مسيرة الناقد المسرحي: جوان جان - مجلة (الحياة المسرحية) السورية منذ العام 1977م

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مسيرة الناقد المسرحي: جوان جان - مجلة (الحياة المسرحية) السورية منذ العام 1977م



    عراقياً في دمشق قريباً بعد طول انقطاع.

    حاوره – عبد العليم البناء

    تعد مجلة (الحياة المسرحية) الفصلية التي تصدر عن مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة السورية منذ العام 1977، من أهم المجلات المسرحية العربية المتخصصة حيث شكلت إضافة نوعية ومرجعية – ومازالت - للحراك المسرحي السوري والعربي والعالمي عبر مشوارها الغني والطويل الذي جاوز الأربعة عقود ونصف العقد، وشمل تقديم ملفات ونصوص وحوارات ودراسات نقدية وغيرها عالجت مختلف جوانب ومفاصل العمل المسرحي بتمهراتها المتنوعة،

    وتعاقب على رئاسة تحريرها العديد من الأسماء اللامعة والمهمة كان أولها الكاتب المسرحي سعد الله ونوس، ومن ثم الناقد والباحث المسرحي نبيل الحفار، والكاتب والمخرج المسرحي فرحان بلبل، والقاص والإعلامي جمال عبود، وفي هيئة تحريرها ضمت كوكبة من الأسماء المسرحية المهمة أمثال: وليد إخلاصي، ممدوح عدوان، نديم معلا، عبد الفتاح قلعة جي، عبد الناصر حسو، نور الدين الهاشمي، محمد قارصلي، حمدي موصللي، محمد بري العواني، وغيرهم..
    وفي عام 2010 كلف الكاتب والناقد المسرحي جوان جان برئاسة تحريرها واستمر في تولي هذه المهمة الكبيرة حتى اليوم، حيث سبق له أن تولى مهمة أمين تحريرها (سكرتير التحرير) للأعوام 1999- 2008، ويعد من أبرز الفاعيلن في المشهد المسرحي السوري، فهو منذ تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق- قسم النقد والدراسات المسرحية عام 1993، كتب عشرات النصوص المسرحية للمسرح القومي والفرق المسرحية في دمشق وبقية المحافظات قام على إخراجها كوكبة من المخرجين، ومارس كتابة النقد المسرحي وصدر له أكثر من خمسة عشر كتاباً شاركه في تأليف بعضها نخبة من أبرز الكتاب والباحثين والنقاد، كان آخرها كتابه (الفصل الرابع.. رؤى مسرحية) الصادر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب 2023، وألقى العديد من المحاضرات في شؤون المسرح، وشارك في عضوية لجان التحكيم والتقييم في مهرجانات داخل وخارج سوريا..
    ومن أجل تسليط الضوء على مسيرة هذه المجلة الأصيلة والعريقة (الحياة المسرحية) الفصلية التي دخلت عامها السادس والأربعين دون انقطاع على الأطلاق بصدور عددها الأخير المزدوج ذي الرقم (122- 123)، محافظة على مسيرتها برغم عديد الصعوبات والتحديات التي واجهاتها، كانت لنا هذه الجولة من الحوار مع رئيس تحريرها الكاتب والناقد والباحث المسرحي جوان جان في مقر المجلة الكائن في مديرية المسرح والموسيقى في قلب العاصمة السورية دمشق..
    * من المعروف أن مجلة (الحياة المسرحية) كانت وما زالت مرجعية مهمة للمسرح السوري والمسرح العربي منذ تأسيسها عام 1977 فضلاً عن دورها في إشاعة وترسيخ الثقافة المسرحية وفن المسرح بتجلياته وتمظهراته الإبداعية المتنوعة.. كيف تضيء لنا رسالتها وأهدافها؟
