هندسه علم (تاريخيا)
Geometry - Géométrie
الهندسة (علم ـ) (تاريخياً)
الهندسة geometry فرع من العلوم الرياضية يدرس النقاط والمستقيمات والسطوح والأشكال الهندسية المستوية والحجوم والمجسمات. وقد تضمنت الاستخدامات الأولى للهندسة قياس أطوال الأراضي ومساحاتها، وللهندسة تطبيقات أخرى.
لا تعرف بالتحديد البدايات الأولى للهندسة؛ ولكن تُبيِّن سجلات قدماء المصريين والبابليين أنهم كانوا على دراية ببعض مبادئها قبل 5000 عام، وانصب اهتمام البابليين - مثلهم في ذلك مثل المصريين - على التطبيقات العملية للهندسة. والهندسة منذ القديم وفي كل مكان تأخذ صيغة أشكال أو نظريات.
إن العلم المصري القديم هو تقنية، وليس شيئاً آخر، يمكن معرفتها من بردية رايند على الرغم من أن الهندسة لا تتجاوز فيها المرحلة العملية، ومن المعلوم أن الأعمال المعمارية والهندسية المصرية تتضمن قدراً كبيراً من المعرفة بالحساب والهندسة، فالأهرامات - على سبيل المثال - ذات وجوه مثلثة، وهرم خوفو Cheops ذو الأبعاد الكاملة يبلغ ارتفاعه نحو 140 متراً فوق الأرض. وقد عرف المصريون القدماء مساحة المثلث وحجم هرم مقطوع الرأس (جذع الهرم)، وسُمّي المساحون المصريون بالحكماء لأنه لم يتفوق عليهم أحد في عصرهم، وتمكنوا من رسم زوايا قائمة باستعمال حبال مقسمة بوساطة عقد بنسب 3، 4، 5[ر: أعداد فيثاغورث].
اهتم البابليون اهتماماً أساسياً بالمسائل الهندسية العملية والتطبيقية؛ وليس بالمسائل النظرية فقط، وحسبوا مساحة السطوح مثل المستطيل والمثلث المتساوي الساقين والمثلث القائم الزاوية ومتوازي المستطيلات كما أنهم حسبوا ميول السدود وثخنها والقوة المؤثرة فيها، وبيَّنوا كيفية بناء الهيكل والأحواض والقنوات، وأعطوا تقريباً لنسبة محيط الدائرة إلى قطرها، وعرفوا نظرية فيثاغورث، وأدركوا أن الزاوية المرسـومة في نصف الدائرة هي زاوية قائمة، كما قاسوا حجم متوازي المستطيلات القائم وحجم الأسطوانة القائمة وحجم المخروط المقطوع (جذع المخروط) وحجم الهرم الرباعي المقطوع (جذع الهرم).
إن إقليدس[ر]Euclid ت(365-300ق.م) هو عالم الرياضيات الإغريقي الذي يرتبط اسمه أكثر من غيره بالهندسة. وقد قدم في القرن الرابع قبل الميلاد - في كتابه «الأصول» - النموذج التقليدي للهندسة بإثبات مئات النظريات، وبقي كتابه هذا الذي عمّت شهرته أنحاء العالم المرجع الأساسي والكتاب المدرسي الرسمي في دول كثيرة ولقرون عديدة. وقد جُمِعَ كتابه «الأصول» - على الأغلب - عام 325ق.م. ويُعالج «الأصول» علم رياضيات ذلك العصر والعصور السابقة، وهو يقع في ثلاثة عشر كتاباً: الكتب الستة الأولى تبحث في الهندسة المستوية، والكتاب السابع عن قابلية القسمة والأعداد الأولية، والكتاب الثامن عن تربيع الأعداد وتكعيبها والمتواليات الهندسية، والكتاب التاسع عن نظريات ومقالات تتناول الأعداد الفردية والزوجية، والكتاب العاشر وهو أهم ما كتبه إقليدس عن خواص الأعداد الصماء (الأعداد التي لا يمكن التعبير عنها بالأعداد العادية؛ أي