مسرحية جالو
بقلم / أبوالقاسم فرنانة
مسرحية ( جالو ) تأليف منصور أبوشناف
إخراج : محمد العلاقي
المسرحية مطبوعة بالحاسوب وعدد صفحاتها (٢٥) صفحة من حجم ( a-4 ) وشخصياتها / السلطان ، السلطانة ، الجارية ، قائد الجند ، الشيخ ، العميان ، الدليل المنادي ، الرجل المحذر ، الزوجة ، ومجاميع الأهالي .
زمن العرض : ( 75 دقيقة )
وقد عرضت عام 1998 على مسرح الكشاف
حكاية النص :
حكاية لمدينة تتحول إلى صحراء بعد أن تصاب بالتصحر ، بسبب الإهمال ومحاربة الطبيعة ، تمثل ذلك في اقتلاع أشجارها وإزالة غطائها النباتي ، والسلطان الغارق في ملذاته وعبثه ولهوه حيث أصبح ألعوبة في يد الطامعين والمستفيدين من هذه الحالة التي وصلت إليها البلاد ، فالشيخ الذي لم يعرف من أي مكان قادم استطاع بأساليبه المشبوهة المتمثلة في استعماله لعدد من الحيل فتارة بدهائه وأخرى بشعوذته ، إلى أن ينتزع ثقة السلطان الذي أطلق يده في البلاد فعاث فيها فساداً دمر أرضها وسجن وقتل الشرفاء من أهل البلاد ، فبعد أن جرد الأرض من غطائها النباتي ، تعرضت للعواصف الرملية ، فزحفت عليها الرمال من كل اتجاه حتى أصيبت بالتصحر ، فتركها سكانها ورحلوا عنها مهاجرين طلباً للنجاة ، وبهذه النهاية المأساوية تبدأ قصة ( جالو (.
حكاية العرض :
يبدأ العرض بصياح وصوت أحد الشخصيات ، وهو يجري يميناً ويساراً في حالة هلع وخوف ، وبعده نرى شخصيات أخرى تتجمع حوله ، وهنا يتضح أن هذه الشخصية المذعورة هي شخصية السلطان وهو قائم مفزوعاً من نومه بسبب كابوس كان يأتيه بين فترة وأخرى حيث كان يرى أن أشخاصاً يحاولون قتله ، فيتم إعادة الملك إلى القصر محمولاً تصاحبه إيقاعات الدفوف والتي تؤكد أنه مصاب بشيء من الجنون فبعد أن يوضع كرسيه المستطيل تضاء الخلفية فتدخل الجارية التي تحكي له قصة من قصص ألف ليلة وليلة حتى ينام فتنسحب هي وتعود إلى مكانها تطفأ الإضاءة على الستارة الخلفية فتضاء المقدمة حيث تدخل شخصيتان هما شخصية الزوج والزوجة يربطهما حبل ثم نشاهد دخول يمسك كل منهما بعصا يتلمسان بهما الطريق فيتضح أنهما أعميان يسيران في الطريق متجهان إلى المدينة إلى أن يخرجا من الخشبة ، ثم تطفأ إضاءة المقدمة ، وتضاء الخلفية لنعود إلى السلطان والجارية التي تقوم بالرقص له وهو يغني من جديد وتضاء المقدمة تدخل شخصية الشيخ الذي يستعرض خشبة المسرح ثم يدخل عليه أحد الأهالي يطالب الناس بحماية الأرض وهنا تبدأ الأحداث تأخذ شكل الصراع بين الخير والشر ، وتستمر الأحداث وتبدأ في التصاعد حتى تصل نهايتها بتعرض البلاد للتصحر ، وهجرة السكان ويختار المخرج النهاية بأن وضع نخلة متكاملة الشكل وبجوارها نخلة منزوعة الرأس ، والرجل متكور تحتها تحاصرهم دائرة الإضاءة في وسط خواء مظلم في الفضاء المسرحي .
