وأبو عبد الله بن خفيف وزاهر بن أحمد السرخسي وغيرهم. وكلهم بين فقيه وأصولي وعالم بالكلام، وقد حملوا فكره وعلمه ونشروه في أرجاء العالم الإسلامي، وما يزال فكر الأشعري وتلاميذه موضع اهتمام الدارسين حتى اليوم.
كان الأشعري علماً بارزاً التف الناس من حوله، وأعطاهم سلاحاً هو سلاح المعتزلة نفسه القائم على الجدل والمنطق. وقد ساعده على ذلك سلوكه طريقاً وسطاً بين المعتزلة والحنابلة، فنفى التشبيه وأثبت الصفات المعنوية، وقصر التنزيه على ما قصره عليه السلف، وشهدت له الأدلة المخصَّصة لعمومه، فأثبت الصفات المعنوية، كالسمع والبصر والكلام القائم بالنفس، بطريق النقل والعقل، وردّ على المخالفين في ذلك كله، ولم يجعل العقل مطلق القدرة، لا يحد سلطته حد، كما فعل المعتزلة الذين حكّموه في الذات الإلهية وما يجوز عليها وما لا يجوز، ورجعوا إليه فيما يتصل بعالم الغيب. ولم ينهج منهج علماء عصره من الحنابلة الذين كانوا يرون أن الدفاع عن الدين والانتصار للعقيدة يستلزم الوقوف عند النصوص وإنكار قوة العقل وازدراء أحكامه، ولو جاء بالحكم الصحيح والمنطق السليم.
لقد ذهب الأشعري إلى أن الإسلام يجل العقل ويؤيده، وأن العقل يؤيد الإسلام ويهدي إلى الإيمان، فلا صراع بينهما. والحقيقة أن ظهور الأشعري بمذهبه الكلامي المعارض لمذهب المعتزلة قد بلور آراء السلفيين في مذهب جديد متكامل الجوانب، فتركزت فيه حركة المعارضة كلها التي انتصبت في وجه المعتزلة، تحاربهم بسلاحهم نفسه، سلاح المباحث الكلامية. هذه الحركة التي تألف منها ومن المعتزلة، منذ ذلك الحين، خطان متوازيان في مجرى واحد هو مجرى البحث النظري الذي كان منه علم الكلام.
وكان الأشعري يؤمن بأن مصدر العقيدة وما يتصل بالذات الإلهية وعالم الغيب هو النصوص التي جاء بها الكتاب والسنة على الوجه الذي فهمه الصحابة وليس العقل المجرد والمنطق اليوناني، ولا يختلف في ذلك عما قاله الحنابلة: «قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب الله وسنة نبيه وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون»، ولكنه مع ذلك كان يعتقد أن الدفاع عن هذه العقيدة ونشرها لا يكون إلا بالحديث عنها بلغة العصر وما فيها من مصطلحات وبأسلوب عقلي، وبهذا تثبت مهابة الشريعة وتعظم في النفوس. ويرى أن ذلك أفضل الجهاد وأعظم القربات، ولعل ذلك أهم خلاف بين طريقة الأشعري وكثير من الحنابلة وعلماء الحديث. فاجتمع عليه الخصوم من كل ناحية المعتزلة والحنابلة وغيرهما. لكنه استطاع بتصميمه ومقدرته وبما ترك من آثار أن ينشر المذهب الذي نسب إليه ليصبح معتقد السواد الأعظم من المسلمين.
كانت للأشعري نظرات في المسائل المثارة على الساحة الفكرية الإسلامية فقد كان أول متكلم من غير الشيعة والمعتزلة في مسألة «الإمامة»، بالمعنى الذي كان «للكلام» في عصره، أي بوصفه خطاباً مبنياً على أصول ومقدمات توضع وضعاً وتستمد من الشريعة بكيفية من الكيفيات. ولآراء الأشعري أهمية خاصة، إذ كانت الأساس الذي شيد عليه أهل السنة من بعده نظريتهم في الخلافة، ووظف من أجل ذلك الأصول الأربعة التي حددها الشافعي للتشريع: القرآن والسنة والإجماع والاجتهاد.
