الشِّهابيّ (مصطفى ـ)
(1311ـ1388هـ/1893ـ1968م)
الأمير مصطفى بن محمد سعيد ابن جَهْجاه بن حسين الشِّهابيّ، من أمراء بني شهاب القرشيين المخزوميين الذين دخلوا بلاد الشام عند الفتح الإسلامي بقيادة أبي عُبيدة بن الجراح، ثم حكموا جبل حوران سنة 568هـ أيام الملك العادل نور الدين محمود زنكي، ثم استوطنوا وادي التيم في لبنان فحكموا حتى سنة 1870م.
ولد في حاصبيّا قصبة الوادي الواقعة في حضن جبل حرمون، والمرتبطة إدارياً بلواء دمشق، لسبع عشرة سنة خلت من حكم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، ودخل سنة 1899م المدرسة الابتدائية، ثم سنة 1902م المدرسة الكاثوليكية، ثم انتقل إلى بعلبك سنة 1903م برفقة أبيه الموظف في مالية ولاية سورية، فدخل مدرسة المطران، ثم إلى زحلة سنة 1904م فالتحق فيها بمدرسة الموارنة، ثم هبط دمشق سنة 1905م فدخل المدرسة البطريركية الكاثوليكية، ثم سافر إلى الآستانة سنة 1907م مع شقيقه عارف الذي يكبره بأربع سنوات، وكان يدرس في المدرسة الملكية العالية ـ وهو من دعاة القومية الذين أعدموا شنقاً في بيروت سنة 1916م ـ فالتحق بمدرسة إعدادية فرنسية في حي (قوم قبو) تشرف عليها جمعية دينية مسيحية تدعى:Augustins de l’Assomption، فدرس خلال ذلك على أخيه علوم العربية وتاريخ العرب والإسلام وأسباب النهوض، ثم عاد إلى دمشق سنة 1909م فدخل مكتب عنبر، وهو المدرسة السلطانية الثانوية، ثم أرسلته جمعية البعثات العلمية التي أنشأها وجهاء دمشق ومفكروها سنة 1910م مع عز الدين التنوخي وعبد الغني الشهبندر لدراسة العلوم الزراعية في فرنسة، فحصل سنة 1911م على شهادة الدروس الابتدائية العليا من المدرسة المهنية في مدينة شالون Chalon sur Saône، ثم دخل المدرسة الوطنية الزراعية العالية في مدينة غرينيون Grignon وتخرج فيها مهندساً زراعياً سنة 1914م، وتقدم في صيف ذاك العام إلى امتحان شهادة التعادل في مدينة فروق العثمانية فنجح.
ولما شبت الحرب العالمية الأولى التحق بالجيش العثماني، فدخل المدرسة الحربية في اصطنبول، ثم انتقل إلى مدرسة البرق والهاتف الحربية في قصر يلدز، وتخرج فيها بعد ستة أشهر برتبة وكيل ضابط احتياط، فعين قائد فصيل في سرية البرق في القدس، ثم نقل إلى دمشق ترجماناً في رهط الإشارة، وفي سنة 1916م عين قائداً لكتيبة زراعية، فبدأ بتجاربه الزراعية العلمية، وفي بداية سنة 1918م عين مديراً لزراعة الجيش بدمشق، وأصبح عضواً في جمعية العربية الفتاة، ثم قامت الحكومة العربية فتدرج في مناصب حكومية كثيرة منها: وزارة المعارف (1936) ووزارة المالية (1943) ووزارة العدل، (1949) وكان أحد أعضاء الوفد السوري المفاوض لمعاهدة 1936م في باريس، وعُيّن محافظاً لحلب (1937 ـ 1939م) واللاذقية (1943 ـ 1945م)، فأنشأ فيهما دارين للكتب.
