المسرح في مدينة اجدابيا
بقلم / مصطفى السعيطي
أسوةً بغيرها من مدن الساحل الشرقي ، نالت مدينة اجدابيا حظها من متعة الفرجة الفنية وتحسّست خطوات المسرح في بداياتها عبر الفرق الفنية ـ المسرحيَّة التي كانت تفد على المدينة من درنة وبنغازي ، حيث كانت تقدم عروضها الفنية المتواضعة على خشبة مسرح سينما ( بن عمران ) الصيفية ، ولم تكن هذه العروض تمثل المسرح بمفهومة المتعارف عليه ، بل كانت عبارة عن ( اسكتشات ) تمثلية ضاحكة ( وقد تتخذ هيأة الوعظ والإرشاد في أحيانٍ أخرى مثل معظم أعمال المرحوم رجب البكوش ) ، إضافة إلى بعض المنولوجات الاجتماعية وما في حكمها .
وكان شغف الناس بهذه الاسكتشات الضاحكة لا يضاهيه إلا شغفهم بالشعر الشعبي الذي كانت تقام له في اجدابيا ـ وهي على ما هي عليه من المكانة الشعرية ـ أسواق عامرة تحاكي سوق عكاظ الشهيرة .
لكن ما أن ولي زمان هذه السوق ، ومات معظم نجومها الذين كانوا يقيمون أركانها ويجمعون الناس فيها من حولها حتى كان المسرح يحتل مكان هذه السوق وإن اختلفت زاوية النظر إليه من قبل الكثيرين.
وتأثراً بهذه العروض الوافدة ، ورغبةً في تكوين نواة فنية بمدينة اجدابيا ، فقد تنادى بعض الهواة ممن سحرهم المسرح والفن وكونوا فرقة فنية نسجت على هذا المنوال الوافد .. وبدأت الحركة المسرحيَّة في مدينة اجدابيا بتلك الارهاصات التي تسبق قيام أي حركة فنية أو أدبية في كل مدينة ليبية ، وكانت هذه الإرهاصات تأخذ شكلها في المحاولات المسرحيَّة في إطارها الكوميدي الذي بدأ به المسرح في هذه المدينة . ومما ساعد على ذلك أن معظم المؤسسين لها كانوا ينتمون للحركة الكشفية .. تلك الحركة العظيمة التي أرخت بظلالها على الجميع وبدت تفرض نفسها على الساحات ، ووجد فيها الشباب ضالتهم نتيجة للفراغ الذي كان يهيمن على المشهد الثقافي والفني الذي تركه الاستعمار الإيطالي ومن بعده الإدارة البريطانية .
ومن أبرز المؤسسين للحركة الفنية في بداياتها بمدينة اجدابيا المرحوم ( إبراهيم الزلاوي ) و( عبدالحميد امراجع ) و( امراجع يوسف اقعيم ) وبعض فتيان الكشافة بالمدينة ، وكانت هذه العروض تقام ـ مجاناً ـ في مناسبات مختلفة وبالساحات العامة ، وتجمَّع حولها الجموع التي كانت تتلقفها بذات الود واللهفة والتشجيع .. ثم بعد تأسيس نادي اجدابيا في مطلع الستينيات من القرن الماضي اتسعت هذه الفرقة ، حيث تبني النادي هذه المجموعة وخصص لها مقراً ملحقاً بالنادي وابتنى لها ركناً بسيطاً من الخشب تقدم عليه الفرقة عروضها الفنية ، وقد ترأس الفرقة ونظمها وأدارها باقتدار المرحوم ( الطالب الفاخري ) ، واستطاعت هذه الفرقة في مدة وجيزة أن تجذب إليها الكثير من المواهب والكفاءات الفنية في التأليف والتمثيل وحتى الإخراج لعل من أبرزهم ( يونس اشلبي ـ عبدالسلام نوح ـ علي ابوجازية ـ عبدالله مبارك ـ عبدالسلام خفاجي ـ إدريس العوَّامي ـ خليل عريش ـ سالم فوناس ) وغيرهم كثيرون مما انضم فيما بعد إلى فرقة المسرح الوطني .. عندها سعى أعضاء الفرقة لتشكيل فرقة رسمية صدر لها الترخيص الرسمي سنة 1970 ف وانفصلت عن نادي اجدابيا ، واتخذت مقراً متواضعاً لها استأجرته الفرقة وتكفل اعضاؤها بدفع إيجاره