أهلاً.... مصطفى الأمير ..
حاوره / نوري عبدالدايم
أول ما راودني ونحن في طريقنا نحو منزل الكاتب " مصطفى الأمير" صحبة الأصدقاء مفتاح العماري ، عبدالحكيم القبايلي ، أحمد السيفاو. هي كيفية المفتتح لحوارنا مع رجل ثمانيني أنهكته خشبات المسارح . وملته " كواليسها " . تمثيلاً وإخراجاً وتأليفاً ، وأضنته ملاحقة مستجداتها في مسارح " ميلانو " و " أسراكها " . هذه الحيوية التي كان يتمتع بها " الأمير " من ممثل في فرقة " نادي العمال " التي أسسها الشاعر " أحمد قنابة " سنة 1944 م إلى مؤسس لفرقة تضم جيله أسماها " فرقة الشباب الاستعراضية " سنة 1946م " التي كانت باكورة أعمالها" ضربة القدر " وهي من إخراجه وتأليفه ومن بطولة الفنان كاظم نديم ، وميلود الزقلعي . فكانت خلاصة هذه التجربة " الفرقة القومية للتمثيل والموسيقى " سنة 1951 م " التي ضمت العديد من الأسماء المهمة في الحركة المسرحية الليبية ، محمد حقيق ، الطاهر الجديع ، البهلول الدهماني ، محمد قنيدي ، الطاهر العربي ، شعبان القبلاوي ، وليلتقي رفيقا سيرته الفنان " محمد شرف الدين " والممثل " مختار الأسود " . مكوناً هو والأول ثنائياً في تأليف وإخراج العديد من الأعمال المسرحية " الدنيا ساعة بساعة ، اللي يديره بيده ربي يزيده ، طبيب ونص عن موليير ،العسل المر ، اللي تضنه موسى ، كل شيء يتصلح ، قبر مشيد ولا خيال مشوم ، حلم الجعانين ، دوختونا " التي عرضت من خلال هذه الفرقة . فالأمير لم يقتصر دوره على التأليف والإخراج فقط بل كان يقوم بمهام التكوين والإعداد لأعضائها ، فالفرقة القومية سيرة طويلة .
."الأمير" العاشق الطرابلسي أبن " زنقة الريفي " بالمدينة القديمة ، التي تشكّل من ذاكرتها وأزقتها. كما شكّل هو ذاكرة جيله و ذاكرة مدينته فيما بعد . " مصطفى الأمير " ومع بدايات القرن الماضي أرسل كالعديد من الأطفال إلى " كتّاب الزرقاني " ليلتحق بعده بمدرسة " أمير بيامونتي " الإيطالية ، ممضياً فيما بعد ثلاث سنوات في المدرسة الإسلامية العليا. أثناء ولوجنا باب البيت رافقنا أحد أبنائه الذي استقبلنا بحفاوة بالغة عبر رواق يفضي إلى صالة مرتبة بأناقة تنبعث منها الذكريات من كل جنباتها . فالمكتبة تضم إلى جانب بعض الكتب والمخطوطات ، جهاز مذياع قديم مؤرخ بميلاد ابنته البكر التي بلغت الخمسين من العمر. صور مؤطرة وشهادات تقدير تزين جدران الصالة تمثل مراحل مختلفة من سيرة هذا المبدع الذي غمرته فرحة بالغة ممزوجة بالود احتفاء بقدومنا ، ومن سرير مرضه الذي لازمه عشر سنوات أختصر علينا خوفنا من البدايات كاسراً حاجز الكلفة التي كنا مرتبكين في حضرتها بوده وسخريته المحببة التي طالت لحية " السيفاو" الكثة ، مروراً بذاكرته التي لم تعد تسعفه . فحديثنا معه عفوياً وودوداً وجماعياً فكان عبارة عن " هدرزة ليبية " . ذكرته بتكريمه في المهرجان الأول للنهر الصناعي للمسرح بمدينة بنغازي في بداية التسعينيات من القرن الماضي .
