استنساخ واستنسال
Cloning - Clonage
الاستنساخ والاستنسال
الاستنساخ والاستنسال مصطلحان علميان يقابلان المصطلح cloning بالإنكليزية وclonage بالفرنسية، فإذا ما أريد من هذا المصطلح الحصول على جماعة تنحدر من فرد وحيد بالتكاثر الإعاشي أو اللاجنسي، أي إذا أريد منه التقنية التي تُستخدم في زراعة النسج والتي تكون فيها كل الخلايا التي يُحصل عليها ناتجة من خلية واحدة فيمكن حينئذ أن يُطلق عليها بالعربية كلمة «استنسال».
أما إذا ما أريد منه الحصول على فرد يكون نسخة طبق الأصل عن فرد آخر فيطلق عليه حينئذ بالعربية مصطلح «استنساخ».
وكلمة clone تأتي أصلاً من اللغة اليونانية klôn ومعناها «نبتة صغيرة»، وهي تعني مجموعة من الأفراد المتشابهين وراثياً والمنحدرين من فرد واحد بالتكاثر اللاجنسي. ولقد سعى الإنسان منذ القديم لإيجاد التفسير العلمي الصحيح للتشابه الكبير بين بعض التوائم والاختلاف بين بعض التوائم الأخرى. فالتوائم الأولى تكون دوماً من جنس واحد أي ذكوراً أو إناثاً، وعلى درجة كبيرة من التشابه، حتى إنه قد يصعب على والديهما تمييز أحدهما من الآخر. وقد تبين أن هذه التوائم تأتي من بيضة ملقحة واحدة تنشطر منذ الانقسام الجنيني الأول فتعطي نسختين متماثلتين تماماً، ولذلك يطلق عليهما اسم التوائم الحقيقية لتمييزهما من التوائم الكاذبة التي تنحدر من بيضتين ملقحتين مختلفتين. وفي هذه الحالة الأخيرة، يُحصل على توائم يكون الشبه فيما بينها كما يكون في العادة بين الأخوة في الأسرة الواحدة. وهكذا يمكن القول إن حالة التوائم ا لحقيقية هي عملية استنساخ طبيعي يجري عند الإنسان وعند الحيوانات وعند النباتات. أما حالة التكاثر اللاجنسي فهي حادثة تشاهد طبيعياً عند الكائنات الحية الدنيا كالجراثيم. فعندما يكون الوسط الذي تعيش فيه هذه الجراثيم ملائماً لنموها، فإن كل جرثومة تنقسم لتعطي جرثومتين متماثلتين تماماً من مختلف النواحي الوراثية والشكلية والفيزيولوجية، وتكوِّنان نسختين طبق الأصل عن الخلية الأم التي أنتجتهما بالتكاثر اللاجنسي أو الانقسام المباشر. وهكذا يمكن الحصول على آلاف النسخ من هذه الكائنات البسيطة وتكون كلها متماثلة.
وتشاهد حالات من التكاثر اللاجنسي عند النباتات، إذ يمكن الحصول على نبات كامل مؤلف من ساق وجذور وأوراق حتى الأزهار بدءاً من غصن صغير يوضع في الوسط الملائم لنموه وتكاثر خلاياه. ومع تطور زراعة النسج منذ بداية القرن العشرين تمكّن الباحثون من الحصول على نبات كامل، انطلاقاً من خلايا معزولة من التبغ أو الجزر بتطبيق التقانات الحيوية التي أخذت تتطور في الخمسينات من القرن العشرين. أما عند الحيوانات، وخاصة الفقاريات فيكون الأمر على درجة كبيرة من التعقيد والصعوبة، حتى فيما يتعلق بالاستنساخ الذي يحاكي استنساخ التوائم الحقيقية المشتقة من بيضة ملقحة واحدة. وفي حالة الاستنساخ الصنعي تصبح التقانة أكثر صعوبة وتعقيداً. وذلك لأنه يجب في هذه الحالة الأخيرة أن تستأصل نواة الخلية البيضية بوساطة آلة التشريح المجهري microdissection المتناهية في الدقة وأن تزرع في سيتوبلاسما هذه الخلية البيضية نواة خلية جسمية استخرجت من أحد أعضاء الجسم. وبعد تحريض الخلية الجديدة التي صُنعت، لتبدأ الانقسامات الجنينية، فإنه يتم الحصول في حال استكمال مراحل التشكل الجنيني المعروفة، على فرد يكون نسخة طبق الأصل عن الكائن الذي أخذت من أحد أعضائه نواة الخلية الجسمية الآنفة الذكر. ومن المعلوم أن خلايا الجسم كلها تشتمل على العدد الصبغي المضاعف المميز للنوع، وتتوزع في هذه الصبغيات جميع المورثات أو الجينات التي تتحكم في الصفات والخصائص الوراثية المميزة للنوع والفرد. لكن الصعوبة في الأمر تكمن في الطريقة التي يستطيع بها العلماء جعل هذه الخلايا الجسمية تتراجع عن تمايزها وتصبح النواة فيها مشتملة على مورثات نشيطة كاملة الإمكانات totipotentes كما هي الحال في نواة البيضة الملقحة.
