ملاحظات على هامش
المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية 1991 م
بقلم/ سليمان سالم كشلاف
المهرجانات والنشاطات الأدبية والفنية التي تتوفر فيها لقاءات على مستوى عدد كبير من الكتاب والأدباء والفنانين ، ظواهر نبيلة وطيبة ومطلوبة ، مطلوب حدثوها ، ومطلوب استمراريتها والمحافظة على بقائها خلال مواعيد معروفة ، يتهيأ لها الجميع ، ليقولوا قولهم ،، وليستمعوالما يقوله الاخرون ، مطلوب أن تصبح أشبه ما يكون بـ"مؤتمر عام" تختلف فيه وجهات النظر وتتعدد الآراء وتوضع الأعمال المقدمة تحت الأضواء وتناقش ، ترتفع أصوات وتنخفض أصوات ، تبرز وجوه وتختفي وجوه ، تنجح أعمال وتفشل أخرى لكن الحقيقة الثابتة لدي جميع المشاركين تكتسب عندهم معنى واحداً هو : الاستمرار ، ثم الاستمرار ، ثم الاستمرار .
هذا المعنى للاستمرارية لابد أن يثبت ويثبت في أذهان المشاركين في الملتقيات الثقافية الأدبية ، لأن فيه معنى التواصل ومعنى الاستفادة من هذا التراكم الكمى والكيفي في توليد نشاطات جديدة وفي مناقشة ما نقوم به وما يحدث ، وتجميع الدروس المستفادة من أي تجمع ثقافي حدث أو يحدث .
وفي سبيل تثبيت بعض تلك المعاني لابد لنا إثر كل جولة من جولات تلك اللقاءات أن نثير النقاش حول ما لدينا ، وما يجب أن يكون وبحيث يكون الملتقى القادم تثبيتاً لبعض لأفكار ونقاشًا لبعضها واستفادة من عرض وجهات النظر التي طرحت ، ومحاولة لمعالجة أية أخطاء أو تقصير أو عدم فهم لما قدم في السابق .
على هذا الأساس ، وبعد أن انتهت فعاليات "المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية" يصح أن تقال الأفكار ، وأن التنبيه إلى بعض الأخطاء أو الثناء على ما بذل مجهوداً .
فمن الواضح أن هناك الكثير من الأخطاء ، لكن هناك الكثير من الحسنات اختصت بها فعاليات "المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية" وإذا كنت أتجاوز عن الأخطاء الإدارية التي حدثت لسبب أو لآخر ، والتي يبدو أن أهمها عدم الاقناع الكامل من الجهاز الإداري بجدوى المسرح أو إمكانية أن يساهم في توعية وتثقيف الجماهير ، إلا أنني أدرك أن ذلك التقصير وتلك الأخطاء لن تستمر ، أو على الأقل أن ضررها لم يمتد بحجمه وتأثيره الحاليين إلى المستقبل .
لذلك أتجاوز تلك الأخطاء إلى التركيز على جملة مبادىء أقرّها "المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية" لعل أهمها أن لايشارك في الملتقيات المسرحية العربية والدولية إلا الفرق التي تشارك في الملتقيات المسرحية الوطنية ، إننا بذلك لانقطع الطريق فحسب على أعمال يتصور البعض أنها جديرة بالمشاركة الخارجية ودون إحساس من أصحابها بأنهم لايقدمون عملاً بأسمائهم بل يعرضون مستوى فنياً ذا صلة ببلادنا ، وبالتالي فإن الحكم من الاخرين لايكون على الفرقة المشاركة بمقدار ما ينعكس على الحركة الفنية عموماً في "ليبيا".
وقد حدث هذا ذات يوم ، عندما تعامل الإداريون مع هذه المسألة على أنها "غنيمة" تقسم بين كافة الفرق المسرحية وفقاً لمناطقها ، لكل دورة فيها ، بغض النظر عما إذا كان يستطيع القيام به أم لا ، وبالتالي فإن هذه الخطوة ستضع الفرقة والعمل الفني في محك تجربة محلية لإثبات جدارتها قبل أن تخطو خطوة متقدمة فتخوض مجال المنافسة أمام فرقٍ عربية وأجنبية لها تاريخها ولها تجربتها .
