الشَِّريْشي (أحمد بن عبد المؤمن ـ)
(557ـ619هـ/1162ـ1223م)
كمال الدين أبو العباس أحمد بن عبد المؤمن بن موسى بن عيسى القيْسي الشَريشي، ولد وتوفي في مدينة شَريش، وهي من أجمل بلاد الأندلس وأحفلها بأشجار الكروم والتين والعنب والزيتون، وفيها وفي غيرها من مدن الأندلس تلقّى الشَريشي القرآن الكريم وعلوم الدين والعربية، ومن أساتذته المعروفين الذين أخذ عنهم: القاضي أبو الحسن عليّ بن لبال الشريشي، والفقيه محمد بن سعيد بن زرقون الشريشي، وأبو بكر بن زهر الأندلسي، والقاضي مصعب بن أبي ركب الخُشَني الجيّاني، وعليّ بن محمد ابن خروف النحوي، وغيرهم كثير.
وبعد أن اشتدّ ساعده وغدا شاباً بدأ رحلة لطلب العلم في المشرق؛ فزار مصر والشام وأخذ عن علمائهما، ولا تذكر المصادر التي بين أيدينا المدة التي قضاها في هذه الرحلة، لكن هذه الرحلة أثرت في نفسه كثيراً فذكرها في شعره، ومنه قوله:
يا جيرةَ الشِام هل من نحوكم خبر
فإنّ قلبي بنار الشوق يستعــرُ
بعدتُ عنكم فلا والله بعدكم
ما لذّ للعين لا نومٌ ولا سهرُ
إذا تذكرت أوقاتاً نأت ومضت
بقربكم كادت الأحشاء تنفطرُ
ثم عاد إلى بلدته شَريش، وفيها تصدّر لإقراء القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية والنحو والعروض والأدب وإملاء كتبه التي ألفها وذاع صيتها في الآفاق، وخاصة كتابه (شرح مقامات الحريري)، فقد أجاز سبعمئة نسخة منه.
كان الشريشي واسع الاطلاع والمعرفة بعلوم اللغة العربية ولهجات العرب وفنون النحو والشعر والأدب، شاعراً مطبوعاً، شائق اللفظ، رشيق المعنى، وكان كثير التصنيف، ومن كتبه المشهورة ثلاثة شروح لمقامات الحريري، كبير وأوسط وصغير، وقد طبع أكبرها بتحقيق (محمد أبو الفضل إبراهيم)، وهو كتاب ضخم في ستة مجلدات.
تعدّ مقامات الحريري من الكتب التي لقيت رواجاً واهتماماً؛ فقد شُرحت أكثر من خمسة وثلاثين شرحاً، لكن أهم شروحها على الإطلاق شرح الشريشي، فهو أوسعها مجالاً وأجمعها لشتيت الفرائد والفوائد وتنوع الأغراض، فقد وقف على المقامات حقبة من الزمن يدرسها ويستوعب شروح السابقين لها، ثمّ عزم على شرحها وتوضيحها للناس، وفي ذلك يقول: «لم أدع كتاباً ألف في شرح ألفاظها، وإيضاح أغراضها، إلا وعيته نظراً، وتحققته معتبراً ومختبراً، وترددت في تفهمه ورداً وصدراً، وعكفت على استيفائه بسيطاً كان أو مختصراً، .. ولم أترك في كتاب منها فائدة إلا استخرجتها، ... فاجتمع من ذلك حفظاً وخطاً أعلاق جمة، وفوائد لم تهتم بها قبلي همّة، ثمّ لم أقنع بتدوين الدواوين، ولا اقتصرت على توقيف التصانيف، حتى لقيت بها صدور الأمصار وعلماء الأعصار».
وكان من منهجه في هذا الشرح أن يُعرّف بالأماكن المذكورة في مقامات الحريري، وأن يشرح الأمثال، ويترجم للمشهورين من الآباء والأبناء والشعراء والأدباء والأعيان، مع العناية بصنوف البديع، وبسط أنواع الأدب وفنونه، والإكثار من الشعر في كلّ مناسباته، وخاصة الشعر الأندلسي؛ فقد أورد مجموعة كبيرة من مختار الشعر الأندلسي، وانفرد بنصوص نادرة منه حتى فاق كل الشروح التي سبقته.
ومن كتبه الأخرى التي ألفها: مختصر لنوادر أبي علي القالي، وشرح كتاب الجمل للزجاجي، وشرح الإيضاح للفارسي، وجمع مشاهير قصائد العرب، وألف رسالة في علم العروض.
