وداعاً
" مصطفى الأمير "
بتاريخ " 28-4-2006 م " غادرنا الكاتب والمخرج والممثل " مصطفى محمد الأمير " عن عمر يناهز على 83 سنة " الى متواه الأخير بمقبرة " سيدي بوكر " . غادرنا "الأمير" العاشق الطرابلسي أبن " زنقة الريفي " بالمدينة القديمة ، التي تشكّل من ذاكرتها وأزقتها. كما شكّل هو ذاكرة جيله و ذاكرة مدينته فيما بعد . " مصطفى الأمير " ومع بدايات القرن الماضي أرسل كالعديد من الأطفال إلى " كتّاب الزرقاني " ليلتحق بعده بمدرسة " أمير بيامونتي " الإيطالية ، ممضياً فيما بعد ثلاث سنوات في المدرسة الإسلامية العليا. غادرنا بعدما أنهكته خشبات المسارح . وملته " كواليسها " . تمثيلاً وإخراجاً وتأليفاً ، وأضنته ملاحقة مستجداتها في مسارح " ميلانو " و " أسراكها " . هذه الحيوية التي كان يتمتع بها " الأمير " من ممثل في فرقة " نادي العمال " التي أسسها الشاعر " أحمد قنابة " سنة 1944 م حيث برز في مسرحية " العودة الى المدرسة " تأليف وإخراج " د . مصطفى العجيلي " . إلى مؤسس لفرقة تضم جيله من الشباب ، أسماها " فرقة الشباب الاستعراضية " سنة 1948م " التي كانت باكورة أعمالها " مرغوب معترض " و " ضربة القدر " وجمعية المناحيس " ومشاركاً في كل أعمالها تمثيلاً أوتأليفاً أوإخراجاً أو " مونولوجست " . بعد توقف " فرقة الشباب الأستعراضية " . كان عضواًُ مؤسساً وبارزاً في " فرقة رابطة المعلمين " صحبة " شعبان القبلاوي ، كاظم نديم ، عثمان نجيم ، سعيد السراج ... الخ " وقدم لها العديد من الأعمال منها " خطر المدجيل ، جليس السؤ ، النجاة في الصدق " بالإضافة مشاركته كممثل . كانت خلاصة هذه التجربة " الفرقة القومية للتمثيل والموسيقى " سنة 1951 م " التي ضمت العديد من الأسماء المهمة في الحركة المسرحية الليبية ، " محمد حقيق ، الطاهر الجديع ، البهلول الدهماني ، محمد قنيدي ، الطاهر العربي ، شعبان القبلاوي " ، وليلتقي رفيقا سيرته الفنان " محمد شرف الدين " والممثل " مختار الأسود " . مكوناً هو والأول ثنائياً في تأليف وإخراج العديد من الأعمال المسرحية " الدنيا ساعة بساعة ، اللي يديره بيده ربي يزيده ، طبيب ونص عن موليير ،العسل المر ، اللي تضنه موسى ، كل شيء يتصلح ، قبر مشيد ولا خيال مشوم ، حلم الجعانين ، دوختونا " التي عرضت من خلال هذه الفرقة . فالأمير لم يقتصر دوره على التأليف والإخراج فقط بل كان يقوم بمهام التكوين والإعداد لأعضائها ، فالفرقة القومية سيرة طويلة التي كانت محطته الأخيرة ، كما ألف العديد من التمثليات الإذاعية والمرئية . " المؤتمر في عددها ...... كان لها موعد مع المرحوم " الأمير " رأت بأن تنشر جزء من هذا الحوار إحياء لذكراه وقيمته كمبدع أثرى الحركة المسرحية على مدى ست عقود . وهذا سبب أكثر من كاف لدى المؤسسات الثقافية للبحث على أثاره ونشرها تكريماً لهذا المبدع الكبير .
* :- ماذا عن الفرقة القومية ؟
الأمير :- أخر عمل كان " سويلمة " التي قدمها " مفتاح المصراتي " . بعدها كان مشروع تعاون مع المرحوم " الأمين ناصف "... أمضينا معاً جلسات عمل تجاوزت الشهرين في هذا المنزل . وأطلعني على رؤيته التي كنت راض عنها تماماً حتى أنه في بعض الأحيان يجسد أمامي بعض الشخصيات حسب رؤيته .... لكن مع الأسف اختطفته المنية قبل أن يرى هذا المشروع النور ... المنية غريبة أحياناً . كانت صدمة بالنسبة لي . ولكن هكذا شاء القدر.. فليرحمه الله .