الأمير : أي تكريم .... آ آه .. أجل تذكرت . كانت حفلة كبيرة ... الصالة امتلأت بالحضور الذين أثلجوا صدري بالود و وتوجوه بباقات الورود..... كنا نجلس حول " الجابية الكبيرة " حوض السباحة بالقرية السياحية ... كانت حفلة كبيرة . كنت وقتها بعافيتي . أجل كانت حفلة كبيرة .
* :- ماذا عن الفرقة القومية ؟
الأمير :- أخر عمل كان " سويلمة " التي قدمها " مفتاح المصراتي " . بعدها كان مشروع تعاون مع المرحوم " الأمين ناصف "... أمضينا معاً جلسات عمل تجاوزت الشهرين في هذا المنزل . وأطلعني على رؤيته التي كنت راض عنها تماماً حتى أنه في بعض الأحيان يجسد أمامي بعض الشخصيات حسب رؤيته .... لكن مع الأسف اختطفته المنية قبل أن يرى هذا المشروع النور ... المنية غريبة أحياناً . كانت صدمة بالنسبة لي . ولكن هكذا شاء القدر.. فليرحمه الله .
* :- ألا تذكر اسم العمل ؟.
الأمير :- هذا العمل كان خلاصة أعمالي المسرحية . ولم نتفق على اسم له أنا والمرحوم .
وما زلت أحتفظ بالنص كمخطوط وهو ضمن خمسة أو ستة أعمال لم تنفذ .
* :- مسرحية" شهرزاد" كانت مشروع للمخرج حسن قرفال في المسرح الوطني وأيضا لم يكتب لها العرض .
الأمير :- لم يكتب لها العرض بسبب هذه الإعاقة التي سببها فتور في الأعصاب المحركة للعضلات حسب رأي الأطباء . حاولت البحت عن حل قبل حلول الأزمة فذهبت إلى ألمانيا ولندن ولكن هكذا شاء القدر ، الحمد لله على كل حال .
* :- ماذا عن تأسيس الفرقة القومية ؟
الأمير :- كان تأسيس الفرقة القومية جماعياً ، أذكر أنا و" شرف الدين " كنا من الأوائل والمرحوم " إدريس الشغيوي" شقيق " حسن " . ثم التحق بنا " الطاهر الجديع " . فالذاكرة لم تعد تسعفني... كنا مجموعة . ذهبت الأيام وذهب الأصدقاء ... فلكم أشعر براحة عندما أعلم بقدوم زائر . فلكل عذره ... فتكاليف الحياة أصبحت صعبة ومنهكة فلا لوم على أحد .
* : - انتم تمثلون جيل الريادة ، وتمثلون ذاكرة وطن . وتستحقون الكثير ومن حقكم علينا الكثير .
الأمير :- أشكركم على شعوركم الطيب ، والعذر معهم فلكل منا تفاصيله وهمومه الخاصة والوقت ثمين... نعود للمسرح .
* :- توقفنا عند شهرزاد .
الأمير : - حسن قرفال قدم عملين من تأليفي " ما يقعد في الوادي إلا حجره " و" بين يوم وليلة " التي قدمت فيه" لطفية إبراهيم" أداءً متميزاً ، ومن صميم إبداعها . .. خروجها في أول العرض ب" المكنسة " لتكنس ذلك الحاضر الذي سيقدم على الخشبة . كانت فنانة بمعنى الكلمة . لطفية فنانة كبيرة .
* :- ما مصير المخطوطات التي في حوزتك ... ومدى إمكانية الإطلاع عليها ونشرها ؟ .
الأمير : - سأبحث عنها . لا أدري هل هي في هذه الأرفف أم بالداخل سأبذل جهدي في البحث عنها . فالذاكرة لم تعد تسعفني فهذا المرض ووزن السنوات العشر كان ثقيلاً ... الحمد لله البركة في الأولاد . أنا أنجبت عشرة أبناء ستة أولاد وأربع بنات كلهم زوجتهم وعلمتهم . ومحفوف بثمانية وثلاثين حفيداً منهم الجامعي والدكتور والمهندس وعندي أبن الحفيد.
* : - ماشالله ... تبارك الرحمن ... ربي يحفظهم .
الأمير :- الله يسلمكم ..ويحفظكم .. ويحفظ الجميع .. وينجيكم من آفات الزمان ومن دعاة الشر" ومن العين.. مافيش زي العين تأخذ " .