التكوين التشكيلي للعرض
تكوين المنظر
اعتمد المخرج لإيصال رؤيته ومضمون النص حول التصحر على ترك الفضاء خالياً من المناظر إلا القليل منها وهذا يعبر عن دلالة واضحة لمسألة التصحر ، فيرى المخرج في فضاء المسرح المدينة بكاملها وحتى كرسي السلطان وضعه في فضاء خالٍ أيضاً من أي مناظر ، وهنا يؤكد مرة أخرى أن التصحر لا يمس المدينة فقط ، بل يصل أيضاً حتى لداخل القصر رغم ترف الحياة التي يعيشها السلطان ، هذا التكوين العام للخشبة لم يتناقض مطلقاً مع فكرة النص بل أكدها وباعتماده على الستائر الخلفية الشفافة التي تجرى فيها أحداث القصر أكدت أنه لا عازل بين الداخل والخارج أو بين القصر وما يعيشه بقية العامة كما أن تقسيم الخشبة بخطوط أفقية من خلال ستائر الخلفية وإيصالها بنقطة الوسط ثم المقدمة إلى أن تصل المتفرج دخل الذي أيضاً ، وعندما يختم المخرج تكوينه في نهاية العرض بمنظر لشجرة نخيل وهي تنمو بالتدريج حتى تحتل منتصف أعلى الفضاء المسرحي ، ليدل رغم هذه الحالة البائسة التي وصلت إليها المدينة وليبعث شيئاً من الأمل في المستقبل أنه رغم هذا التصحر قد تنمو شجرة .
تكوين السلطان والحاشية :
من خلال وجود الكرسي المستطيل يمكن أن نستدل على شخصية السلطان فهذا الكرسي الذي يستخدم مرة كرسي الحكم ومرة أخرى كسرير وذلك لبلورة فكرة مفادها يوضح أن السلطان قد اختلطت عليه الأمور ، ولا يفصل بين عمله كسلطان يرعى أمور الناس وشؤونهم ، وبين تصرفاته الشخصية التي تتمثل في لهوه وعبثه .
كما أن حركة السلطان وما يحدثه من تكوينات في أشكال خطوط متعرجة أو دائرية أو متقطعة من خلال قفزة تعطي دلالات ومعاني واضحة على اهتزاز هذه الشخصية وضعفها ، فمن خلال علاقتها ببقية الحاشية نكشف سذاجتها أيضاً ، ويؤكد المخرج في تكوينات متعددة فتارة يضعه ملقى على ظهره في وسط الكرسي وهو يحرك قدميه إلى الفضاء ، وكأنه طفل صغير يلهو في سريره ، وتارة أخرى يجعله يجري على خشبة المسرح يميناً ويساراً وأخرى يرقص أمام الجارية ومن خلال التكوين الذي تنوع نلاحظ أنه جاء كاشفاً عن الحالة النفسية للسلطان باعتباره يمثل القوة إلا أنه مضطرب في حالات متعددة عبر عنها التكوين ، من خلال جعل حركة السلطان غير المتزنة لا تعبر عن تناقض بين السلطان من جهة وما يمكن أن يؤول إليه الحال من جهة ثانية ، والحاشية المتكونة من قائد الحرس والسلطانة والطبيب تمثل كتلة متحركة تشكل تكويناتها وفق حركة السلطان وهذا يدل بلا شك على التعبدية وامتساخ الشخصيات في وجود السلطان ورغم أن هذه الشخصيات تستغل قربها من السلطان في تحقيق أغراضها الخاصة على المصلحة العامة إلا أنها تنازلت عن وجودها وشخصيتها ، فتحولت وأصبحت بدون ملامح تميزها .
