مفهومي للقصة القصيرة :ــ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مفهومي للقصة القصيرة :ــ

    * . مفهومي للقصة القصيرة :
    سمير الفيل

    أريد في هذه المقدمة ان أقدم للقاريء مفهومي للقصة القصيرة . حسب اجتهادي أرى أن القصة القصيرة تلتقط واقعة أو حادثة أو موقفا محددا ، فتبني حوله صراعا ما. تبسطه عبر لغة متماسكة ، بحيث تتمكن الشخصيات من التحرك بقوة وإيجابية لتطرح خطابا ناصعا يحمل وجهة نظر محددة ، لا مراوغة فيها .
    كل قصة قصيرة ناجحة تتضمن تبني موقف محدد من الحياة عبر حدوتة أو حكاية او مشهد أو واقعة باستخدام لغة معبرة ، مع فهم الشخصيات التي تنهض لحفر الصراع المحتدم وصولا إلى نهاية محددة أو مفتوحة حسب اجتهاد الكاتب المشغول دائما بتتبع مصائر الشخصيات التي يستحضرها على رقعة الورق .
    يشترط أن تكون القصة القصيرة ، ذات إيقاع متناغم ، ورؤية محددة ، وخطاب سردي واضح . قد نميل إلى أن يصنع النص القصصي دائرة تتسع رويدا رويدا لرصد حركة الشخصيات مع وجود حبكة ، ولحظة تنوير ، وخاتمة .
    ربما أمكن الاستغناء عن بعض العناصر دون الأخرى فالحدث أمر أساسي ، والمكان يسهم في أن يكون النص واضحا ثم أن الزمن يحضر ليمكن ترتيب الاحداث بشكل طيع وفعال . ولكل كاتب طريقته في تنضيد عناصره ووضع أولويته شريطة أن يشتغل على عناصره بعقل يقظ ، وقلب متلهف على تبيان الحقيقة .
    هناك قصة الحدث وقصة الشخصية وقصة البورتريه وهكذا دواليك . بدون وضع حدود نهائية للأفكار أو الأشكال التي تتسع لها القصة القصيرة. هناك مثال مهم كنا نردده في بداياتنا ، وهو : " أن أشكال القصة القصيرة تتعدد بإسهامات الكتاب العظام فيها " . وهذا صحيح إلى حد كبير لكنني أشدد على وحدة الموضوع ، وقوة الأثر ، وبأهمية تلك الموسيقى التي تسري في النص فتشعر معها أنك في مواجهة عمل أدبي يقص عليك أكثر القصص بهجة أو حزنا .
    قيل في مكان آخر :" إن القصة القصيرة تتعامل مع المهمشين في الأرض " ، وهو ما نجده عند تشيخوف ، على سبيل المثال ، ولكنه ليس شرطا بل هو مجرد توجه محدد ، ومعيار للإجادة ، لا أكثر.
    فالكاتب الذي يمتلك حيوية القص وجدته يمكنه أن يعالج كل الأفكار ، وأن يخضع الشخصيات لمفاهيمه العميقة ، ككاتب متمكن من أدواته. بالطبع هناك فكرة محورية للنص الطازج ، وهو أنك تكتب عما تعرفه ، وأن تحكي حكاية ما ، عشتها أو رأيتها أو سمعتها ؛ فتورطت في حكايتها تورطا جميلا .
    فالحدث عنصر محوري ووحدة الحدث ذاته معيار للإجادة ؛ لكنني أتصور أن الكاتب الماكر مكرا فنيا أخاذا ، يمكنه أن ينفلت من كل القواعد المقررة ، ليشكل لنا بذرة قصة شيقة ، مستفيدا من الحركة الزمنية ، والترابط المنطقي بين الوقائع مع لغة مقطرة تسقط بعض التفاصيل التي ربما لا تكون ضرورية.
    في أحيان أخرى تنهض القصة القصيرة على تعانق تلك التفاصيل فتصنع مروحة من مرايا متجاورة ينشأ عنها جدل فني خلاق . مع حساسية فنية تجعل النص القصصي حاملا عطاءات فنية باذخة ، ليطرح خطابه في خفاء دون أن يصك السمع بجملة نهائية ، لها طابع الاكتمال ، تهز معها الرأس لأنك فهمت ووعيت وأدركت الحكمة.
    أقول لنفسي عند الإمساك بالقلم كي أكتب قصة جديدة : " سوف أجعل قصتي ناقصة لأنه باكتمالها تفقد الكثير من رونقها ، وهي حيلة وضعت نصوصي دائما تحت مختبر سردي لاقتناص الدلالات بعيدا عن القراءة الأولى. هو نقص تعرفه الحياة ولعل انطلاق الخيال هو محاولة لتعويض هذا النقص ، وقد يصدمك ان الخيال ذاته لا يعرف الاكتمال النهائي أو إغلاق الدائرة .
    أريد أن أقول أن حكمة النص ليست عملا مستقلا بذاته ؛ فكل قصة قصيرة حقيقية لها حكمتها المنبعثة من مجموعة الدلالات والخطابات السرية والوعود والبروق والانحيازات التي تجعل كاتبا ما متورطا في الفعل الإنساني للنص ناهيك عن التحولات المرتبكة لقوانين الحياة .
    في جملة واحدة : القصة القصيرة من الجمال والنبل بحيث أنها تتجدد فعليا في كل محاولة لكتابة نص جديد؛ فالكثافة ، والتركيز ، والصدق الفني ، والوعي ، وقوة الأثر ، كلها عناصر أساسية يمكن دمجها معا في صرة سردية كي يكون نصك صادقا وأصيلا.
    سأتوقف هنا أيضا لأعترف لكل من يقرأ هذه المقدمة ، أن حديثي هنا قد تصيبه قلاقل معرفية ، وانكسارات وجدانية ، وإزاحات جمالية ، وانحرافات معيارية ، فأنا ككاتب قصة قصيرة محترف ، أعيش دائما مرحلة التجريب ، وأجد متعة لا تدانيها متعة كلما شرعت في كتابة نص جديد ، في نفس الوقت الذي أرتعد فيه رعبا مخافة التكرار والنسج على منوال سابق أوخفوت الدلالة أو شحوب الخطاب ، ذلك أن المغامرة واقتران الدهشة بالمتعة ، يحققها كل نص سردي أصيل حتى لو لم يمتلك الكاتب المؤرق بمصير نصوصه ، خلفية تنظيرية متماسكة وقوية.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــ
    * ملاحظة :
    كتبت هذه الكلمة بتاريخ 30 يناير 2016في مقدمة دراستي التطبيقية حول مجموعة قصصية " ضد الكسر" للكاتب محمد صالح رجب.
يعمل...
X