وكان للأشعري رأي فيما يتصل «بكلام الله» وهي مسألة خلافية رئيسة بين المعتزلة وخصومهم، فكان يرى أن كلام الله يطلق إطلاقين، كما هو الشأن في الإنسان، فالإنسان يُسمى متكلماً باعتبارين: أحدهما الصوت، والآخر بكلام النفس الذي ليس بصوت ولا حرف، وهو المعنى القائم بالنفس الذي يعبر عنه بالألفاظ. كذلك الأمر فيما يتعلق بكلام الله، فهو يطلق بهذين الإطلاقين: المعنى النفسي وهو القائم بذاته، وهو الأزلي القديم، وهولا يتغير بتغير العبارات، ولا يختلف باختلاف الدلالات، وهذا هو المقصود إذا وصف كلام الله بالقدم، وهو الذي يطلق عليه «كلام الله» حقيقة، أما القرآن، بمعنى المقروء المكتوب، فهو بلا شك، كما يقول المعتزلة، حادث مخلوق، فإن كل كلمة تقرأ تنقضي بالنطق بما بعدها، فكل كلمة حادثة، فكذا المجموع المركب منها. ويطلق على هذا المقروء المكتوب «كلام الله» مجازاً، فالكلام النفسي قديم في ذات الله، أما الملفوظ من الأصوات والحروف الدالة على المعاني المقصودة فهي حادثة قائمة بغير ذات الله.
والمسألة الثالثة التي كان للأشعري رأي خاص فيها هي حرية الإنسان فيما يأتي من الأفعال، فقد اتخذ موقفاً وسطاً بين القائلين بالجبر المطلق والاختيار المطلق. وقال «بالكسب» وهو الاقتران العادي بين القدرة المحدثة، أي قدرة الإنسان، والفعل، فالله تعالى أجرى العادة بخلق الفعل عند قدرة العبد وإرادته، لا بقدرة العبد وإرادته، وهذا الاقتران هو الكَسب.
ترك الأشعري أكثر من ثلاثمئة مؤلَّفٍ، بين كتاب ورسالة، منها «تفسير القرآن» يقال إنه في سبعين مجلداً، و«الفصول» الذي ردّ فيه على الفلاسفة والطبيعيين والدهريين وأهل الكتاب والمجوس، و«أدب الجدل» و«الموجز» و«الصفات» وهو أكبر كتبه، وقد عاد فيه عما كان يقوله في مرحلة الاعتزال في صفات الله تعالى، وغير ذلك من الكتب.
ضاعت معظم كتبه فيما ضاع من تراث الفكر الإسلامي، وقد طبع من كتبه: «استحسان الخوض في علم الكلام» ترجمه إلى الإنكليزية المستشرق مكارثي R.C.McCarthy. وكتاب «اللمع في الرد على أهل الزَيغ والبِدع» وهو كتاب مهمّ لأنه يعرض المذهب الأشعري كما استقر في ذهن أبي الحسن، وقد نشر في بيروت عام 1953، وكتاب «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين » وهو من أقدم ما كُتب في المذاهب والفرق، وعليه كان اعتماد من جاء بعده من الباحثين والمؤرخين للفرق الإسلامية وغيرها كابن حزم والشهرستاني والبغدادي. وكان الأشعري ينقل في كتابه آراء الفرق والمذاهب وأقوالهم بدقة وأمانة وبأسلوب رصين لا تعصّبَ فيه ولا تجريح، غير أن هذا الكتاب لم يلق رواجاً بين الناس لصعوبته وتعقيده وتداخل موضوعاته. ولعل ما فيه يؤكد صدق من قال: كان الأشعري في المناظرة أقوى منه في التصنيف. وقد نشره المستشرق هلموت ريتّر H.Ritter في اصطنبول سنة 1929، ووضع له فهارس مفصلة ودقيقة، وأعيد طبعه. وكتاب «الإبانة عن أصول الديانة» وهو آخر ما صنفه، وقد أودع فيه ما استقر لديه من عقيدة السلف المتمثلة بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ولاسيما أحمد بن حنبل [ر]، وضمنه رأيه في صفات الله تعالى، والإيمان بالغيب، بأسلوبه القوي المؤيد بالنصوص. وقد طبع الكتاب لأول مرة في حيدر آباد عام 1903م، ونقله إلى الإنكليزية المستشرق كلين W.C.Klein.
لم يسلم أبو الحسن من نقد الخصوم ممن كان لا يرى رأيه، فقد كان محل نقد علماء السنة يوم كان معتزلياً، ثم كان محلّ نقد المعتزلة عندما ترك مذهبهم. ومن أبرز ما أُلّف في نقده كتاب «مثالب ابن أبي بشر» لأبي علي الأهوازي وقد ردّ على هذا الكتاب الحافظ ابن عساكر بكتابه «تبيين كذب المفتري فيما نسب للإمام الأشعري» وفيه رد على ما أثير حول الأشعري وآرائه، وعلى هذا الكتاب اعتماد دارسي سيرة الأشعري. والكتاب مطبوع ومتداول. كما ألف آخرون كتباً ورسائل في الانتصار لأبي الحسن أو الرد عليه. توفي الأشعري في بغداد التي عاش فيها سنواته الأخيرة، وفيها دفن.
سعدي أبو جيب