ويُذكر أنه في المرحلة الأولى من الحياة تنشط المورثات تدريجياً وتصبح قادرة على ما اصطلح على تسميته «بالتعبير عن ذاتها S’exprimer»، أي إنها قادرة على القيام بالوظيفة التي كانت قد بُرمجت لها لتعبِّر عن صفة محددة في مرحلة معينة من حياة الفرد. وإن الخلايا الأولى التي تنشأ نتيجة للانقسامات المتتابعة للخلية البيضية الملقحة، تكون كلها متماثلة تقريباً، فهي إذن كلية الإمكانات وغير متمايزة، ولا يتمتع أي منها بوظيفة خاصة في هذه المرحلة البدئية من حياة الجنين. ولهذا تستطيع كل خلية من هذه الخلايا أن تكوِّن إذا ما عُزلت فرداً كاملاً. وهذا ما يُشاهد في الحالة الطبيعية الخاصة التي تتكون فيها التوائم الحقيقية الثنائية أو الرباعية التي تنجم عن الانفصال العرضي للخلايا الناشئة عن الانقسام الجنيني الأول أو الانقسامين الأولين المتتاليين للبيضة الملقحة.
ولقد بدأت محاولات الحصول تجريبياً على توائم حقيقية، منذ مطلع القرن العشرين إلى أن استطاع العالم الألماني هانس شبيمان Hans Spemann (الحائز جائزة نوبل في الطب عام 1935) تحقيق ذلك عند الضفادع. اعتمدت التجربة على فصل الخليتين الناتجتين من الانقسام الأول للخلية البيضية بإجراء ربطة أو عقدة تفصل بينهما بشعرة متينة، وقد تطور كل من الخليتين على حدة فيما بعد وأعطت التجربة في نهاية المطاف ضفدعين متماثلين. ولكن التجربة لم تنجح بعد مرحلة الخلايا الأربع في ذلك الوقت، لأنه اعتقد أن الخلايا التي يُعزل بعضها عن بعض تبدأ بفقد خاصة الإمكانات الكاملة التي أشير إليها.
إلا أنه تبين فيما بعد أن هذه الإمكانات الكلية للخلايا تستمر حتى مرحلة التويتة morula (البداءة الجنينية الأولى المؤلفة من بضع عشرات من الخلايا وتشبه ثمرة التوت) وقد تأكدت هذه الإمكانات في الضفادع في الخمسينات من القرن العشرين حين نجح العالمان الأمريكيان روبرت بريغس Robert Briggs وتوماس كينغ Thomas King بعزل الخلايا الجنينية وتفريقها في مرحلة التويتة. إضافة إلى ذلك فإن الأمر الجديد في تجربتهما أنهما قاما بنزع نوى الخلايا المنفصلة عن التويتة هذه، ونقلاها إلى داخل بويضات نزعت نواها قبيل ذلك حديثاً وأُخذت من ضفادع أخرى. وقد تطورت هذه البويضات المستقبِلة المعالجة بعد وضعها بالماء في الشروط المناسبة، وتحولت إلى شراغيف عادية ثم في مرحلة تالية إلى ضفادع متماثلة كلها لأنها انحدرت من تويتة واحدة.
الاستنساخ عند الثدييات
إثر النجاح الكبير الذي أحرزه الباحثون في نطاق التلقيح الصنعي عند الثدييات، والأبقار والضأن خاصة، وفي مرحلة تالية عند الإنسان، وذلك بولادة أول طفلة أنبوب هي لويز براون Louise Brown عام 1978 في بريطانية، كان هناك عدد من علماء الأحياء يحاولون إعادة تجارب تقنيات نقل النواة إلى عالم الثدييات. وتقنية النقل النووي هذه التي أُحكم وضعها عند الفأر عام 1983، لم تعط سوى نتائج محدودة. ومع ذلك فقد تتابعت الأبحاث بكل نشاط، ففي عام 1984 نجح عالم الأجنة الدنمركي ستين ويلادسن Steen Willadsen، عندما كان في كامبردج في بريطانية، في الحصول على خراف بالغة بصحة جيدة وذلك انطلاقاً من مرحلة جنينية مؤلفة من 8 خلايا أو 16 خلية وضعت نواها في خلايا بيضية غير ملقحة منزوعة النواة ، وكان أحد الأجنة قد جُمّد مدة تزيد على أربعة أعوام.
