الفن في الشرق القديم Art of the ancient orient

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفن في الشرق القديم Art of the ancient orient

    الشرق القديم (فن ـ)

    يعد فن الشرق القديم من أقدم فنون العالم، وأكثرها إنتاجاً وتنوعاً، وروعة وجمالاً، وصلة بالأرباب والمعتقدات، والملوك والمنجزات، دلت عليه آثاره الفنية المختلفة التي أسهمت في حسن التعريف به، وبيان جمالياته.
    وتناقلت الأجيال قصص تاريخ الشرق القديم وآثاره، وأخباره وأسراره، أضف إلى ذلك الأحداث الطبيعية (كالطوفان)، وأسطورة غلغامش، والبحث عن الخلود.
    وأسهمت التنقيبات الأثرية في أقطار الشرق القديم في إغناء معلوماتنا عن فن الشرق القديم وجمالية عمارته، ومنحوتاته وصوره، ورسومه وفسيفسائه، وزخارفه وفنونه التطبيقية المختلفة.
    واهتمت متاحف العالم بروائع فن الشرق القديم، كما اهتم هواة المجموعات بتشكيل مجموعات خاصة من هذه الروائع الفنية، وانصرف الباحثون إلى دراسة المكتشفات الأثرية والروائع الفنية والمقارنة بينها، وتوثيقها في مؤلفات ومجلدات انتشرت في مختلف أنحاء العالم، ووجدوا في فن الشرق القديم أحد جذور الحضارة الإنسانية وأصولها، كما وجدوا فيها توضيحاً للنصوص كملحمة غلغامش وغيرها.
    روائع فن الشرق القديم منذ عصور ما قبل التاريخ
    تعد الأدوات الصوَّانية من أقدم ما أبدعه الإنسان لتلبية متطلباته الحياتية، ولاحظ الباحثون في بعضها حرصاً من صانعها على إبداع أشكال جميلة تجسد ذوقاً فنياً وحساً جمالياً.
    روائع الفخّار: أبدع إنسان عصور ما قبل التاريخ في الشرق القديم من الطين أقدم أوانيه الطينية, ثم الفخارية التي أخذ يتفنن في إبداع شكلها وحجومها وأنواعها المختلفة. ويرى بعض الباحثين أن فخار جرمو يعود إلى نحو 6400ق.م، حينماحل الفخار محل الحجر في إبداع الأواني.
    ثم انتقل الإنسان من المرحلة النفعية إلى المرحلة الجمالية، وأخذ يتفنن في تزيين أوانيه بألوان ترابية، استخدمها في رسم الأشكال الهندسية المختلفة بدءاً من النقطة والخط والدائرة والنجوم... وأخذ يستوحي مما يراه في بيئته.. ثم أخذ يتفنن ويبتكر التقنيات التي من شأنها أن تلبي رغبته في تطوير ما يبدعه، كتحزيز سطح الأواني.

    المدخل الرئيسي لأغاريت
    إن أهمية تلك الأواني الفخارية جعلتها تعرف باسم موطن إبداعها مثل «فخار حسون»، و«تل حلف»، و«العبيد»، و«جمدة نصر»... وبعد مرحلة الأواني الفخارية هذه راح الفنان يبدع من الطين تماثيل حيوانات الأضاحي كالماعز وغيرها.. كما أخذ يبدع تماثيل لآلهته وأربابه لاسيما «الربة الأم» ذات الصدر الواسع والثديين الثقيلين. ومن أجمل هذه التماثيل تلك المكتشفة في موقع «كشكوك» في سورية الشمالية.
    وتجدر الإشارة إلى أهمية هذه الروائع الفخارية المكتشفة في أقطار الشرق القديم، والتي منها الأواني الفخارية المفتولة، والمزدوجة، والنصب الفخاري الذي تعلوه عينان واسعتان مستديرتان.. والوعاء الفخاري المكتشف في «مينة البيضاء ـ أغاريت»، وأفاريز جدارية من الآجر الفخاري المزجج والملون، تمثل الرماة في جيش الملك الأخميني داريوس... وهناك أفاريز أخرى تمثل أسداً فاغراً فاه يوحي بأنه يزأر، وهناك أفاريز تمثل قطيع حيوانات، أو ثيراناً مجنحة في حالة سيرها.. وصنع ذلك الفنان من الفخار مجسَّم بيت من طابقين عثر عليه في مسكنه، وثمة مجسم بيت مستدير الشكل عثر عليه في ماري. وتجدر الإشارة إلى جمالية الآثار الفخارية المكتشفة في سوسة عاصمة عيلام (في إيران)، ذات الشكل شبه الأسطواني وقد زُيِّن سطحها برسم جدي لـه قرنان كبيران مستديران، ويتألف جسمه من مثلثين، كما زين سطح أعلى هذه الآثار بحيوانات كثيرة ذات أعناق طويلة بدت كزخارف رائعة.
    الأختام: وظهرت الصور البدائية التي تعد من أقدم أشكال الكتابة التصويرية البدائية.. كما ظهرت الأختام المسطحة والأختام الأسطوانية بموضوعاتها المختلفة مثل العبادة، ومثول الملك أمام الرب الأكبر المتربع على عرشه، والأشجار والحيوانات، والكواكب والنجوم، والورود والأزهار، والرموز المختلفة التي لها مدلولاتها الذكية...