بالعبارة حيث a وb أعداد صحيحة)، والكتاب الحادي عشر يشبه كثيراً الكتابين الأول والسادس مع امتداده إلى البعد الثالث، والكتاب الثاني عشر يستخدم طريقة الاستنفاد في قياس الدوائر والكرات والأهرام، والكتاب الثالث عشر يعالج المجسمات المنتظمة. وأضيف إلى «الأصول» فيما بعد كتابان آخران يعالجان المجسمات المنتظمة، وهما الكتابان الرابع عشر والخامس عشر، وقد أعيد طبعهما عدة مرات. إن اختيار إقليدس للمُسلَّمة (للمُصادَرَة) الخامسة يعد من أعظم ما أنتجه، وكان لها الفضل في تخليد اسم إقليدس، ونصها كما يأتي: «إذا قطع مستقيم مستقيمين، وكان مجموع الزاويتين الداخليتين في الجانب ذاته أقل من قائمتين، فإذا مد المستقيمان من دون حد، فإنهما سيلتقيان في الجانب ذاته الذي تكون فيه الزاويتان أقل من قائمتين». وقد نجح بعض العلماء بإدخال تعديلات أو بدائل للمسلمة الخامسة؛ ولكن كلها على حساب إدخال مسلمة أخرى بطريقة صحيحة أو ضمنية تعادلها. ومحاولات العلماء العرب البرهنة على نظرية التوازي بالاعتماد على المسلمة الخامسة من أصول إقليدس أو من دونها أدت إلى ظهور علوم الهندسة اللاإقليدية[ر]، منها الهندسة الزائدية التي تنص على أنه «من نقطة لا تقع على مستقيم معلوم يمكن رسم أكثر من مستقيم يمر بتلك النقطة ويوازي المستقيم المعلوم». وتسمى الهندسة الزائدية أيضاً بهندسة لوباتشيفسكي N.I.Lobachevsky، ويوجد أيضاً الهندسة الناقصية التي تستبدل فيها مصادرة التوازي بالمصادرة الآتية: من نقطة لا تقع على مستقيم معلوم لا يمكن رسم مستقيم لا يقطع المستقيم المعلوم؛ أي إن المستقيمات المتوازية لا وجود لها في الهندسة الناقصية. وترجمت الأصول من اليونانية إلى السريانية، وترجمها الحجاج بن يوسف أول مرّة من السريانية إلى العربية في النصف الأول من القرن التاسع، وقد أعد الترجمة مرتين إحداهما للخليفة هارون الرشيد (786-809م)، وعرفت بالترجمة الهارونية، ثم راجع الحجاج الترجمة للخليفة المأمون (813-833م)، وعرفت بالترجمة المأمونية. ومن المحتمل أن الكِنْدي هو أول فيلسوف عربي اهتم بإقليدس. وفي الفترة من القرن التاسع حتى القرن الحادي عشر (أي نحو 250سنة) أخذ عُلماء الرياضيات العرب منحى إقليدس في مجال الجبر والأعداد فضلاً عن الهندسة، فنشروا له ترجمات وتعليقات كثيرة، كما تطرق كل من الماهاني والنيريزي وثابت بن قرة وإسحاق بن حنين وقسطا بن لوقا إلى ترجمة أجزاء من «أصول» إقليدس إلى العربية ومناقشتها في القرن التاسع للميلاد. وفي القرن العاشر ترجم أبو عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي المجلد العاشر، وقد فُقِدت النسخة اليونانية. ويقال: إن أبا الوفاء البوذجاني كتب تعليقاً على الأصول، ولكنه فُقد أيضاً. عرفت الهندسة العملية قديماً، وكان الخليفة عمر بن الخطاب t قد أمر ببناء عواصم جديدة في الأقاليم المفتوحة حسب خطط معيّنة، مثل الكوفة في العراق والفسطاط في مصر، كما أمر بمسح أراضي السوداء في العراق وغيرها، كما عُرفت أيضاً هندسة الزخرفة.
