شحادة (جورج ـ)
(1325 ـ1410هـ/1907 ـ 1989م)
جورج شحادة Georges Schéhadé شاعر وكاتب مسرحي فرنسي من أصل لبناني، كتب جميع أعماله باللغة الفرنسية. ولد في مدينة الإسكندرية بمصر وتوفي في باريس. ينحدر شحادة من أبوين لبنانيين كانا يعملان في مصر، حيث تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي في مدارس فرنسية في الإسكندرية، إلى أن عادت الأسرة عام 1926 إلى بيروت حيث درس القانون، ثم غادر إلى باريس ليتابع دراسته وعمل في الإدارة العليا للخدمات الثقافية الفرنسية. وفي عام 1947 عاد إلى بيروت ليشغل منصب السكرتير العام لكلية الآداب، واستمر في التنقل بين بيروت وباريس حتى آخر حياته. قام شحادة بزيارات متعددة إلى مختلف الدول الأوربية، لكنه بقي طوال حياته باحثاً عن موطنه المفقود.
بدأ شحادة حياته الأدبية شاعراً، فقد كان في العشرين من عمـره عندما نشر فـي بيروت مجموعته الشعريـة الأولـى بالفرنسية بعنوان «شـرارات» Étincelles ت(1927)، أما مجموعته الشعرية التالية فقد صدرت في باريس بعنوان «أشعار 1» Poésies Iت(1938)، وبعد عقد من الزمن صدرت مجموعته الثانية «أشعار 2» Poésies II، ثم «أشعار 3» PoésiesIII ت(1949). أما «أشعار 5» PoésiesV فقد صدرت في بيروت عام 1972، متجاوزة قصائد المجموعة الرابعة المفترضة التي نشرت قصائدها متفرقة في فرنسا. وفي عام 1986 قررت الأكاديمية الفرنسية إحداث جائزة باسم «جائزة الفرنكوفونية الكبرى» وكان جورج شحادة أول من حصل عليها، وقد قال الناطق باسم الأكاديمية بمناسبة منح الجائزة: «إن جورج شحادة اللبناني هو أحد كبار شعراء اللغة الفرنسية في هذا العصر» فأجاب شحادة بقوله: «إني أهدي هذه الجائزة إلى وطني»، وبعد عامين حصل شحادة على جائزة «مون سان ميشيل الكبرى» Grand Prix de Mont Saint Michel. ويرى رجل المسرح الشهير جان لوي بارو Jean- Louis Barrault أن «جورج شحادة سيِّد كبير من أسياد اللغة الفرنسية، وهو إلى ذلك شاعر بين أكثر شعرائنا أصالة. فما أن ننفذ إلى لغة شحادة حتى يأسرنا سحرها، إن هندسة جملته، وغنى صوره، والأطر التي يستخدمها تغمرنا وتقودنا إلى عالم سري ينصهر فيه الحلم والواقع في جوهر عذب، هو نسيج من الفكاهة واللطف والإنسانية، والجمال هو الوسط الذي يتفتح فيه... إنه حوذي غريب يأتينا من بلاد ألف ليلة وليلة لينزل على هذا المسرح الرائع «الكوميدي فرانسيز» Comédie Française».
بدأ شحادة الكتابة للمسرح منذ عام 1936، وكانت باكورته مسرحية «السيد بوبل» Monsieur Boble التي تأخر عرضها على خشبة المسرح حتى عام 1951 وسببت في حفل الافتتاح معركة بين النقاد، انتصر فيها للشاعر آنذاك كبار شعراء فرنسا من الحضور. وهي تحكي عن القدرة السحرية الغامضة التي يمتلكها السيد بوبل، فيهيمن بها على إرادة سكان البلدة ويدفعهم للبحث معه عن «كنز» ما، ثم يموت هانئاً قبل أن يحقق هدفه.