    من روائع الأثار الفنية في إيلا
    تماثيل الحيوانات: تتميز تماثيل الحيوانات بالجمال الفني والواقعية، ويعد تمثالا الأسدين البرونزيين المكتشفين في «ماري» والمنحوتة الآشورية التي تمثل الأسد الجريح بسهم.. من روائع فن الشرق القديم.
    المنحوتات الوثائقية: من أجمل المنحوتات الفنية الوثائقية منحوتة من حجر الجير، تمثل ملك لجيش (أورنانشي 2495ق.م ـ 2465ق.م)، تدل على مهمات الملوك في الشرق القديم ومدى اهتمامهم بالعمارة والترميم وتجميل المعابد وتقديس الأرباب طلباً للرخاء والازدهار. وهناك النصب الحجري المشهور باسم «نصب النسور الجارحة» المحفوظ في متحف اللوفر في باريس، وهو من روائع العصر السومري، ويتعلق بالصراع بين مملكتي «أوما» و«لجش»، وهناك نصب عمريت من الحجر الجيري.. ونصب رب المطر فوق حيوانه الرمزي في حركة يدوية لهطول المطر.. وتابوت ملك صيدا (إشمونزر الثاني) الذي له شكل مومياء مصرية يدل على الصلات الفنية بين مصر والساحل السوري.
    ورأس الثور المشهور والمتبقي من قيثارة عثر عليها في مدينة أور، وهو من النحاس عيناه مرصعتان بالصدف واللازورد، مما يضفي جمالية الحياة عليه، وعثر في «ماري» على ألواح صغيرة لها شكل أشخاص في أوضاع مختلفة عدها بعضهم جزءاً من «علم ماري»، وعثر فيها أيضاً على تمثال «إبيه إيل» وهو من روائع فن الشرق القديم، وتمثال «ايكوشماغان» وتمثال «لمجي ماري» وتماثيل العابدين... إضافة إلى تمثال «ربة الخصب» الذائع الصيت، وهي تمسك بيدها وعاء يوحي بنبع المياه منه ويزين ثوبها الطويل رسوم أسماك محززة ترمز إلى المياه.. ولوحة تمثل البطل الأسطوري «غلغامش» يسيطر بيديه على أسدين في جانبيه.. مما يدل على أهمية فن النحت في مملكة ماري. ويعد «نصب نارام سين» من روائع فن النحت الأكادي، وفيه يبدو الملك الأكادي على رأس جيشه ضد جماعات «اللولوبيين» Lullubi من جبال زاغروس وقد تساقط أعداؤه.
    ويزهو متحف اللوفر بتماثيل «ملك لغش» التي كان يقدم معظمها إلى الرب «نينجرسو». يمثل أحدها الملك «جوديا» جالساً وعلى ركبتيه صورة مخطط بناء معبد، مما جعل هذا التمثال يعرف باسم «جوديا المعمار»، وهناك تمثال آخر يمثل «جوديا» يمسك بيديه وعاء تنبع منه المياه.