وكان لعلم الهندسة عند العرب أصول وتطبيقات في حياة الناس ولكن عند الحديث عن الهندسة تبرز البنية الرياضية من تعاريف وبديهيات ومصادرات أو مسلمات وما ينتج منها من نظريات أو أشكال ومبرهنات، ومن العلماء العرب الذين اهتموا بالهندسة يذكر سهل بن رستم القوهي الذي عاش في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، وهو عالم في الهندسة، واهتم بالرياضيات، وعلى نحو خاص بالهندسة؛ إذ إن أربعاً وعشرين من مؤلفاته التي بلغت الاثنين والثلاثين هي في الهندسة. وأبو سعيد أحمد بن محمد بن عبد الجليل السجزي (340-415هجرية) له اهتمامات هندسية. وكتب السجزي ما يزيد على ثلاثين رسالة قصيرة في الرياضيات، ومعظمها في الهندسة. وللخَيّام رسالة مهمة في الهندسة بعنوان «رسالة فيما أشكل من مصادرات كتاب إقليدس» وفيها محاولة البرهان على المصادرة الخامسة لإقليدس، وللطوسي أكثر من مئة وخمسة وأربعين مؤلفاً في الرياضيات والفلك والطبيعيات، وكثير من كتبه في الهندسة. وللكاشي غياث الدين جمشيد بن مسعود إسهامات في الهندسة منها «رسالة في الهندسة». وعموماً اهتم العرب بكتاب «الأصول» لإقليدس كما ترجموا، ودرسوا «الأشكال الكروية» لمينلاوس، و«خواص المثلثات القائمة» لأرخميدس، و«الدوائر المتماسة والمخروطيات» بمقالاته الثماني لأبولونيوس Apollonios، وعرفوا كتاب «الأُكُر» لثيودوروس Theodoros و«الكرة المتحركة» لأوطولوقوس و«شرح المقالة الأولى» من كتاب أرخميدس في الكرة والأسطوانة وكتاب «المأخوذات» لأرخميدس و«المعطيات» لإقليدس. وألَّف العلماء العرب كتباً ورسائل مستقلة في المربع والمستطيل وعمل السطوح واستخراج الضلع من شكل منتظم في دائرة والكرة ومساحتها وحجمها ومركزها وقسمة الزاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية ومساحة الحلقة، كما اهتم العلماء العرب بالقاعدة التي تحسب بها مساحة مثلث بالاعتماد على معرفة أطوال أضلاعه، وتعرف هذه المعادلة بمعادلة هيرون. واهتم العرب بالهندسة العملية، وطبقوا مفاهيمهم الهندسية في بحوثهم، وزاد اهتمام العلماء العرب في تطبيق الهندسة في مسائل عملية، وألَّفوا فيها الكتب، ومنها «العقود والأبنية» للكرجي و«فيما يحتاج إليه الصانع من علم الهندسة» لأبي الوفاء البوذجاني في كتابه عن «الهندسة المربع وشبه المنحرف والمثلث والدائرة وكثير الأضلاع المرسوم ضمن الدائرة».
اهتم العلماء العرب بالمساحات والحجوم لأسباب عملية، وتوسعوا في تحديد قواعد حساب مساحة الأشكال المسطحة وحجوم بعض المجسمات، وكان التكسير يعني إيجاد المساحة. والمساحة عندهم كانت تعني الحجم، وعَرّف العلماء العرب المساحة والحجم على أنها حاصل ضرب مقادير، وعرّفها أرخميدس على أنها نسبة إلى بعضها بعضاً، وعرّف حجم الكرة على أنه أربعة أمثال مخروط ارتفاعه نصف قطر كرة، وقاعدته دائرة عظمى فيها. كما أدخل العلماء العرب فكرة اللامتناهي في الصغر في حساب المساحات والحجوم، واهتموا بالهندسة وحفظوها من الضياع، وبرعوا فيها وشرحوها، فعرفوا تسطيح الكرة كما اهتموا بالناحية النظرية. ويمكن إرجاع بدايات الهندسة الحديثة إلى القرن السابع عشر للميلاد حين توصل العالمان الفرنسيان رينيه ديكارت[ر] وبيير دو فيرما[ر] إلى الهندسة التحليلية، وهي طريقة لدراسة الخواص الهندسـية للأشكال باستخدام الوسائل الجبرية. وفي مطلع القرن التـاسع عشر اكتشف كل من الألماني كارل فريدريك جاوس والمجري يانوس بولاي والروسي نيكولاي لوباتشيفسكي الهندسة اللاإقليدية[ر]، وعالج جورج فريدريك برنار ريمان Riemann الهندسة اللاإقليدية، فناقش فكرة النظر إلى الهندسة على أنها دراسات لأشياء غير معيَّنة لأيّ عدد من الأبعاد في أيّ عدد من الفضاءات. وجعلت نظرته للهندسة كدراسة عامة للفضاءات المنحنية، نظرية النسبية لأينشتاين[ر] أمراً ممكناً. وقادت الاكتشافات الرياضية في القرن التاسع عشر إلى تطوير مداخل أخرى للهندسة حتى وصلوا إلى الطبولوجيا.