من جيوبهم ، واتخذت اسم فرقة الخليج وصارت تقدم مسرحاً خالصاً ( نوعاً ما ) بدلاً من مسرح المنوعات الذي كان سائداً ، ثم اعتمدت كفرقة وطنية حين تم تشكيل الفرق الوطنية الليبية فأصبحت فرقة المسرح الوطني بدل فرقة الخليج للمسرح والفنون الشعبية ، ومن أهم أعمالها ( جمعية المضربين عن الزواج ) وهو أول عمل قدمته الفرقة على خشبة مسرح سينما الجلاء ومسرحيَّة ( بطل بلا ملامح ـ وأنت اللِّي سرقت الكوكب ـ والبنت اكريميسة ـ والموت أثناء الرقص ـ وعندما يلتقي المتوازيان ـ والرخصة ) ؛ وقد قدمت الفرقة مسرحيات عالمية وعربية منها مسرحيَّة ( الناس اللِّي في السماء الثامنة ) للكاتب المصري المعروف ( علي سالم ) وقد قام عبدالله امبارك بإعدادها تحت اسم ( أنت اللِّي سرقت الكوكب ) ، كما قدمت مسرحيَّة ( الرخصة ) للكاتب الإيطالي ( لويجي برانديللو ) كما استطاعت الفرقة أن تفرض وجودها في المهرجان المسرحي الثالث الذي بطرابلس سنة 1973 ف وعرضت مسرحيتها ( عندما يلتقي المتوازيان ) ، وهي من تأليف يونس اشلبي.
ثم بدأت الفرقة تستقطب المزيد من المواهب والفنانيين وبرز منهم العديد من الكفاءات العالية في مجال التنكر مثل الأستاذ ( صالح البشاري ) وفنيي المناظر والإضاءة ، وجلبت إليها العناصر النسائية واستعانت بمخرج من سوريا هو الفنان ( محمد غيَّاث العيَّاشي ) الذي قدم لها مسرحيَّة بطل بلا ملامح .
لكن هذه الفرقة لم يكتب لها الاستمرار لأسباب كثيرة لعل في مقدمتها عدم توفر الدعم المالي الكافي ، وتفرق معظم أعضائها الشباب لتأدية الخدمة العسكرية فاضطرت الفرقة لإغلاق أبوابها في مشارف الثمانينيات ، وتركت وراءها فراغاً قاتلاً في المشهد الفني بالمدينة .
لكنَّ ثمة فرقاً فنية ومسرحيَّة تقوم هنا وهناك موازية لفرقة المسرح الوطني ، فقد تكونت بنادي التعاون فرقة المواهب للمسرح التي أسسها مصطفى السعيطي وقدمت العديد من الأعمال منها : ( خطيبة صاحبي ) و( آخر حل في المستشفى ) و( الوارث الوحيد ) وهي كلها من تأليف وإخراج مصطفى السعيطي ، ومقابل ذلك تكونت في مكان آخر ( فرقة الأمل ) ، وهي فرقة استعراضية تقدم المشهد التمثيلي والرقصة والأغنية وقد ترأَّسها الأستاذ محمد أبوبكر الصادق ، ومن مؤسسيها ( رجب خميس ـ ومحمد الشريدي ـ والأخوان داييش ـ وعبدالله وبالقاسم الحبيب ـ وعبدالحميد ابو شهبة ـ وفتحي ابريك ـ وفتحي نور الدين والمرحوم محمد بن احميد والمرحوم الطيب شيبو ) وغيرهم كثيرون ..واستطاعت هذه الفرقة أن تجد لها موطئ قدم وتشد أنظار المشاهدين بعروضها المتنوعة الشيقة ، ولكن ولنفس الأسباب السابقة لم تستطع الفرقة الصمود .. وانسحبت مبكراً من الساحة الفنية .. وعلى انقاض فرقة المواهب تأسَّست بنادي التعاون فرقة الجيل الصاعد للتمثيل ، وهي على بساطتها استطاعت أن تضم نخبة من نجوم المسرح الذين مازال بعضهم يمارس المسرح تمثيلاً وتأليفاً وإخراجاً.. ومن أهم عناصرها ( عبدالباسط الجارد وغيث بوحرورة وحمد خنفور وإدريس عامر والمرحوم يونس حسونة وعبدالرازق السعيطي وعيسي امهشهش ويونس اغنيوه وإدريس نشَّاد وإدريس العرُّوشي وفرج الهمَّالي وخميس السعيطي وعبدالله نشَّاد ) .. والكثير ممِّن سقطوا من الذاكرة .