انتخب سنة 1926م عضواً عاملاً في مجمع دمشق، وسنة 1948م عضواً مراسلاً في مجمع القاهرة، ثم سنة 1954م عضواً عاملاً فيه، وسنة 1961م عضواً مراسلاً في مجمع بغداد، وفي 14 تموز 1956م نائباً لرئيس مجمع دمشق، وفي 15 تشرين الأول 1959م رئيساً للمجمع خلفاً لخليل مردم، فكان ثالث رئيس له، وانتخب عدة مرات عضواً في عدد من المجالس الثقافية، ومثّل جامعة الدول العربية ثلاث مرات في حلقة الدراسات الاجتماعية، وانتخبه مجلس الجامعة سنة 1953م رئيساً للجنة المواصلات الدائمة، وفي1/9/1964م اتنخبته اللجنة التنفيذية لدائرة المعارف الإسلامية بلندن عضواً مشاركاً لمجلس الدائرة.
منحته الحكومة المصرية الوشاح الأكبر مع الرصيعة من وسام النيل، ومنحته الدولة السورية وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، ومنحه المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية جائزة الدولة التقديرية لعام 1965م في 8 تشرين الثاني 1966م.
أتقن العربية والفرنسية والتركية وألمّ بالإنكليزية، وشغف بالمطالعة والبحث والتأليف، طبق معارفه تطبيقاً عملياً حتى غدا من أكبر علماء الزراعة في الشام، وله ما يربو على مئة وعشرين مقالة ومحاضرة وبحثاً نشرها في عدة دوريات، وله ثلاثة عشر كتاباً مطبوعاً أنبهها: «معجم الألفاظ الزراعية» ويضم عشرة آلاف مصطلح زراعي فرنسي جعل إزاءها ما يقابلها بالعربية مع شرح علمي موجز، ثلثها تقريباً من وضعه وتحقيقه لم يسبقه إليها أحد، فيها تجلت عبقريته، وكتاب «المصطلحات العلمية في اللغة العربية في القديم والحديث»، وفيه الأسس والقواعد التي اعتمدها في وضع مصطلحاته.
كان الشهابي واثقاً من نفسه حين خاض غمار لجة المصطلح، فهو متقن علوم الزراعة، متضلع من علوم العربية، عارف باللغة الفرنسية وأساليبها، وكان يرى استعمال السلطان في نشر مايقره المجمعيون من مصطلحات، ورأى في معنى توحيد المصطلحات أن يكون في كل الأقطار العربية معجم فرنسي عربي، ومعجم إنكليزي عربي، تُعرّف فيه الألفاظ بالعربية تعريفاً علمياً مختصراً دقيقاً على أن يشتمل المعجم على أصح الألفاظ أو أرجحها، وأن تأخذ الحكومات العربية نفسها باستعمال ألفاظه في دوائرها، وكان يدرك أهمية التعمق بدراسة اللغات الأجنبية.
وقد رأى أن مشكلة المصطلح العلمي تكمن في أمرين:
1ـ مسلك من آثروا التعريب فقبلوا الكلمة الأجنبية على علاتها.
2ـ تعدد الألفاظ الموضوعة للمصطلح الأجنبي الواحد.
والشهابي من أقدم الدعاة إلى إنشاء جامعة الدول العربية وتوجه الدول العربية نحو الاتحاد فالوحدة، كتب ذلك في الأهرام قبل إنشاء الجامعة بنحو خمسة عشر عاماً، وهو يؤمن بالعلاقة الوثيقة بين القومية العربية والدين الإسلامي.
قال عنه أمير البيان شكيب أرسلان: (إنه لأمير العلماء حقاً، وعالم الأمراء فعلاً، وإني مع شيخوختي هذه لراض أن أنضوي تحت لوائه، كما انضوى شيوخ الصحابة تحت لواء أسامة)، وقرظه كثيرون منهم: عباس محمود العقاد، وأحمد زكي، وأمين المعلوف.