* :- ألا تذكر اسم العمل ؟.
الأمير :- هذا العمل كان خلاصة أعمالي المسرحية . ولم نتفق على اسم له أنا والمرحوم .
وما زلت أحتفظ بالنص كمخطوط وهو ضمن خمسة أو ستة أعمال لم تنفذ .
* :- مسرحية" شهرزاد" كانت مشروع للمخرج " د.حسن قرفال " في المسرح الوطني وأيضا لم يكتب لها العرض .
الأمير :- لم يكتب لها العرض بسبب هذه الإعاقة التي سببها فتور في الأعصاب المحركة للعضلات حسب رأي الأطباء . حاولت البحت عن حل قبل حلول الأزمة فذهبت إلى ألمانيا ولندن ولكن هكذا شاء القدر ، الحمد لله على كل حال .
* :- ماذا عن تأسيس الفرقة القومية ؟
الأمير :- كان تأسيس الفرقة القومية جماعياً ، أذكر أنا وشرف الدين كنا من الأوائل والمرحوم إدريس الشغيوي شقيق حسن . ثم التحق بنا الطاهر الجديع . فالذاكرة لم تعد تسعفني... كنا مجموعة . ذهبت الأيام وذهب الأصدقاء ... فلكم أشعر براحة عندما أعلم بقدوم زائر . فلكل عذره ... فتكاليف الحياة أصبحت صعبة ومنهكة فلا لوم على أحد .
* : - انتم تمثلون جيل الريادة ، وتمثلون ذاكرة وطن . وتستحقون الكثير ومن حقكم علينا الكثير .
الأمير :- أشكركم على شعوركم الطيب ، والعذر معهم فلكل منا تفاصيله وهمومه الخاصة والوقت ثمين... نعود للمسرح .
* :- توقفنا عند شهرزاد .
الأمير : - حسن قرفال قدم عملين من تأليفي " ما يقعد في الوادي إلا حجره " و" بين يوم وليلة " التي قدمت فيه" لطفية إبراهيم" أداءً متميزاً ، ومن صميم إبداعها . .. خروجها في أول العرض ب" المكنسة " لتكنس ذلك الحاضر الذي سيقدم على الخشبة . كانت فنانة بمعنى الكلمة ." لطفية " فنانة كبيرة .
* :- ما مصير المخطوطات التي في حوزتك ... ومدى إمكانية الإطلاع عليها ونشرها؟ .
الأمير : - سأبحث عنها . لا أدري هل هي في هذه الأرفف أم بالداخل سأبذل جهدي في البحث عنها . فالذاكرة لم تعد تسعفني فهذا المرض ووزن السنوات العشر كان ثقيلاً ... الحمد لله البركة في الأولاد . أنا أنجبت عشرة أبناء ستة أولاد وأربع بنات كلهم زوجتهم وعلمتهم . ومحفوف بثمانية وثلاثين حفيداً منهم الجامعي والدكتور والمهندس وعندي أبن الحفيد.
* : - ماشالله ... تبارك الرحمن ... ربي يحفظهم .
الأمير :- الله يسلمكم ..ويحفظكم .. ويحفظ الجميع .. وينجيكم من آفات الزمان ومن دعاة الشر" ومن العين.. مافيش زي العين تأخذ " .
شرف الدين .. حكاية مشوار (1)
يستوقفنا مشوار الستين سنة الأخيرة في ذاكرة المسرح الليبي ، علم من أهم أعلامها وملامحها الحقيقية المتمثلة في رحلة الأستاذ " محمد شرف الدين" الفنية كرائد مؤسس مقترن برحلة رفيقه " مصطفى الأمير " . ف" شرف الدين " بحق يعتبر من المبدعين القلائل الذين لم يهجروا خشبة المسرح و" كواليسها " طيلة مشواره الإبداعي وإن هجرته الخشبات كما حدث في السنوات الأخيرة فلم يفارقه كرسي المتفرج و " ورشة المسرح الوطني / طرابلس " والدفاع عن مقر" الفرقة القومية" في الدوائر الرسمية بعدما تم تخصيصها كمسكن . كما لم يتوقف نشاطه ككاتب مسرحي لأعمال لم تر النور بعد. " شرف الدين " أو " عمي محمد " كما تعودنا أن نناديه متعدد العطاء ، فهو لم يكن ممثلاً مسرحياً فحسب بل إلى جانب هذا مارس الإخراج والتأليف المسرحي، وصمم المناظر للعديد من الأعمال المسرحية ، وهو رسام معماري وجيولوجي إضافة الى ريادته كرسام ساخر.