أخرج جان لوي بارو مسرحية شحادة الثانية «سهـــرة الأمثال» La Soirée des proverbes عام 1952 التي تتناول موضوع بحث الإنسان المعاصر عن الفردوس المفقود، حين كان البشر قادرين على التواصل والتفاهم فيما بينهم. وبعد أربع سنوات أخرج مسرحيته الثالثة «حكاية فاسكو» Histoire de Vasco في زوريخ، ثم أعاد تقديمها في باريس عام 1957، وفي مهرجانات بعلبك الدولية في العام نفسه. ويرى قسم كبير من النقاد أنها رائعته المسرحية، فهي تحكي عن الإنسان الذي يرفض أن يكون بطلاً في قضية لا علاقة لـه بها. وفي عام 1958 كتب شحادة سيناريو فيلم «جحا» Joha الذي لعب عمر الشريف دور البطولة فيه. أما مسرحيته «البنفسج» Les Violettes التي تتناول موضوع خطورة الأسلحة النووية ومسؤولية العلماء في ذلك، فقد عُرضت في ألمانيا الغربية عام 1960 قبل أن تُقدم في باريس بسنوات، وفي العام التالي أخرج بارو مسرحية «السفر» Le Voyage التي يضحي فيها إنسان عادي بحلم حياته بالسفر من أجل حبه لفتاة يقضي حياته معها في بيع الأزرار. وفي عام 1965 كانت ألمانيا الغربية السباقة للمرة الثانية في عرض مسرحية «مهاجر بريسبان» L’Émigré de Brisbane، وهي المسرحية التي صارت منذ عام 1967 جزءاً من البرنامج السنوي لمسرح «الكوميدي فرانسيز» وترجمت إلى ما يزيد على خمسين لغة، وعرضت في معظم أنحاء العالم، بما في ذلك لبنان وسورية ومصر وتونس، وبإخراجات متعددة ومختلفة. أما مسرحيته الأخيرة «الثوب يصنع الأمير» L’habit fait le prince فهي مسرحية إيمائية نشرها عام 1973، اقتبس موضوعها عن قصة طويلة للكاتب الألماني غوتفريد كِلِّر Gottfried Keller. وقد ترجم الشاعر السوري أدونيس مختارات من أعمال شحادة المسرحية إلى العربية صدرت في ثلاثة أجزاء في سلسلة من المسرح العالمي في الكويت منذ عام 1973.
يرتبط مسرح جورج شحادة فكرياً وفنياً بالسريالية وبمسرح العبث؛ فالمكان والزمان في مسرحياته غير محددين، أي إن موضوعاته لا تنتمي إلى تاريخ اجتماعي بعينه. ويرى شحادة في مسرحياته أن الشعور لا يؤتمن، لأنه غير عملي ولا يمكن الاعتماد عليه، وبالتالي فإن البديل هو عالم الحلم، ولذلك فهو يجنح دائماً نحو استبدال عالمٍ ذاتي مفترض بالعالم الموضوعي. وعلى الرغم من أصله اللبناني وسنوات إقامته الطويلة في مصر ولبنان فإنه لم يتطرق في أي من أعماله إلى شؤونٍ تخص وطنه. وحول موضوع الوطن في أعمال شحادة قال الناقد بيير روبان Pierre Robin: «ما يدهش في هذا الشعر، إذا تعمقناه، هو العودة الدائمة إلى أسطورة الوطن الضائع، أو بالأحرى إعادة خلقه الغريزية الدائمة. هذا الحنين إلى الوطن هو أحد موضوعات شحادة الأساسية. فهو لكونه مشدوداً بين الغرب الذي تحسس فيه الكشف الشعري حتى الدهشة، والشرق الذي تربطه به تعاويذ السحر القائمة، عرف كيف يستخرج من هذا التمزق ذاتِه خاصيةً غنائية... أما الوطن الضائع فهو من ناحية أخرى، الطفولة. هذه الأرض الموعودة للشعراء، المطلوبة دائماً، والتي لا تتبدى إلاّ بمقدار إغماضة عين».
