مهرجان لندن السينمائي: نساء مقاتلات وفرسان سود في فيلم غرب أمريكي في الافتتاح
- صفاء الصالح
- بي بي سي
جوناثان ميجورز ومغني الراي جاي-زي وريجينا كينغ والمخرج جيمس صموئيل وإدريس ألبا في حفل افتتاح فيلمهم
يواصل مهرجان لندن السينمائي تكريس نهجه في الاحتفاء بالتعددية الثقافية والتركيز على حقوق الأقليات والفئات المهمشة وتحديدا كفاح السود ضد التمييز ونضال المرأة من أجل حقوقها.
ويستمد هذا النهج جذورة من طبيعة لندن، المدينة التي ينطق المهرجان باسمها، بوصفها إحدى أبرز الحواضر الثقافية في العالم، وعاصمة أمبراطورية قديمة باتت اليوم ساحة للتنوع العرقي والحضاري والتعددية الثقافية.
وضمن هذا النهج جاء افتتاح دورة المهرجان الخامسة والستين مساء الأربعاء بفيلم جمع عددا من المواهب السينمائية السود، إخراجا وانتاجا وتمثيلا وموسيقى، وإن ظل موضوعه ضمن تيار السينما السائدة وتحديدا "جنرة" أفلام الغرب الأمريكي.
وحضر معظم نجوم الفيلم في حفل الافتتاح على السجادة الحمراء التي فرشت لحضور النجوم والجمهور المباشر بعد غياب لنحو عامين جراء جائحة فيروس كورونا، يتقدمهم مخرج الفيلم المغني والموسيقي البريطاني جيمس صموئيل (ذي بوليتس)، ونجومه من أمثال أدريس ألبا و جونثان ميجورز وريجينا كينغ فضلا عن منتج الفيلم مغني الراب الشهير جاي-زي.
لقد بات من تقاليد المهرجان في السنوات الأخيرة أن يُفتتح بفيلم لمخرج أسود، فباستثناء عام 2019 حيث افتتح المهرجان بفيلم المخرج الاسكتلندي (من أصول إيطالية) أرماندو يانوتشي "التاريخ الشخصي لديفيد كوبرفيلد"، كانت حصة المخرج ستيف ماكوين حفلي افتتاح العام الماضي "بفيلم "مانغروف" وعام 2017 بفيلم "أرامل"، وقبله فيلم المخرجة البريطانية من أصول أفريقية، أما أسانتي "مملكة متحدة" في عام 2016.
ويقدم فيلم صموئيل خلطة تلبي كل ما اعتادت إدارة المهرجان على الأهتمام به لكسر تلك الصورة المهيمنة على الصناعة السينمائية بوصفها "بيضاء وذكورية"، فحاول إلى جانب إعطاء أدوار البطولة لنجومه من الممثلين السود، أن يعطي المرأة، الغائبة عادة، عن بطولة أفلام الغرب الأمريكي والتي هي مهمة الرجال "الكاوبوي"، دور بطولة أساسيا في فيلمه؛ الذي قدم نساء قويات يشاركن في القتال ويحضرن في أدوار بطولة رئيسية في الفيلم. وصب كل ذلك ضمن إحياء جنرة أفلام كانت مزدهرة في تيار سينما هوليوود السائد أو في تقليده بنسخته الإيطالية "الويسترن سباغيتي".
صدر الصورة،GETTY IMAGES
التعليق على الصورة،
المديرة الفنية للمهرجان تريشيا توتل واصلت نهج الاحتفاء بالتعددية الثقافية والتركيز على حقوق الأقليات والفئات المهمشة
وفي المؤتمر الصحفي الترويجي الذي سبق عرض الفيلم، قال صموئيل، المغني والموسيقي والمخرج الذي ولد وترعرع في غرب لندن، إنه اعتاد على مشاهدة أفلام الويسترن الكلاسيكية عبر تلفزيون بي بي سي في صباه، لكنه أشار إلى أن المنظور الذي كانت تقدمه هذه الأفلام ظل ضيقا جدا، فهي لا تترك أي مجال أو طريق لأي تفسير آخر "فالنساء من كل الألوان كُنَّ يُقدمن مهمشات وتابعات دائما. وإذا كنت شخصا ملونا فستكون أقل من إنسان" في مثل هذه الأفلام.
وحمل فيلم صموئيل عنوان " ذا هاردر ذي فول" التي قد تحيل ترجمته حرفيا إلى السقوط القاسي أو الصعب، لكنني اقترح لترجمته عنوان "الكبار يكون سقوطهم مدويا" لأنه مقتطع من مثل أو عبارة سائدة بالإنجليزية، يعتقد أن أصولها ترجع إلى عالم الملاكمة وهي " The bigger they come, the harder they fall" التي تعني أنه كلما كان الشخص كبيرا وقويا فأن سقوطه سيكون كبيرا ومدويا وأكثر قسوة، وهو بدورة مأخوذ من استعارة عن أن سقوط الأشجار الكبيرة يكون ضخما ومدويا.