يكمل هذا المبدأ أن الفرق التي تشارك في المهرجاات المسرحية الوطنية لن تمثل "الجماهيرية" في المهرجانات العربية والدولية إلا إذا كانت إحدى ثلاث فرق تقدم عملاً من الأعمال الثلاثة المتميزة ، وهو يعني أننا نتقدم إلى تلك المشاركات بأفضل ما لدينا من أعمال في منافسة أعمال متميزة من الآخرين ، وبذلك يكون مجال الإبداع في الداخل لدى الفنانين والفرق من أجل تقديم الأفضل والمتميز على الآخرين بالعمل والجهد والرأى خطوة إلي التميز في المشاركات الخارجية ، وفرصة للاطلاع والاكتشاف والمعرفة لدي الفنيين والفنانين وهم يمرون بتجارب الآخرين ، ليكون هناك مجال للمقارنة والتصحيح والاستفادة واكتساب التجارب من أفضل المستويات العربية والدولية الموجودة .
ومبدأ إتاحة الفرصة لجميع المخرجين الذين يشاركون بأعمالهم في "المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية" مستقبلاً في حضور الملتقيات الدولية يؤكد جوهر الاحتكاك والاستفادة ومعرفة ما وصل إليه الآخرون وكيف استطاعوا تحقيقه إننا بحضور المخرج - الذي هو رأس العمل الفني - لتلك العروض نضمن أن يساعد مزيج الرؤية والاستفادة والاحتكاك والاطلاع كثيراً على إنضاج الأفكار والخروج بتصورات ورؤى ربما كان البحث عنها مستمراً في ذهنه ، لتتبلور أكثر في المناقشات والندوات التي تقام حول العروض المسرحية المقدمة ، أو عن موضوعات محددة ضمن فعاليات الملتقى تبحث شأناً من الشؤون المسرحية ، في محاولة للخروج بحل شارك فيه الجميع ويسعون للعمل من أجله .
إننا بحاجة تبدو ماسة لأن يخضع ممثلو المسرح إلى تدريب جسماني شاق لكي يكتسبوا نوعاً من اللياقة البدنية فما نلاحظه في كثير من العروض المسرحية أن الممثل أو الممثلة يظلان عاجزين عن أداء أبسط الحركات الجسدية دون أن يهتزا ويبذلا مجهوداً خارقاً لتحقيق ذلك ، يستوى في هذا الأمر من كان قوامه مثل عود الخيزران أو من استوى كرشه على شكل كرة كبيرة فالجسد عاجز ، والعجز لايصدر عن عدم إمكانية فعل ذلك بل يأتي من عدم الاستعداد لفعل ذلك .
ففي الوقت الذي يتخذ فيه التعبير الجسدي حيزاً كبيراً من مفهوم الأداء المسرحي ، يساهم مع الموسيقا والإضاءة وكافة المكملات في إعطاء النص قوته وحياته وحيويته ، نجد أن طريق التعبير بالجسد تأخذ مساحة كبيرة من العرض المسرحي ، وقد تكون ارتكازاً هاماً له ، ولعل ذلك بدأ واضحاً في عروض قدمت بالمهرجان الوطني الخامس مثل "السندباد" و "السيد جمجمة" و"تراجيديا السيف الخشبي" و "رحلة ابن دانيال" وذلك يبرز لنا أهمية هذا الأسلوب من التعبير الذي يتحول فيه الجسد الإنساني إلى معنى موظف في سياق العرض المسرحي.
ومن هنا تبدو ضرورة سد هذا النقص في مؤسساتنا التعليمية المتخصصة مثل "معهد جمال الدين الميلادي للموسيقا والمسرح" و "معهد علي الشعالية" ليخلق من اندماج الفن بالرياضة سبيلاً إلى تطوير الأداء المسرحي إغنائه بطاقة لم يحسن فنانونا استخدامها بعد وهي القدرة على التعبير الجسدي.