وقدَّمت هذه الفرقة معظم أعمالها على مسرح خشبة مسرح النادي ، ومن أهم أعمالها التي قدمتها خلال مسيرتها الفنية ( ابريدان ترجمان - ومجنون في المريخ وانفجر البركان ) وجميعها من تأليف عبد الباسط الجارد ، وإخراج عبد الرازق السعيطي ، عدا مسرحيَّة ( وانفجر البركان ) فهي من تأليف بالحسن الزويّ ، وقدَّمت نفس المجموعة أعمالها الأخرى تحت اسم ( فرقة جمعية بيوت الشباب ) عندما انضمَّت إلى هذه الجمعية وكوَّنت فرقة فنية بها .. أما أهم أعمالها التي قدمتها فهي مسرحيَّة ( مقعد بلا خسارة ) تأليف عبدالباسط الجارد وإخراج عبدالرازق السعيطي ، وقد شاركت بها في مهرجان النهر الصناعي بمدينة بنغازي 1983 ف تحت اسم فرقة بيوت شباب اجدابيا ، وحازت على إعجاب الحضور ولقيت تشجيعاً كبيراً من المهتمين بالمسرح والفن ؛ مما حدا بالفرقة أن تتقدم الى الجهات المختصة بالترخيص لها كفرقة أهلية رسمية تمارس عملها بعيداً عن الانضواء تحت أي تحت جمعية أو نادي رياضي – وكان لها ذلك ، إذ تم الاعتراف بها فرقة أهلية رسمية بموجب ترخيص رسمي سنة 1983 ف ، واتخذت من مقر فرقة المسرح الوطني المنحل مكاناً لها وتسمت باسم فرقة أصدقاء المسرح وقدمت العديد من الاعمال المتميزة من أهمها : مسرحيَّة ( ليش يا زهاوي ) ، تأليف عبدالباسط الجارد وإخراج عبدالرازق السعيطي ، وهو العمل الذي شاركت به في مهرجان النهر الثاني ببنغازي سنة 1984 ثم توالت الأعمال فكانت مسرحيَّة ( الفقاقيع ) وهي من تأليف وإخراج مصطفى السعيطي و( امبراطورية البزنس ) وهي من تأليف وإخراج مصطفى السعيطي أيضاً ، ثم ( بيت العجايب) وهي من تأليف مصطفى السعيطي وإخراج محسن الفاخري ، ثم (عين العقل ) وهي من تأليف واخراج عبدالباسط الجارد و( اضرب خلص ) وهي من تأليف عبدالله الحبيب ، و( سوك في دوك ) وهي من تأليف وإخراج عبدالباسط الجارد و( فندق بوشنة ) وهي من إخراج عبدالحميد بوعجيلة ، ومسرحيَّة ( خوذ والاَّ خلِّي ) وهي من تأليف عبدالباسط الجارد وقد شاركت بها فرقة أصدقاء المسرح في المهرجان الوطني السادس بمدينة طرابلس سنة 1424 م ثم مسرحيَّة ( قيس ومغليَّة ) وهي من تأليف عبدالباسط الجارد وأول إخراج لإدريس عامر وهي التي شاركت بها الفرقة في مهرجان الخليج المسرحي الذي التأم بمدينة اجدابيا سنة 1991 ف ومسرحيَّة ( الدفن فوق الأرض ) تأليف عبدالباسط الجارد وإخراج إدريس عامر ، واشتركت بها في المهرجان الوطني الثامن بطرابلس سنة 1998 ف ، ثم مسرحيَّة ( الخروج من القمقم ) وهي من تأليف غيث بوحرورة وإخراج إدريس عامر ، ومسرحيَّة ( نحن والغرباء ) وهي من تأليف غيث بوحرورة وإخراج إدريس عامر . وكان ذلك سنة 2006 ف سنة إعداد هذه السطور.
