قراءة د.خليل الطيار.ج٥ -التجريد والاكتساء البَصًري..تجريد بصري لأنور درويش.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قراءة د.خليل الطيار.ج٥ -التجريد والاكتساء البَصًري..تجريد بصري لأنور درويش.


    [ATTACH=JSON]n133106[/ATTACH]
    ملاحقة بَصًرية لخزائن بلورات الضوء
    قراءة لمرئيات استثنائية

    • خليل الطيار

    الجزء الخامس
    " التجريد والاكتساء البَصًري"

    (ثانيا)
    " تطويق خرائب المدن بحبال آمالها "
    تجريد بصري لأنور درويش
    ط
    ملاحقة بَصًرية لخزائن بلورات الضوء
    قراءة لمرئيات استثنائية

    • خليل الطيار

    الجزء الخامس
    " التجريد والاكتساء البَصًري"

    (ثانيا)
    " تطويق خرائب المدن بحبال آمالها "
    تجريد بصري لأنور درويش

    " الفن لا يكرر الأشياء التي نراها، ولكن يجعلها مرئية" بول كيلي


    تشاكل أولي

    ترتكز تجربة المصور "أنور درويش" على إرث ثقافة تشكيلة، خاض طويلا في معتركها، قبل أن يولج عالم الفوتوغرافي، فقد عرفته الأوساط فنانا تشكيليا، ترك منجز ثريا صنع فيه أسلوبا فنيا لنفسه اتضحت ملامحه في بواكير أعماله "الكرافيك"، ولوحاته الانطباعية، وتصاميمه الطباعية. أعتمد في صناعة مضامينها، وتنفيذها على قواعد "فن التجريد" بعيدا عن أسلوب التعبير الواقعي لتبقى سمة "التجريد" ملتصقة بأسلوبه التشكيلي. أكسبته خبرة متنامية لبناء مرايا لوحاته، يحرص فيها دائما التركيز على النسبة والتناسب في توزيع وحداتها، ويعمل بحرفية عالية على إنشاء متضاداتها اللونية، تشكل له علاقات مساحية في معماريتها. هذه الخاصية الأسلوبية في تجربته التشكيلية، أفادته كثيرا في تعضيد تجربته "الفوتوغرافية" خرجت منها نتاجاته الأولى ملتزمة بصرامة ضبطجج"ميزانسن " تكويناتها، والاستفادة من قواعد بناء اللوحة التشكيلة، وأظهر فيها مقدرة حرفية لبناء توازناتها الضوئية بمهارة فائقة، وتجلت بمجموعة "مرئيات" اعتمد لغة التجريد في تأسيساتها...، أتيح لنا فرصة تقديم قراءات لقسم منها. في هذا الجزء نتوقف عند "تجرد مرئي" متميز له، نسعى لتفكيك تشكلاته الاستثنائية.

     تجريد بنية المكان بَصًريا

    لطالما أشرنا في العديد من القراءات السابقة، بأن كلتيهما، اللوحة والصورة، متهمتان بالانفصال التام عن وسائط مادية الواقع، وتتشكل معيارية خواصهما عبر وسائط "حدسية". إذ مهما حاولنا أن نفكر بشكل الواقع، وكيف تراه عيوننا، سيبقى "الحدس الفني" هو المعيار الحاسم لتشكله برؤية بَصًرية. يتجلى ذلك بوضوح لدى المصورين المرئيين، وتحديدا المشبعين بثقافة تشكيلية، فهم لا يتفاعلون مع الواقع وكأنه سطح منعكس يسجلونه من خلال ثقب الكاميرا، وإنما يبصرونه وفق تداعيات حدسية يتشكل عندهم في عالم مجرد، يبتعد كليا عن مادية سطح الواقع. وهو ما أكده "بول كيلي" في إحدى مسودات دروسه المذكورة في كتابه الثمين "نظرية التشكيل" ص 266 قائلا: (يحدث أثناء عملية التحول من الشكل الواقعي إلى الشكل المجرد، أن تبرز أبعاد لا علاقة لها بالشكل الواقعي الذي بدأنا منه. وهذه العلاقات الجديدة تنبع من التداعيات العقلية، التي تولد بدورها مثيرات ذات طبيعة خيالية، وتولد معها أيضا روابط لهذه المثيرات الخيالية بالشكل الواقعي الأول، وهكذا يتولد عالم خيالي، لكنه مقنع في ذات الوقت، ويبقى هذا النوع من التفاعل الحر بطبيعة الحال داخل مجال الخبرة الإنسانية...) تتطابق هذه الرؤية المعمقة كليا مع أثار التحولات في وسائط مرئيات "أنور درويش" من مساحاتها الواقعية ودخول عوالمها المرئية الجديدة، والمتجسدة تحديدا في عمله المرئي الأخير.

