شيلنغ (فريدريك فيلهلم-) Schelling (Friedrich Wilhelm فيلسوف مثالي ألماني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شيلنغ (فريدريك فيلهلم-) Schelling (Friedrich Wilhelm فيلسوف مثالي ألماني

    شيلنغ (فريدريك فيلهلم ـ)
    (1775 ـ 1854)

    فريدريك فيلهلم جوزيف فون شيلنغFriedrich Wilhelm Joseph von Schelling فيلسوف مثالي ألماني، ولد في ليونبرغ في إقليم فورتمبرغ، لأب قسيس، وتعلّم ليكون قسيساً، فدرس اللاهوت في المدرسة الأكليركية في «توبنغن» وكان زميلاه في الدراسة هيغل Hegel وهولدرلن Hölderlin، وجمع بينهم حبهم للثورة الفرنسية وللفلسفة، وخاصة فلسفة اسبينوزا Spinoza وكَنت Kantوفيخته Fichte، حصل على الدكتوراه في عام 1795، وعين أستاذاً للفلسفة في جامعة «يينا» Jena سنة 1798وصار زميلاً وصديقاً لفيخته معبوده الفكري، واشترك مع هيغل في إصدار مجلة فلسفية. وتأثر بمثالية فيخته الذاتية، وبمثالية كنت، تلك التي عكست مثاليته التصورية، لب الرومنسية الألمانية. وتنقسم فلسفة شيلنغ إلى مرحلتين، ومن المؤرخين من يقسمها إلى أربع مراحل، وكل مرحلة تتعارض مع سابقتها، حتى ليبدو شيلنغ متناقضاً مع نفسه، لكنها في الواقع تترابط منطقياً، وإن بدا أن الاتساق يعوزها.
    كان في المرحلة الأولى واقعاً تحت تأثير مثالية فيخته الذاتية، وكان يحاول أن تكون له فلسفته، وبدأها بمقالات تناول فيها فكرة «الأنا»، وقارن بين اسبينوزا وفيخته، وتميزت كتاباته بالطابع الرومنسي والبلاغة وطلاوة الأسلوب، وكشفت عن حبه الجم للجمال. ثم بدأت تتكون فلسفته الخاصة، فكان أهم مؤلفاته في هذه المرحلة «في النفس العالمية» «رسم أول لمذهب فلسفة الطبيعة» و«فكرة العلم الطبيعي النظري»، وفي مرحلة متأخرة من نشاطه الفكري أبدى اهتماماً بالفلسفة الدينية وتحولت فلسفته، كما كان يدعوها، من الفلسفة السلبية إلى الفلسفة الإيجابية، فنشر كتابه «الفلسفة والدين» وأنتج في هذه المرحلة كتابيه «فلسفة المثولوجية» و«فلسفة الوحي» اللذين نشرا بعد وفاته.
    كان تفكير فيخته الفلسفي يتمحور حول «جدل مفهوم الأنا»، وقد آمن شيلنغ بهذا المبدأ في مراحل تفكيره الأولى، ثم ما لبث أن تحرر منه ليصطنع نظرية عامة يقف فيها جدل «اللاأنا» أو الطبيعة في مواجهة جدل «الأنا» عند فيخته. فالطبيعة لا تقل أهمية عن «الأنا المطلق» وهي حقيقية مثله وليست صادرة عنه فالتفكير لا يعني إحداث موجود وإنما صورة الموجود أو في الوقت ذاته «اللاأنا» أو الطبيعة لا تنتج «الأنا» مما يدل على أن الطبيعة والأنا كليهما، يصدران عن مطلق موضوعي، مجهول الهوية، يبدو كمبدأ موحد يتجلى في العالم الطبيعي موضوعياً، مستقلاً عن الوعي الإنساني، وصادر ذاتياً صادر عن الوعي الذاتي. والأنا ترى نفسها في الطبيعة، والطبيعة تدرك نفسها في الأنا، وعلى حد تعبير شيلنغ «الطبيعة عقل منظور، والعقل طبيعة مختفية». وجوهر الطبيعة هو المادة وحقيقة الأنا هي الروح، وما المادة سوى روح أو فكر