الشَّاذِلِيَّة (الطريقة ـ)
مؤسس الطريقة الشاذلية أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي الحسني (593 ـ 656هـ). جمع الله له بين علمي الشريعة والتربية. وكان قوي الحجة، فصيح اللسان، يتكلم في العلمين بما يعجز عن مجاراته فيهما جهابذة العلماء.
ولد في قرية (غُمَارة) قرب مدينة سَبْتَة في المغرب، وبدأ فيها تحصيل العلوم الشرعية، ثم انتقل إلى تونس، وبعدها إلى العراق حيث التقى شيخه أبا الفتح الواسِِطي (ت632هـ)، ثم عاد إلى المغرب ليأخذ عن شيخه عبد السلام بن مَشِيش (ت622هـ)، الذي تولاه بالتربية، ثم وجهه إلى (شاذِلَة) بإفريقية، التي ترجع نسبته إليها، وفيها تفرغ للعبادة والمجاهدة، وخرج بعدها إلى الناس يدعو إلى الله على بصيرة، فسافر إلى تونس يعمل في التدريس والإرشاد، حيث أوذي بسبب شعبيَّته، ثم استقر به المطاف في الإسكندرية وتزوج هناك. وكان يحضر دروسه أكابر العلماء كالعزِّ بن عبد السلام وابن دَقيق العيد والحافظ المُنذري وابن الصلاح وابن جَماعة وغيرهم. وهاجر في أواخر حياته إلى المنصورة طلباً للجهاد ضد الغزو الصليبي مع ثلة من أكابر علماء الصوفية آنذاك، وكان قد كُفَّ بصره. وقد توفي سنة 656هـ في طريقه إلى الحج في صحراء عيذاب.
من شيوخه: محمد بن حِرْزِهِم (ت633هـ)، وخلف الباجي (ت628هـ). ومن تلامذته: أبو العباس المَرسي (ت686هـ) ومحمد الحَبيبي (ت693هـ) ومَكين الدين الأسمر (ت692هـ) وأبو العزائم ماضي (ت718هـ).
أصول الطريقة الشاذلية
امتازت الطريقة الشاذلية بالجمع بين خصائص طريقة الإشراق وطريقة الدليل والبرهان. وأهم أسسها:
1ـ العلم: كانت القاعدة عند أبي الحسن وخلفائه ألا يدخل أحد في الطريقة إلا بعد تمكنه من علوم الشريعة. وكان شيوخها من أكابر العلماء.
2ـ التمسك بالكتاب والسنة: طالب أبو الحسن الداعيةَ بذلك فقال: «من دعا إلى الله تعالى بغير ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بِدْعي». كما طالب به السالك فقال: «إذا لم يواظب الفقير على حضور الصلوات الخمس في جماعة فلا تعبأ به».
وكان يقول: «إذا ورد عليَّ وارد فلا أقبله إلا بشاهدي عدل: الكتاب والسنة».
3ـ المجاهدات: تقوم عندهم على مبدأين:
الأول: محل المجاهدات هو: ترك المحرمات والتزام السنة. ولا توسع في المجاهدات زيادة على ذلك.
الثاني: عدم الاعتماد عليها ـ على الرغم من وجودها ـ في الوصول إلى المعرفة. وإنما يعتمد في ذلك على قطع العلائق القلبية مع الأكوان.
يقول أبو الحسن: «ليس هذا الطريق بالرهبانية، ولا بأكل الشعير والنخالة... وإنما هو بالصبر على الأوامر واليقين في الهداية، كما قال تعالى: )وَجَعَلنا مِنهُمْ أَئِمَّةً يَهْدونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَروا وَكَانوا بِآياتِنا يُوقِنون((السجدة :24).
4ـ الاعتدال: كان أبو الحسن يوجّه إلى الاعتدال في كل الأمور حتى في محاربة الدنيا حتى لا يكون في ذلك نوعٌ من الرجوع إليها. وهو أول من حرر الصوفية من الطقوس ومنعهم من ارتداء زيٍّ خاص.
5ـ المعرفة: تتلخص في أربعة مبادئ:
الأول: أن يعرف السالك مقصوده منذ بدايته، وهو معرفة الله، وأن القناعة بكونٍ من الأكوان قبل الوصول إلى المعرفة حجاب عن الله وضياع للوقت.