نبيل الحفار
(1325 ـ1410هـ/1907 ـ 1989م)
جورج شحادة Georges Schéhadé شاعر وكاتب مسرحي فرنسي من أصل لبناني، كتب جميع أعماله باللغة الفرنسية. ولد في مدينة الإسكندرية بمصر وتوفي في باريس. ينحدر شحادة من أبوين لبنانيين كانا يعملان في مصر، حيث تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي في مدارس فرنسية في الإسكندرية، إلى أن عادت الأسرة عام 1926 إلى بيروت حيث درس القانون، ثم غادر إلى باريس ليتابع دراسته وعمل في الإدارة العليا للخدمات الثقافية الفرنسية. وفي عام 1947 عاد إلى بيروت ليشغل منصب السكرتير العام لكلية الآداب، واستمر في التنقل بين بيروت وباريس حتى آخر حياته. قام شحادة بزيارات متعددة إلى مختلف الدول الأوربية، لكنه بقي طوال حياته باحثاً عن موطنه المفقود.
بدأ شحادة حياته الأدبية شاعراً، فقد كان في العشرين من عمـره عندما نشر فـي بيروت مجموعته الشعريـة الأولـى بالفرنسية بعنوان «شـرارات» Étincelles ت(1927)، أما مجموعته الشعرية التالية فقد صدرت في باريس بعنوان «أشعار 1» Poésies Iت(1938)، وبعد عقد من الزمن صدرت مجموعته الثانية «أشعار 2» Poésies II، ثم «أشعار 3» PoésiesIII ت(1949). أما «أشعار 5» PoésiesV فقد صدرت في بيروت عام 1972، متجاوزة قصائد المجموعة الرابعة المفترضة التي نشرت قصائدها متفرقة في فرنسا. وفي عام 1986 قررت الأكاديمية الفرنسية إحداث جائزة باسم «جائزة الفرنكوفونية الكبرى» وكان جورج شحادة أول من حصل عليها، وقد قال الناطق باسم الأكاديمية بمناسبة منح الجائزة: «إن جورج شحادة اللبناني هو أحد كبار شعراء اللغة الفرنسية في هذا العصر» فأجاب شحادة بقوله: «إني أهدي هذه الجائزة إلى وطني»، وبعد عامين حصل شحادة على جائزة «مون سان ميشيل الكبرى» Grand Prix de Mont Saint Michel. ويرى رجل المسرح الشهير جان لوي بارو Jean- Louis Barrault أن «جورج شحادة سيِّد كبير من أسياد اللغة الفرنسية، وهو إلى ذلك شاعر بين أكثر شعرائنا أصالة. فما أن ننفذ إلى لغة شحادة حتى يأسرنا سحرها، إن هندسة جملته، وغنى صوره، والأطر التي يستخدمها تغمرنا وتقودنا إلى عالم سري ينصهر فيه الحلم والواقع في جوهر عذب، هو نسيج من الفكاهة واللطف والإنسانية، والجمال هو الوسط الذي يتفتح فيه... إنه حوذي غريب يأتينا من بلاد ألف ليلة وليلة لينزل على هذا المسرح الرائع «الكوميدي فرانسيز» Comédie Française».
بدأ شحادة الكتابة للمسرح منذ عام 1936، وكانت باكورته مسرحية «السيد بوبل» Monsieur Boble التي تأخر عرضها على خشبة المسرح حتى عام 1951 وسببت في حفل الافتتاح معركة بين النقاد، انتصر فيها للشاعر آنذاك كبار شعراء فرنسا من الحضور. وهي تحكي عن القدرة السحرية الغامضة التي يمتلكها السيد بوبل، فيهيمن بها على إرادة سكان البلدة ويدفعهم للبحث معه عن «كنز» ما، ثم يموت هانئاً قبل أن يحقق هدفه.