* :- عمي " مصطفى " كنت مطلعاً على المشهد المسرحي الإيطالي .
الأمير :- لا تخلو زيارة لإيطاليا من مشاهدة عروض مسرحية . لقد شاهدت الكثير وخاصة مسرح " ميلانو" المتمثل في المخرج والممثل والكاتب " البرتو سورتي " . كما تعجبني أفلام" روسليني " ويعجبني " بيرنديلو " .
*:- هل نقلت أعمال لبيرنديلو؟
الأمير :- قمت بإعداد عملين أو ثلاثة ل" بيرنديلو " ولكني لا أذكرها. كما نقلت العديد من الأعمال الإيطالية وأعدت صياغتها للمحلية الليبية ً وعرضت في مسارحنا . كما حاولت الاستفادة من التقنية الإيطالية في مسرحية " حلم الجعانين " . عندما زرت مخازن" نابولي" واخترت ملابس الأشباح ، وقتها كان شيئاً جديداً ومتميزاً .( في هذه الأثناء يطلب السيفاو الإذن للذهاب لمعرض الفنان الساخر محمد الزواوي ) " الزواوي " أستاذنا.. بلغه سلامي .
* :- ماهي أماكن العرض التي كانت تقام عليها عروضكم ؟
الأمير :- الأماكن كثيرة فغالبا ًما كانت عروضنا في مسرح الحمراء والغزالة ومسرح " الميرامار " كانت دار للأوبرا بأربعة أو خمسة طوابق .
* :- ما مدى الإقبال على عروضكم في ذلك الوقت ؟
الأمير :- كان هناك إقبال كبير على المسرح حتى إني استغرب الآن عزوف الجماهير على المسرح . وقتها كانوا شباب الجامعة والثانوية ومن كل الشرائح يشاهدون أعمالنا، وكانت التذاكر في المتناول عشرة قروش وعشرون قرشاً . وثمة تذاكر تشجيعية تصل إلى خمس وعشر جنيهات .
* :- ما مدى علاقتك بالمرحوم الحاج محمد حقيق ؟
الأمير :- الله يرحمه... الله يرحمه . كان أول تعاملي معه في مسرحية " تحت الرماد " في دور جنرال إيطالي الذي تقمصه بإتقان شديد أبهرنا بأدائه . وكان رفيق سفري لمعرض " ميلانو " الذي يقام على هامشه مناشط مسرحية وعروض من " السيرك العالمي " السيرك الإيطالي والبلجيكي والفرنسي والهولندي . أنا أحب السيرك كثيراً ، وعند تأسيسي لفرقة الشباب الاستعراضية " كان حلمي في هذه الفرقة يشمل الرقص ، والحركة ، والغناء ، والمشهد التمثيلي حتى أني استعنت بمخرج إيطالي ليقوم بمهام التكوين والإخراج ولكن هذا الحلم لم يتحقق .
* :- أنت أحد مؤسسي فن المونولوج وقدمت العديد من " المونولوجات " .
الأمير :- أول مونولوج كان من تأليفي " لحم الخروف يرى أم أكلة عجب" غنيته على لحن لأغنية أم كلثوم . " زهر الربيع يرى أم سادة نجب " مع فرقة الحاج " حسونة فحيمة " التي كانت عبارة عن تخت شرقي . كان " الطاهر جديع " أيضا أحد رواد فن المونولوج بروحه المرحة ، و ما زلت أذكر مونولوج " شعبان القبلاوي " الذي يقول : " علاش ولواش ؟ توا نقوللكم لواش " .
* :- عمي مصطفى أنت رائد من رواد الصيدلة ورائد من رواد المسرح أين تجد نفسك ؟
الأمير : - كان هذا عندما تم العرض من قبل الحاج " سالم مبارك " بمشاركته في صيدلية " الساعة " بخبرتي ومؤهلي . فقد تعلمت الصيدلة بالمستشفي الحكومي " روسيو دولي مانويلو " المركزي حالياً . كنت ممرضاً وقتها ، وبعد دورة تدريبية أنتسبت إليها أنا و " سعيد السراج " لمد تسعة أشهر . فكان تعلمي على يد طبيبة إيطالية ماتت وهي في الثلاثينات من عمرها ، وقتها كنت في العشرينيات من العمر وفقير الحال ، فوالدي كان عامل نظافة في صيدلية " البلدية " في ذلك الوقت و حديث العهد بليبيا ، فهو من مواليد " أزمير" نتيجة مغادرة جدي ليبيا " وقت الهجة " أبان الاحتلال الإيطالي . حتى أن لكنته لم تستقيم إلا مؤخراً وبعد مدة من الزمن .