أما عند الأبقار، حيث تكون الفائدة الاقتصادية أكثر أهمية، فقد أحرز السبق الأول فريق أمريكي برئاسة نيل فيرس Neil First عام 1986. فبدءاً من أجنة أخذت من الحيin vivo أو من التلقيح الصنعي «في الزجاج» fécondation in vitro أمكن توليد ما يقرب من ألفين من العجول بفضل هذه التقنية. وتمَّت هذه النجاحات في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك تمَّت أيضاً في فرنسة من قبل المعهد الوطني للبحوث الزراعية (الإنرا INRA).
وهناك نجاحات سُجِّلت أيضاً عند المعز، أما عند الأرانب فإن فريق جان بول رونار Jean Paul Renard وإيفان هيمان Yvan Heyman من «الإنرا» في فرنسة، قد حصل عام 1990 على ستة أرانب وليدة مستنسخة أتت من جنين وحيد.
الشكل (1) الدارة الخلوية |
1ـ الاستنساخ بوساطة خلايا جسمية متمايزة: كانت عمليات الاستنساخ التي ذكرت تتم باستخدام خلايا مأخوذة من مرحلة التويتة أو الكيسة الأرومية blastocyste وفي الوقت نفسه كانت البحوث تجري للوصول إلى استخدام خلايا جسمية أكثر تمايزاً. وفي عام 1997 نجح فريق علمي من اسكتلندة على رأسه إيان فيلموت Ian Wilmut وكايت كامبل Keith Campbell من معهد روسلين، في استنساخ نعجة سميت دولِّي Dolly وذلك انطلاقاً من خلية أخذت من ثدي نعجة بالغة. وقد أحدث نشر خبر ولادة هذه النعجة ضجة إعلامية شغلت الأوساط العلمية والإعلامية من صحافة ومجلات وإذاعات وتلفزة. حتى الأوساط السياسية والاجتماعية والدينية أسهمت في مناقشة موضوع ولادة هذه النعجة. والسبب في ذلك كله أن نجاح هذه التجربة في الضأن قد فتح الطريق أمام إمكانية تطبيقها على الإنسان.
الشكل (2) النعجة دولِّي وأمها التي «حملت بها» |
وكانت الخلايا البيضية المذكورة قد استحصل عليها جراحياً بعد تحريض مبيضي مناسب، وكانت دورتها الخلوية لحظة التقاطها متوقفة. إذ إنه في هذا الطور المسمى «الطور التالي 2» «Metaphase II»، تكون الخلايا البيضية في لحظة البيض. ونتيجة للانقسام المنصف لا تشتمل إلا على مجموعة واحدة من الصبغيات أو العدد (ن) أو (ع) المساوي نصف العدد الصبغي (2ن) أو (2ع) الذي يميز النوع الذي يساوي عند الأغنام 2×27=54 صبغياً.
الشكل (3) تسلسل عمليات استنساج النعجة دولِّي |
ومن الجدير بالذكر أن يشار إلى أن العملية نجحت بعد محاولات كثيرة لم يحالفها النجاح. فلقد تمّ إنتاج مالا يقل عن 277 جنيناً على هذه الصورة في شهر كانون الثاني 1996. ثم نقلت هذه الأجنة بعد ذلك إلى القنوات الناقلة «المربوطة» لإناث مختلفة معدَّة مسبقاً، وبعد ستة أيام تطور من هذا المجموع تسعة وعشرون جنيناً فقط حتى مرحلة التويتة أو الكيسة الأرومية، ثم نُقلت إلى داخل رحم ثلاث عشرة نعجة مهيأة لحملها. وفي نهاية المطاف تطور واحد منها إلى جنين وصل إلى مرحلة الحمل الوليد الذي عاش. وهي النعجة دولِّي التي ولدت يوم 5 تموز 1996 بعد مدة حمل طبيعية تماماً وكانت ذات وزن طبيعي ولاتبدي أي علامة غير عادية.