أحمد نتوف
(557ـ619هـ/1162ـ1223م)
كمال الدين أبو العباس أحمد بن عبد المؤمن بن موسى بن عيسى القيْسي الشَريشي، ولد وتوفي في مدينة شَريش، وهي من أجمل بلاد الأندلس وأحفلها بأشجار الكروم والتين والعنب والزيتون، وفيها وفي غيرها من مدن الأندلس تلقّى الشَريشي القرآن الكريم وعلوم الدين والعربية، ومن أساتذته المعروفين الذين أخذ عنهم: القاضي أبو الحسن عليّ بن لبال الشريشي، والفقيه محمد بن سعيد بن زرقون الشريشي، وأبو بكر بن زهر الأندلسي، والقاضي مصعب بن أبي ركب الخُشَني الجيّاني، وعليّ بن محمد ابن خروف النحوي، وغيرهم كثير.
وبعد أن اشتدّ ساعده وغدا شاباً بدأ رحلة لطلب العلم في المشرق؛ فزار مصر والشام وأخذ عن علمائهما، ولا تذكر المصادر التي بين أيدينا المدة التي قضاها في هذه الرحلة، لكن هذه الرحلة أثرت في نفسه كثيراً فذكرها في شعره، ومنه قوله:
يا جيرةَ الشِام هل من نحوكم خبر
فإنّ قلبي بنار الشوق يستعــرُ
بعدتُ عنكم فلا والله بعدكم
ما لذّ للعين لا نومٌ ولا سهرُ
إذا تذكرت أوقاتاً نأت ومضت
بقربكم كادت الأحشاء تنفطرُ
ثم عاد إلى بلدته شَريش، وفيها تصدّر لإقراء القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية والنحو والعروض والأدب وإملاء كتبه التي ألفها وذاع صيتها في الآفاق، وخاصة كتابه (شرح مقامات الحريري)، فقد أجاز سبعمئة نسخة منه.
كان الشريشي واسع الاطلاع والمعرفة بعلوم اللغة العربية ولهجات العرب وفنون النحو والشعر والأدب، شاعراً مطبوعاً، شائق اللفظ، رشيق المعنى، وكان كثير التصنيف، ومن كتبه المشهورة ثلاثة شروح لمقامات الحريري، كبير وأوسط وصغير، وقد طبع أكبرها بتحقيق (محمد أبو الفضل إبراهيم)، وهو كتاب ضخم في ستة مجلدات.
تعدّ مقامات الحريري من الكتب التي لقيت رواجاً واهتماماً؛ فقد شُرحت أكثر من خمسة وثلاثين شرحاً، لكن أهم شروحها على الإطلاق شرح الشريشي، فهو أوسعها مجالاً وأجمعها لشتيت الفرائد والفوائد وتنوع الأغراض، فقد وقف على المقامات حقبة من الزمن يدرسها ويستوعب شروح السابقين لها، ثمّ عزم على شرحها وتوضيحها للناس، وفي ذلك يقول: «لم أدع كتاباً ألف في شرح ألفاظها، وإيضاح أغراضها، إلا وعيته نظراً، وتحققته معتبراً ومختبراً، وترددت في تفهمه ورداً وصدراً، وعكفت على استيفائه بسيطاً كان أو مختصراً، .. ولم أترك في كتاب منها فائدة إلا استخرجتها، ... فاجتمع من ذلك حفظاً وخطاً أعلاق جمة، وفوائد لم تهتم بها قبلي همّة، ثمّ لم أقنع بتدوين الدواوين، ولا اقتصرت على توقيف التصانيف، حتى لقيت بها صدور الأمصار وعلماء الأعصار».
وكان من منهجه في هذا الشرح أن يُعرّف بالأماكن المذكورة في مقامات الحريري، وأن يشرح الأمثال، ويترجم للمشهورين من الآباء والأبناء والشعراء والأدباء والأعيان، مع العناية بصنوف البديع، وبسط أنواع الأدب وفنونه، والإكثار من الشعر في كلّ مناسباته، وخاصة الشعر الأندلسي؛ فقد أورد مجموعة كبيرة من مختار الشعر الأندلسي، وانفرد بنصوص نادرة منه حتى فاق كل الشروح التي سبقته.
ومن كتبه الأخرى التي ألفها: مختصر لنوادر أبي علي القالي، وشرح كتاب الجمل للزجاجي، وشرح الإيضاح للفارسي، وجمع مشاهير قصائد العرب، وألف رسالة في علم العروض.
أحمد نتوف