أخرج جان لوي بارو مسرحية شحادة الثانية «سهـــرة الأمثال» La Soirée des proverbes عام 1952 التي تتناول موضوع بحث الإنسان المعاصر عن الفردوس المفقود، حين كان البشر قادرين على التواصل والتفاهم فيما بينهم. وبعد أربع سنوات أخرج مسرحيته الثالثة «حكاية فاسكو» Histoire de Vasco في زوريخ، ثم أعاد تقديمها في باريس عام 1957، وفي مهرجانات بعلبك الدولية في العام نفسه. ويرى قسم كبير من النقاد أنها رائعته المسرحية، فهي تحكي عن الإنسان الذي يرفض أن يكون بطلاً في قضية لا علاقة لـه بها. وفي عام 1958 كتب شحادة سيناريو فيلم «جحا» Joha الذي لعب عمر الشريف دور البطولة فيه. أما مسرحيته «البنفسج» Les Violettes التي تتناول موضوع خطورة الأسلحة النووية ومسؤولية العلماء في ذلك، فقد عُرضت في ألمانيا الغربية عام 1960 قبل أن تُقدم في باريس بسنوات، وفي العام التالي أخرج بارو مسرحية «السفر» Le Voyage التي يضحي فيها إنسان عادي بحلم حياته بالسفر من أجل حبه لفتاة يقضي حياته معها في بيع الأزرار. وفي عام 1965 كانت ألمانيا الغربية السباقة للمرة الثانية في عرض مسرحية «مهاجر بريسبان» L’Émigré de Brisbane، وهي المسرحية التي صارت منذ عام 1967 جزءاً من البرنامج السنوي لمسرح «الكوميدي فرانسيز» وترجمت إلى ما يزيد على خمسين لغة، وعرضت في معظم أنحاء العالم، بما في ذلك لبنان وسورية ومصر وتونس، وبإخراجات متعددة ومختلفة. أما مسرحيته الأخيرة «الثوب يصنع الأمير» L’habit fait le prince فهي مسرحية إيمائية نشرها عام 1973، اقتبس موضوعها عن قصة طويلة للكاتب الألماني غوتفريد كِلِّر Gottfried Keller. وقد ترجم الشاعر السوري أدونيس مختارات من أعمال شحادة المسرحية إلى العربية صدرت في ثلاثة أجزاء في سلسلة من المسرح العالمي في الكويت منذ عام 1973.
يرتبط مسرح جورج شحادة فكرياً وفنياً بالسريالية وبمسرح العبث؛ فالمكان والزمان في مسرحياته غير محددين، أي إن موضوعاته لا تنتمي إلى تاريخ اجتماعي بعينه. ويرى شحادة في مسرحياته أن الشعور لا يؤتمن، لأنه غير عملي ولا يمكن الاعتماد عليه، وبالتالي فإن البديل هو عالم الحلم، ولذلك فهو يجنح دائماً نحو استبدال عالمٍ ذاتي مفترض بالعالم الموضوعي. وعلى الرغم من أصله اللبناني وسنوات إقامته الطويلة في مصر ولبنان فإنه لم يتطرق في أي من أعماله إلى شؤونٍ تخص وطنه. وحول موضوع الوطن في أعمال شحادة قال الناقد بيير روبان Pierre Robin: «ما يدهش في هذا الشعر، إذا تعمقناه، هو العودة الدائمة إلى أسطورة الوطن الضائع، أو بالأحرى إعادة خلقه الغريزية الدائمة. هذا الحنين إلى الوطن هو أحد موضوعات شحادة الأساسية. فهو لكونه مشدوداً بين الغرب الذي تحسس فيه الكشف الشعري حتى الدهشة، والشرق الذي تربطه به تعاويذ السحر القائمة، عرف كيف يستخرج من هذا التمزق ذاتِه خاصيةً غنائية... أما الوطن الضائع فهو من ناحية أخرى، الطفولة. هذه الأرض الموعودة للشعراء، المطلوبة دائماً، والتي لا تتبدى إلاّ بمقدار إغماضة عين».
نبيل الحفار