ومما يضيع الكثيرمن الجهد منذ لحظة رفع الستار ليبدأ العرض المسرحي عدم إمكان الاستماع إلى الممثلين خلال العرض لضياع الصوت داخل القاعة ، أما لعدم توفر السكون الكامل والانتباه داخل القاعة ، أو عدم توفر آلات نقل الصوت بطريقة يتمكن بها مشاهد في الصفوف الخلفية من القاعة من الاستماع والفهم ، إلى خفوت صوت الممثل أو الممثلة أصلاً وعدم تناسبه مع طبيعة الدور المؤدي.
وإذا كان في الإمكان التغلب على صعوبات وصول الصوت إلى المشاهد في الصفوف الخلفية نقياً فإن المسألة الأصعب في تصوري هي أن أول من يحتاج إلى الرعاية في هذه النقطة بالذات هو الممثل وإمكانياته الصوتية.
فالكثير من الممثلين والممثلات تموت أصواتهم قبل أن تتجاوز خشبة المسرح ، فلا الصوت مسموع ولا هو واضح ولا هو مفهوم.
ينطلق الصوت مبحوحاً ، مخنوقاً متحشرجاً ، عاجزاً عن الاستمرار في أداء جملة طويلة النفس ، عاجزاً عن تقطيع الحوار ، عاجزاً عن نطق جملة صحيحة لغوياً دون لحن .
تموت الأصوات عند عتبات الصف الأول من المشاهدين ، ليصبح العرض المسرحي خليطاً من الإضاءة والمناظر والحركة والأزياء وتغيب عنه أهم شروطه وهو الحوار ، وما يخلق تمييزاً بين المسرح وصنوف أخرى من الفن هو اعتماد البناء المسرحي على الحوار بدرجة أولى فالمسرح لغة حوار ، وعندما تغيب هذه اللغة ينهار البناء .
والبناء المسرحي يعتمد العنصر البشري أساساً والصوت أداة التعبير الرئيسية لتوصيل الكلمة فإذا ما غاب الصوت غابت العوامل الأخرى متسلسلة وضاع كل الجهد الذي بذل .
من ذلك يظهر الاحتياج لإخضاع الكثير من الممثلين والممثلات لتدريبات صوتية تربي في الممثل قدراته في السيطرة على صوته ، تدريبات تتيح للصوت المشروخ إمكانية الوضوح ، وللصوت المتقطع إمكانية الاستمرار في الأداء بطلاقة وبدون تعثر ، وتدرب على الأذن على الاستماع السليم ، وتدرب اللسان على النطق السليم ، بحيث ينتبه الممثل إلى أي لحن في النطق باللغة العربية ، ويمكنه هذا التدريب من تقطيع الجمل في مواضعها السليمة ، والتوقف في الأماكن التي ينبغي أن يتوقف فيها ، فيتخلص بذلك من الوقفات الاعتباطية التي تفسد بدل أن تساهم في النجاح .
ولعل الظاهرة الملفتة للنظر حقاً خلال فترة المهرجان كثرة الأخطاء في نطق اللغة العربية الفصحي فيما عدا مسرحية "الحريق" التي كانت عرضاً لمسرح "الممثل الواحد" التي قدمت باللهجة العامية ، وقدمت بقية العروض "١٠ مسرحيات" باللغة الفصحى ، وذلك جميل وطيب ، لكن معنى ذلك ايضا أن هناك إجادة في استخدام اللغة الفصحي وقد كشفت العروض الضعف اللغوي لكثير من الممثلين وذلك يرجع أساساً لغياب عادة القراءة واختفاء الأذن الموسيقية التي تتربى نتيجة ذلك وتستطيع تمييز الخطأ من الصواب في النطق ، ومعها يكون التدريب اللساني لتفادي أي لحن كلامي.
إن الأخطاء اللغوية على ألسنة الممثلين والممثلات كثيرة ، وهي تشرخ السمع عند حدوثها ، ولايمكن الخلاص منها إلا بعدم السماح بحدوثها منذ البداية ، إن الممثل لن يستطيع نطقاً سليماً لمخارج الحروف ونهايات الكلام ومواضع الوقوف إذا تعّود على الخطأ منذ البداية .