    - عندما تأسست المجلة في العام 1977 كان المسرح السوري يخطو خطوات واسعة نحو الأمام، ففي العام نفسه تم تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وكان المسرح القومي الذي تأسس في العام 1960 يقطع أشواطاً في تطوير وتمتين علاقته مع الجمهور ويبدأ بمدّ نشاطه نحو المحافظات الأخرى، كما كان مهرجان دمشق المسرحي قد ثبّت أقدامه عربياً بعد مرحلة التأسيس محلياً، بنفس الوقت الذي بدأت فيه مهرجانات المسرح الجامعي والعمالي والشبيبي تطلّ برأسها على غير استحياء لترسم لنفسها مساراً مغايراً ومختلفاً في المسرح السوري.. بالتوازي مع هذه التطورات جاء تأسيس المجلة بهدف مواكبة مجمل هذه النشاطات وتوثيقها، وبنفس الوقت بهدف تكريس ثقافة مسرحية كانت غائبة إلى حد كبير عن المهتمين والمتابعين للمسرح السوري، وقد عنيت المجلة منذ سنواتها الأولى بالمسرح العربي واستقطبت أسماءً هامة في النقد والبحث من الكتّاب العرب، واليوم هناك باب دائم في المجلة بعنوان (نوافذ على المسرح العربي) نحاول فيه تغطية النشاط المسرحي في البلاد العربية ما أمكننا ذلك، ويتعاون معنا عدد لا بأس به من الكتّاب والنقاد العرب، كما اهتمت المجلة بالنصوص المسرحية، وخاصة السورية منها، وهي تنشر في كل عدد نصوصاً مسرحية عدة سواء أكانت للكتّاب المعروفين أم للكتّاب الشباب .
    * إذا كان الأمر كذلك فما الذي يميز (الحياة المسرحية) الفصلية عن نظيراتها من المجلات المسرحية العربية؟
    - ربما كان أهم ما يميز مجلة (الحياة المسرحية) عن نظيراتها العربية هو استمرارها دون انقطاع، ونحن نعرف أن عدداً من مجلات المسرح العربية التي تأسست قبل (الحياة المسرحية) وبعدها قد توقف عن الصدور أو لا يصدر بشكل منتظم، في الوقت الذي بقيت فيه (الحياة المسرحية) منتظمة الصدور، حتى في أصعب الأوقات زمنَ الحرب على سورية.
    * مع مرور أكثر من أربعين عاماً على ولادتها وتجاوز إصدارها أكثر من 123 عدداً كيف تنظر لمسيرة (الحياة المسرحية) بعين الكاتب والناقد المسرحي الذي واكب مسيرتها؟
    - باعتباري جزءاً من هذا المشروع منذ العام 1999 كأمين للتحرير ومن ثم كرئيس للتحرير قد يكون من الصعب عليّ تقييم التجربة بشكل موضوعيّ.. ولكن يمكن القول بشكل عام أن المجلة قامت وتقوم بمجهود كبير في مواكبة الحراك المسرحي في سورية على مختلف مستويات العمل المسرحي (عروض، مهرجانات، ندوات، محاضرات، إصدارات) بحيث تشكل المجلة اليوم مرجعاً لا غنى عنه للدارسين والمؤرخين لمسيرة المسرح السوري، ولا دليل على نجاح المجلة أكثر من سؤال المسرحيين العرب عنها في كل محفل مسرحي عربي يتواجد فيه مسرحيون سوريون .
    * بعد سلسلة من رؤساء التحرير الذين قدموا للمجلة الكثير توليتَ رئاسة تحرير (الحياة المسرحية) منذ ثلاثة عشر عاماً..ما التحديات التي تواجهها؟ وما أبرز إضافاتك وبصماتك عليها؟
    - لا توجد تحديات حقيقية تواجه العمل في المجلة حالياً، فكل الأمور ميسّرة من قبل الجهات المعنية بإصدارها، وزارة الثقافة، مديرية المسارح والموسيقى، الهيئة العامة السورية للكتاب ومطبعتها.. أما على صعيد البصمات الشخصية على المجلة فقد لاحظتُ عندما بدأتُ العمل فيها في العام 1999 أن حصة المسرح السوري قليلة جداً في المجلة بالمقارنة مع حصة المسرح العالمي، وكانت وجهة نظري أن المسرحيين السوريين أحق بمجلتهم المسرحية الوحيدة من المسرحيين الأجانب الذين يمتلكون عشرات المنابر المعنية بالإضاءة عليهم وعلى أعمالهم، فعملتُ بشكل تدريجي، منذ ذلك الوقت، على أن تكون الأولوية في صفحات المجلة للمسرحيين السوريين دون استثناء، فنحن اليوم في المجلة نرصد مجمل الحركة المسرحية السورية دون أن نهمل بالطبع جانب الدراسات والأبحاث والترجمات المعنية بالمسرح العالمي، كما أننا في المجلة نعطي اليوم مساحة أوسع للنصوص المسرحية السورية الشابة بهدف المساعدة في تكوين جيل مسرحي جديد على صعيد الكتابة المسرحية يعوض جيل الستينيات والسبعينيات قدر الإمكان .
    * ما جديد (الحياة المسرحية) خلال المرحلة المقبلة؟ وهل سنرى موقعاً إلكترونياً خاصاً بها على الشبكة العنكبوتية في ظل التطور الهائل في وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي؟