تكوين الزوج والزوجة
يبدأ تكوين الزوج والزوجة بدخولهما من وسط يسار المسرح وهما مربوطان بحبل وهي دلالة أراد المخرج أن يشير بها إلى الرابطة الزوجية كل واحد منهما يجر الآخر وكل واحد لا خلاص له من الآخر ، هذا الشكل في التكوين الذي يعتبر دلالة ثابتة في العرض حيث أضحى الحبل وسيلة تعبير عن حالات الشد والتأزم ، واتضح ذلك عندما يكون الزوجان بحالة صدام يشد الحبل ذا اللون الأبيض ويكون بالخط المستقيم الذي يربط كل الكتلتين )الرجل والمرأة( واتخذ الحبل خطاً مرناً منحنياً أو شبه دائري في حالة السكينة بين الزوجين وأحياناً يتغير التكوين بتغير أوضاع جسدي الممثلين ففي التكوين الذي يجلس فيه كلاهما تقف فيه المرأة فجأة ، وتتحرك بسرعة كبيرة بينما الرجل جالس في مكانه فيشكل تكوين للحبل بخط مائل الذي يبرز فيه علبة تكويناً المرأة ومن خلال الحبل عبر ترسيخ الخط المائل من الأعلى ممثلاًِ بالمرأة نزولاً إلى الرجل وهو تعبير صدامي عن خط الصراع بين الرجل والمرأة وغلبة أحدهما على الآخر علي الرغم من كونهما مربوطتان بحبل - وهو الرباط العائلي ، الذي أظهر أنه رباطاً لا يمكن فكه أو التخلص منه وبذلك أثبت التكوين أن العلاقة الزوجية ثبت وإن كانت خياراً إرادياً فإنها اكتسبت في مدلولها إرادة قدرية وبالصدد نفسه قال المخرج عن فكرة استخدام الحبل ( إنها من تأثيرات مريحة وفي انتظار كودوت ، فهناك شخصية بوزودلاكي المربوطين بحبل .
تكوين الإضاءة
يبدأ هذا التكوين بإضاءة خلفية الستارة الشفافة ببقعة إضاءة صفراء على كرسي السلطان تحاصر السلطان في دائرة كبيرة متشتتة أي غير واضحة المعالم دلالة على عدم وضوح شخصية السلطان وانحساره في شهواته الخاصة كما استعملت بقع الإضاءة في أكثر من تكويتن وأكثر من حدث وجاء لغرض حصر المشاهد وعزلها عن الفضاء العام . وأيضاً للدلالة على الخصوصية ، وجاء هذا في إضاءة الزوج وزوجته وهما يجلسان وسط يسار المسرح عندما كانا يتحدثان عن شؤون حياتهما الخاصة ، كما استعملت أيضاً في المشهد الأخير عندما سلطت دائرة كبيرة من الإضاءة في تكوين النخلة وكانت هذه دلالة على انحسار البقعة الخضراء بعد زحف التصحر ، وأعطت الإضاءة أيضاً أشكالاً جمالية في تكوينات الظلال من خلال استغلالها خلف الستارة الشفافة فكان استخدام الظلال لتكوينات الناس لتوجيه الانتباه للحركة والأشكال ولإمكانية تغيير الحجم من خلال قرب الممثل أو بعده من مصدر الضوء لهذا ظهرت الأشكال بتعبير درامي لوصف حركة الهجرة وتجلي المضمون من خلال طبيعة حركة خطوط الأجساد والتي تميزت بالتنوع والتشابك ، وكان ذلك لإعطاء مدلول عن طابع الحياة وتنوعها ، وحدتها وصرامتها ، فالحياة تتميز بالصلابة من خلال حركة الأيدي الباحثة عن الرزق ، إذا ما قورن هذا التكوين بالتكوين الذي سبقه ممثلاً بالسلطان ووجد الباحث أن تناقض التكوينات إنما يأتي من خلال التناقض بين عالم السلطان وعالم الفقراء .
تكوين الألوان
أما تكوين الألوان فتعدد استخدامها في اللون الأحمر الذي تمثل في أزياء السلطان وكرسي العرش والذي يعد رمز الهيمنة والتسلط والدموية والعنف ، أما الألوان التي استخدمها العامة كانت تتراوح بين اللون الأسود والرمادي ، والتي تعبر عن الحزن والأسى والقهر والحاجة كما تم الاعتماد على اللون الأصفر ، من خلال الإضاءة ، للتعبير عن الصحراء أو التصحر ، أما اللون الأخضر فلم يستعمل إلا في التكوين الأخير الذي تمثل في النخلة التي عبرت عن الأمل الجديد في الحياة.
تكويت التصحر
حاول المخرج أن يخلق جواً درامياً من خلال العواصف التي جعلت الأشياء تتطاير في الفضاء مثل بعض الأشواك ، ووافق الصورة وميض للإضاءة وأصوات تدل على التفرع ، وزاد من ثقل الصورة وعمقها تدرج بعض الشخصيات تأكيداً على حالة التصحر.