الثاني: لا يستلزم الوصولُ إلى المعرفة تركَ الأسباب، وإنما يبقى السالك على ما أقامه الله فيه من شؤون الدنيا ظاهراً مع ترقي باطنه في المعرفة. وهذا هو السير إلى الله بموافقة الطبع. وقد كان الشاذلي مزارعاً. وكانت قاعدته في المعرفة: «اعرف، وكن كيف شئت».
الثالث: المعرفة المقصودة هي الشهود القلبي الذوقي المعبّر عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: «أن تعبد الله كأنك تراه»، وألا يحجب بالحقيقة عن الشريعة ولا بالشريعة عن الحقيقة، بل يعطي كلّ ذي حق حقه.
الرابع: وسائل المعرفة هي الصحبة، والذكر (لاسيما بالاسم المفرد الله)، والخلوة، والمذاكرات.
6ـ المحبّة: لخص أبو الحسن حقيقتها فقال: «من أحب الله، وأحب لله فقد تمت ولايته بالحب. والمحب على الحقيقة من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه، ولا مشيئة له غير مشيئته». وقال أيضاً: «المحبة آخذة من الله للبّ عبده عن كل شيءٍ سواه، فترى النفس مائلةً لطاعته والعقل متحصناً بمعرفته، والروح مأخوذةً في حضرته، والسرَّ مغموراً في مشاهدته».
مصنفات الشاذلية
وجّه أبو الحسن جُلّ اهتمامه إلى التربية. ولمّا سئل: لم لا تضع كتاباً في الدلالة على الله وعلى علوم القوم، أجاب: «كتبي أصحابي». غير أنه ترك ثروة عظيمة من الحِكم والوصايا والأحزاب. أهمها حزب البحر والحزب الكبير. ووضع تلامذته من بعده مؤلفات جليلة كثيرة بثوا فيها علوم أبي الحسن. منها:
1ـ البُردة للبوصيري (ت694هـ).
2ـ الحِكم والقصد المجرّد وتاج العروس والتنوير في إسقاط التدبير ولطائف المنن لابن عطاء الله السكندري (ت709هـ).
3ـ دلائل الخيرات للجَزولي (ت870هـ).
4ـ أصول الطريقة وقواعد التصوف والنصيحة الكافية لأحمد زرّوق (ت899هـ).
5ـ قوانين حكم الإشراق لأبي المواهب التونسي (ت901هـ).
6ـ الطبقات الكبرى واليواقيت والجواهر ولوائح الأنوار القدسية للشعراني (ت973هـ).
7ـ معراج التَّشوّف والبحر المديد في تفسير القرآن المجيد والفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية وإيقاظ الهمم على شرح الحكم لابن عجيبة (ت1224هـ).
انتشار الطريقة الشاذلية وفروعها:
بدأ ظهور الشاذلية في المغرب، ثم انتقلت إلى مصر، ومنها إلى العالم الإسلامي.
ومن أهم فروعها في مصر: المدنية والسَّلامية والفيضية والإدريسية والوفائية والعَزميّة والحامدية والمحمدية.
وفي المغرب وشمال إفريقيا: الجَزولية والزرُّوقية والحَبيبية والنّاصرية والسُّهيلية واليوسفية والزيّاتيّة والدَّرقاويّة والتيجانية والسَّنوسيّة.
وقد انتشرت الطريقة في الحجاز على يد محمد حسن بن حمزة ظافر المدني (ت1268هـ) ومحمد بن مسعود الفاسي (ت1289هـ). وفي اليمن على يد علي القرشي شيخ اليمن (ت821هـ) وأبي بكر العَيْدَروس (ت914هـ) وأحمد بن إدريس (ت1253هـ). وفي الشام على يد عُلوان الحمَوي (ت936هـ) وتُقَي الدين أبي شعر (ت1207هـ) وعلي اليَشْرُطي (ت1316هـ) ومحمد الهاشمي (ت1381هـ).
وتوجد فروع للطريقة في اصطنبول ورومانيا وجزر القمر وفرنسا.
وقد كانت هناك اجتهادات خاصة لبعض هذه الطرق في أمور فرعية. ولم يعرف شذوذ في هذه الطرق عن المنهج العام للشاذلية، إلا ما كان من بعض أتباع اليشرطيّة الذين تبرأ منهم الشيخ علي اليشرطي.