    - حالياً نعدّ لملف جديد سُينشر في العدد القادم عنوانه (إعداد الممثل المسرحي) وأجدها مناسبة لدعوة المسرحيين العراقيين للمشاركة في الملف وهم عادةً لا يقصّرون معنا في المساهمة في الكتابة للمجلة، كما أن المجلة تواظب على نشر النصوص الفائزة بمسابقة النص المسرحي الشاب التي تقيمها مديرية المسارح والموسيقى سنوياً.. وأذكر هنا أن المجلة يتم نشرها على موقع مديرية المسارح والموسيقى على الإنترنت .
    * لننتقل إلى الجانب الآخر من تجربتك الإبداعية المتمثلة بكتابة النصوص المسرحية.. ما جديدكم؟
    - آخر ما قُدّم لي على خشبات المسارح من نصوص مسرحية كان مسرحية (آخر ليلة.. أول يوم) قبل حوالي شهر في مهرجان مدينة مصياف المسرحي وهي من إخراج المخرج علي عبد الحميد، كما قُدمت لي - مؤخراً - في مدينة درعا مسرحية الأطفال (دو ري مي أبجد هوّز) إخراج فراس المقبل في إطار تظاهرة فرح الطفولة، وقبلها بمدة وجيزة قدم لي المسرح التجريبي بدمشق مسرحية (حكاية من بلدي) إخراج سهيل عقلة.
    * وماذا عن النقد المسرحي ودوره في إنضاج واستنهاض المسرح السوري خاصة والمسرح العربي عامة؟
    - من المعروف أن العملية النقدية هي عملية لاحقة للعمل الإبداعي، لكنها عملية أصيلة ولا غنى عنها لتصويب العملية الإبداعية وتوجيهها بالاتجاه الصحيح، وقد ساهم النقد المسرحي في سورية منذ ستينيات القرن الماضي في مواكبة الحركة المسرحية وإلقاء الضوء عليها من خلال النشاط النقدي الذي ازدهر في الصحافة اليومية والأسبوعية كما في مجلتَي (المعرفة) و(الموقف الأدبي) اللتين نشرتا العديد من المقالات النقدية عن المسرح السوري قبل صدور المجلة المتخصصة (الحياة المسرحية) كما صدر العديد من الكتب التي تناولت المسرح السوري نقداً وبحثاً وتوثيقاً، وكان لي مساهمة في هذا الإطار من خلال أربعة كتب، صدر الأول منها في العام 2000 وكان بعنوان (وراء الستار) وفيه تناولت الحركة المسرحية السورية منذ العام 1993 وحتى العام 1999، وبعد ذلك بست سنوات صدر لي كتاب (مسرح بلا كواليس) وفيه رصدتُ الحركة المسرحية في سورية منذ العام 2000، وحتى العام 2006، وقبل حوالي شهرين صدر كتابي الأحدث (الفصل الرابع) وفيه كتبتُ عن المسرح السوري منذ العام 2007 حتى العام 2020 وما ميّزه عن الكتابين السابقين تطرّقه إلى الحركة المسرحية العربية المعاصرة، أما على صعيد نقد النص المسرحي فقد صدر لي في العام 2006 كتاب (قراءات في النص المسرحي السوري) وفيه حلَّلْتُ نصوصاً مسرحية سورية لكتّاب ينتمون لمراحل زمنية متعددة.
    * أين يجد جوان جان نفسه، في التأليف المسرحي أم النقد أم التحرير؟ ولماذا؟
    - أميل إلى كتابة النصوص المسرحية لأنها الأكثر رسوخاً وبقاءً.
    * لا شك أنكم واكبتم المسرح العراقي.. تُرى ما الذي يثير انتباهكم وتتوقفون عنده؟
    - تابعتُ المسرح العراقي أولاً من خلال العروض المسرحية التي كان يقدمها المسرحيون العراقيون الذين كانوا يقيمون في دمشق في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وكانت مسارح دمشق مفتوحة لهم على مصراعيها، وأذكر من هذه الأسماء جواد الأسدي الذي قدم للجمهور السوري عدداً كبيراً من العروض المسرحية على مدى سنوات، أبرزها مسرحيته "حمّام بغدادي" كما أذكر المخرجين ناجي عبد الأمير، هادي المهدي، صلاح الهادي.. بعد ذلك تعرفتُ على المسرح العراقي بشكل أوسع بفضل بعض المهرجانات المسرحية العربية كمهرجان دمشق ومهرجان عمّان ومهرجان المسرح التجريبي في مصر ومهرجان المسرح العربي .
    *كلمة أخيرة؟
    - أشكر لكم اهتمامكم، وأتمنى أن أشاهد عملاً مسرحياً عراقياً في دمشق قريباً بعد طول انقطاع.