تكوين النخلة
اجتهد المخرج بإضفاء الأمل من بقعة ضوء تشكل دائرة تأخذ بالاتساع فتظهر نخلة تبدأ بالنمو ، حتى تأخذ حيزاً واضحاً وكاملاً ، وبجوارها جدع نخلة مقطوعة الرأس .
إن تكوين النخلة هو صورة لمضمون عملية البناء التي يأمل المخرج إشاعتها مضموناً لعرضه ، وهذه الصورة البسيطة العميقة في التعبير عن حالة النمو والتطور وفرض الإنسان لإرادته على الرغم مما يحيط الطبيعة من تصحر أو فرض أو هيمنة وبهذا الصدد قال المخرج ( النخلة رمز للحياة وهي رمز الوجود ، والوجود هو الإنسان ) . إن انفتاح معنى الصورة الدرامية ، قد يتجاوز الدلالة المشار إليها ذلك لأن تثبيت معنى الصورة تعني تثبيتاً للعرض ذاته لهذا فإن صورة العرض في حركة النخلة من الأسفل إلى الأعلى وهذه الحركة للتكوين في فضاء المسرح منحت حيوية عالية للصورة ولمضمونها الذي سعى المخرج إلى إيصاله من أن الفكر البشري يتميز بالتدفق والحيوية ويقاوم حالات التيبس والجفاف مثلما يقاوم فكرة الموت والإنسان على قيد الحياة ، وأن العواصف لن تهز النمو وإن الانتهاك البشري مهما بلغ لن يقطع كل الآمال .
الهوامش :
- مأخوذة عن قصة مراكب السلطان ، للكاتب الصادق النيهوم ، وهي مجموعة قصصية من قصص الأطفال منشورات دار الحقيقة بنغازي.
- محمد العلاقي ، مقابلة شخصية طرابلس 2005/2/22 ف
- محمد العلاقي ، مقابلة شخصية
بقلم / أبوالقاسم فرنانة
مسرحية ( جالو ) تأليف منصور أبوشناف
إخراج : محمد العلاقي
المسرحية مطبوعة بالحاسوب وعدد صفحاتها (٢٥) صفحة من حجم ( a-4 ) وشخصياتها / السلطان ، السلطانة ، الجارية ، قائد الجند ، الشيخ ، العميان ، الدليل المنادي ، الرجل المحذر ، الزوجة ، ومجاميع الأهالي .
زمن العرض : ( 75 دقيقة )
وقد عرضت عام 1998 على مسرح الكشاف
حكاية النص :
حكاية لمدينة تتحول إلى صحراء بعد أن تصاب بالتصحر ، بسبب الإهمال ومحاربة الطبيعة ، تمثل ذلك في اقتلاع أشجارها وإزالة غطائها النباتي ، والسلطان الغارق في ملذاته وعبثه ولهوه حيث أصبح ألعوبة في يد الطامعين والمستفيدين من هذه الحالة التي وصلت إليها البلاد ، فالشيخ الذي لم يعرف من أي مكان قادم استطاع بأساليبه المشبوهة المتمثلة في استعماله لعدد من الحيل فتارة بدهائه وأخرى بشعوذته ، إلى أن ينتزع ثقة السلطان الذي أطلق يده في البلاد فعاث فيها فساداً دمر أرضها وسجن وقتل الشرفاء من أهل البلاد ، فبعد أن جرد الأرض من غطائها النباتي ، تعرضت للعواصف الرملية ، فزحفت عليها الرمال من كل اتجاه حتى أصيبت بالتصحر ، فتركها سكانها ورحلوا عنها مهاجرين طلباً للنجاة ، وبهذه النهاية المأساوية تبدأ قصة ( جالو (.