محمود مصري
مؤسس الطريقة الشاذلية أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي الحسني (593 ـ 656هـ). جمع الله له بين علمي الشريعة والتربية. وكان قوي الحجة، فصيح اللسان، يتكلم في العلمين بما يعجز عن مجاراته فيهما جهابذة العلماء.
ولد في قرية (غُمَارة) قرب مدينة سَبْتَة في المغرب، وبدأ فيها تحصيل العلوم الشرعية، ثم انتقل إلى تونس، وبعدها إلى العراق حيث التقى شيخه أبا الفتح الواسِِطي (ت632هـ)، ثم عاد إلى المغرب ليأخذ عن شيخه عبد السلام بن مَشِيش (ت622هـ)، الذي تولاه بالتربية، ثم وجهه إلى (شاذِلَة) بإفريقية، التي ترجع نسبته إليها، وفيها تفرغ للعبادة والمجاهدة، وخرج بعدها إلى الناس يدعو إلى الله على بصيرة، فسافر إلى تونس يعمل في التدريس والإرشاد، حيث أوذي بسبب شعبيَّته، ثم استقر به المطاف في الإسكندرية وتزوج هناك. وكان يحضر دروسه أكابر العلماء كالعزِّ بن عبد السلام وابن دَقيق العيد والحافظ المُنذري وابن الصلاح وابن جَماعة وغيرهم. وهاجر في أواخر حياته إلى المنصورة طلباً للجهاد ضد الغزو الصليبي مع ثلة من أكابر علماء الصوفية آنذاك، وكان قد كُفَّ بصره. وقد توفي سنة 656هـ في طريقه إلى الحج في صحراء عيذاب.
من شيوخه: محمد بن حِرْزِهِم (ت633هـ)، وخلف الباجي (ت628هـ). ومن تلامذته: أبو العباس المَرسي (ت686هـ) ومحمد الحَبيبي (ت693هـ) ومَكين الدين الأسمر (ت692هـ) وأبو العزائم ماضي (ت718هـ).
أصول الطريقة الشاذلية
امتازت الطريقة الشاذلية بالجمع بين خصائص طريقة الإشراق وطريقة الدليل والبرهان. وأهم أسسها:
1ـ العلم: كانت القاعدة عند أبي الحسن وخلفائه ألا يدخل أحد في الطريقة إلا بعد تمكنه من علوم الشريعة. وكان شيوخها من أكابر العلماء.
2ـ التمسك بالكتاب والسنة: طالب أبو الحسن الداعيةَ بذلك فقال: «من دعا إلى الله تعالى بغير ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بِدْعي». كما طالب به السالك فقال: «إذا لم يواظب الفقير على حضور الصلوات الخمس في جماعة فلا تعبأ به».
وكان يقول: «إذا ورد عليَّ وارد فلا أقبله إلا بشاهدي عدل: الكتاب والسنة».
3ـ المجاهدات: تقوم عندهم على مبدأين:
الأول: محل المجاهدات هو: ترك المحرمات والتزام السنة. ولا توسع في المجاهدات زيادة على ذلك.
الثاني: عدم الاعتماد عليها ـ على الرغم من وجودها ـ في الوصول إلى المعرفة. وإنما يعتمد في ذلك على قطع العلائق القلبية مع الأكوان.
يقول أبو الحسن: «ليس هذا الطريق بالرهبانية، ولا بأكل الشعير والنخالة... وإنما هو بالصبر على الأوامر واليقين في الهداية، كما قال تعالى: )وَجَعَلنا مِنهُمْ أَئِمَّةً يَهْدونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَروا وَكَانوا بِآياتِنا يُوقِنون((السجدة :24).
4ـ الاعتدال: كان أبو الحسن يوجّه إلى الاعتدال في كل الأمور حتى في محاربة الدنيا حتى لا يكون في ذلك نوعٌ من الرجوع إليها. وهو أول من حرر الصوفية من الطقوس ومنعهم من ارتداء زيٍّ خاص.
5ـ المعرفة: تتلخص في أربعة مبادئ:
الأول: أن يعرف السالك مقصوده منذ بدايته، وهو معرفة الله، وأن القناعة بكونٍ من الأكوان قبل الوصول إلى المعرفة حجاب عن الله وضياع للوقت.