    تذوق المرأة التدمرية للحلي وتصفيف الشعر
    المرأة في الفن: وكان للمرأة نصيب من اهتمام فن النحت في الشرق، ومن أجمل التماثيل النسائية الشرقية تمثال نصفي يمثل «نينالا Ninalla» زوجة الملك «جوديا»، يغطي رأسها منديل، ويزين عنقها خمسة عقود، وتبدو ملابسها جميلة مطرزة.
    ملوك خلدهم الفن: وفي متحف اللوفر إناء فضي ثمين وجميل له قاعدة وتزينه صور محززة، يبدو بينها نسر ضخم باسطاً جناحيه الكبيرين، وكان الملك «آنتيمينا» قد أهداه إلى معبد الرب «نينجرسو»، وهناك وعاء من الحجر يزينه تنين وثعبانان متداخلان.
    ويعد «نصب حمورابي» من حجر البازلت من أهم روائع فن الشرق القديم، عليه نصوص «قوانين حمورابي» وفي أعلاه مشهد الملك حمورابي يتلقى شارات السلطة من رب العدل والنور «شمش»، وهناك تمثال رأس رب بلحية طويلة وبملامح إنسانية.
    تماثيل كائنات خرافية وموضوعات مختلفة: اهتم الفنان في الشرق القديم بإبداع تماثيل كائنات لها رأس إنسان وجسم أسد أو حصان. وهناك لوحة فنية حجرية تمثل «موسيقياً» جالساً على كرسيه ويعزف على آلته الموسيقية, وهناك نصب من النيرب يمثل «سادناً» أمام الرب الكبير الجالس مقابله.
    تيجان الأعمدة: وتفنن الفرس الأخمينيون في إبداع تيجان أعمدة من حجر الجير تمثل رؤوس ثيران، لتزيين عقر داريوس الأول في عبدان.
    استخدام المعادن: واستخدم الفنان في الشرق القديم معادن النحاس والبرونز والذهب والفضة في إبداع روائع النحت. وتخيل «روح الشر» بشكل كائن خرافي مجنح له ملامح قبيحة اسمه «بازوزوPazuzu» فأبدع تمثالاً له من البرونز. وعثر في أورارتو على لوحة نذرية من البرونز تمثل رباً مجنحاً فوق حيوانه الرمزي وأمامه شخص متدثر برداء طويل. ويعد تمثال الملكة العيلامية «نابيراسي Napirasu» من النحاس وبالحجم الطبيعي من أهم تماثيل فن الشرق القديم، وفيه تبدو الملكة ضامة يدها فوق بطنها، وهو محفوظ في متحف اللوفر ووزنه 1750كغ. واهتم الفنان واعتنى بجمالية عروة الأواني المعدنية فجعلها بشكل حيوان مجنح، وأظهرت التنقيبات في أغاريت صحناً ذهبياً يمثل مشهد صيد، يبدو الملك في عربته بيده قوسه ويطارد الحيوانات كالغزلان وغيرها. وعثر في موقع «بالاوات» في شمال العراق على صفائح معدنية للأبواب تمثل المشاهد المستوحاة من الحياة في بلاد آشور وكل ما يتعلق بالمعسكر والحصار، كما عثر في «لورستان» الإيرانية على قطع معدنية ذات أشكال حيوانية وغيرها كانت تستخدم في معدات الخيول كالسرج وغيرها..
    وهناك لوحة معدنية تمثل الطقوس الدينية لأغراض طبية كطرد شيطان «فيروس» المرض.. وهناك الأسلحة المختلفة والنقود الفارسية «داريك darique» التي تمثل فارساً وقوسه بيده. وهناك الأسلحة كالفؤوس وغيرها.. و«وزنات» معدنية مكعبة الشكل...وجذع ملك ساساني من البرونز.
    عمل المرأة: أبدع فنان الشرق القديم روائع نحتية تمثل عمل المرأة اليومي، ولاسيما الغزل، تبدو المرأة جالسة وتمسك بيدها كتلة من الصوف تصنع منها الخيوط التي تلفها على عمود مغزلها وقد وقفت خلفها امرأة أخرى تتابع عملها. وتدل المنحوتات التدمرية النسائية على مدى تذوق المرأة للحلي بأنواعها، ومدى اهتمامها بتصفيف شعرها.
    الروائع العاجية: أما روائعه من العاج، فقد عثر في أغاريت على جزء من «عرش الملك» تزينه المشاهد المختلفة المستوحاة من الحياة في القصر الملكي. وعلى تمثال صغير من العاج يمثل «امرأة تعزف» على آلة الدف، و«مائدة عاجية» مزينة بالأسود والحيوانات الخرافية والعناصر الزخرفية المختلفة. وعثر في «أرسلان طاش» Arslan Tash في سورية على لوحات عاجية صغيرة تمثل ولادة جوروس، ورأس امرأة يطل من نافذة يرمز إلى الروح المطلة على عالم الأحياء.
    فن التصوير: وبعد ما كان الفنان في الشرق القديم يبدع صوره على الأواني الفخارية اتجه إلى إبداع روائعه الجدارية في القصور الملكية كقصر ماري، الذي تزين جدرانه مشاهد تصوير تمثل الملك «زمري ليم» يتلقى شارات السلطة من الربة «عشتار».. ومشهد قطاف التمور من أشجار النخيل، ومشهد «ربة الخصب» تحمل بيدها وعاء تنبع منه المياه.. وهناك مشهد «أضحية يمثل الملك بقامته الضخمة على رأس أشخاص يجرون ثوراً للأضحية.. وقد دفعت الرسوم الجدارية في «معابد دورا أوروبوس» الباحثين إلى تسمية هذه المدينة باسم «بومبي الشرق».
    جمالية الرموز: ونجد في فن الشرق القديم الرموز المختلفة المنحوتة على أنصاب حجرية عرفت باسم «كودورو» تمثل رموز «آنو» رب السماء و«إنليل» رب الأرض، و«إيا» رب المياه، والهلال رمز رب القمر سين، ونجمة الصبح رمز الربة «عشتار». والقرص المستدير رمز رب الشمس «شمش» وهناك رموز نرغال رب العالم تحت الأرضي...الخ.
    الحيوانات والأزهار: يوجد في فن الشرق القديم مشاهد الحيوانات المختلفة، إضافة إلى النباتات والورود والأزهار بأنواعها..
    الحلي: وأبدع فنان الشرق القديم أجمل الحلي من المعادن الثمينة، مثل حلية ذهبية لها شكل أحد الأرباب يتقدم إلى الأمام، وحلي ذهبية بأشكال حيوانية.. وعثر في حمص على تمثال ربة الحظ والسعادة «تيكه» من الذهب. وإن كثرة الحلي الذهبية المكتشفة في سورية تؤكد أهمية فن الصياغة في سورية، فهناك الأساور والخواتم والمشابك والعقود والأطواق والخلاخل والعصبات.. تفنن الفنان الصائغ في ترصيعها بالأحجار الكريمة وشبه الكريمة.. وتدل المشاهد على الوريقات الذهبية وغيرها على تقنيات الطَّرْق وغيره.