حكاية العرض :
يبدأ العرض بصياح وصوت أحد الشخصيات ، وهو يجري يميناً ويساراً في حالة هلع وخوف ، وبعده نرى شخصيات أخرى تتجمع حوله ، وهنا يتضح أن هذه الشخصية المذعورة هي شخصية السلطان وهو قائم مفزوعاً من نومه بسبب كابوس كان يأتيه بين فترة وأخرى حيث كان يرى أن أشخاصاً يحاولون قتله ، فيتم إعادة الملك إلى القصر محمولاً تصاحبه إيقاعات الدفوف والتي تؤكد أنه مصاب بشيء من الجنون فبعد أن يوضع كرسيه المستطيل تضاء الخلفية فتدخل الجارية التي تحكي له قصة من قصص ألف ليلة وليلة حتى ينام فتنسحب هي وتعود إلى مكانها تطفأ الإضاءة على الستارة الخلفية فتضاء المقدمة حيث تدخل شخصيتان هما شخصية الزوج والزوجة يربطهما حبل ثم نشاهد دخول يمسك كل منهما بعصا يتلمسان بهما الطريق فيتضح أنهما أعميان يسيران في الطريق متجهان إلى المدينة إلى أن يخرجا من الخشبة ، ثم تطفأ إضاءة المقدمة ، وتضاء الخلفية لنعود إلى السلطان والجارية التي تقوم بالرقص له وهو يغني من جديد وتضاء المقدمة تدخل شخصية الشيخ الذي يستعرض خشبة المسرح ثم يدخل عليه أحد الأهالي يطالب الناس بحماية الأرض وهنا تبدأ الأحداث تأخذ شكل الصراع بين الخير والشر ، وتستمر الأحداث وتبدأ في التصاعد حتى تصل نهايتها بتعرض البلاد للتصحر ، وهجرة السكان ويختار المخرج النهاية بأن وضع نخلة متكاملة الشكل وبجوارها نخلة منزوعة الرأس ، والرجل متكور تحتها تحاصرهم دائرة الإضاءة في وسط خواء مظلم في الفضاء المسرحي .
التكوين التشكيلي للعرض
تكوين المنظر
اعتمد المخرج لإيصال رؤيته ومضمون النص حول التصحر على ترك الفضاء خالياً من المناظر إلا القليل منها وهذا يعبر عن دلالة واضحة لمسألة التصحر ، فيرى المخرج في فضاء المسرح المدينة بكاملها وحتى كرسي السلطان وضعه في فضاء خالٍ أيضاً من أي مناظر ، وهنا يؤكد مرة أخرى أن التصحر لا يمس المدينة فقط ، بل يصل أيضاً حتى لداخل القصر رغم ترف الحياة التي يعيشها السلطان ، هذا التكوين العام للخشبة لم يتناقض مطلقاً مع فكرة النص بل أكدها وباعتماده على الستائر الخلفية الشفافة التي تجرى فيها أحداث القصر أكدت أنه لا عازل بين الداخل والخارج أو بين القصر وما يعيشه بقية العامة كما أن تقسيم الخشبة بخطوط أفقية من خلال ستائر الخلفية وإيصالها بنقطة الوسط ثم المقدمة إلى أن تصل المتفرج دخل الذي أيضاً ، وعندما يختم المخرج تكوينه في نهاية العرض بمنظر لشجرة نخيل وهي تنمو بالتدريج حتى تحتل منتصف أعلى الفضاء المسرحي ، ليدل رغم هذه الحالة البائسة التي وصلت إليها المدينة وليبعث شيئاً من الأمل في المستقبل أنه رغم هذا التصحر قد تنمو شجرة .
تكوين السلطان والحاشية :
من خلال وجود الكرسي المستطيل يمكن أن نستدل على شخصية السلطان فهذا الكرسي الذي يستخدم مرة كرسي الحكم ومرة أخرى كسرير وذلك لبلورة فكرة مفادها يوضح أن السلطان قد اختلطت عليه الأمور ، ولا يفصل بين عمله كسلطان يرعى أمور الناس وشؤونهم ، وبين تصرفاته الشخصية التي تتمثل في لهوه وعبثه .