الثاني: لا يستلزم الوصولُ إلى المعرفة تركَ الأسباب، وإنما يبقى السالك على ما أقامه الله فيه من شؤون الدنيا ظاهراً مع ترقي باطنه في المعرفة. وهذا هو السير إلى الله بموافقة الطبع. وقد كان الشاذلي مزارعاً. وكانت قاعدته في المعرفة: «اعرف، وكن كيف شئت».
الثالث: المعرفة المقصودة هي الشهود القلبي الذوقي المعبّر عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: «أن تعبد الله كأنك تراه»، وألا يحجب بالحقيقة عن الشريعة ولا بالشريعة عن الحقيقة، بل يعطي كلّ ذي حق حقه.
الرابع: وسائل المعرفة هي الصحبة، والذكر (لاسيما بالاسم المفرد الله)، والخلوة، والمذاكرات.
6ـ المحبّة: لخص أبو الحسن حقيقتها فقال: «من أحب الله، وأحب لله فقد تمت ولايته بالحب. والمحب على الحقيقة من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه، ولا مشيئة له غير مشيئته». وقال أيضاً: «المحبة آخذة من الله للبّ عبده عن كل شيءٍ سواه، فترى النفس مائلةً لطاعته والعقل متحصناً بمعرفته، والروح مأخوذةً في حضرته، والسرَّ مغموراً في مشاهدته».
مصنفات الشاذلية
وجّه أبو الحسن جُلّ اهتمامه إلى التربية. ولمّا سئل: لم لا تضع كتاباً في الدلالة على الله وعلى علوم القوم، أجاب: «كتبي أصحابي». غير أنه ترك ثروة عظيمة من الحِكم والوصايا والأحزاب. أهمها حزب البحر والحزب الكبير. ووضع تلامذته من بعده مؤلفات جليلة كثيرة بثوا فيها علوم أبي الحسن. منها:
1ـ البُردة للبوصيري (ت694هـ).
2ـ الحِكم والقصد المجرّد وتاج العروس والتنوير في إسقاط التدبير ولطائف المنن لابن عطاء الله السكندري (ت709هـ).
3ـ دلائل الخيرات للجَزولي (ت870هـ).
4ـ أصول الطريقة وقواعد التصوف والنصيحة الكافية لأحمد زرّوق (ت899هـ).
5ـ قوانين حكم الإشراق لأبي المواهب التونسي (ت901هـ).
6ـ الطبقات الكبرى واليواقيت والجواهر ولوائح الأنوار القدسية للشعراني (ت973هـ).
7ـ معراج التَّشوّف والبحر المديد في تفسير القرآن المجيد والفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية وإيقاظ الهمم على شرح الحكم لابن عجيبة (ت1224هـ).
انتشار الطريقة الشاذلية وفروعها:
بدأ ظهور الشاذلية في المغرب، ثم انتقلت إلى مصر، ومنها إلى العالم الإسلامي.
ومن أهم فروعها في مصر: المدنية والسَّلامية والفيضية والإدريسية والوفائية والعَزميّة والحامدية والمحمدية.
وفي المغرب وشمال إفريقيا: الجَزولية والزرُّوقية والحَبيبية والنّاصرية والسُّهيلية واليوسفية والزيّاتيّة والدَّرقاويّة والتيجانية والسَّنوسيّة.
وقد انتشرت الطريقة في الحجاز على يد محمد حسن بن حمزة ظافر المدني (ت1268هـ) ومحمد بن مسعود الفاسي (ت1289هـ). وفي اليمن على يد علي القرشي شيخ اليمن (ت821هـ) وأبي بكر العَيْدَروس (ت914هـ) وأحمد بن إدريس (ت1253هـ). وفي الشام على يد عُلوان الحمَوي (ت936هـ) وتُقَي الدين أبي شعر (ت1207هـ) وعلي اليَشْرُطي (ت1316هـ) ومحمد الهاشمي (ت1381هـ).
وتوجد فروع للطريقة في اصطنبول ورومانيا وجزر القمر وفرنسا.
وقد كانت هناك اجتهادات خاصة لبعض هذه الطرق في أمور فرعية. ولم يعرف شذوذ في هذه الطرق عن المنهج العام للشاذلية، إلا ما كان من بعض أتباع اليشرطيّة الذين تبرأ منهم الشيخ علي اليشرطي.
محمود مصري