  • #2
    (الكاتب والناقد المسرحي جوان جان .. لهذه الأسباب بقي المسرح القومي وحيدا على الخشبة) #سوريا




    عين(الكاتب والناقد المسرحي جوان جان .. لهذه الأسباب بقي المسرح القومي وحيدا على الخشبة)سوريا

    تشرين – ثقافة وفن

    الكاتب: علي الراعي

    مُبكراً بدأت حركة المسرح في سورية أواخر القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، وشهدت إرهاصات كثيرة خلال سنوات نصف القرن الماضي، وتنوعت حتى الستينيات التي يعدّها الكثير من النقاد والمسرحيين بداية لقرابة ثلاثة عقود لاحقة صُنفت بأنها ذهبية في مسيرة المسرح السوري .. إذ يرى الناقد جوان جان – على سبيل المثال – أنّ الانعطافة الأهم في تاريخ المسرح السوري تبدأ فعلياً مع سنة 1960م، وهي سنة تأسيس المسرح القومي في سورية .. وكان المسرح قبل ذلك مُبادرات فردية يقوم بها متحمسون لتحريك خشبة المسرح، أو تجمعات مسرحية غالباً ما تجمع في اهتماماتها أكثر من نشاط إبداعي، غير أن تأسيس المسرح القومي الذي يتبع وزارة الثقافة السورية كان له أن حدد ملامح المسرح السوري، وحتى مصيره .. والذي كانت أولى نصوصه التي تمّت مسرحتها شبيهة بما قام به أبو خليل القباني، وذلك في اعتماده نصاً أجنبياً لتجسيده على خشبة المسرح في سورية، فقد كان نص «براكساجورا» لأرستوفانس، أخرجه الراحل رفيق الصبّان؛ أول عمل مسرحي يتصدى المسرح القومي لتقديمه، وكان أول نص عربي للكاتب المصري محمود تيمور نص «المزيفون» من إخراج نهاد قلعي، وإلى سنة 1966م، حتى كان أول نص محلي سوري، وهو «البيت الصاخب» للكاتب وليد مدفعي، وكان من تصدى لإخراجه سليم صبري..