سامي شلهوب
Geometry - Géométrie
الهندسة (علم ـ) (تاريخياً)
الهندسة geometry فرع من العلوم الرياضية يدرس النقاط والمستقيمات والسطوح والأشكال الهندسية المستوية والحجوم والمجسمات. وقد تضمنت الاستخدامات الأولى للهندسة قياس أطوال الأراضي ومساحاتها، وللهندسة تطبيقات أخرى.
لا تعرف بالتحديد البدايات الأولى للهندسة؛ ولكن تُبيِّن سجلات قدماء المصريين والبابليين أنهم كانوا على دراية ببعض مبادئها قبل 5000 عام، وانصب اهتمام البابليين - مثلهم في ذلك مثل المصريين - على التطبيقات العملية للهندسة. والهندسة منذ القديم وفي كل مكان تأخذ صيغة أشكال أو نظريات.
إن العلم المصري القديم هو تقنية، وليس شيئاً آخر، يمكن معرفتها من بردية رايند على الرغم من أن الهندسة لا تتجاوز فيها المرحلة العملية، ومن المعلوم أن الأعمال المعمارية والهندسية المصرية تتضمن قدراً كبيراً من المعرفة بالحساب والهندسة، فالأهرامات - على سبيل المثال - ذات وجوه مثلثة، وهرم خوفو Cheops ذو الأبعاد الكاملة يبلغ ارتفاعه نحو 140 متراً فوق الأرض. وقد عرف المصريون القدماء مساحة المثلث وحجم هرم مقطوع الرأس (جذع الهرم)، وسُمّي المساحون المصريون بالحكماء لأنه لم يتفوق عليهم أحد في عصرهم، وتمكنوا من رسم زوايا قائمة باستعمال حبال مقسمة بوساطة عقد بنسب 3، 4، 5[ر: أعداد فيثاغورث].
اهتم البابليون اهتماماً أساسياً بالمسائل الهندسية العملية والتطبيقية؛ وليس بالمسائل النظرية فقط، وحسبوا مساحة السطوح مثل المستطيل والمثلث المتساوي الساقين والمثلث القائم الزاوية ومتوازي المستطيلات كما أنهم حسبوا ميول السدود وثخنها والقوة المؤثرة فيها، وبيَّنوا كيفية بناء الهيكل والأحواض والقنوات، وأعطوا تقريباً لنسبة محيط الدائرة إلى قطرها، وعرفوا نظرية فيثاغورث، وأدركوا أن الزاوية المرسـومة في نصف الدائرة هي زاوية قائمة، كما قاسوا حجم متوازي المستطيلات القائم وحجم الأسطوانة القائمة وحجم المخروط المقطوع (جذع المخروط) وحجم الهرم الرباعي المقطوع (جذع الهرم).
إن إقليدس[ر]Euclid ت(365-300ق.م) هو عالم الرياضيات الإغريقي الذي يرتبط اسمه أكثر من غيره بالهندسة. وقد قدم في القرن الرابع قبل الميلاد - في كتابه «الأصول» - النموذج التقليدي للهندسة بإثبات مئات النظريات، وبقي كتابه هذا الذي عمّت شهرته أنحاء العالم المرجع الأساسي والكتاب المدرسي الرسمي في دول كثيرة ولقرون عديدة. وقد جُمِعَ كتابه «الأصول» - على الأغلب - عام 325ق.م. ويُعالج «الأصول» علم رياضيات ذلك العصر والعصور السابقة، وهو يقع في ثلاثة عشر كتاباً: الكتب الستة الأولى تبحث في الهندسة المستوية، والكتاب السابع عن قابلية القسمة والأعداد الأولية، والكتاب الثامن عن تربيع الأعداد وتكعيبها والمتواليات الهندسية، والكتاب التاسع عن نظريات ومقالات تتناول الأعداد الفردية والزوجية، والكتاب العاشر وهو أهم ما كتبه إقليدس عن خواص الأعداد الصماء (الأعداد التي لا يمكن التعبير عنها بالأعداد العادية؛ أي بالعبارة