    من مادية الواقع إلى واقعة الحدس

    وهلة الأبصار الأولى لمادة سطح "أنور درويش" الواقعي، يكشف لنا عن بقايا خربة مكانية لم يتبق منها سوى أثر لحيطان متجاورة لا تفصح عن أي عنونة مكانية واضحة. ولم يحقق اللقط "بالعدسة" أي تعريف لمعالم المكان. وتسبب إهماله بضياع تفاصيله وتأكل مساحة أركانه، وحدوث تشققات فيه، وبدأ وكأن جهدا إنسانيا غائبا، حاول تعويضه بألواح معدنية شذت عن خامة البناء. وظهرت تدس نفسها بطين الجدار في علاقة غرائبية قاسية! وما زاد المكان غموضا، وجود أثار متبقية لخربشات صبغية، برز منها بوضوح حروف "إنكليزية" تناثرت بلا معنى(m + s + m) حاولت أن تجتمع في معادلة حسابية ناقصة النتائج!
    "أنور درويش" في اشتغاله لتحويل تجريدته من مادية سطحها الواقعي نحو ثبيت حدسها المرئي، لم يعر أهمية لكل بواقيها المبهمة. ولم يك جهده البصري منصبا على تسجيل ظواهرها المادية، بل أراد من خلالها الانتقال لصناعة سطح مرئي جديد، يقطع كلياً صلة ارتباطه بواقعة المكان زماناً ومكاناً، لأجل الانتفاع من معمارية تشكله فقط!
    هذا الإجراء الفني، قد تُسوف موضوعية تبريره حالة اللجوء إلى ابتكار سطح افتراضي، يتيح فرصة بناء تشكيل تجريدي خاص بنفس المواصفات. لا سيما وان الإمكانية التشكيلية لدى "أنور درويش" تسهل هذه المهمة، فلا حاجة له أذن باستعاضة أدواته التشكيلية بالكاميرا! إلا أن هذا الافتراض يدحض إشكاليته، وينكر تبريره بقوة المنظر "بول كيلي" عندما يقر بأن (قدرة التجريد على الإقناع، تكمن في ارتباط التجريد بالتشخيص في الأساس، لأن عملية الابتعاد عن الواقع هي التي تطلق التداعيات والروابط الجديدة، ولا يمكن البدء انطلاقا من المجرد.)

    التبطين المرئي للواقعة

    ما فعله "أنور درويش" فعلياً عند أول اتصال له مع المكان هو عدم " التصالب " معه باللقط التصويري لمضمون شيئيته المادية، بل "تشابك" معه بانفتاح على مرئياته. فقد وجد شيئا متواريا خلف السطح الظاهر أستبينه بحدسه المرئي، عمل على أن يؤسس له بعدا ظاهرياً جديداً، وهو ما يفسره لنا "ميرلوبونتي" في أحد أهم فصول كتابه "المرئي واللامرئي" عندما يتحدث عن مفهوم (الانشباك - التصالب ) ص 214 إذ فصل فيه بين "الذات" و "الموضوع" وبين "الوجود" و "الماهية" للواقعات التي نبصرها، وبين هناك فرق واضح بين لمسها ماديا، وأبصارها حدسيا، فما نجده في سطوحها (هو شيء ما، لن نعرف كيف نكون أقرب إليه إلا ونحن نتحسسه بالبصر، وأشياء ليس لنا أن نحلم برؤيتها "تامة العراء" بما أن البصر ذاته يلفها ويكسوها بلحمه، فمن أين للبصر وهو يبصر أن يتركها في موقعها) ودون أن تعطي فاعلية للرائي وهي هنا وظيفة "المصورالمرئي"،حين يتراءى مع الأمكنة لتهب نفسها له بماهية جديدة. وهو ما ينجح فيه "أنور درويش" في كل مرة يتماهى فيها مع سطوح " تجريدياتة " يضع فيها تجلياته البَصًرية كما تحقق في مرئية هذه الخربة.

    تطويق الخرائب مرئيا

    "أنور درويش"، كما هي محنة زملائه المصورين، تركت أوجاع بيئتهم المحلية أثرها في نفوس وحفريات مواضيع أعمالهم، لاحقوها توثيقا وتعبيرا. لكن ما يميز تجربته ذهابه إلى أبعد من ذلك، عندما وجد أن التماهي البعيد مع الخرائب المتبقية لأمكنة مدينته، لا يمكن القبض والتعبير عن آلامها بعلاقاتٍ سطحيةٍ مباشرة، وهو يجد في بواقيها قوة الإدانة في عناوين المتبقي من أجسادها، معتبرا إن ما خسرته هو تجريد لماض هش في "ذاتها"، وما بقيت عليه هو وجود صلب واحتفاظ ل "ماهيتها"... وحتى يدعم هذا التجريد المتبقي، ويكتسيه بحدس مرئي فاعل، اختار تطويق حيز صغير من مدينته (الخربة) بزاوية مثلى، أنشأ فيها علاقة ثنائية، بين طرفيها. وجرد بتكثيف ضوئي مناطق الظل والضوء داخلها، محققاً معادلة ضدية تغلبت فيها عتمة مساحة جانبه الأيمن، على حساب إشراق قليل في جانبه الأيسر!، ليوحي لنا عن حقيقة ما أصاب جوانب مدينته، التي شهد أحدها دماراً فضيعاً سكنته أشباح الظلاميين، وعبثت فيه اثأر "خربشات" أفكارهم الدموية، وتركوا أثارهم على جدران أمكنتها!، بينما ترك ضوءاً مشرقاً في الجانب الآخر، رغم أثار الحفريات والشقوق الغائرة في جدرانه، ملوحاً لنا بقدرة استبدال الضائع من ماضيها بترقيعه بقطعة معدنية "جينكو" يحاول أن يشير لنا في دلالتها عن إمكانية الجمع بين الماضي والحاضر دون أن يلغي ذلك هوية مدينته التاريخية.