    لكن بعد تلك العقود الثلاثة الذهبية للمسرح السوري؛ تبدو خشبته اليوم، وكأنها أمست بلون المسرح القومي فقط، ذلك ما توجهنا به لأكثر من باحث وناقد وممثل ومهتم بازدهار المسرح في سورية كسؤال، ومنهم رئيس تحرير مجلة الحياة المسرحية الكاتب والناقد جوان جان، الذي بتقديره يرى أنه لم يستمر المسرح السوري في حركته التصاعدية، وإنما اتجه انحداراً، وكان من جملة خطوات الانحدار: جنوح عدد كبير من المخرجين باتجاه النص المُترجم، وتعقيد نشر النصوص المسرحية برغم ظهور ما يُشبه تفرعات مسرحية عن المسرح القومي مثل: نادي المسرح القومي الذي حاول أن يأخذ الطابع التجريبي، والمسرح الجوال الذي انطلق ببداية قوية بالعمل المميز «الطيب والشرير والجميلة» اضطلع ببطولته كل من نضال سيجري وأندريه سكاف. إضافة لما كان يُقدمه المعهد العالي للفنون المسرحية من عروض، ومنذ مطالع الألفين وحتى اليوم يرى صاحب «خطبة لاذعة ضد رجل جالس» أنها تميزت بالجمع بين أجيال مختلفة على صعيد الإخراج المسرحي وخاضت التجربة بجرأة مع نزوع نحو التجديد على صعيد الشكل المسرحي.

    واليوم يبدو المسرح القومي؛ يُشكل العمود الفقري للمسرح في سورية، لكنه في المقابل، تلاشت معه ظواهر التجمعات والنوادي المسرحية، فيما المسرح التجاري أو الخاص يبدو هو الآخر قد اضمحلّ، وكذلك لم تعد الجامعة السورية تُقدم مسرحها، ذلك المسرح الذي قدم للدراما السورية عشرات النجوم، منهم: فيلدا سمور، رشيد عساف، وعبّاس النوري، ولاسيما أن من تصدى لإخراج عروضه كانوا من المسرحيين الذين تلقوا تعليمهم خارج سورية، أو من طلاب المراحل الأخيرة في المعهد العالي للفنون المسرحية.. فقد انتهى المسرح الخاص وكذلك الكثير من المظاهر المسرحية الأخرى. ذلك أن المسرح القومي سحب البساط من تحت أقدام المسارح الأخرى كالجامعي والعمالي والشبيبي وغيرها.

    فالمسرح التجاري كان أساس المسرح في سورية، وكان انطلق على صعيد التجارب والتجمعات حتى تسعينيات القرن الماضي..

    اليوم تبدو ظاهرة المسرح الخاص أو التجاري قد تلاشت، وذلك لأكثر من سبب أبرزها غياب الوجوه التي كانت يوماً ما، تشدّ الجمهور للمسرح ولاسيما في مظاهر المسرح الشعبي، وسبب الغياب؛ الموت أحياناً، أو الاعتزال، ولم يظهر جيل جديد أو بديل يُكمل مسيرة رواد المسرح الخاص، وإن وجد، فإنّ ظروف العمل تغيرت والتكاليف أصبحت باهظة، ناهيك بأن بعض النشاط المسرحي الذي شكّل ظاهرة حينها، بقيت ظاهرة منقطعة انتهت مع غياب العاملين فيها.

    يذكر الناقد جوان جان: إنه لم يبدأ المسرح – عندما بدأ – مفرداً وواحداً، بل بدأ متعدداً وإن كان ذلك بالتدريج، فمن رحم الفنان الإغريقي ثيسبس في القرن الخامس قبل الميلاد ولِدت المسرحية الإغريقية بشخصياتها المتعددة وجوقتها، ورداً على تراجيديات أسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس تألقت كوميديات أرستوفانس .. وفي مراحل لاحقة لم يكتفِ شكسبير بتراجيدياته الخالدة بل كتب الكوميديا وأبدع فيها مثلما أبدع فيها موليير الذي وبرغم أنه كان بعيداً عن التراجيديا إلا أنه في كوميدياته كان أكثر تنوعاً في أساليبه ومضامين أعماله من كثيرين كتبوا في عدة أنواع مسرحية.