كما أن حركة السلطان وما يحدثه من تكوينات في أشكال خطوط متعرجة أو دائرية أو متقطعة من خلال قفزة تعطي دلالات ومعاني واضحة على اهتزاز هذه الشخصية وضعفها ، فمن خلال علاقتها ببقية الحاشية نكشف سذاجتها أيضاً ، ويؤكد المخرج في تكوينات متعددة فتارة يضعه ملقى على ظهره في وسط الكرسي وهو يحرك قدميه إلى الفضاء ، وكأنه طفل صغير يلهو في سريره ، وتارة أخرى يجعله يجري على خشبة المسرح يميناً ويساراً وأخرى يرقص أمام الجارية ومن خلال التكوين الذي تنوع نلاحظ أنه جاء كاشفاً عن الحالة النفسية للسلطان باعتباره يمثل القوة إلا أنه مضطرب في حالات متعددة عبر عنها التكوين ، من خلال جعل حركة السلطان غير المتزنة لا تعبر عن تناقض بين السلطان من جهة وما يمكن أن يؤول إليه الحال من جهة ثانية ، والحاشية المتكونة من قائد الحرس والسلطانة والطبيب تمثل كتلة متحركة تشكل تكويناتها وفق حركة السلطان وهذا يدل بلا شك على التعبدية وامتساخ الشخصيات في وجود السلطان ورغم أن هذه الشخصيات تستغل قربها من السلطان في تحقيق أغراضها الخاصة على المصلحة العامة إلا أنها تنازلت عن وجودها وشخصيتها ، فتحولت وأصبحت بدون ملامح تميزها .
تكوين الزوج والزوجة
يبدأ تكوين الزوج والزوجة بدخولهما من وسط يسار المسرح وهما مربوطان بحبل وهي دلالة أراد المخرج أن يشير بها إلى الرابطة الزوجية كل واحد منهما يجر الآخر وكل واحد لا خلاص له من الآخر ، هذا الشكل في التكوين الذي يعتبر دلالة ثابتة في العرض حيث أضحى الحبل وسيلة تعبير عن حالات الشد والتأزم ، واتضح ذلك عندما يكون الزوجان بحالة صدام يشد الحبل ذا اللون الأبيض ويكون بالخط المستقيم الذي يربط كل الكتلتين )الرجل والمرأة( واتخذ الحبل خطاً مرناً منحنياً أو شبه دائري في حالة السكينة بين الزوجين وأحياناً يتغير التكوين بتغير أوضاع جسدي الممثلين ففي التكوين الذي يجلس فيه كلاهما تقف فيه المرأة فجأة ، وتتحرك بسرعة كبيرة بينما الرجل جالس في مكانه فيشكل تكوين للحبل بخط مائل الذي يبرز فيه علبة تكويناً المرأة ومن خلال الحبل عبر ترسيخ الخط المائل من الأعلى ممثلاًِ بالمرأة نزولاً إلى الرجل وهو تعبير صدامي عن خط الصراع بين الرجل والمرأة وغلبة أحدهما على الآخر علي الرغم من كونهما مربوطتان بحبل - وهو الرباط العائلي ، الذي أظهر أنه رباطاً لا يمكن فكه أو التخلص منه وبذلك أثبت التكوين أن العلاقة الزوجية ثبت وإن كانت خياراً إرادياً فإنها اكتسبت في مدلولها إرادة قدرية وبالصدد نفسه قال المخرج عن فكرة استخدام الحبل ( إنها من تأثيرات مريحة وفي انتظار كودوت ، فهناك شخصية بوزودلاكي المربوطين بحبل .
