قصة: "الـتــحـول" ..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصة: "الـتــحـول" ..

    قصة: "الـتــحـول" ..


    كان أشرف فنانا مسالما لا يؤذي أحدا.

    وكان يعيش مع زوجته فى شقة مكونة من غرفتين وصالة .. أتخذ واحدة منهما مرسما له ومستودعا للوحاته التي لا يشتريها أحد .. وأقام مع زوجته فى الأخرى.

    كانا ينامان متعانقين سعيدين .. منشغلين عن الدنيا بالحب الذي يجمعهما .. ينسي بين أحضانها ماضيه التعس .. وحاضره الأكثر تعاسة .. ويهرب من التفكير فى المستقبل .. الذي يتضح لكليهما أن تعاسته ستفوق كل التعاسات التي عاشاها سويا.

    وحين جاءت "كورونا" كضيف غير مرحب به وارتعب العالم كله واغلق على نفسه الأبواب .. لم يغلق أشرف عليه بابه بل تركه مفتوحا .. يخرج عبره فى الصباح والمساء يطوف على المعارض والزبائن ليبيع لوحاته .. إلا أن أحدا لم يكن يفكر فى اللوحات هذه الفترة فكسدت بضاعته .. وبارت سلعته .. وظل يعود بخفي حنين إلى زوجته كل مساء .. حتى لم يعد فى البيت كله لقمة طرية تسد جوعهما .. ولا شربة ماء هنية تروي ظمأهما .. فقد قطعت الحكومة عنهما المياه بعدما تأخر فى السداد طيلة ستة شهور.

    وكان يقول للمحصل كل أسبوع: "الناس تغلق عليها أبوابها من الخوف والمرض .. وأنا لا عمل لي سوى الرسم .. هل تقبل حكومتك لوحاتي مقابلا لأقساط المياه المتأخرة؟".

    فعدها المحصل تجاوزا غير مقبولا .. وقام بنقل الكلام محرفا إلى رئيسه .. الذي نقله محرفا أيضا إلى رئيسه .. وهكذا حتى بات أشرف تحت المراقبة دون أن يدري .. أو يلحظ!

    وفجأة بدأت الزوجة الصبورة المخلصة تشتكي من ألم فى عينيها .. ثم ألم فى بطنها .. واخذت تتلوي من المغص .. ثم اتسعت دائرة الألم لتشمل جسدها كلها .. واعصابها .. فباتت كثيرة التوجع والصراخ طوال الليل والنهار.

    وفشلت محاولات أشرف لصم أذنيه عن ألام زوجته .. فعاني هو الآخر ألاما فى رأسه وعقله بسبب قلة الحيلة .. لم يكن فى البيت جنيها واحدا ولا وسيلة واحدة يعرفها إلا بيع الرسوم للتكسب.

    فخرج من بيته بلباس النوم .. وتوقف على ناصية الحارة يمد يده للرائح والجاي .. ويسألهم أن يحسنوا إليه ويعدهم بأن الله سيحسن لهم أيضا .. لكن كان الناس يجيبونه .. ويقسمون: "أن ليس فى جيوبنا إلا القليل .. الذي لا يكفي لسد جوع كل الأولاد!". فيصمت .. ولا يسحب يده المفرودة .. معشما نفسه بمعجزة تقع .. تشفي على أثرها زوجته المريضة فى البيت.

    ويعود ذات مساء متأخرا متخفيا عن زوجته .. كي لا تراه فيلمح على وجهها أثار خيبته وعجزه .. لكنه لم يسمع لها آهة .. فيقول لنفسه فرحا: "يا للمعجزة! .. لقد برأت .. شكرا يا رب". وتوجه نحو الغرفة ليحتضنها فرحا بشفائها .. لكنه وجدها على الأرض ممددة .. تضع يدها على بطنها .. ولا يصدر عنها نفس!

    تأملها .. كانت تشبه إحدى لوحاته .. فكر فى حظه وحظها .. وتذكر أيامهما التي عاشاها فى حب وفقر .. فاجأته عيناه حين لم تدمعا .. جز على أسنانه فى ألم حين تذكر شيئا كان يريد أن يخبرها به .. لكنها لن تسمعه الآن .. وإن سمعته .. فلن تعطيه الرد والنصح .. صرخ فى غضب!

    وسحب مسدسا كان يخفيه بين طيات ثيابهما لللصوص .. وخرج من باب البيت مندفعا للخارج .. وتوقف عند ناصية الشارع .. وأخذ يطلق الرصاص على من يراه أمامه .. شاعرا بأن له دور فى موت زوجته الحبيبة.

    __________________________________________________ _
    #إبراهيم_محمد_عامر
    #قصة_قصيرة
    #جريدة_القاهرة
يعمل...
X