وفي جلسات القراءة الأولى متسع لترسيخ النطق اللغوي السليم وتقطيع الحوار والوقفات ، ذلك أن مخرج المسرحية يكتب السطور الأولى في صفحة بيضاء ، فإذا ما كتبها بطريقة خاطئة كان من الصعب بعد ذلك تصحيحها ، نتيجة التعود على ترديدها ، ولتعود اللسان على نطقها خطأ ، وما يتبع ذلك أن تصبح تدريبات الحركة تثبيتاً للخطأ إن وجد أو تثبيتاً للصواب في حال حدوثه .
فجلسات القراءة ليست لمجرد تصحيح الأخطاء الكتابية وتوزيع الأدوار وحفظ الحوار ودراسة الشخصيات ، إنها تثبيت الأساس هام في العمل المسرحي هو قواعد اللغة المكتوب بها والناطقة بها شخصيات النص المكتوب ، ومن شأن الإيقاع الصوتي اللغوي أن يختل إذا ما كانت اللغة ضعيفة ينطقها ممثلون وممثلات تعودوا على النطق الخطأ منذ البداية ،ولا أدري موقف المخرجين من ذلك ولامدى التفاتهم إلى هذه الناحية المهمة ، وأن كنا قد لمسنا ذلك من خلال العروض . لكنني أرى أن من العيب أن تكون هناك أخطاء في لغة نستعملها حديثاً واستماعاً وقراءة وهي أساس من أسس قوميتنا ، بل إن خطابنا الديني متمثلاً في القرآن كمعجزة صنعتها اللغة ومع ذلك فنحن لا ننطقها كما يجب عندما نستخدمها ومما لاحظته في ملتقيات سابقة لهذا المهرجان أن الاخطاء تتركز أكثر كلما كانت تجربتنا في استخدام اللغة الفصحى أكبر.
وبعد ذلك ..
وهل تتجمع كل الآراء وتلتقي كل الأفكار ليكون "المهرجان الوطني السادس للفنون المسرحية" أفضل مما سبقه ؟
هل نعالج أخطاءنا من خلال ما رأينا وسمعنا وقرأنا ؟
أرجو أن يحدث ذلك.
المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية 1991 م
بقلم/ سليمان سالم كشلاف
المهرجانات والنشاطات الأدبية والفنية التي تتوفر فيها لقاءات على مستوى عدد كبير من الكتاب والأدباء والفنانين ، ظواهر نبيلة وطيبة ومطلوبة ، مطلوب حدثوها ، ومطلوب استمراريتها والمحافظة على بقائها خلال مواعيد معروفة ، يتهيأ لها الجميع ، ليقولوا قولهم ،، وليستمعوالما يقوله الاخرون ، مطلوب أن تصبح أشبه ما يكون بـ"مؤتمر عام" تختلف فيه وجهات النظر وتتعدد الآراء وتوضع الأعمال المقدمة تحت الأضواء وتناقش ، ترتفع أصوات وتنخفض أصوات ، تبرز وجوه وتختفي وجوه ، تنجح أعمال وتفشل أخرى لكن الحقيقة الثابتة لدي جميع المشاركين تكتسب عندهم معنى واحداً هو : الاستمرار ، ثم الاستمرار ، ثم الاستمرار .
هذا المعنى للاستمرارية لابد أن يثبت ويثبت في أذهان المشاركين في الملتقيات الثقافية الأدبية ، لأن فيه معنى التواصل ومعنى الاستفادة من هذا التراكم الكمى والكيفي في توليد نشاطات جديدة وفي مناقشة ما نقوم به وما يحدث ، وتجميع الدروس المستفادة من أي تجمع ثقافي حدث أو يحدث .
وفي سبيل تثبيت بعض تلك المعاني لابد لنا إثر كل جولة من جولات تلك اللقاءات أن نثير النقاش حول ما لدينا ، وما يجب أن يكون وبحيث يكون الملتقى القادم تثبيتاً لبعض لأفكار ونقاشًا لبعضها واستفادة من عرض وجهات النظر التي طرحت ، ومحاولة لمعالجة أية أخطاء أو تقصير أو عدم فهم لما قدم في السابق .