توفي الشهابي بدمشق بمرض السكر، ودفن في مقبرة أسرته في شورى، وأعقب ابنتين: (لميس ونهلة). وكانت وفاته خلف مكتبه، وقد أوصى أن ينقش على قبره من نظمه:
أم اللغات قضيت العمر أخدمها
فهي الشفيعة في غفران زلاتي
خير الله الشريف
(1311ـ1388هـ/1893ـ1968م)
ولد في حاصبيّا قصبة الوادي الواقعة في حضن جبل حرمون، والمرتبطة إدارياً بلواء دمشق، لسبع عشرة سنة خلت من حكم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، ودخل سنة 1899م المدرسة الابتدائية، ثم سنة 1902م المدرسة الكاثوليكية، ثم انتقل إلى بعلبك سنة 1903م برفقة أبيه الموظف في مالية ولاية سورية، فدخل مدرسة المطران، ثم إلى زحلة سنة 1904م فالتحق فيها بمدرسة الموارنة، ثم هبط دمشق سنة 1905م فدخل المدرسة البطريركية الكاثوليكية، ثم سافر إلى الآستانة سنة 1907م مع شقيقه عارف الذي يكبره بأربع سنوات، وكان يدرس في المدرسة الملكية العالية ـ وهو من دعاة القومية الذين أعدموا شنقاً في بيروت سنة 1916م ـ فالتحق بمدرسة إعدادية فرنسية في حي (قوم قبو) تشرف عليها جمعية دينية مسيحية تدعى:Augustins de l’Assomption، فدرس خلال ذلك على أخيه علوم العربية وتاريخ العرب والإسلام وأسباب النهوض، ثم عاد إلى دمشق سنة 1909م فدخل مكتب عنبر، وهو المدرسة السلطانية الثانوية، ثم أرسلته جمعية البعثات العلمية التي أنشأها وجهاء دمشق ومفكروها سنة 1910م مع عز الدين التنوخي وعبد الغني الشهبندر لدراسة العلوم الزراعية في فرنسة، فحصل سنة 1911م على شهادة الدروس الابتدائية العليا من المدرسة المهنية في مدينة شالون Chalon sur Saône، ثم دخل المدرسة الوطنية الزراعية العالية في مدينة غرينيون Grignon وتخرج فيها مهندساً زراعياً سنة 1914م، وتقدم في صيف ذاك العام إلى امتحان شهادة التعادل في مدينة فروق العثمانية فنجح.
ولما شبت الحرب العالمية الأولى التحق بالجيش العثماني، فدخل المدرسة الحربية في اصطنبول، ثم انتقل إلى مدرسة البرق والهاتف الحربية في قصر يلدز، وتخرج فيها بعد ستة أشهر برتبة وكيل ضابط احتياط، فعين قائد فصيل في سرية البرق في القدس، ثم نقل إلى دمشق ترجماناً في رهط الإشارة، وفي سنة 1916م عين قائداً لكتيبة زراعية، فبدأ بتجاربه الزراعية العلمية، وفي بداية سنة 1918م عين مديراً لزراعة الجيش بدمشق، وأصبح عضواً في جمعية العربية الفتاة، ثم قامت الحكومة العربية فتدرج في مناصب حكومية كثيرة منها: وزارة المعارف (1936) ووزارة المالية (1943) ووزارة العدل، (1949) وكان أحد أعضاء الوفد السوري المفاوض لمعاهدة 1936م في باريس، وعُيّن محافظاً لحلب (1937 ـ 1939م) واللاذقية (1943 ـ 1945م)، فأنشأ فيهما دارين للكتب.