أما فرقة الينابيع فقد تكوَّنت سنة 1991 ف على يد كل من ( مصطفى السعيطي ـ وجمعة الفاخري ـ وعبدالسلام العوامي ـ وابراهيم القذافي ـ وسليمان اللويطي ـ واصميدة الشيخي ـ وفخري الدرباك ـ وفتحي ابريَّك ـ ومحمد دبوب ـ ومحسن الفاخري ـ وعبدالنبي الماجري ـ وعلي العبيدي ـ وفوزي النجمي ـ) وغيرهم .. وقدمت باكورة إنتاجها الأول مسرحيَّة الرياح والصارى التي شاركت بها في مهرجان الخليج الأول سنة 1991 ف وهي من تأليف وإخراج مصطفى السعيطي ، ثم توالت أعمالها المسرحيَّة ومن أهمها : ( صك مصدق – أربعة في أربعة – البروق المعلَّبة – جحا الذي – ) وقد شاركت في المهرجان الوطني الثامن سنة 1991 ف بمسرحيَّة البروق المعلبة وفي المهرجان الوطني التاسع سنة 2006 ف بإعادة مسرحيَّة الرياح والصاري , وهذه الأعمال جميعها من تأليف وإخراج ( مصطفى السعيطي ) عدا مسرحيَّة ( أربعة في أربعة ) فهي من تأليف فتحي القابسي وإخراج مفتاح خالد.
أما فرقة اجدابيا للفنون المسرحيَّة فهي آخر مولود فني تكوَّن في رحم هذه المدينة , ومن مؤسِّسيها ( فتحي القابسي – مفتاح خالد – جمعة القبائلي – مفتاح خالد – خالد ابريِّك – محمود بوعادة – وغيرهم ) ... وقد قدَّمت الفرقة عدة مسرحيَّات فكاهيَّة منها ( حارة العوافي – ومدرسة لكن مدرسة – ويسلم عليك العقل – ومنامي جاب ) ثم اشتركت الفرقة في مهرجان المسرح التجريبي الثاني بالبيضاء بمسرحيَّة ( هذيان ) وهي من تأليف فتحي القابسي ، وإخراج مفتاح خالد . إلا أن هذه الفرقة شأنها شأن فرقة الينابيع لا تملك مقراً تجري فيه تجاربها المسرحيَّة مما حدّ من انطلاقها الفنيّ وجعل الحركة المسرحيَّة بالمدينة تتأخَّر قليلاً عن مثيلاتها بالمدن الأخرى ذات الامكانيَّات الكبيرة والدعم اللامحدود .
ولا يفوتنا في هذه السطور أن نذكر أنه تم إنشاء فرقة للطفل تحت اسم ( فرقة محمد السوكني ) أسسها وأشرف عليها ( طاهر الشريف ومحمد عبدالسلام الجالي) , إلا أنها لم تستمر طويلاً لنفس ظروف الفرق الأخرى .
هذه في عجالة بسطة موجزة عن المسرح والحركة المسرحيَّة في مدينة اجدابيا التي كانت – وما تزال – رافداً مهماً من روافد الفن في بلادنا التي كادت أن تكون شيئاً ذا قيمة لولا نقص أهم روافد الإنتاج الفني وهو الدعم المادي والمعنوي الذي لا زالت تعاني منه حتى الآن .