على هذا الأساس ، وبعد أن انتهت فعاليات "المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية" يصح أن تقال الأفكار ، وأن التنبيه إلى بعض الأخطاء أو الثناء على ما بذل مجهوداً .
فمن الواضح أن هناك الكثير من الأخطاء ، لكن هناك الكثير من الحسنات اختصت بها فعاليات "المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية" وإذا كنت أتجاوز عن الأخطاء الإدارية التي حدثت لسبب أو لآخر ، والتي يبدو أن أهمها عدم الاقناع الكامل من الجهاز الإداري بجدوى المسرح أو إمكانية أن يساهم في توعية وتثقيف الجماهير ، إلا أنني أدرك أن ذلك التقصير وتلك الأخطاء لن تستمر ، أو على الأقل أن ضررها لم يمتد بحجمه وتأثيره الحاليين إلى المستقبل .
لذلك أتجاوز تلك الأخطاء إلى التركيز على جملة مبادىء أقرّها "المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية" لعل أهمها أن لايشارك في الملتقيات المسرحية العربية والدولية إلا الفرق التي تشارك في الملتقيات المسرحية الوطنية ، إننا بذلك لانقطع الطريق فحسب على أعمال يتصور البعض أنها جديرة بالمشاركة الخارجية ودون إحساس من أصحابها بأنهم لايقدمون عملاً بأسمائهم بل يعرضون مستوى فنياً ذا صلة ببلادنا ، وبالتالي فإن الحكم من الاخرين لايكون على الفرقة المشاركة بمقدار ما ينعكس على الحركة الفنية عموماً في "ليبيا".
وقد حدث هذا ذات يوم ، عندما تعامل الإداريون مع هذه المسألة على أنها "غنيمة" تقسم بين كافة الفرق المسرحية وفقاً لمناطقها ، لكل دورة فيها ، بغض النظر عما إذا كان يستطيع القيام به أم لا ، وبالتالي فإن هذه الخطوة ستضع الفرقة والعمل الفني في محك تجربة محلية لإثبات جدارتها قبل أن تخطو خطوة متقدمة فتخوض مجال المنافسة أمام فرقٍ عربية وأجنبية لها تاريخها ولها تجربتها .
يكمل هذا المبدأ أن الفرق التي تشارك في المهرجاات المسرحية الوطنية لن تمثل "الجماهيرية" في المهرجانات العربية والدولية إلا إذا كانت إحدى ثلاث فرق تقدم عملاً من الأعمال الثلاثة المتميزة ، وهو يعني أننا نتقدم إلى تلك المشاركات بأفضل ما لدينا من أعمال في منافسة أعمال متميزة من الآخرين ، وبذلك يكون مجال الإبداع في الداخل لدى الفنانين والفرق من أجل تقديم الأفضل والمتميز على الآخرين بالعمل والجهد والرأى خطوة إلي التميز في المشاركات الخارجية ، وفرصة للاطلاع والاكتشاف والمعرفة لدي الفنيين والفنانين وهم يمرون بتجارب الآخرين ، ليكون هناك مجال للمقارنة والتصحيح والاستفادة واكتساب التجارب من أفضل المستويات العربية والدولية الموجودة .
ومبدأ إتاحة الفرصة لجميع المخرجين الذين يشاركون بأعمالهم في "المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية" مستقبلاً في حضور الملتقيات الدولية يؤكد جوهر الاحتكاك والاستفادة ومعرفة ما وصل إليه الآخرون وكيف استطاعوا تحقيقه إننا بحضور المخرج - الذي هو رأس العمل الفني - لتلك العروض نضمن أن يساعد مزيج الرؤية والاستفادة والاحتكاك والاطلاع كثيراً على إنضاج الأفكار والخروج بتصورات ورؤى ربما كان البحث عنها مستمراً في ذهنه ، لتتبلور أكثر في المناقشات والندوات التي تقام حول العروض المسرحية المقدمة ، أو عن موضوعات محددة ضمن فعاليات الملتقى تبحث شأناً من الشؤون المسرحية ، في محاولة للخروج بحل شارك فيه الجميع ويسعون للعمل من أجله .