انتخب سنة 1926م عضواً عاملاً في مجمع دمشق، وسنة 1948م عضواً مراسلاً في مجمع القاهرة، ثم سنة 1954م عضواً عاملاً فيه، وسنة 1961م عضواً مراسلاً في مجمع بغداد، وفي 14 تموز 1956م نائباً لرئيس مجمع دمشق، وفي 15 تشرين الأول 1959م رئيساً للمجمع خلفاً لخليل مردم، فكان ثالث رئيس له، وانتخب عدة مرات عضواً في عدد من المجالس الثقافية، ومثّل جامعة الدول العربية ثلاث مرات في حلقة الدراسات الاجتماعية، وانتخبه مجلس الجامعة سنة 1953م رئيساً للجنة المواصلات الدائمة، وفي1/9/1964م اتنخبته اللجنة التنفيذية لدائرة المعارف الإسلامية بلندن عضواً مشاركاً لمجلس الدائرة.
منحته الحكومة المصرية الوشاح الأكبر مع الرصيعة من وسام النيل، ومنحته الدولة السورية وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، ومنحه المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية جائزة الدولة التقديرية لعام 1965م في 8 تشرين الثاني 1966م.
أتقن العربية والفرنسية والتركية وألمّ بالإنكليزية، وشغف بالمطالعة والبحث والتأليف، طبق معارفه تطبيقاً عملياً حتى غدا من أكبر علماء الزراعة في الشام، وله ما يربو على مئة وعشرين مقالة ومحاضرة وبحثاً نشرها في عدة دوريات، وله ثلاثة عشر كتاباً مطبوعاً أنبهها: «معجم الألفاظ الزراعية» ويضم عشرة آلاف مصطلح زراعي فرنسي جعل إزاءها ما يقابلها بالعربية مع شرح علمي موجز، ثلثها تقريباً من وضعه وتحقيقه لم يسبقه إليها أحد، فيها تجلت عبقريته، وكتاب «المصطلحات العلمية في اللغة العربية في القديم والحديث»، وفيه الأسس والقواعد التي اعتمدها في وضع مصطلحاته.
كان الشهابي واثقاً من نفسه حين خاض غمار لجة المصطلح، فهو متقن علوم الزراعة، متضلع من علوم العربية، عارف باللغة الفرنسية وأساليبها، وكان يرى استعمال السلطان في نشر مايقره المجمعيون من مصطلحات، ورأى في معنى توحيد المصطلحات أن يكون في كل الأقطار العربية معجم فرنسي عربي، ومعجم إنكليزي عربي، تُعرّف فيه الألفاظ بالعربية تعريفاً علمياً مختصراً دقيقاً على أن يشتمل المعجم على أصح الألفاظ أو أرجحها، وأن تأخذ الحكومات العربية نفسها باستعمال ألفاظه في دوائرها، وكان يدرك أهمية التعمق بدراسة اللغات الأجنبية.
وقد رأى أن مشكلة المصطلح العلمي تكمن في أمرين:
1ـ مسلك من آثروا التعريب فقبلوا الكلمة الأجنبية على علاتها.
2ـ تعدد الألفاظ الموضوعة للمصطلح الأجنبي الواحد.
والشهابي من أقدم الدعاة إلى إنشاء جامعة الدول العربية وتوجه الدول العربية نحو الاتحاد فالوحدة، كتب ذلك في الأهرام قبل إنشاء الجامعة بنحو خمسة عشر عاماً، وهو يؤمن بالعلاقة الوثيقة بين القومية العربية والدين الإسلامي.
قال عنه أمير البيان شكيب أرسلان: (إنه لأمير العلماء حقاً، وعالم الأمراء فعلاً، وإني مع شيخوختي هذه لراض أن أنضوي تحت لوائه، كما انضوى شيوخ الصحابة تحت لواء أسامة)، وقرظه كثيرون منهم: عباس محمود العقاد، وأحمد زكي، وأمين المعلوف.
توفي الشهابي بدمشق بمرض السكر، ودفن في مقبرة أسرته في شورى، وأعقب ابنتين: (لميس ونهلة). وكانت وفاته خلف مكتبه، وقد أوصى أن ينقش على قبره من نظمه:
أم اللغات قضيت العمر أخدمها
فهي الشفيعة في غفران زلاتي
خير الله الشريف