* :- عمي محمد... السيرة طويلة ، ترى من أين نبدأ ؟
شرف الدين :- نبدأ بحادثة لم تغادر ذاكرتي . بعدما " دخلت الكتّاب " في طفولتي المبكرة نقلني أخي مستمعاً إلى المدرسة الليبية الإيطالية التي كانت تديرها إدارة إيطالية مع وجود مدرسين ليبيين أذكر منهم " حسن البوصيري ، رجب أفندي ، حسونة جفارة " . تصادف وجودي في ذلك الوقت بزيارة " الدوتشي موسليني " الفاشي الى ليبيا ، الذي أجبرنا على استقباله بعدما ألبسونا ملابس محلية وصفّونا بمحاذاة " الكورنيش " واضعين أعلاماً فاشية لنلوح بها عند مرور موكب " الدوتشي " ونحن نصرخ بأسمه مع حركة أقدامنا. في هذه الأثناء سقط علم الطفل الذي يجاورني تحت أقدامي . استفز منظر العلم الفاشي المداس أحد المدرسين الطليان وكان من ذوي " القمصان السود " وعلى إثرها سجنني في المدرسة ثلاثة أيام بعدما تم إستدعاء والدي ، وأقيمت محكمة مصغرة في المدرسة يقودها مدير المدرسة . أفرج عني بعد ماتم توكيل محامي ايطالي مقيم للدفاع عني . كانت هذه آخر علاقتي بهذه المدرسة . أذكر هذه الحادثة . لأنها تمثل غطرسة النظام الفاشي السائد في ذلك الوقت .
* :- باعتبارك فنانا متعدد الملكات، ممثلا ، مخرجا ، كاتبا مسرحيا ، رساما مع أي منها كانت بداياتك ؟
شرف الدين : - بدايتي مع الرسم . عندما عدت إلى الكتّاب للمرة الثانية ، كان هناك تقليد في ذلك الوقت وهو الاحتفاء بالطالب الذي يختم جزء من القرآن الكريم فمن ضمن هذا التقليد، الرسم على لوح المحتفى به فكنت أنا الطالب الوحيد الذي يرسم هذه الزخارف ، وهي عبارة عن زخارف إسلامية أستقيها من المصاحف والسجاجيد وصور السير الشعبية كـ" عنترة ، وابي زيدالهلالي ، وسيف بن ذي يزن " فكنت أصنع الألوان التي أرسم بها ، فاللون الأخضر أستخرجه من الأعشاب ، والبني أستخرجه بغلْي الفول السوداني" الكاكاوية " في الماء، والأحمر أستخرجه من " الصبار الإيطالي " والفرشاة أصنعها من شعر الحيوان . فكانت مكافأتي مضاعفة عن بقية الطلبة التي كانت عبارة عن " حلوة شاكار، و فطيرة ، وشربات" .
*:- متى تطورت هذه المعرفة بالألوان وعلى يد من ؟
شرف الدين :- بدايتي عندما انضممت إلى " مدرسة الفنون والصنايع " بقسم الفخار في الفترة النهارية القسم الذي من خلاله تعرفت على مزج الألوان عن طريق الأستاذ الفنان " المهدي الشريف " كما تعلمت الرسم على الصحون والبلاط والكؤوس . أمضيت في هذه المدرسة سنتين إلى أن أغلقت جراء القنابل التي استهدفتها في الحرب العالمية الثانية ، في ذلك الوقت انتقلت مع الأسرة إلى مدينة " جنزور " إلى أن وضعت الحرب أوزارها .