في حال الطبيعة، وليس الروح إلا مادة تنتظم، وبمعنى آخر، إن الطبيعة جمعاء ما هي إلا كائن عضوي يضم مراتب ودرجات مختلفة تبلغ ذروتها بالإنسان، وكل درجة تمثل انعكاساً لقوة واحدة هي النفس أو الروح العالمية، المبدأ الذي ينظم الكون، وما الفلسفة وتاريخها، في نظر شيلنغ، سوى «رحلة ملحمية للروح»، تبدأ فيها الروح بطريقة جدلية، بشكل غير واعٍ، وتنتهي في مسيرة تكون وعيها الذاتي بالاستيلاء، بوعي كامل، على حقيقتها الجوهرية التي تتمثل في المعرفة الفلسفية للعالم. وهنا تبرز معالم مثاليته الموضوعية التي تبدأ بالسؤال: بأي صورة يؤدي تطور الطبيعة الروحانية، غير الواعية، إلى ظهور الوعي؟ كيف تنشأ الذاتية من الموضوعية؟ وتنتهي بالسؤال: كيف تصبح الذاتية موضوعية؟ والإجابة عن هذين السؤالين يشكل جوهر المعرفة الإنسانية، التي تتخذ من (الأنا) وفعلها الداخلي (الحدس العقلي) نقطة انطلاق للفلسفة.
    والمعرفة لديه حسية وعقلية: لأن «الوعي يبدأ من الشعور أو الحس بشيءٍ محدود من جانب «اللاأنا»، نشعر به كإحساس يلتقي فيه الوعي الذاتي بقوة الوعي بالأشياء، وهي تنفذ إلى داخلي، ثم يتحصل التفكير، وتظهر أشكال التأمل من مكان و زمان ومقولات، ويتطور الاستدلال ويتحول التفكير في العالم الداخلي للذات حتى يبلغ فعل الإرادة التي هي فعل الذات هنا يعرف الوعي نفسه، في الوقت ذاته، كخاضع للضرورة (إذ هنا العقل يكتفي بتأمل العالم ويثبت «اللاأنا» عندما يخلق معانيه ومبادئه دون أن يشعر) وأيضاً كطليق حر، عندما تشعر الإرادة بأنها علة ما يحدث، وهذا الشعور هو الشعور بالحرية. والإرادة تحاول أن تحقق ذاتها في أفعال الفرد والدولة، ومن تفاعل العقل والإرادة يتكون التاريخ الإنساني الذي هو بآن واحد «تجلي الحرية والكشف عن الله تدريجياً» فليس الله بكائن يعرض في العالم الموضوعي، وإنما يتكشف بالتدريج في الإنسان، وتاريخ الإنسان دليل على وجود الله الذي لا يتم إلا بالتاريخ كله.
    إن اهتمام شيلنغ بمسألة الدين، سيطر على فلسفته المتأخرة، إذ آمن بإله مشخص يراه إرادة تخرج الأشياء منها بالنزوع، إرادة محضة سابقة على كل تعقل، منتقلاً بذلك من الجدل الذي سيطر على فلسفته الطبيعية إلى الإرادة، فكانت له فلسفة تقوم على ارتقاء فكرة الله عبر التاريخ الإنساني، وعلى أن الجدل لا يقود إلا إلى تفسير طبيعة العالم، أما الوجود فيقتضي إرادة وفاعلية حرة. ولما كان الجدل، في نظر شيلنغ، لا يكشف عن حقيقة المطلق الذي لا يتحقق في التاريخ، وإذا كان المطلق غير خاضع للمعرفة أو الوصف فلماذا لا يكون هذا المطلق موضوع حدس فني؟ فبالفن يحقق الفكر أسمى صوره ويتحرر من التجريد، وينفذ المطلق تدريجياً في الواقع. وينظر الفيلسوف إلى الفن كمثل أعلى تتحقق فيه وحدة هوية الشعور واللاشعور، الفكر والطبيعة، العارف والمعروف، ويضحي الفن أساساً للفلسفة الحقة وفيه تمَّحى تناقضات الوجود، ويظهر اتحاد ما يبدو منفصلاً في الفكر وفي الطبيعة.
    سوسان إلياس


يعمل...
X