افغاني (سعيد)
Al-Afghani (Sa’id-) - Al-Afghani (Sa’id-)
الأفغاني (سعيد ـ )
(1909 ـ 1997م)
سعيد بن محمد بن جان الأفغاني أستاذ علم النحو في جامعة دمشق وفي كثير من الجامعات العربية الأخرى. قدِم والده من كشمير إلى دمشق، واستقرّ بها، وتزوّج امرأة دمشقية أنجبت سعيداً وأختاً له. وتوفيتْ الزوجة وعمر سعيد آنذاك ثلاث سنوات، في هذه البيئة نشأ سعيد، فدرس في المدارس الابتدائية والثانوية ثم التحق بالجامعة السورية وتخرّج فيها سنة 1932م وبعد مدة عُين مدرساً فيها،ويعَدُّ الأفغاني من بُناة كلية الآداب في الجامعة السورية، وخاصة في ظل رئاسته لقسم اللغة العربية، وعمادته لكلية الآداب.
درّس علم النحو سنين طويلة، وكان فهمه فيه يميل إلى التجديد ، ويقف من بعض النظريات والقواعد النحوية موقف الناقد، فلا يحتج بقاعدةٍ بنيت على بيت مجهول قائله. ومن يقرأ مؤلفاته التي عقدت على أصول النحو، ويستعرض ما كتبه عن نحاة البصرة والكوفة وبغداد، يجد رجلاً يقرر الحق فيما يقتنع به، من غير تحيّزٍ لمذهب نحوي دون آخر، فإذا صادف بعض الآراء المتشدّدة في التوجه النحوي أخذ بالمذهب الأيسر، ودعا إلى تيسير النحو والتخفف من التماس العلل، وجرى على ذلك في مؤلفاته التي وضعها بين أيدي طلابه، ونادى بها في مدرجات الجامعات التي زارها ودرّس فيها، وكان حريصاً على أن يدرب طلابه على البحث المتعمق والنقد الموضوعي، وعلى تكوين الملكة العلمية فيهم؛ لتقودهم إلى تكوين مهاراتهم اللغوية المنطلقة من حفظ النصوص الرصينة من كتب التراث، وخاصة من القرآن الكريم الذي هو منطلق اللغة العربيّة الأول. والمتصفح لكتبه ومؤلفاته يلمح بوضوح أسلوباً متيناً مشرقاً يترفع عن الأسلوب الشائع في الصحافة ويختلف عن أساليب النحويين المتقعرين.
وأبرز ما يُسجّل في حياة سعيد الأفغاني شيئان: التعليم والتأليف، أما التعليم فقد نذر نفسه له؛ إذ أنفق من عمره عشرين سنة مدرساً في المدارس الثانوية من 1928- 1948م، ثم تلاها عشرون عاماً أخرى في التعليم الجامعي في دمشق من 1948- 1968. ولما أُحيل على التقاعد لم يتوقف عن التعليم الجامعي، بل درّس في ليبية في جامعة بنغازي وترأس قسم اللغة العربية في جامعة قاريونس، وفي لبنان، في الجامعة اللبنانية، وفي جامعة بيروت العربية، ولبى رغبة الجامعة الأردنية حين كلفته التدريس فيها، وزار طهران، وختم حياته التعليمية في جامعة الملك سعود في الرياض.
وأما أنشطته العلمية فقد كان عضواً مؤازراً في المجمع العلمي العراقي منذ عام 1960م وعضواً مراسلاً في مجمع اللغة العربية في القاهرة منذ عام 1970م، ثم صار عضواً عاملاً فيه، كما مثّل جامعة دمشق في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية في دمشق 1961م، ومثّلها كذلك في حلقة تيسير النحو في القاهرة سنة 1961، ومثّلها أيضاً في المهرجان الدولي لابن حزم والشعر العربي في قرطبة الذي رعاه الجنرال فرانكو عام 1962م، و أشرف على بعض رسائل الماجستير والدكتوراه في دمشق وعمان، ونشر بحوثاً جادة أصيلة في الكثير من المجلات المحكمة كمجلة مجمع اللغة العربية في القاهرة، وصحيفة معهد الدراسات الإسلامية في مدريد، ومجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية الليبية، ومجلة رابطة العالم الإسلامي في بغداد، ومجلة المؤتمر العالمي الأول لتاريخ بلاد الشام، ومجلة رسالة الخليج العربي في الرياض.
أما مؤلفاته فهي درة أعماله في حياته، وبها ترسخت سمعته وشهرته، وكان منهجه فيها يقوم على اختيار الموضوعات المبتكرة، ويعالج الموضوع المختار بدقة العالم وعمقه، وتنوعت هذه الأعمال بين التأليف والتحقيق والتقديم والتعليق والنقد، كما تناولت موضوعاتٍ أكاديمية وموضوعات تعليمية تيسّر المعرفة النحوية واللغوية لشُداة العلم والمتدربين عليه، وعباراته في تواليفه سهلة غير كزّة مركَّزة تغري القارئ بالمطالعة في موضوعات قل أن تكون شائقة.
ومن مؤلفاته في النحو: «أصول النحو» و«من تاريخ النحو» و«مذكرات في قواعد اللغة العربية» و«منهج القواعد العربية» و«الموجز في قواعد اللغة العربية وشواهدها». ومن كتبه المحققة في النحو كتاب «الإفصاح في شرح أبيات مشكلة الإعراب» للفارقي، ظهر أولاً بعنوان: «توجيه أبيات ملغزة الإعراب» ونُسب للرُمّاني، و«الإغراب في جدل الأعراب» للرماني و«لمع الأدلة في أصول النحو» لابن الأنباري.
وفي اللغة: «نظرات في اللغة عند ابن حزم»، وتقرير عن أضرار كتاب «المنجد» وكتاب «حاضر اللغة العربية في بلاد الشام». ومن كتبه المحققة في موضوعات أخرى: «ابن حزم الأندلسي ورسالته في المفاضلة بين الصحابة». وحقق جزأين من كتاب «سير أعلام النبلاء» للذهبي، و«الإجابة لإيراد مااستدركته عائشة على الصحابة» لبدر الدين الزركشي، و«حجة القراءات» لأبي زرعة بن زنجلة، وكتاب «إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل» لابن حزم و«تاريخ داريا ومن نزل بها من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين» للقاضي الخولاني.
ومن كتبه المؤلفة في موضوعات أخرى: «عائشة والسياسة» وكتاب «أسواق العرب في الجاهلية والإسلام» وراجع كتاب «مغني اللبيب» لابن هشام الذي حققه الدكتور مازن المبارك والأستاذ محمد علي حمد الله. توفي ودفن في دمشق عن عمر ناهز الثمانية والثمانين عاماً.
محمود جبر اذا