* :- هذه آخر علاقة لك بهذه المدرسة ؟
شرف الدين :- نعم ... لم أعد إلى " مدرسة الفنون والصنائع " . فعندما فتحت المدارس سنة 1943 م انتقلت إلى مدرسة " الظهرة العربية " .... في هذه الفترة والتي تليها بدأت علاقتي بالسينما المصرية والتجسيد . فكنت أنا و" مصطفى زقيرة ، عبداللطيف الشريف أخ محمود الشريف المغني " نقلد ما نشاهده في دور العرض ، كما أقوم أنا برسم الشخصيات السينمائية على الجدران . في ذلك الوقت شاهدت شريط " ليلة ممطرة " ليوسف وهبي الذي عرض في قاعة عرض " الميرامار " إضافة إلى الأشرطة التي تعرض للجيش الثامن لمونتجمري في تلك القاعة وقاعة " الحمراء " .
*:- هل هذا أول شريط شاهدته أي " ليلة ممطرة " ؟
شرف الدين : - لا .... أول شريط شاهدتة اسمه " نادرة " سنة 36 في " السينما الصيفي " التي تقابل إذاعة الجماهيرية الآن بشارع الشط .
*:- منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت علاقتك بالمشاهدة والتقليد والرسم على الجدران - إلى متى استمرت هذه المرحلة ؟
شرف الدين :- سنة 1945 م أثناء دراستي الثانوية قدمت أول دور لي في مسرحية " الأمين والمأمون " من تأليف وإخراج محمد بن مسعود . في نهاية سنة 47 م كنت صحبة مجموعة الأصدقاء الطلبة بمنزلنا الكائن ب" زاوية الدهماني " نتقصى أخبار فلسطين من المذياع ، أذكر منهم الشاعر " علي الرقيعي " والكاتب " كامل المقهور " و " محمد الزيات " ومحمد نقاء " و " محمود وإسماعيل الزمرلي " ، وعندما أبديت رغبتي في الذهاب إلى الجهاد، تكفل هؤلاء الأصدقاء بتكاليف الرحلة كل حسب إمكاناته . عندها استقللت شاحنة بضائع دون علم أسرتي . استغرقت الرحلة خمسة أيام إلى مدينة بنغازي التي كانت منتعشة اقتصادياً في ذلك الوقت ، قمت خلال هذه الرحلة بمهام مساعد سائق ، في بنغازي تكفلت " جمعية عمر المختار " بإيصالنا إلى مصر حيث تم تدريبنا .
* :- " حاولت اختصار بعض تفاصيل الرحلة " .
شرف الدين :- في منطقة " هاك ستيب " حيث تم تدريبنا كنت أغتنم فترات الراحة بالذهاب إلى القاهرة لأتعرف على أعمال " نجيب الريحاني" المسرحية وأعمال" يوسف وهبي" من خلال فرقة رمسيس ، كما شاهدت العديد من الأعمال السينمائية أذكر منها " رصاصة في القلب ، جوهرة ، العزيمة " .
* :- كم المدة التي بقيتها في مصر ؟
شرف الدين :- ثلاثة أشهر مدة الفترة التدريبية . ومنها نقلنا برعاية وفد من الجامعة العربية إلى ميناء بيروت من " مرسى مطروح " لننقل إلى معسكر " قطنا " قرب دمشق ، فتم اختياري رفقة متطوع " تونسي " ومتطوع " يمني " لدرايتنا بالسباحة لننقل إلى بحيرة " طبرية " من خلالها انطلقت عملياتنا الفدائية صحبة فدائيين فلسطينيين . ظلت هكذا الحال مدة ستة أشهر الى غاية الانقلاب على " حسني الزعيم " الذي انتهى بإعدامه . فخيرنا بين الجنسية السورية أوالعودة فكنت ضمن الذين اختاروا العودة .
* :- في تلك الفترة المسرحي الليبي " صبري عياد" مقيم بالشام .
شرف الدين :- لم أتعرف عليه ... خلال فترة راحتي التي تسمى ب" الماذونية " تبدأ من يوم الخميس إلى الجمعة ليلاً كنت أذهب إلى دار عرض بجوار" سوق الحامدية " لمشاهدة شريط روائي تليه بعض المشاهد المسرحية حسب برنامج القاعة .
* :- كم المدة التي بقيتها منذ مغادرتك ليبيا ؟
شرف الدين :- كانت المدة الكاملة سنتين . ... ويستمر المشوار ..
