قراءات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قراءات

    قراءات
    النص
    وجوه
    أحدنا منشغل بهاتفه، يضحك بصخب، الآخر صلى ركعتين، يبكي بحرقة، أما أنا فمنزوٍ في وجوم، أقضم أظافري، لا أفهم كيف احتوانا جسدي النحيل.
    عزة بو قاعدة/ الجزائر

    القراءة:
    العنوان في الجمع. وبدؤه من ثلاثة. وفي النص ثلاثة وجوه. لكل وجه منها جملة اسمية مركبة تصفه وهو ينجز حدثا كالاشتغال بالهاتف أو الصلاة أو اعتزال الناس، وهذه الأحداث مصحوبة بأحوال تصف الشخصية أثناء الفعل. فوجه يضحك وثان يبكي وثالث واجم والسارد يقوي وصف كل حالة ب(الصخب/ الحرقة / قضم الأظافر). وهذا دليل على هندسة ملليمترية لمعمار النص نحويا.

    شخصيتان هما بضمير الغائب وثالثة بضمير المتكلم تمهد للقفلة وفيها ندرك أنها وجوه متعددة لذات الشخصية: نفوس ثلاث اجتمعت في جسد واحد هو جسد السارد/ الشخصية الذي يتأمل ذاته في تناقضها وحيرتها.

    ومن قديم حصل الانتباه إلى التعدد في إطار الوحدة. فالفلسفة الإغريقية تحدثت عن نفوس ثلاث هي النفس السبعية وتمارس العنف ردا للعدوان وحفظا لسلامة الكائن والنفس الشهوية الغاذية وتهتم بحاجة الغذاء حفظا للفرد وحاجة التزاوج والتوالد حفظا للجنس من الانقراض بالتناسل جيلا فجيلا. ولاحظ هؤلاء الفلاسفة أن تينك النفسين تتأرجحان بين طرفين فيهما الإفراط والشطط. فالنفس السبعية قد تندفع فتقع في التهور. وقد تحذر جدا وتقع في الجبن. والشجاعة بينهما بالحيطة الواجبة وحسن التخطيط وإعمال الرأي والعزم والصبر. والنفس الشهوية قد تفرط في طلب الشهوة فتقع في الفجور وتخالف الفضيلة الواجبة من عفة وغيرة على الحرم وحفظ الأنساب من الاختلاط.
    هذان النفسان تضبطهما ثالثة هي النفس الناطقة أو العاقلة وهي التي إليها تسند الأمور فتحفظ التوازن وتقي صاحبها من السقوط في الرذيلة.

    وفي القرآن حديث عن النفس الأمارة بالسوء وتلك النفس اللوامة تنهى صاحبها أن يطيع شرور نفسه.

    وعند زيجموند فرويد نفوس ثلاث هي ال( هو) le ça والأنا le moi والأنا الأعلى le surmoi . وهي سلطان الغريزة الطاغي على تصرفاتنا دون وعي منا، فالوعي، فالضمير المعاتب المؤنب وقد يكون سلطان الأعراف الاجتماعية تضغط على الفرد حتى يوجه سلوكه وفقها.

    النفوس الثلاث في النص واحدة مقبلة على العصر وما فيه من حديث التقنيات ( الهاتف). وهي آخذة بحظها من الحياة بتفاؤل وإفراط في نيل ذلك الحظ.
    والثانية على خلافها مكتئبة شاعرة بالذنب مقبلة على الحياة الروحية كمن يصلي نافلة( هي تؤدي ركعتين دون تعيين وقتها وما من مكتوبة بركعتين إلا صلاة الصبح. وهذه النفس نقيض الأولى كطباق الضحك والبكاء فكأن واحدة أمارة بالسوء والثانية لوامة. وإن كان نيل المرء نصيبه من الدنيا حقا مشروعا لا مروق فيه عن الدين القويم. لكن راج في وقتنا خطاب ثنوي manichéen يقسمنا إلى فسطاط الكفر، والعبارة سلفية وفسطاط الإيمان فإن لطفوا اللفظ قالوا: العلمانيون أو اللائكيون .
    الشخصية الثالثة وهي في نفس الوقت الساردة كأنها لا تنتسب إلى أي من الحزبين لكنها في وضع غير مريح فهي تريد حسم الانتماء. ودليل ذلك (الانزواء) فهي لا هي إلى هؤلاء ولا إلى أولئك. والوضع كما قلت غير مريح فطائفة تضحك وثانية تبكي وكلتاهما ذات صوت. والثالثة ( في وجوم) قد انحبس الكلام في صدرها والموقف. وهذا الصمت تسنده حركة أوضح دلالة وهي قضم الأظافر. وأبرز دلالاته الندم.
    إن ضغط الخطابين المتناقضين على النفس الثالثة لشديد حتى أنه ليستعجلها الحسم وينشئ في نفسها الشعور بالتقصير والذنب لبطء اختيار التوجه السلوكي الذي يأمله كلا الخطابين.

    هذا الصراع الباطني يعظم أسره بالقفلة حين نعلم أن هذه الحرب السلوكية الضروس تدور في نفس الشخصية وحين تتنزل هذه الخصومة في ثنائية أخرى هي ثنائية الجسد والروح. ترى هل هما متمايزان الواحد عن الآخر؟ أم هما وجهان لحقيقة واحدة موحدة تنفي الثنائية التي تقول بعلوية الروح وتسفل الجسد من طين وأن الشقاء الذي تعانيه الروح إنما هو حبسها في ظلمة الجسد يوم أهبطنا بغلطة أبوينا وأن السعادة ستعود يوم ننفصل عن الجسد ونعرج إلى عالم المثل، عالمنا كما قال ابن سينا في عينيته
    هبطت إليك من المحل الارفع
    ورقاء ذات تدلل وتمنع
    وتبدو الساردة غير معترضة على هذه الثنائية لكنها متعاطفة مع الجسد لما وصفته ب( النحيل). فحمل الخصومة النفسية فوق احتمال الجسد الضئيل. تراه ساحة معركة وليس طرفا فيها بل النفس مسؤولة أولا وأخيرا؟ ولا يكلف الله الجسد فوق طاقته ولا يحمله وزر النفوس الثلاث. ولا تزر واحدة وزر أخرى.
    طفت من داخل النص ومن خارجه عسى أن أحيط به خبرا.
    ..
يعمل...
X