* :- هذه الصورة تجمعك بالوالد ؟
الأمير :- هذا أنا وعمري خمسة عشر سنة مع الوالد وأخوتي لم يتبق منهم إلا أخي " حسن " . رحمهم الله جميعاً . وهذه في نادي الاتحاد الرياضي عندما قدمت فيها " أسكتش " و كان معي " محمد الفرجاني " المطرب الشقيق الأكبر للمطرب " نوري كمال " . و" سعيد الخوجة ط و المعلق الرياضي " حسن الشغيوي " . وهذا وسام الريادة الذي قدم لي في عيد الوفاء .
* :- ما هي المحطات التي ظلت في الذاكرة وكنت فخوراً بها ؟
الأمير : - أنا فخور بهذه الزيارة اللطيفة التي بعثت في نفسي الكثير من الأمل . فأنا سعيد جداً بوجودكم . " وانشالله تتكرر هذه الزيارات ولو في المناسبات " .
غادرنا منزل الأستاذ" مصطفى الأمير" وملامحه توحي بامتنان شديد لهذه الزيارة متمنياً علينا وبإلحاح بتكرارها فكان وعدنا له مطمئنا . ترى هل نستطيع تحقيقه في هذه الدوامة التي تشبه دوامة أم العروس " مشغولة وفاضية " ؟!! .
*المصادر : ثلاث مسرحيات ليبية / مصطفى الأمير تقديم بشير الهاشمي منشورات المنشاة الشعبية للنشر والتوزيع والإعلان .
* محادثة شفهية مع الفنان محمد شرف الدين.
حاوره / نوري عبدالدايم
أول ما راودني ونحن في طريقنا نحو منزل الكاتب " مصطفى الأمير" صحبة الأصدقاء مفتاح العماري ، عبدالحكيم القبايلي ، أحمد السيفاو. هي كيفية المفتتح لحوارنا مع رجل ثمانيني أنهكته خشبات المسارح . وملته " كواليسها " . تمثيلاً وإخراجاً وتأليفاً ، وأضنته ملاحقة مستجداتها في مسارح " ميلانو " و " أسراكها " . هذه الحيوية التي كان يتمتع بها " الأمير " من ممثل في فرقة " نادي العمال " التي أسسها الشاعر " أحمد قنابة " سنة 1944 م إلى مؤسس لفرقة تضم جيله أسماها " فرقة الشباب الاستعراضية " سنة 1946م " التي كانت باكورة أعمالها" ضربة القدر " وهي من إخراجه وتأليفه ومن بطولة الفنان كاظم نديم ، وميلود الزقلعي . فكانت خلاصة هذه التجربة " الفرقة القومية للتمثيل والموسيقى " سنة 1951 م " التي ضمت العديد من الأسماء المهمة في الحركة المسرحية الليبية ، محمد حقيق ، الطاهر الجديع ، البهلول الدهماني ، محمد قنيدي ، الطاهر العربي ، شعبان القبلاوي ، وليلتقي رفيقا سيرته الفنان " محمد شرف الدين " والممثل " مختار الأسود " . مكوناً هو والأول ثنائياً في تأليف وإخراج العديد من الأعمال المسرحية " الدنيا ساعة بساعة ، اللي يديره بيده ربي يزيده ، طبيب ونص عن موليير ،العسل المر ، اللي تضنه موسى ، كل شيء يتصلح ، قبر مشيد ولا خيال مشوم ، حلم الجعانين ، دوختونا " التي عرضت من خلال هذه الفرقة . فالأمير لم يقتصر دوره على التأليف والإخراج فقط بل كان يقوم بمهام التكوين والإعداد لأعضائها ، فالفرقة القومية سيرة طويلة .