" مصطفى الأمير "
بتاريخ " 28-4-2006 م " غادرنا الكاتب والمخرج والممثل " مصطفى محمد الأمير " عن عمر يناهز على 83 سنة " الى متواه الأخير بمقبرة " سيدي بوكر " . غادرنا "الأمير" العاشق الطرابلسي أبن " زنقة الريفي " بالمدينة القديمة ، التي تشكّل من ذاكرتها وأزقتها. كما شكّل هو ذاكرة جيله و ذاكرة مدينته فيما بعد . " مصطفى الأمير " ومع بدايات القرن الماضي أرسل كالعديد من الأطفال إلى " كتّاب الزرقاني " ليلتحق بعده بمدرسة " أمير بيامونتي " الإيطالية ، ممضياً فيما بعد ثلاث سنوات في المدرسة الإسلامية العليا. غادرنا بعدما أنهكته خشبات المسارح . وملته " كواليسها " . تمثيلاً وإخراجاً وتأليفاً ، وأضنته ملاحقة مستجداتها في مسارح " ميلانو " و " أسراكها " . هذه الحيوية التي كان يتمتع بها " الأمير " من ممثل في فرقة " نادي العمال " التي أسسها الشاعر " أحمد قنابة " سنة 1944 م حيث برز في مسرحية " العودة الى المدرسة " تأليف وإخراج " د . مصطفى العجيلي " . إلى مؤسس لفرقة تضم جيله من الشباب ، أسماها " فرقة الشباب الاستعراضية " سنة 1948م " التي كانت باكورة أعمالها " مرغوب معترض " و " ضربة القدر " وجمعية المناحيس " ومشاركاً في كل أعمالها تمثيلاً أوتأليفاً أوإخراجاً أو " مونولوجست " . بعد توقف " فرقة الشباب الأستعراضية " . كان عضواًُ مؤسساً وبارزاً في " فرقة رابطة المعلمين " صحبة " شعبان القبلاوي ، كاظم نديم ، عثمان نجيم ، سعيد السراج ... الخ " وقدم لها العديد من الأعمال منها " خطر المدجيل ، جليس السؤ ، النجاة في الصدق " بالإضافة مشاركته كممثل . كانت خلاصة هذه التجربة " الفرقة القومية للتمثيل والموسيقى " سنة 1951 م " التي ضمت العديد من الأسماء المهمة في الحركة المسرحية الليبية ، " محمد حقيق ، الطاهر الجديع ، البهلول الدهماني ، محمد قنيدي ، الطاهر العربي ، شعبان القبلاوي " ، وليلتقي رفيقا سيرته الفنان " محمد شرف الدين " والممثل " مختار الأسود " . مكوناً هو والأول ثنائياً في تأليف وإخراج العديد من الأعمال المسرحية " الدنيا ساعة بساعة ، اللي يديره بيده ربي يزيده ، طبيب ونص عن موليير ،العسل المر ، اللي تضنه موسى ، كل شيء يتصلح ، قبر مشيد ولا خيال مشوم ، حلم الجعانين ، دوختونا " التي عرضت من خلال هذه الفرقة . فالأمير لم يقتصر دوره على التأليف والإخراج فقط بل كان يقوم بمهام التكوين والإعداد لأعضائها ، فالفرقة القومية سيرة طويلة التي كانت محطته الأخيرة ، كما ألف العديد من التمثليات الإذاعية والمرئية . " المؤتمر في عددها ...... كان لها موعد مع المرحوم " الأمير " رأت بأن تنشر جزء من هذا الحوار إحياء لذكراه وقيمته كمبدع أثرى الحركة المسرحية على مدى ست عقود . وهذا سبب أكثر من كاف لدى المؤسسات الثقافية للبحث على أثاره ونشرها تكريماً لهذا المبدع الكبير .
* :- ماذا عن الفرقة القومية ؟
الأمير :- أخر عمل كان " سويلمة " التي قدمها " مفتاح المصراتي " . بعدها كان مشروع تعاون مع المرحوم " الأمين ناصف "... أمضينا معاً جلسات عمل تجاوزت الشهرين في هذا المنزل . وأطلعني على رؤيته التي كنت راض عنها تماماً حتى أنه في بعض الأحيان يجسد أمامي بعض الشخصيات حسب رؤيته .... لكن مع الأسف اختطفته المنية قبل أن يرى هذا المشروع النور ... المنية غريبة أحياناً . كانت صدمة بالنسبة لي . ولكن هكذا شاء القدر.. فليرحمه الله .