بقلم / مصطفى السعيطي
أسوةً بغيرها من مدن الساحل الشرقي ، نالت مدينة اجدابيا حظها من متعة الفرجة الفنية وتحسّست خطوات المسرح في بداياتها عبر الفرق الفنية ـ المسرحيَّة التي كانت تفد على المدينة من درنة وبنغازي ، حيث كانت تقدم عروضها الفنية المتواضعة على خشبة مسرح سينما ( بن عمران ) الصيفية ، ولم تكن هذه العروض تمثل المسرح بمفهومة المتعارف عليه ، بل كانت عبارة عن ( اسكتشات ) تمثلية ضاحكة ( وقد تتخذ هيأة الوعظ والإرشاد في أحيانٍ أخرى مثل معظم أعمال المرحوم رجب البكوش ) ، إضافة إلى بعض المنولوجات الاجتماعية وما في حكمها .
وكان شغف الناس بهذه الاسكتشات الضاحكة لا يضاهيه إلا شغفهم بالشعر الشعبي الذي كانت تقام له في اجدابيا ـ وهي على ما هي عليه من المكانة الشعرية ـ أسواق عامرة تحاكي سوق عكاظ الشهيرة .
لكن ما أن ولي زمان هذه السوق ، ومات معظم نجومها الذين كانوا يقيمون أركانها ويجمعون الناس فيها من حولها حتى كان المسرح يحتل مكان هذه السوق وإن اختلفت زاوية النظر إليه من قبل الكثيرين.
وتأثراً بهذه العروض الوافدة ، ورغبةً في تكوين نواة فنية بمدينة اجدابيا ، فقد تنادى بعض الهواة ممن سحرهم المسرح والفن وكونوا فرقة فنية نسجت على هذا المنوال الوافد .. وبدأت الحركة المسرحيَّة في مدينة اجدابيا بتلك الارهاصات التي تسبق قيام أي حركة فنية أو أدبية في كل مدينة ليبية ، وكانت هذه الإرهاصات تأخذ شكلها في المحاولات المسرحيَّة في إطارها الكوميدي الذي بدأ به المسرح في هذه المدينة . ومما ساعد على ذلك أن معظم المؤسسين لها كانوا ينتمون للحركة الكشفية .. تلك الحركة العظيمة التي أرخت بظلالها على الجميع وبدت تفرض نفسها على الساحات ، ووجد فيها الشباب ضالتهم نتيجة للفراغ الذي كان يهيمن على المشهد الثقافي والفني الذي تركه الاستعمار الإيطالي ومن بعده الإدارة البريطانية .
ومن أبرز المؤسسين للحركة الفنية في بداياتها بمدينة اجدابيا المرحوم ( إبراهيم الزلاوي ) و( عبدالحميد امراجع ) و( امراجع يوسف اقعيم ) وبعض فتيان الكشافة بالمدينة ، وكانت هذه العروض تقام ـ مجاناً ـ في مناسبات مختلفة وبالساحات العامة ، وتجمَّع حولها الجموع التي كانت تتلقفها بذات الود واللهفة والتشجيع .. ثم بعد تأسيس نادي اجدابيا في مطلع الستينيات من القرن الماضي اتسعت هذه الفرقة ، حيث تبني النادي هذه المجموعة وخصص لها مقراً ملحقاً بالنادي وابتنى لها ركناً بسيطاً من الخشب تقدم عليه الفرقة عروضها الفنية ، وقد ترأس الفرقة ونظمها وأدارها باقتدار المرحوم ( الطالب الفاخري ) ، واستطاعت هذه الفرقة في مدة وجيزة أن تجذب إليها الكثير من المواهب والكفاءات الفنية في التأليف والتمثيل وحتى الإخراج لعل من أبرزهم ( يونس اشلبي ـ عبدالسلام نوح ـ علي ابوجازية ـ عبدالله مبارك ـ عبدالسلام خفاجي ـ إدريس العوَّامي ـ خليل عريش ـ سالم فوناس ) وغيرهم كثيرون مما انضم فيما بعد إلى فرقة المسرح الوطني .. عندها سعى أعضاء الفرقة لتشكيل فرقة رسمية صدر لها الترخيص الرسمي سنة 1970 ف وانفصلت عن نادي اجدابيا ، واتخذت مقراً متواضعاً لها استأجرته الفرقة وتكفل اعضاؤها بدفع إيجاره من جيوبهم ، واتخذت اسم فرقة الخليج وصارت تقدم مسرحاً خالصاً ( نوعاً ما ) بدلاً من مسرح المنوعات الذي كان سائداً ، ثم اعتمدت كفرقة وطنية حين تم تشكيل الفرق الوطنية الليبية فأصبحت فرقة المسرح الوطني بدل فرقة الخليج للمسرح والفنون الشعبية ، ومن أهم أعمالها ( جمعية المضربين عن الزواج ) وهو أول عمل قدمته الفرقة على خشبة مسرح سينما الجلاء ومسرحيَّة ( بطل بلا ملامح ـ وأنت اللِّي سرقت الكوكب ـ والبنت اكريميسة ـ والموت أثناء الرقص ـ وعندما يلتقي المتوازيان ـ والرخصة ) ؛ وقد قدمت الفرقة مسرحيات عالمية وعربية منها مسرحيَّة ( الناس اللِّي في السماء الثامنة ) للكاتب المصري المعروف ( علي سالم ) وقد قام عبدالله امبارك بإعدادها تحت اسم ( أنت اللِّي سرقت الكوكب ) ، كما قدمت مسرحيَّة ( الرخصة ) للكاتب الإيطالي ( لويجي برانديللو ) كما استطاعت الفرقة أن تفرض وجودها في المهرجان المسرحي الثالث الذي بطرابلس سنة 1973 ف وعرضت مسرحيتها ( عندما يلتقي المتوازيان ) ، وهي من تأليف يونس اشلبي.
ثم بدأت الفرقة تستقطب المزيد من المواهب والفنانيين وبرز منهم العديد من الكفاءات العالية في مجال التنكر مثل الأستاذ ( صالح البشاري ) وفنيي المناظر والإضاءة ، وجلبت إليها العناصر النسائية واستعانت بمخرج من سوريا هو الفنان ( محمد غيَّاث العيَّاشي ) الذي قدم لها مسرحيَّة بطل بلا ملامح .
لكن هذه الفرقة لم يكتب لها الاستمرار لأسباب كثيرة لعل في مقدمتها عدم توفر الدعم المالي الكافي ، وتفرق معظم أعضائها الشباب لتأدية الخدمة العسكرية فاضطرت الفرقة لإغلاق أبوابها في مشارف الثمانينيات ، وتركت وراءها فراغاً قاتلاً في المشهد الفني بالمدينة .
لكنَّ ثمة فرقاً فنية ومسرحيَّة تقوم هنا وهناك موازية لفرقة المسرح الوطني ، فقد تكونت بنادي التعاون فرقة المواهب للمسرح التي أسسها مصطفى السعيطي وقدمت العديد من الأعمال منها : ( خطيبة صاحبي ) و( آخر حل في المستشفى ) و( الوارث الوحيد ) وهي كلها من تأليف وإخراج مصطفى السعيطي ، ومقابل ذلك تكونت في مكان آخر ( فرقة الأمل ) ، وهي فرقة استعراضية تقدم المشهد التمثيلي والرقصة والأغنية وقد ترأَّسها الأستاذ محمد أبوبكر الصادق ، ومن مؤسسيها ( رجب خميس ـ ومحمد الشريدي ـ والأخوان داييش ـ وعبدالله وبالقاسم الحبيب ـ وعبدالحميد ابو شهبة ـ وفتحي ابريك ـ وفتحي نور الدين والمرحوم محمد بن احميد والمرحوم الطيب شيبو ) وغيرهم كثيرون ..واستطاعت هذه الفرقة أن تجد لها موطئ قدم وتشد أنظار المشاهدين بعروضها المتنوعة الشيقة ، ولكن ولنفس الأسباب السابقة لم تستطع الفرقة الصمود .. وانسحبت مبكراً من الساحة الفنية .. وعلى انقاض فرقة المواهب تأسَّست بنادي التعاون فرقة الجيل الصاعد للتمثيل ، وهي على بساطتها استطاعت أن تضم نخبة من نجوم المسرح الذين مازال بعضهم يمارس المسرح تمثيلاً وتأليفاً وإخراجاً.. ومن أهم عناصرها ( عبدالباسط الجارد وغيث بوحرورة وحمد خنفور وإدريس عامر والمرحوم يونس حسونة وعبدالرازق السعيطي وعيسي امهشهش ويونس اغنيوه وإدريس نشَّاد وإدريس العرُّوشي وفرج الهمَّالي وخميس السعيطي وعبدالله نشَّاد ) .. والكثير ممِّن سقطوا من الذاكرة .