    ويُضيف: في بلدنا كان رائد المسرح السوري أبو خليل القباني واعياً لأهمية التنوع في أعماله إدراكاً منه لطبيعة جمهوره الوليد وغير المعتاد على هذا النوع من الفنون والذي لم يحسم خياراته بعد، فكان أن قدم لهم العمل المسرحي اعتماداً على عناصر الدراما والغناء والرقص والموسيقا، منتقلاً معهم في فضاءات التاريخ العربي والحكايا الشعبية على اختلاف ألوانها ومشاربها .. وعندما تأسس المسرح القومي في مطالع ستينيات القرن الماضي كانت الخيارات مفتوحة أمام المسرح العربي والعالمي مثلما كانت متاحة أمام المسرح السوري بهدف جذب أكبر عدد ممكن من الجمهور، وهو الأمر الذي استمر حتى الآن.

    في مقابل عروض المسرح القومي كانت هناك حركة مسرحية فعالة تجلت عبر أكثر من وسيلة ومسار، يراها جوان في المسرح الشعبي الذي كان مزدهراً قبل تأسيس المسرح القومي واستمر في تألقه إلى ما قبل عشر سنوات مع التحفظ على مستويات بعض أعماله التي نحت باتجاه الشطط في التهريج على حساب المستوى الفني والفكري للعرض المسرحي، وقد تميزت أعمال المسرح الشعبي بطرحها قضايا اجتماعية منبثقة من الحياة اليومية للمواطن السوري، وكانت أعمال الفنان محمود جبر في هذا النوع من الأعمال المسرحية، وقبله كانت أعمال عبد اللطيف فتحي وسعد الدين بقدونس، وعاصرته أعمال مسرح دبابيس للأخوين قنوع، وكانت هناك تجارب لمجموعة كبيرة من الفنانين في هذا الإطار كتجارب ياسين بقوش وناجي جبر وصالح الحايك ومظهر الحكيم وغادة بشور وغادة الشمعة وحسن دكاك وغيرهم.. لكن هذا النوع من الأعمال المسرحية شهد تراجعاً في السنوات العشر الأخيرة، واليوم تشهد مدينة دمشق وأكثر منها حلب محاولات حثيثة لإعادة إحياء هذا اللون من العرض المسرحي.

    مع ازدهار أعمال المسرح القومي والمسرح الشعبي في سبعينيات القرن الماضي، كان لابدّ من مواكبة عروض المنظمات الشعبية لهذه النهضة المسرحية فكان أن ظهرت أعمال المسرح العمالي والشبيبي والجامعي من خلال المهرجانات الخاصة بهذه المسارح والتي استضافتها مسارح دمشق والمحافظات وكان لها حضورها الفاعل في أكثر من استحقاق مسرحي، يأتي في مقدمتها مهرجان دمشق المسرحي الذي أتاح المجال أمام هذه الأعمال لأن يشاهدها الفنانون المسرحيون العرب ويطلعوا على مدى ما حققته من تقدم.

    أما المهرجانات المسرحية التي تقيمها نقابة الفنانين في بعض المحافظات فيراها رئيس تحرير الحياة المسرحية أنها كانت مكاناً مثالياً لإطلاق أعمال مسرحية مختلفة عما هو سائد، أعمال تحمل معها طموح الهواة واجتهاد الباحثين عن إيجاد موطئ قدم في خريطة المسرح السوري الذي يبدو اليوم مفتقداً هذا التنوع بسبب الظروف العامة وليس بسبب تقاعس المسرحيين أو تراجعهم، ومما لا شك في أن محاولات عديدة تُبذَل هذه الأيام لإعادة ذلك التنوع إلى ما كان عليه، وربما كان مشروع دعم مسرح الشباب الذي أطلقته مديرية المسارح والموسيقا قبل عامين أحد مظاهر هذا التنوع مع ما تحمله عروض الشباب من آمال في إثراء الحركة المسرحية.

    صحافة كتب: علي الراعي / تشرين السورية – لقاء الكاتب والناقد المسرحي جوان جان

    تعليق

    يعمل...
    X