هوليوود البيضاء
وعلى الرغم من أن الدراسات التاريخية تقدر أن نحو 25 في المئة من العاملين في قطاع تربية قطعان الماشية في الغرب الأمريكي في الفترة بين 1860 إلى 1880، كانوا من السود، وإن واحد من كل أربعة من رجال الكاوبوي كان أسود؛ إلا أن هوليود قدمت صورة مختلفة بيضاء خالصة للغرب الأمريكي محت منه هؤلاء السود، وظلت صورة رجل الكاوبوي في صورة الفارس الابيض على سرج فرسه؛ بحذائه الطويل ومسدسه ذي القرص الدوار وبنطاله العريض وقبعته مرتبطة بأذهاننا بصور نجوم من أمثال جون وَين وكلينت أيستوود وأشباههما.
ويندرج فيلم صموئيل ضمن مجموعة من الأفلام التي تحاول أن تعيد تصحيح هذه الجنرة السينمائية وتقديم صورة السود ضمن بيئة الغرب الأمريكي التي لجأوا إليها هربا من العبودية وبعد نهاية الحرب الأهلية الأمريكية. وقد بدأ الاهتمام بهذا التوجه مع تقدم حركة الحقوق المدنية، وزاد التركيز عليه مؤخرا مع التأكيد على ضرورة تقديم تمثيل عادل للسود في السينما وعالم الفن عموما، مع تصاعد حركة احتجاجات "حياة السود مهمة".
الممثلة ريجينا كينغ أدت دور ترودي سميث مساعدة رجل العصابات باك القاسية
ولعل هذا الغياب لا يعدم ظهور رجال كاوبوي سود، لكنهم كانوا يظهرون في أفلام مخصصة للمشاهدين السود أيام الفصل العنصري في بعض الولايات الأمريكية، أو ما يعرف بأفلام العرق (race movies) التي كانت تنتج في الولايات المتحدة في الفترة بين 1915 ومطلع الخمسينيات. والمفارقة أنه حتى في هذا النوع من الأفلام صبغ ممثل أبيض (هيرب جيفريس) وجهه بصبغة سوداء ليؤدي دور رجل كاوبوي أسود في فيلم "هارلم أون بريري" (هارلم في المرج) عام 1937.
محاكمة ناشطين سود في افتتاح مهرجان لندن السينمائي
"أرامل" ستيف ماكوين يفتتحنَّ مهرجان لندن السينمائي
"تنفس" رسالة أمل في افتتاح مهرجان لندن السينمائي
ولا يتسع المجال هنا للمرور على مجمل الأفلام التي حاولت تصحيح هذه الصورة، بيد أن المخرج كونتين تارانتينو كان صاحب إحدى أبرز هذه المحاولات في فيلمه "جانغو حرا" في عام 2012 الذي قدم فيه الممثل السود جيمي فوكس في دور رجل الكابوي "جانغو" الذي اعتدنا على رؤيته في صورة الممثل فرانكو نيرو في فيلم الويسترن سباغتي الذي أخرجه الإيطالي سيرجيو كوربوتشي (وقد استعار هذا الفيلم الكثير من فيلم المخرج الياباني الشهير أكيرا كيراساوا يوجيمبو 1961). وقد أوردنا فيلم تارانتينو هنا لأننا نرى أن فيلم صموئيل يدين بالكثير لأسلوب وسينما تارانتينو.
شخصيات حقيقية وحبكة خيالية
وضع صموئيل تصحيح هذه الصورة هدفا أساسيا في فيلمه الروائي الأول (سبقه تمرين في فيلم طوله نحو 51 دقيقة، من جنرة أفلام الويسترن أيضا حمل عنوان "يموتون بحلول الفجر" عام 2013)، لذا ركز على أن تكون لقصة فيلمه جذور في الواقع، وتبنى على شخصيات حقيقية عاشت في الغرب الأمريكي.
الممثل إدريس البا مع زوجته وابنته في حفل افتتاح مهرجان لندن السينمائي
من هنا جاء اختياره لشخصية "نات لوف" وهو رجل كابوي أمريكي-أفريقي كان عبدا سابقا في الفترة التي أعقبت الحرب الأهلية الأمريكية، وقد أدى دوره في الفيلم الممثل جوناثان ميجورز. وقد بني حبكة السيناريو الأساسية على عودة لوف لجمع أعضاء عصابته السابقة بعد معرفته بهروب خصمه "روفوس باك" من سجنه. وباك أيضا شخصية حقيقية وكان يقود عصابة مؤلفة من السود وبعض السكان الأصليين في أمريكا وقد ألقي القبض عليه بعد ارتكابه العديد من الجرائم وشنق في عام 1896. (الفيلم يجعل موته على يد لوف).
تعليق