* :- ألا تذكر اسم العمل ؟.
الأمير :- هذا العمل كان خلاصة أعمالي المسرحية . ولم نتفق على اسم له أنا والمرحوم .
وما زلت أحتفظ بالنص كمخطوط وهو ضمن خمسة أو ستة أعمال لم تنفذ .
* :- مسرحية" شهرزاد" كانت مشروع للمخرج " د.حسن قرفال " في المسرح الوطني وأيضا لم يكتب لها العرض .
الأمير :- لم يكتب لها العرض بسبب هذه الإعاقة التي سببها فتور في الأعصاب المحركة للعضلات حسب رأي الأطباء . حاولت البحت عن حل قبل حلول الأزمة فذهبت إلى ألمانيا ولندن ولكن هكذا شاء القدر ، الحمد لله على كل حال .
* :- ماذا عن تأسيس الفرقة القومية ؟
الأمير :- كان تأسيس الفرقة القومية جماعياً ، أذكر أنا وشرف الدين كنا من الأوائل والمرحوم إدريس الشغيوي شقيق حسن . ثم التحق بنا الطاهر الجديع . فالذاكرة لم تعد تسعفني... كنا مجموعة . ذهبت الأيام وذهب الأصدقاء ... فلكم أشعر براحة عندما أعلم بقدوم زائر . فلكل عذره ... فتكاليف الحياة أصبحت صعبة ومنهكة فلا لوم على أحد .
* : - انتم تمثلون جيل الريادة ، وتمثلون ذاكرة وطن . وتستحقون الكثير ومن حقكم علينا الكثير .
الأمير :- أشكركم على شعوركم الطيب ، والعذر معهم فلكل منا تفاصيله وهمومه الخاصة والوقت ثمين... نعود للمسرح .
* :- توقفنا عند شهرزاد .
الأمير : - حسن قرفال قدم عملين من تأليفي " ما يقعد في الوادي إلا حجره " و" بين يوم وليلة " التي قدمت فيه" لطفية إبراهيم" أداءً متميزاً ، ومن صميم إبداعها . .. خروجها في أول العرض ب" المكنسة " لتكنس ذلك الحاضر الذي سيقدم على الخشبة . كانت فنانة بمعنى الكلمة ." لطفية " فنانة كبيرة .
* :- ما مصير المخطوطات التي في حوزتك ... ومدى إمكانية الإطلاع عليها ونشرها؟ .
الأمير : - سأبحث عنها . لا أدري هل هي في هذه الأرفف أم بالداخل سأبذل جهدي في البحث عنها . فالذاكرة لم تعد تسعفني فهذا المرض ووزن السنوات العشر كان ثقيلاً ... الحمد لله البركة في الأولاد . أنا أنجبت عشرة أبناء ستة أولاد وأربع بنات كلهم زوجتهم وعلمتهم . ومحفوف بثمانية وثلاثين حفيداً منهم الجامعي والدكتور والمهندس وعندي أبن الحفيد.
* : - ماشالله ... تبارك الرحمن ... ربي يحفظهم .
الأمير :- الله يسلمكم ..ويحفظكم .. ويحفظ الجميع .. وينجيكم من آفات الزمان ومن دعاة الشر" ومن العين.. مافيش زي العين تأخذ " .
شرف الدين .. حكاية مشوار (1)
يستوقفنا مشوار الستين سنة الأخيرة في ذاكرة المسرح الليبي ، علم من أهم أعلامها وملامحها الحقيقية المتمثلة في رحلة الأستاذ " محمد شرف الدين" الفنية كرائد مؤسس مقترن برحلة رفيقه " مصطفى الأمير " . ف" شرف الدين " بحق يعتبر من المبدعين القلائل الذين لم يهجروا خشبة المسرح و" كواليسها " طيلة مشواره الإبداعي وإن هجرته الخشبات كما حدث في السنوات الأخيرة فلم يفارقه كرسي المتفرج و " ورشة المسرح الوطني / طرابلس " والدفاع عن مقر" الفرقة القومية" في الدوائر الرسمية بعدما تم تخصيصها كمسكن . كما لم يتوقف نشاطه ككاتب مسرحي لأعمال لم تر النور بعد. " شرف الدين " أو " عمي محمد " كما تعودنا أن نناديه متعدد العطاء ، فهو لم يكن ممثلاً مسرحياً فحسب بل إلى جانب هذا مارس الإخراج والتأليف المسرحي، وصمم المناظر للعديد من الأعمال المسرحية ، وهو رسام معماري وجيولوجي إضافة الى ريادته كرسام ساخر.