    حبل الآمال

    في كل مراياه التي نلاحق تشكلاتها الاستثنائية في منجزه، يسعى "أنور درويش" دائماً على أن يبقي نهايات تأويل مضامينها مفتوحة على آمال منشودة، ويترك لمتلقيها فسحة تعقبها في ذاته. تدلل عليها "سيميائياته" الشاخصة دوما في مرئياته، كما في دلالة "الحبل" الذي استدعى حضوره بقصدية واضحة، وهو يرسم خطا فاصلاً بين وجع ما تحته، وبين إشراق ما فوقه من سماء مفتوحة الأفق تحتضن خربته، في دلالة واضحة لانتظار تعليق أسئلة آمالنا التي نبقيها متأرجحة، عسى إجابات خلاص قادمة تفيض بها زرقة السماء بغيث ينهمر، وتمسكه "مشابك" قلوبنا المختلفة الألوان! وكما في دلالة حروفه التي تكاملت معادلتها في جهة خربته المشرقة عندما جمع حرفا m مع حرف s بجهة واحدة بدلالة تضامنية، بينما بقي حرف s الآخر وحيداً منكفئاً في جهة خربته المظلمة، بالكاد يدلل عن وجوده! وهي إشارة أراد "الدرويش" الحاضر أن نفهم معادلتها بتركه حرف "ميم" في جانبه المضاء يعبر عن مفردة "منتهى" آمالنا، عندما تلتقي بعد هذا الدمار مع دلالة حرف "سين" تعبيرا عن مفردة "سعادة" أرواحنا المغيبة؟ بينما أبقى في الجانب المعتم على دلالة حرف (سين) تعبيرا عن مفردة "سوء" طالع موت مالك الخربة، الذي ترك أثرا لوجوده على الجدران قبل أن تغيبه حروب هوجاء "سوف" لن يعود بعدها ابداً!

    النحت المرسوم بالضوء

    يُصطَلح على أعمال "أنور درويش" التجريدية في أوساط التشكيليين الموصلين، كونها "نحت مرسوم" لقدرته على تجسيدها بقواعد نحتية، يحفر أبعادها على أسطح أوراق تخطيطاته، أو على أقمشة لوحاته. وتكاد أعماله "الفوتوغرافية" هي الأخرى تحرز هذا التوصيف أيضا، فإيقاع الإشكال داخل البناء الضوئي في مرئياته يكسبها بعدٌ تجسيمي لمفردات سطوحها. وكثيراً ما يتلاعب بضبط توازنات نسب وحداتها وتكتلاتها اللونية ليخلق أبعادا جديدة لعناصر التكوين، كما تحقق في العديد من أعماله، وتجسد ذلك في عمله التجريدي الأخير الذي اكتساه بمهارة وترك فيه أثراً مرئياً، امتاز بثراء بَصًري واضح.
    [ATTACH=JSON]n133107[/ATTACH] [ATTACH=JSON]n133108[/ATTACH] ​​​​​​​

  • #2
    ملاحقة بَصًرية لخزائن بلورات الضوء
    قراءة لمرئيات استثنائية

    • خليل الطيار

    الجزء الخامس
    " التجريد والاكتساء البَصًري"

    (ثانيا)
    " تطويق خرائب المدن بحبال آمالها "
    تجريد بصري لأنور درويش
    ط
    ملاحقة بَصًرية لخزائن بلورات الضوء
    قراءة لمرئيات استثنائية

    • خليل الطيار

    الجزء الخامس
    " التجريد والاكتساء البَصًري"

    (ثانيا)
    " تطويق خرائب المدن بحبال آمالها "
    تجريد بصري لأنور درويش

    " الفن لا يكرر الأشياء التي نراها، ولكن يجعلها مرئية" بول كيلي

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	Screenshot_٢٠٢٣٠٧١٥-١٤٣٢٤٣_Facebook.jpg 
مشاهدات:	4 
الحجم:	52.2 كيلوبايت 
الهوية:	134177

    تعليق

    يعمل...
    X