تكوين الإضاءة
يبدأ هذا التكوين بإضاءة خلفية الستارة الشفافة ببقعة إضاءة صفراء على كرسي السلطان تحاصر السلطان في دائرة كبيرة متشتتة أي غير واضحة المعالم دلالة على عدم وضوح شخصية السلطان وانحساره في شهواته الخاصة كما استعملت بقع الإضاءة في أكثر من تكويتن وأكثر من حدث وجاء لغرض حصر المشاهد وعزلها عن الفضاء العام . وأيضاً للدلالة على الخصوصية ، وجاء هذا في إضاءة الزوج وزوجته وهما يجلسان وسط يسار المسرح عندما كانا يتحدثان عن شؤون حياتهما الخاصة ، كما استعملت أيضاً في المشهد الأخير عندما سلطت دائرة كبيرة من الإضاءة في تكوين النخلة وكانت هذه دلالة على انحسار البقعة الخضراء بعد زحف التصحر ، وأعطت الإضاءة أيضاً أشكالاً جمالية في تكوينات الظلال من خلال استغلالها خلف الستارة الشفافة فكان استخدام الظلال لتكوينات الناس لتوجيه الانتباه للحركة والأشكال ولإمكانية تغيير الحجم من خلال قرب الممثل أو بعده من مصدر الضوء لهذا ظهرت الأشكال بتعبير درامي لوصف حركة الهجرة وتجلي المضمون من خلال طبيعة حركة خطوط الأجساد والتي تميزت بالتنوع والتشابك ، وكان ذلك لإعطاء مدلول عن طابع الحياة وتنوعها ، وحدتها وصرامتها ، فالحياة تتميز بالصلابة من خلال حركة الأيدي الباحثة عن الرزق ، إذا ما قورن هذا التكوين بالتكوين الذي سبقه ممثلاً بالسلطان ووجد الباحث أن تناقض التكوينات إنما يأتي من خلال التناقض بين عالم السلطان وعالم الفقراء .
تكوين الألوان
أما تكوين الألوان فتعدد استخدامها في اللون الأحمر الذي تمثل في أزياء السلطان وكرسي العرش والذي يعد رمز الهيمنة والتسلط والدموية والعنف ، أما الألوان التي استخدمها العامة كانت تتراوح بين اللون الأسود والرمادي ، والتي تعبر عن الحزن والأسى والقهر والحاجة كما تم الاعتماد على اللون الأصفر ، من خلال الإضاءة ، للتعبير عن الصحراء أو التصحر ، أما اللون الأخضر فلم يستعمل إلا في التكوين الأخير الذي تمثل في النخلة التي عبرت عن الأمل الجديد في الحياة.
تكويت التصحر
حاول المخرج أن يخلق جواً درامياً من خلال العواصف التي جعلت الأشياء تتطاير في الفضاء مثل بعض الأشواك ، ووافق الصورة وميض للإضاءة وأصوات تدل على التفرع ، وزاد من ثقل الصورة وعمقها تدرج بعض الشخصيات تأكيداً على حالة التصحر.
تكوين النخلة
اجتهد المخرج بإضفاء الأمل من بقعة ضوء تشكل دائرة تأخذ بالاتساع فتظهر نخلة تبدأ بالنمو ، حتى تأخذ حيزاً واضحاً وكاملاً ، وبجوارها جدع نخلة مقطوعة الرأس .
إن تكوين النخلة هو صورة لمضمون عملية البناء التي يأمل المخرج إشاعتها مضموناً لعرضه ، وهذه الصورة البسيطة العميقة في التعبير عن حالة النمو والتطور وفرض الإنسان لإرادته على الرغم مما يحيط الطبيعة من تصحر أو فرض أو هيمنة وبهذا الصدد قال المخرج ( النخلة رمز للحياة وهي رمز الوجود ، والوجود هو الإنسان ) . إن انفتاح معنى الصورة الدرامية ، قد يتجاوز الدلالة المشار إليها ذلك لأن تثبيت معنى الصورة تعني تثبيتاً للعرض ذاته لهذا فإن صورة العرض في حركة النخلة من الأسفل إلى الأعلى وهذه الحركة للتكوين في فضاء المسرح منحت حيوية عالية للصورة ولمضمونها الذي سعى المخرج إلى إيصاله من أن الفكر البشري يتميز بالتدفق والحيوية ويقاوم حالات التيبس والجفاف مثلما يقاوم فكرة الموت والإنسان على قيد الحياة ، وأن العواصف لن تهز النمو وإن الانتهاك البشري مهما بلغ لن يقطع كل الآمال .
الهوامش :
- مأخوذة عن قصة مراكب السلطان ، للكاتب الصادق النيهوم ، وهي مجموعة قصصية من قصص الأطفال منشورات دار الحقيقة بنغازي.
- محمد العلاقي ، مقابلة شخصية طرابلس 2005/2/22 ف
- محمد العلاقي ، مقابلة شخصية