."الأمير" العاشق الطرابلسي أبن " زنقة الريفي " بالمدينة القديمة ، التي تشكّل من ذاكرتها وأزقتها. كما شكّل هو ذاكرة جيله و ذاكرة مدينته فيما بعد . " مصطفى الأمير " ومع بدايات القرن الماضي أرسل كالعديد من الأطفال إلى " كتّاب الزرقاني " ليلتحق بعده بمدرسة " أمير بيامونتي " الإيطالية ، ممضياً فيما بعد ثلاث سنوات في المدرسة الإسلامية العليا. أثناء ولوجنا باب البيت رافقنا أحد أبنائه الذي استقبلنا بحفاوة بالغة عبر رواق يفضي إلى صالة مرتبة بأناقة تنبعث منها الذكريات من كل جنباتها . فالمكتبة تضم إلى جانب بعض الكتب والمخطوطات ، جهاز مذياع قديم مؤرخ بميلاد ابنته البكر التي بلغت الخمسين من العمر. صور مؤطرة وشهادات تقدير تزين جدران الصالة تمثل مراحل مختلفة من سيرة هذا المبدع الذي غمرته فرحة بالغة ممزوجة بالود احتفاء بقدومنا ، ومن سرير مرضه الذي لازمه عشر سنوات أختصر علينا خوفنا من البدايات كاسراً حاجز الكلفة التي كنا مرتبكين في حضرتها بوده وسخريته المحببة التي طالت لحية " السيفاو" الكثة ، مروراً بذاكرته التي لم تعد تسعفه . فحديثنا معه عفوياً وودوداً وجماعياً فكان عبارة عن " هدرزة ليبية " . ذكرته بتكريمه في المهرجان الأول للنهر الصناعي للمسرح بمدينة بنغازي في بداية التسعينيات من القرن الماضي .
الأمير : أي تكريم .... آ آه .. أجل تذكرت . كانت حفلة كبيرة ... الصالة امتلأت بالحضور الذين أثلجوا صدري بالود و وتوجوه بباقات الورود..... كنا نجلس حول " الجابية الكبيرة " حوض السباحة بالقرية السياحية ... كانت حفلة كبيرة . كنت وقتها بعافيتي . أجل كانت حفلة كبيرة .
* :- ماذا عن الفرقة القومية ؟
الأمير :- أخر عمل كان " سويلمة " التي قدمها " مفتاح المصراتي " . بعدها كان مشروع تعاون مع المرحوم " الأمين ناصف "... أمضينا معاً جلسات عمل تجاوزت الشهرين في هذا المنزل . وأطلعني على رؤيته التي كنت راض عنها تماماً حتى أنه في بعض الأحيان يجسد أمامي بعض الشخصيات حسب رؤيته .... لكن مع الأسف اختطفته المنية قبل أن يرى هذا المشروع النور ... المنية غريبة أحياناً . كانت صدمة بالنسبة لي . ولكن هكذا شاء القدر.. فليرحمه الله .
* :- ألا تذكر اسم العمل ؟.
الأمير :- هذا العمل كان خلاصة أعمالي المسرحية . ولم نتفق على اسم له أنا والمرحوم .
وما زلت أحتفظ بالنص كمخطوط وهو ضمن خمسة أو ستة أعمال لم تنفذ .
* :- مسرحية" شهرزاد" كانت مشروع للمخرج حسن قرفال في المسرح الوطني وأيضا لم يكتب لها العرض .
الأمير :- لم يكتب لها العرض بسبب هذه الإعاقة التي سببها فتور في الأعصاب المحركة للعضلات حسب رأي الأطباء . حاولت البحت عن حل قبل حلول الأزمة فذهبت إلى ألمانيا ولندن ولكن هكذا شاء القدر ، الحمد لله على كل حال .
* :- ماذا عن تأسيس الفرقة القومية ؟
الأمير :- كان تأسيس الفرقة القومية جماعياً ، أذكر أنا و" شرف الدين " كنا من الأوائل والمرحوم " إدريس الشغيوي" شقيق " حسن " . ثم التحق بنا " الطاهر الجديع " . فالذاكرة لم تعد تسعفني... كنا مجموعة . ذهبت الأيام وذهب الأصدقاء ... فلكم أشعر براحة عندما أعلم بقدوم زائر . فلكل عذره ... فتكاليف الحياة أصبحت صعبة ومنهكة فلا لوم على أحد .