حيث a وb أعداد صحيحة)، والكتاب الحادي عشر يشبه كثيراً الكتابين الأول والسادس مع امتداده إلى البعد الثالث، والكتاب الثاني عشر يستخدم طريقة الاستنفاد في قياس الدوائر والكرات والأهرام، والكتاب الثالث عشر يعالج المجسمات المنتظمة. وأضيف إلى «الأصول» فيما بعد كتابان آخران يعالجان المجسمات المنتظمة، وهما الكتابان الرابع عشر والخامس عشر، وقد أعيد طبعهما عدة مرات. إن اختيار إقليدس للمُسلَّمة (للمُصادَرَة) الخامسة يعد من أعظم ما أنتجه، وكان لها الفضل في تخليد اسم إقليدس، ونصها كما يأتي: «إذا قطع مستقيم مستقيمين، وكان مجموع الزاويتين الداخليتين في الجانب ذاته أقل من قائمتين، فإذا مد المستقيمان من دون حد، فإنهما سيلتقيان في الجانب ذاته الذي تكون فيه الزاويتان أقل من قائمتين». وقد نجح بعض العلماء بإدخال تعديلات أو بدائل للمسلمة الخامسة؛ ولكن كلها على حساب إدخال مسلمة أخرى بطريقة صحيحة أو ضمنية تعادلها. ومحاولات العلماء العرب البرهنة على نظرية التوازي بالاعتماد على المسلمة الخامسة من أصول إقليدس أو من دونها أدت إلى ظهور علوم الهندسة اللاإقليدية[ر]، منها الهندسة الزائدية التي تنص على أنه «من نقطة لا تقع على مستقيم معلوم يمكن رسم أكثر من مستقيم يمر بتلك النقطة ويوازي المستقيم المعلوم». وتسمى الهندسة الزائدية أيضاً بهندسة لوباتشيفسكي N.I.Lobachevsky، ويوجد أيضاً الهندسة الناقصية التي تستبدل فيها مصادرة التوازي بالمصادرة الآتية: من نقطة لا تقع على مستقيم معلوم لا يمكن رسم مستقيم لا يقطع المستقيم المعلوم؛ أي إن المستقيمات المتوازية لا وجود لها في الهندسة الناقصية. وترجمت الأصول من اليونانية إلى السريانية، وترجمها الحجاج بن يوسف أول مرّة من السريانية إلى العربية في النصف الأول من القرن التاسع، وقد أعد الترجمة مرتين إحداهما للخليفة هارون الرشيد (786-809م)، وعرفت بالترجمة الهارونية، ثم راجع الحجاج الترجمة للخليفة المأمون (813-833م)، وعرفت بالترجمة المأمونية. ومن المحتمل أن الكِنْدي هو أول فيلسوف عربي اهتم بإقليدس. وفي الفترة من القرن التاسع حتى القرن الحادي عشر (أي نحو 250سنة) أخذ عُلماء الرياضيات العرب منحى إقليدس في مجال الجبر والأعداد فضلاً عن الهندسة، فنشروا له ترجمات وتعليقات كثيرة، كما تطرق كل من الماهاني والنيريزي وثابت بن قرة وإسحاق بن حنين وقسطا بن لوقا إلى ترجمة أجزاء من «أصول» إقليدس إلى العربية ومناقشتها في القرن التاسع للميلاد. وفي القرن العاشر ترجم أبو عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي المجلد العاشر، وقد فُقِدت النسخة اليونانية. ويقال: إن أبا الوفاء البوذجاني كتب تعليقاً على الأصول، ولكنه فُقد أيضاً. عرفت الهندسة العملية قديماً، وكان الخليفة عمر بن الخطاب t قد أمر ببناء عواصم جديدة في الأقاليم المفتوحة حسب خطط معيّنة، مثل الكوفة في العراق والفسطاط في مصر، كما أمر بمسح أراضي السوداء في العراق وغيرها، كما عُرفت أيضاً هندسة الزخرفة.