* :- عمي محمد... السيرة طويلة ، ترى من أين نبدأ ؟
شرف الدين :- نبدأ بحادثة لم تغادر ذاكرتي . بعدما " دخلت الكتّاب " في طفولتي المبكرة نقلني أخي مستمعاً إلى المدرسة الليبية الإيطالية التي كانت تديرها إدارة إيطالية مع وجود مدرسين ليبيين أذكر منهم " حسن البوصيري ، رجب أفندي ، حسونة جفارة " . تصادف وجودي في ذلك الوقت بزيارة " الدوتشي موسليني " الفاشي الى ليبيا ، الذي أجبرنا على استقباله بعدما ألبسونا ملابس محلية وصفّونا بمحاذاة " الكورنيش " واضعين أعلاماً فاشية لنلوح بها عند مرور موكب " الدوتشي " ونحن نصرخ بأسمه مع حركة أقدامنا. في هذه الأثناء سقط علم الطفل الذي يجاورني تحت أقدامي . استفز منظر العلم الفاشي المداس أحد المدرسين الطليان وكان من ذوي " القمصان السود " وعلى إثرها سجنني في المدرسة ثلاثة أيام بعدما تم إستدعاء والدي ، وأقيمت محكمة مصغرة في المدرسة يقودها مدير المدرسة . أفرج عني بعد ماتم توكيل محامي ايطالي مقيم للدفاع عني . كانت هذه آخر علاقتي بهذه المدرسة . أذكر هذه الحادثة . لأنها تمثل غطرسة النظام الفاشي السائد في ذلك الوقت .
* :- باعتبارك فنانا متعدد الملكات، ممثلا ، مخرجا ، كاتبا مسرحيا ، رساما مع أي منها كانت بداياتك ؟
شرف الدين : - بدايتي مع الرسم . عندما عدت إلى الكتّاب للمرة الثانية ، كان هناك تقليد في ذلك الوقت وهو الاحتفاء بالطالب الذي يختم جزء من القرآن الكريم فمن ضمن هذا التقليد، الرسم على لوح المحتفى به فكنت أنا الطالب الوحيد الذي يرسم هذه الزخارف ، وهي عبارة عن زخارف إسلامية أستقيها من المصاحف والسجاجيد وصور السير الشعبية كـ" عنترة ، وابي زيدالهلالي ، وسيف بن ذي يزن " فكنت أصنع الألوان التي أرسم بها ، فاللون الأخضر أستخرجه من الأعشاب ، والبني أستخرجه بغلْي الفول السوداني" الكاكاوية " في الماء، والأحمر أستخرجه من " الصبار الإيطالي " والفرشاة أصنعها من شعر الحيوان . فكانت مكافأتي مضاعفة عن بقية الطلبة التي كانت عبارة عن " حلوة شاكار، و فطيرة ، وشربات" .
*:- متى تطورت هذه المعرفة بالألوان وعلى يد من ؟
شرف الدين :- بدايتي عندما انضممت إلى " مدرسة الفنون والصنايع " بقسم الفخار في الفترة النهارية القسم الذي من خلاله تعرفت على مزج الألوان عن طريق الأستاذ الفنان " المهدي الشريف " كما تعلمت الرسم على الصحون والبلاط والكؤوس . أمضيت في هذه المدرسة سنتين إلى أن أغلقت جراء القنابل التي استهدفتها في الحرب العالمية الثانية ، في ذلك الوقت انتقلت مع الأسرة إلى مدينة " جنزور " إلى أن وضعت الحرب أوزارها .