وقدَّمت هذه الفرقة معظم أعمالها على مسرح خشبة مسرح النادي ، ومن أهم أعمالها التي قدمتها خلال مسيرتها الفنية ( ابريدان ترجمان - ومجنون في المريخ وانفجر البركان ) وجميعها من تأليف عبد الباسط الجارد ، وإخراج عبد الرازق السعيطي ، عدا مسرحيَّة ( وانفجر البركان ) فهي من تأليف بالحسن الزويّ ، وقدَّمت نفس المجموعة أعمالها الأخرى تحت اسم ( فرقة جمعية بيوت الشباب ) عندما انضمَّت إلى هذه الجمعية وكوَّنت فرقة فنية بها .. أما أهم أعمالها التي قدمتها فهي مسرحيَّة ( مقعد بلا خسارة ) تأليف عبدالباسط الجارد وإخراج عبدالرازق السعيطي ، وقد شاركت بها في مهرجان النهر الصناعي بمدينة بنغازي 1983 ف تحت اسم فرقة بيوت شباب اجدابيا ، وحازت على إعجاب الحضور ولقيت تشجيعاً كبيراً من المهتمين بالمسرح والفن ؛ مما حدا بالفرقة أن تتقدم الى الجهات المختصة بالترخيص لها كفرقة أهلية رسمية تمارس عملها بعيداً عن الانضواء تحت أي تحت جمعية أو نادي رياضي – وكان لها ذلك ، إذ تم الاعتراف بها فرقة أهلية رسمية بموجب ترخيص رسمي سنة 1983 ف ، واتخذت من مقر فرقة المسرح الوطني المنحل مكاناً لها وتسمت باسم فرقة أصدقاء المسرح وقدمت العديد من الاعمال المتميزة من أهمها : مسرحيَّة ( ليش يا زهاوي ) ، تأليف عبدالباسط الجارد وإخراج عبدالرازق السعيطي ، وهو العمل الذي شاركت به في مهرجان النهر الثاني ببنغازي سنة 1984 ثم توالت الأعمال فكانت مسرحيَّة ( الفقاقيع ) وهي من تأليف وإخراج مصطفى السعيطي و( امبراطورية البزنس ) وهي من تأليف وإخراج مصطفى السعيطي أيضاً ، ثم ( بيت العجايب) وهي من تأليف مصطفى السعيطي وإخراج محسن الفاخري ، ثم (عين العقل ) وهي من تأليف واخراج عبدالباسط الجارد و( اضرب خلص ) وهي من تأليف عبدالله الحبيب ، و( سوك في دوك ) وهي من تأليف وإخراج عبدالباسط الجارد و( فندق بوشنة ) وهي من إخراج عبدالحميد بوعجيلة ، ومسرحيَّة ( خوذ والاَّ خلِّي ) وهي من تأليف عبدالباسط الجارد وقد شاركت بها فرقة أصدقاء المسرح في المهرجان الوطني السادس بمدينة طرابلس سنة 1424 م ثم مسرحيَّة ( قيس ومغليَّة ) وهي من تأليف عبدالباسط الجارد وأول إخراج لإدريس عامر وهي التي شاركت بها الفرقة في مهرجان الخليج المسرحي الذي التأم بمدينة اجدابيا سنة 1991 ف ومسرحيَّة ( الدفن فوق الأرض ) تأليف عبدالباسط الجارد وإخراج إدريس عامر ، واشتركت بها في المهرجان الوطني الثامن بطرابلس سنة 1998 ف ، ثم مسرحيَّة ( الخروج من القمقم ) وهي من تأليف غيث بوحرورة وإخراج إدريس عامر ، ومسرحيَّة ( نحن والغرباء ) وهي من تأليف غيث بوحرورة وإخراج إدريس عامر . وكان ذلك سنة 2006 ف سنة إعداد هذه السطور.