وكان لعلم الهندسة عند العرب أصول وتطبيقات في حياة الناس ولكن عند الحديث عن الهندسة تبرز البنية الرياضية من تعاريف وبديهيات ومصادرات أو مسلمات وما ينتج منها من نظريات أو أشكال ومبرهنات، ومن العلماء العرب الذين اهتموا بالهندسة يذكر سهل بن رستم القوهي الذي عاش في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، وهو عالم في الهندسة، واهتم بالرياضيات، وعلى نحو خاص بالهندسة؛ إذ إن أربعاً وعشرين من مؤلفاته التي بلغت الاثنين والثلاثين هي في الهندسة. وأبو سعيد أحمد بن محمد بن عبد الجليل السجزي (340-415هجرية) له اهتمامات هندسية. وكتب السجزي ما يزيد على ثلاثين رسالة قصيرة في الرياضيات، ومعظمها في الهندسة. وللخَيّام رسالة مهمة في الهندسة بعنوان «رسالة فيما أشكل من مصادرات كتاب إقليدس» وفيها محاولة البرهان على المصادرة الخامسة لإقليدس، وللطوسي أكثر من مئة وخمسة وأربعين مؤلفاً في الرياضيات والفلك والطبيعيات، وكثير من كتبه في الهندسة. وللكاشي غياث الدين جمشيد بن مسعود إسهامات في الهندسة منها «رسالة في الهندسة». وعموماً اهتم العرب بكتاب «الأصول» لإقليدس كما ترجموا، ودرسوا «الأشكال الكروية» لمينلاوس، و«خواص المثلثات القائمة» لأرخميدس، و«الدوائر المتماسة والمخروطيات» بمقالاته الثماني لأبولونيوس Apollonios، وعرفوا كتاب «الأُكُر» لثيودوروس Theodoros و«الكرة المتحركة» لأوطولوقوس و«شرح المقالة الأولى» من كتاب أرخميدس في الكرة والأسطوانة وكتاب «المأخوذات» لأرخميدس و«المعطيات» لإقليدس. وألَّف العلماء العرب كتباً ورسائل مستقلة في المربع والمستطيل وعمل السطوح واستخراج الضلع من شكل منتظم في دائرة والكرة ومساحتها وحجمها ومركزها وقسمة الزاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية ومساحة الحلقة، كما اهتم العلماء العرب بالقاعدة التي تحسب بها مساحة مثلث بالاعتماد على معرفة أطوال أضلاعه، وتعرف هذه المعادلة بمعادلة هيرون. واهتم العرب بالهندسة العملية، وطبقوا مفاهيمهم الهندسية في بحوثهم، وزاد اهتمام العلماء العرب في تطبيق الهندسة في مسائل عملية، وألَّفوا فيها الكتب، ومنها «العقود والأبنية» للكرجي و«فيما يحتاج إليه الصانع من علم الهندسة» لأبي الوفاء البوذجاني في كتابه عن «الهندسة المربع وشبه المنحرف والمثلث والدائرة وكثير الأضلاع المرسوم ضمن الدائرة».
اهتم العلماء العرب بالمساحات والحجوم لأسباب عملية، وتوسعوا في تحديد قواعد حساب مساحة الأشكال المسطحة وحجوم بعض المجسمات، وكان التكسير يعني إيجاد المساحة. والمساحة عندهم كانت تعني الحجم، وعَرّف العلماء العرب المساحة والحجم على أنها حاصل ضرب مقادير، وعرّفها أرخميدس على أنها نسبة إلى بعضها بعضاً، وعرّف حجم الكرة على أنه أربعة أمثال مخروط ارتفاعه نصف قطر كرة، وقاعدته دائرة عظمى فيها. كما أدخل العلماء العرب فكرة اللامتناهي في الصغر في حساب المساحات والحجوم، واهتموا بالهندسة وحفظوها من الضياع، وبرعوا فيها وشرحوها، فعرفوا تسطيح الكرة كما اهتموا بالناحية النظرية. ويمكن إرجاع بدايات الهندسة الحديثة إلى القرن السابع عشر للميلاد حين توصل العالمان الفرنسيان رينيه ديكارت[ر] وبيير دو فيرما[ر] إلى الهندسة التحليلية، وهي طريقة لدراسة الخواص الهندسـية للأشكال باستخدام الوسائل الجبرية. وفي مطلع القرن التـاسع عشر اكتشف كل من الألماني كارل فريدريك جاوس والمجري يانوس بولاي والروسي نيكولاي لوباتشيفسكي الهندسة اللاإقليدية[ر]، وعالج جورج فريدريك برنار ريمان Riemann الهندسة اللاإقليدية، فناقش فكرة النظر إلى الهندسة على أنها دراسات لأشياء غير معيَّنة لأيّ عدد من الأبعاد في أيّ عدد من الفضاءات. وجعلت نظرته للهندسة كدراسة عامة للفضاءات المنحنية، نظرية النسبية لأينشتاين[ر] أمراً ممكناً. وقادت الاكتشافات الرياضية في القرن التاسع عشر إلى تطوير مداخل أخرى للهندسة حتى وصلوا إلى الطبولوجيا.
سامي شلهوب