* : - انتم تمثلون جيل الريادة ، وتمثلون ذاكرة وطن . وتستحقون الكثير ومن حقكم علينا الكثير .
الأمير :- أشكركم على شعوركم الطيب ، والعذر معهم فلكل منا تفاصيله وهمومه الخاصة والوقت ثمين... نعود للمسرح .
* :- توقفنا عند شهرزاد .
الأمير : - حسن قرفال قدم عملين من تأليفي " ما يقعد في الوادي إلا حجره " و" بين يوم وليلة " التي قدمت فيه" لطفية إبراهيم" أداءً متميزاً ، ومن صميم إبداعها . .. خروجها في أول العرض ب" المكنسة " لتكنس ذلك الحاضر الذي سيقدم على الخشبة . كانت فنانة بمعنى الكلمة . لطفية فنانة كبيرة .
* :- ما مصير المخطوطات التي في حوزتك ... ومدى إمكانية الإطلاع عليها ونشرها ؟ .
الأمير : - سأبحث عنها . لا أدري هل هي في هذه الأرفف أم بالداخل سأبذل جهدي في البحث عنها . فالذاكرة لم تعد تسعفني فهذا المرض ووزن السنوات العشر كان ثقيلاً ... الحمد لله البركة في الأولاد . أنا أنجبت عشرة أبناء ستة أولاد وأربع بنات كلهم زوجتهم وعلمتهم . ومحفوف بثمانية وثلاثين حفيداً منهم الجامعي والدكتور والمهندس وعندي أبن الحفيد.
* : - ماشالله ... تبارك الرحمن ... ربي يحفظهم .
الأمير :- الله يسلمكم ..ويحفظكم .. ويحفظ الجميع .. وينجيكم من آفات الزمان ومن دعاة الشر" ومن العين.. مافيش زي العين تأخذ " .
* :- عمي " مصطفى " كنت مطلعاً على المشهد المسرحي الإيطالي .
الأمير :- لا تخلو زيارة لإيطاليا من مشاهدة عروض مسرحية . لقد شاهدت الكثير وخاصة مسرح " ميلانو" المتمثل في المخرج والممثل والكاتب " البرتو سورتي " . كما تعجبني أفلام" روسليني " ويعجبني " بيرنديلو " .
*:- هل نقلت أعمال لبيرنديلو؟
الأمير :- قمت بإعداد عملين أو ثلاثة ل" بيرنديلو " ولكني لا أذكرها. كما نقلت العديد من الأعمال الإيطالية وأعدت صياغتها للمحلية الليبية ً وعرضت في مسارحنا . كما حاولت الاستفادة من التقنية الإيطالية في مسرحية " حلم الجعانين " . عندما زرت مخازن" نابولي" واخترت ملابس الأشباح ، وقتها كان شيئاً جديداً ومتميزاً .( في هذه الأثناء يطلب السيفاو الإذن للذهاب لمعرض الفنان الساخر محمد الزواوي ) " الزواوي " أستاذنا.. بلغه سلامي .
* :- ماهي أماكن العرض التي كانت تقام عليها عروضكم ؟
الأمير :- الأماكن كثيرة فغالبا ًما كانت عروضنا في مسرح الحمراء والغزالة ومسرح " الميرامار " كانت دار للأوبرا بأربعة أو خمسة طوابق .
* :- ما مدى الإقبال على عروضكم في ذلك الوقت ؟
الأمير :- كان هناك إقبال كبير على المسرح حتى إني استغرب الآن عزوف الجماهير على المسرح . وقتها كانوا شباب الجامعة والثانوية ومن كل الشرائح يشاهدون أعمالنا، وكانت التذاكر في المتناول عشرة قروش وعشرون قرشاً . وثمة تذاكر تشجيعية تصل إلى خمس وعشر جنيهات .