    من روائع فن الصياغة في إيبلا
    الفسيفساء: وينسب ابتكار في الفسيفساء إلى «مملكة أوروك» في العراق، وذلك باستخدام أصابع طينية وغرسها في الجدران بأسلوب فني يبرز جمالية التكوينات والتشكيلات الفنية التي من شأنها أن تضفي الجمال على هذه الجدران، وتدل «بوابة عشتار» الموجودة في برلين ولوحة «عازفة» على القيثارة، ولوحات الفسيفساء الكثيرة المكتشفة في سورية، على أهمية هذا الفن في الشرق وعلى مهارة صانعيها وذائقتهم الجمالية الرفيعة.
    الزجاج: وهناك روائع الزجاج مثل القمقم الزجاجي المكتشف في أغاريت والذي يعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، والعقود والأطواق المؤلفة من الخرزات الزجاجية المختلفة الألوان والحجوم والأشكال والجدير بالذكر أن للخرزة قيمة «تميمة».
    واهتم فنان الشرق القديم بفن الزخرفة التي استوحى عناصرها من عالم الطبيعة والهندسة والأفلاك، واهتم أيضاً بالورود والأزهار والحدائق، وتعد «الحدائق المعلقة» في بابل إحدى عجائب العالم السبع.
    بشير زهدي

يعمل...
X