أما فرقة الينابيع فقد تكوَّنت سنة 1991 ف على يد كل من ( مصطفى السعيطي ـ وجمعة الفاخري ـ وعبدالسلام العوامي ـ وابراهيم القذافي ـ وسليمان اللويطي ـ واصميدة الشيخي ـ وفخري الدرباك ـ وفتحي ابريَّك ـ ومحمد دبوب ـ ومحسن الفاخري ـ وعبدالنبي الماجري ـ وعلي العبيدي ـ وفوزي النجمي ـ) وغيرهم .. وقدمت باكورة إنتاجها الأول مسرحيَّة الرياح والصارى التي شاركت بها في مهرجان الخليج الأول سنة 1991 ف وهي من تأليف وإخراج مصطفى السعيطي ، ثم توالت أعمالها المسرحيَّة ومن أهمها : ( صك مصدق – أربعة في أربعة – البروق المعلَّبة – جحا الذي – ) وقد شاركت في المهرجان الوطني الثامن سنة 1991 ف بمسرحيَّة البروق المعلبة وفي المهرجان الوطني التاسع سنة 2006 ف بإعادة مسرحيَّة الرياح والصاري , وهذه الأعمال جميعها من تأليف وإخراج ( مصطفى السعيطي ) عدا مسرحيَّة ( أربعة في أربعة ) فهي من تأليف فتحي القابسي وإخراج مفتاح خالد.
أما فرقة اجدابيا للفنون المسرحيَّة فهي آخر مولود فني تكوَّن في رحم هذه المدينة , ومن مؤسِّسيها ( فتحي القابسي – مفتاح خالد – جمعة القبائلي – مفتاح خالد – خالد ابريِّك – محمود بوعادة – وغيرهم ) ... وقد قدَّمت الفرقة عدة مسرحيَّات فكاهيَّة منها ( حارة العوافي – ومدرسة لكن مدرسة – ويسلم عليك العقل – ومنامي جاب ) ثم اشتركت الفرقة في مهرجان المسرح التجريبي الثاني بالبيضاء بمسرحيَّة ( هذيان ) وهي من تأليف فتحي القابسي ، وإخراج مفتاح خالد . إلا أن هذه الفرقة شأنها شأن فرقة الينابيع لا تملك مقراً تجري فيه تجاربها المسرحيَّة مما حدّ من انطلاقها الفنيّ وجعل الحركة المسرحيَّة بالمدينة تتأخَّر قليلاً عن مثيلاتها بالمدن الأخرى ذات الامكانيَّات الكبيرة والدعم اللامحدود .
ولا يفوتنا في هذه السطور أن نذكر أنه تم إنشاء فرقة للطفل تحت اسم ( فرقة محمد السوكني ) أسسها وأشرف عليها ( طاهر الشريف ومحمد عبدالسلام الجالي) , إلا أنها لم تستمر طويلاً لنفس ظروف الفرق الأخرى .
هذه في عجالة بسطة موجزة عن المسرح والحركة المسرحيَّة في مدينة اجدابيا التي كانت – وما تزال – رافداً مهماً من روافد الفن في بلادنا التي كادت أن تكون شيئاً ذا قيمة لولا نقص أهم روافد الإنتاج الفني وهو الدعم المادي والمعنوي الذي لا زالت تعاني منه حتى الآن .