* :- ما مدى علاقتك بالمرحوم الحاج محمد حقيق ؟
الأمير :- الله يرحمه... الله يرحمه . كان أول تعاملي معه في مسرحية " تحت الرماد " في دور جنرال إيطالي الذي تقمصه بإتقان شديد أبهرنا بأدائه . وكان رفيق سفري لمعرض " ميلانو " الذي يقام على هامشه مناشط مسرحية وعروض من " السيرك العالمي " السيرك الإيطالي والبلجيكي والفرنسي والهولندي . أنا أحب السيرك كثيراً ، وعند تأسيسي لفرقة الشباب الاستعراضية " كان حلمي في هذه الفرقة يشمل الرقص ، والحركة ، والغناء ، والمشهد التمثيلي حتى أني استعنت بمخرج إيطالي ليقوم بمهام التكوين والإخراج ولكن هذا الحلم لم يتحقق .
* :- أنت أحد مؤسسي فن المونولوج وقدمت العديد من " المونولوجات " .
الأمير :- أول مونولوج كان من تأليفي " لحم الخروف يرى أم أكلة عجب" غنيته على لحن لأغنية أم كلثوم . " زهر الربيع يرى أم سادة نجب " مع فرقة الحاج " حسونة فحيمة " التي كانت عبارة عن تخت شرقي . كان " الطاهر جديع " أيضا أحد رواد فن المونولوج بروحه المرحة ، و ما زلت أذكر مونولوج " شعبان القبلاوي " الذي يقول : " علاش ولواش ؟ توا نقوللكم لواش " .
* :- عمي مصطفى أنت رائد من رواد الصيدلة ورائد من رواد المسرح أين تجد نفسك ؟
الأمير : - كان هذا عندما تم العرض من قبل الحاج " سالم مبارك " بمشاركته في صيدلية " الساعة " بخبرتي ومؤهلي . فقد تعلمت الصيدلة بالمستشفي الحكومي " روسيو دولي مانويلو " المركزي حالياً . كنت ممرضاً وقتها ، وبعد دورة تدريبية أنتسبت إليها أنا و " سعيد السراج " لمد تسعة أشهر . فكان تعلمي على يد طبيبة إيطالية ماتت وهي في الثلاثينات من عمرها ، وقتها كنت في العشرينيات من العمر وفقير الحال ، فوالدي كان عامل نظافة في صيدلية " البلدية " في ذلك الوقت و حديث العهد بليبيا ، فهو من مواليد " أزمير" نتيجة مغادرة جدي ليبيا " وقت الهجة " أبان الاحتلال الإيطالي . حتى أن لكنته لم تستقيم إلا مؤخراً وبعد مدة من الزمن .
* :- هذه الصورة تجمعك بالوالد ؟
الأمير :- هذا أنا وعمري خمسة عشر سنة مع الوالد وأخوتي لم يتبق منهم إلا أخي " حسن " . رحمهم الله جميعاً . وهذه في نادي الاتحاد الرياضي عندما قدمت فيها " أسكتش " و كان معي " محمد الفرجاني " المطرب الشقيق الأكبر للمطرب " نوري كمال " . و" سعيد الخوجة ط و المعلق الرياضي " حسن الشغيوي " . وهذا وسام الريادة الذي قدم لي في عيد الوفاء .
* :- ما هي المحطات التي ظلت في الذاكرة وكنت فخوراً بها ؟
الأمير : - أنا فخور بهذه الزيارة اللطيفة التي بعثت في نفسي الكثير من الأمل . فأنا سعيد جداً بوجودكم . " وانشالله تتكرر هذه الزيارات ولو في المناسبات " .
غادرنا منزل الأستاذ" مصطفى الأمير" وملامحه توحي بامتنان شديد لهذه الزيارة متمنياً علينا وبإلحاح بتكرارها فكان وعدنا له مطمئنا . ترى هل نستطيع تحقيقه في هذه الدوامة التي تشبه دوامة أم العروس " مشغولة وفاضية " ؟!! .
*المصادر : ثلاث مسرحيات ليبية / مصطفى الأمير تقديم بشير الهاشمي منشورات المنشاة الشعبية للنشر والتوزيع والإعلان .
* محادثة شفهية مع الفنان محمد شرف الدين.