3ـ الإنجاز العلمي الكبير في استنساخ النعجة دولِّي: إن الإسهام التقني الرئيس للفريق الاسكتلندي هو نجاحهم في تحقيق إعادة الخلايا الجسمية عن تمايزها وإرجاعها إلى نقطة البدء. وذُكر أن الخلايا الثديية في تجربة دولِّي وُضعت في حالة سبات وأعيدت برمجتها. وقد أُبقيت هذه الخلايا على قيد الحياة في محلول ملحي يحتوي الحد الأدنى من عوامل النمو التي تكفي لتبقيها على قيد الحياة، أي إنها كانت على حدود الموت الخلوي Apoptose كما يقال. وقبل تجربة دولِّي الناجحة كان معظم الخلايا الجنينية المستخدمة في عملية النقل النووي يٌوجد في الطور ج2 G2 أو الطور S من الدارة الخلوية أي طور تركيب الدنا DNA، وإن أي تكاثف مبكر للكروماتين (الصبغيات والبروتينات المرتبطة بها) سوف يؤدي غالباً إلى شذوذات صبغية.
أما الإنجاز العلمي الكبير للباحثين الاسكتلنديين فهو أنهما تنبها إلى أنه عندما يُجمع بين تقانة تنشيط الخلية البيضية المنزوعة النواة وتقانة إيقاف الدارة الخلوية للخلايا المعطية، يمكن النجاح في استنساخ حيوانات قابلة للحياة باستخدام خلايا على درجة من التمايز أو حتى متمايزة تماماً، إذ إن كل خلية في الجسم تشتمل على الذخيرة الوراثية الكاملة للفرد. وإبان التمايز المتدرج الذي يحدث منذ المراحل الأولى من التشكل الجنيني حتى الولادة وبعدها سوف تقوم خلايا الجسم بالتخصص والتمايز. ولا يتم «التعبير» في كل خلية متمايزة إلا من قبل جزء محدد جداً من المورثات، وذلك من أصل ما يقارب المئة ألف مورثة في كل خلية في الإنسان مثلاً. أما بقية المورثات فتبقى صامتة أو «خرساء» «Muets» وهذا يعني أن هذه المورثات لم تٌفْقَد نهائياً أو أنها شُلَّت تماماً، أي ماتت إن صح التعبير، وإنما تمكن إعادة برمجتها. وهذا الأمر هو ما شغل فكر عدد من البيولوجيين مدة ثلاثين عاماً تقريباً، منذ بداية الخمسينات حتى بداية الثمانينات من القرن العشرين.
إن الذين تمكنوا من التجريب بنجاح على ا لضفدعيات في الخمسينات كانت هذه الفكرة ماثلة في أذهانهم. وقد نجحوا في الكثير من التجارب بأخذهم خلايا من الأجنة متدرجة في النمو، وخلايا من الحيوانات البالغة ليحاولوا إنتاج حيوانات قابلة للعيش. ولقد تمكنوا من الوصول إلى ذلك بنجاح ولكن فقط ضمن نقاط معينة. من ذ لك مثلاً أن الخلايا المأخوذة من الشراغيف ومن المعي عند الضفادع البالغة والتي وُضعت داخل خلايا بيضية منزوعة النواة، قد أعطت شراغيف ولكن لم تعط ضفادع بالغة أبداً في ذلك الحين.
وبعد ذلك تتابعت الأبحاث بكل تكتم من قبل مجموعة من البيولوجيين العاملين في صناعة تر بية الحيوانات والتقانات الحيوية. وهكذا فقد علم إيان فيلموت في عام 1986 أن الدنمركي فيلامسدن Willamsden الذي انتقل إلى تكساس، كان قد توصل قبل عامين إلى استنساخ خروف بدءاً من خلايا أرومية أصلية قد تمايزت. وفي عام 1989، حصل على خروف وليد بوساطة خلايا من الكتلة الخلوية الداخلية للكيسة الأرومية. وفي عام 1991 التحق كايت كامبل بالباحث فيلموت في معهد روسلين. وهو الذي طرح فكرة إجراء التجارب بوساطة خلايا هامدة أو هادئة في المرحلة «ج صفر» وهنا كان للمصادفة دور مضاعف، إذ علم كامبل مصادفةً من أحد الفنيين في مخبر ويسكنسن أنه أمكن إنتاج أربعة عجول انطلاقاً من خلايا كيسية أرومية قد تمايزت. وكان هذا المساعد قد نسي مدّ الخلايا المزروعة بالمصل المغذي، ولم يلبث هو وفيلموت أن قرّرا تطبيق هذه الوصفة في تجاربهما. ولم تتأخر النتيجة، ففي عام 1995 قاما بتوليد خراف مستنسخة انطلاقاً من خلايا متمايزة من الكيسة الأرومية. وإن أحد الأفراد التي نُتجت بتطبيق هذه التقانة كان نعجة نتوجاً.
تعليق