إننا بحاجة تبدو ماسة لأن يخضع ممثلو المسرح إلى تدريب جسماني شاق لكي يكتسبوا نوعاً من اللياقة البدنية فما نلاحظه في كثير من العروض المسرحية أن الممثل أو الممثلة يظلان عاجزين عن أداء أبسط الحركات الجسدية دون أن يهتزا ويبذلا مجهوداً خارقاً لتحقيق ذلك ، يستوى في هذا الأمر من كان قوامه مثل عود الخيزران أو من استوى كرشه على شكل كرة كبيرة فالجسد عاجز ، والعجز لايصدر عن عدم إمكانية فعل ذلك بل يأتي من عدم الاستعداد لفعل ذلك .
ففي الوقت الذي يتخذ فيه التعبير الجسدي حيزاً كبيراً من مفهوم الأداء المسرحي ، يساهم مع الموسيقا والإضاءة وكافة المكملات في إعطاء النص قوته وحياته وحيويته ، نجد أن طريق التعبير بالجسد تأخذ مساحة كبيرة من العرض المسرحي ، وقد تكون ارتكازاً هاماً له ، ولعل ذلك بدأ واضحاً في عروض قدمت بالمهرجان الوطني الخامس مثل "السندباد" و "السيد جمجمة" و"تراجيديا السيف الخشبي" و "رحلة ابن دانيال" وذلك يبرز لنا أهمية هذا الأسلوب من التعبير الذي يتحول فيه الجسد الإنساني إلى معنى موظف في سياق العرض المسرحي.
ومن هنا تبدو ضرورة سد هذا النقص في مؤسساتنا التعليمية المتخصصة مثل "معهد جمال الدين الميلادي للموسيقا والمسرح" و "معهد علي الشعالية" ليخلق من اندماج الفن بالرياضة سبيلاً إلى تطوير الأداء المسرحي إغنائه بطاقة لم يحسن فنانونا استخدامها بعد وهي القدرة على التعبير الجسدي.
ومما يضيع الكثيرمن الجهد منذ لحظة رفع الستار ليبدأ العرض المسرحي عدم إمكان الاستماع إلى الممثلين خلال العرض لضياع الصوت داخل القاعة ، أما لعدم توفر السكون الكامل والانتباه داخل القاعة ، أو عدم توفر آلات نقل الصوت بطريقة يتمكن بها مشاهد في الصفوف الخلفية من القاعة من الاستماع والفهم ، إلى خفوت صوت الممثل أو الممثلة أصلاً وعدم تناسبه مع طبيعة الدور المؤدي.
وإذا كان في الإمكان التغلب على صعوبات وصول الصوت إلى المشاهد في الصفوف الخلفية نقياً فإن المسألة الأصعب في تصوري هي أن أول من يحتاج إلى الرعاية في هذه النقطة بالذات هو الممثل وإمكانياته الصوتية.
فالكثير من الممثلين والممثلات تموت أصواتهم قبل أن تتجاوز خشبة المسرح ، فلا الصوت مسموع ولا هو واضح ولا هو مفهوم.
ينطلق الصوت مبحوحاً ، مخنوقاً متحشرجاً ، عاجزاً عن الاستمرار في أداء جملة طويلة النفس ، عاجزاً عن تقطيع الحوار ، عاجزاً عن نطق جملة صحيحة لغوياً دون لحن .
تموت الأصوات عند عتبات الصف الأول من المشاهدين ، ليصبح العرض المسرحي خليطاً من الإضاءة والمناظر والحركة والأزياء وتغيب عنه أهم شروطه وهو الحوار ، وما يخلق تمييزاً بين المسرح وصنوف أخرى من الفن هو اعتماد البناء المسرحي على الحوار بدرجة أولى فالمسرح لغة حوار ، وعندما تغيب هذه اللغة ينهار البناء .
والبناء المسرحي يعتمد العنصر البشري أساساً والصوت أداة التعبير الرئيسية لتوصيل الكلمة فإذا ما غاب الصوت غابت العوامل الأخرى متسلسلة وضاع كل الجهد الذي بذل .