* :- هذه آخر علاقة لك بهذه المدرسة ؟
شرف الدين :- نعم ... لم أعد إلى " مدرسة الفنون والصنائع " . فعندما فتحت المدارس سنة 1943 م انتقلت إلى مدرسة " الظهرة العربية " .... في هذه الفترة والتي تليها بدأت علاقتي بالسينما المصرية والتجسيد . فكنت أنا و" مصطفى زقيرة ، عبداللطيف الشريف أخ محمود الشريف المغني " نقلد ما نشاهده في دور العرض ، كما أقوم أنا برسم الشخصيات السينمائية على الجدران . في ذلك الوقت شاهدت شريط " ليلة ممطرة " ليوسف وهبي الذي عرض في قاعة عرض " الميرامار " إضافة إلى الأشرطة التي تعرض للجيش الثامن لمونتجمري في تلك القاعة وقاعة " الحمراء " .
*:- هل هذا أول شريط شاهدته أي " ليلة ممطرة " ؟
شرف الدين : - لا .... أول شريط شاهدتة اسمه " نادرة " سنة 36 في " السينما الصيفي " التي تقابل إذاعة الجماهيرية الآن بشارع الشط .
*:- منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت علاقتك بالمشاهدة والتقليد والرسم على الجدران - إلى متى استمرت هذه المرحلة ؟
شرف الدين :- سنة 1945 م أثناء دراستي الثانوية قدمت أول دور لي في مسرحية " الأمين والمأمون " من تأليف وإخراج محمد بن مسعود . في نهاية سنة 47 م كنت صحبة مجموعة الأصدقاء الطلبة بمنزلنا الكائن ب" زاوية الدهماني " نتقصى أخبار فلسطين من المذياع ، أذكر منهم الشاعر " علي الرقيعي " والكاتب " كامل المقهور " و " محمد الزيات " ومحمد نقاء " و " محمود وإسماعيل الزمرلي " ، وعندما أبديت رغبتي في الذهاب إلى الجهاد، تكفل هؤلاء الأصدقاء بتكاليف الرحلة كل حسب إمكاناته . عندها استقللت شاحنة بضائع دون علم أسرتي . استغرقت الرحلة خمسة أيام إلى مدينة بنغازي التي كانت منتعشة اقتصادياً في ذلك الوقت ، قمت خلال هذه الرحلة بمهام مساعد سائق ، في بنغازي تكفلت " جمعية عمر المختار " بإيصالنا إلى مصر حيث تم تدريبنا .
* :- " حاولت اختصار بعض تفاصيل الرحلة " .
شرف الدين :- في منطقة " هاك ستيب " حيث تم تدريبنا كنت أغتنم فترات الراحة بالذهاب إلى القاهرة لأتعرف على أعمال " نجيب الريحاني" المسرحية وأعمال" يوسف وهبي" من خلال فرقة رمسيس ، كما شاهدت العديد من الأعمال السينمائية أذكر منها " رصاصة في القلب ، جوهرة ، العزيمة " .
* :- كم المدة التي بقيتها في مصر ؟
شرف الدين :- ثلاثة أشهر مدة الفترة التدريبية . ومنها نقلنا برعاية وفد من الجامعة العربية إلى ميناء بيروت من " مرسى مطروح " لننقل إلى معسكر " قطنا " قرب دمشق ، فتم اختياري رفقة متطوع " تونسي " ومتطوع " يمني " لدرايتنا بالسباحة لننقل إلى بحيرة " طبرية " من خلالها انطلقت عملياتنا الفدائية صحبة فدائيين فلسطينيين . ظلت هكذا الحال مدة ستة أشهر الى غاية الانقلاب على " حسني الزعيم " الذي انتهى بإعدامه . فخيرنا بين الجنسية السورية أوالعودة فكنت ضمن الذين اختاروا العودة .
* :- في تلك الفترة المسرحي الليبي " صبري عياد" مقيم بالشام .
شرف الدين :- لم أتعرف عليه ... خلال فترة راحتي التي تسمى ب" الماذونية " تبدأ من يوم الخميس إلى الجمعة ليلاً كنت أذهب إلى دار عرض بجوار" سوق الحامدية " لمشاهدة شريط روائي تليه بعض المشاهد المسرحية حسب برنامج القاعة .
* :- كم المدة التي بقيتها منذ مغادرتك ليبيا ؟
شرف الدين :- كانت المدة الكاملة سنتين . ... ويستمر المشوار ..