من ذلك يظهر الاحتياج لإخضاع الكثير من الممثلين والممثلات لتدريبات صوتية تربي في الممثل قدراته في السيطرة على صوته ، تدريبات تتيح للصوت المشروخ إمكانية الوضوح ، وللصوت المتقطع إمكانية الاستمرار في الأداء بطلاقة وبدون تعثر ، وتدرب على الأذن على الاستماع السليم ، وتدرب اللسان على النطق السليم ، بحيث ينتبه الممثل إلى أي لحن في النطق باللغة العربية ، ويمكنه هذا التدريب من تقطيع الجمل في مواضعها السليمة ، والتوقف في الأماكن التي ينبغي أن يتوقف فيها ، فيتخلص بذلك من الوقفات الاعتباطية التي تفسد بدل أن تساهم في النجاح .
ولعل الظاهرة الملفتة للنظر حقاً خلال فترة المهرجان كثرة الأخطاء في نطق اللغة العربية الفصحي فيما عدا مسرحية "الحريق" التي كانت عرضاً لمسرح "الممثل الواحد" التي قدمت باللهجة العامية ، وقدمت بقية العروض "١٠ مسرحيات" باللغة الفصحى ، وذلك جميل وطيب ، لكن معنى ذلك ايضا أن هناك إجادة في استخدام اللغة الفصحي وقد كشفت العروض الضعف اللغوي لكثير من الممثلين وذلك يرجع أساساً لغياب عادة القراءة واختفاء الأذن الموسيقية التي تتربى نتيجة ذلك وتستطيع تمييز الخطأ من الصواب في النطق ، ومعها يكون التدريب اللساني لتفادي أي لحن كلامي.
إن الأخطاء اللغوية على ألسنة الممثلين والممثلات كثيرة ، وهي تشرخ السمع عند حدوثها ، ولايمكن الخلاص منها إلا بعدم السماح بحدوثها منذ البداية ، إن الممثل لن يستطيع نطقاً سليماً لمخارج الحروف ونهايات الكلام ومواضع الوقوف إذا تعّود على الخطأ منذ البداية .
وفي جلسات القراءة الأولى متسع لترسيخ النطق اللغوي السليم وتقطيع الحوار والوقفات ، ذلك أن مخرج المسرحية يكتب السطور الأولى في صفحة بيضاء ، فإذا ما كتبها بطريقة خاطئة كان من الصعب بعد ذلك تصحيحها ، نتيجة التعود على ترديدها ، ولتعود اللسان على نطقها خطأ ، وما يتبع ذلك أن تصبح تدريبات الحركة تثبيتاً للخطأ إن وجد أو تثبيتاً للصواب في حال حدوثه .
فجلسات القراءة ليست لمجرد تصحيح الأخطاء الكتابية وتوزيع الأدوار وحفظ الحوار ودراسة الشخصيات ، إنها تثبيت الأساس هام في العمل المسرحي هو قواعد اللغة المكتوب بها والناطقة بها شخصيات النص المكتوب ، ومن شأن الإيقاع الصوتي اللغوي أن يختل إذا ما كانت اللغة ضعيفة ينطقها ممثلون وممثلات تعودوا على النطق الخطأ منذ البداية ،ولا أدري موقف المخرجين من ذلك ولامدى التفاتهم إلى هذه الناحية المهمة ، وأن كنا قد لمسنا ذلك من خلال العروض . لكنني أرى أن من العيب أن تكون هناك أخطاء في لغة نستعملها حديثاً واستماعاً وقراءة وهي أساس من أسس قوميتنا ، بل إن خطابنا الديني متمثلاً في القرآن كمعجزة صنعتها اللغة ومع ذلك فنحن لا ننطقها كما يجب عندما نستخدمها ومما لاحظته في ملتقيات سابقة لهذا المهرجان أن الاخطاء تتركز أكثر كلما كانت تجربتنا في استخدام اللغة الفصحى أكبر.
وبعد ذلك ..
وهل تتجمع كل الآراء وتلتقي كل الأفكار ليكون "المهرجان الوطني السادس للفنون المسرحية" أفضل مما سبقه ؟
هل نعالج أخطاءنا من خلال ما رأينا وسمعنا وقرأنا ؟
أرجو أن يحدث ذلك.