المحاكاة الحيوية: التنبؤ بمستقبل العلوم والهندسة والطب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المحاكاة الحيوية: التنبؤ بمستقبل العلوم والهندسة والطب

    المحاكاة الحيوية هي دراسة الطبيعة والظواهر الطبيعية لفهم مبادئ الآليات الأساسية، والحصول على أفكار من الطبيعة ، وتطبيق المفاهيم التي قد تفيد العلم و الهندسة والطب. تشمل أمثلة دراسات المحاكاة الحيوية زي السباحة الذي يقلل من سحب السوائل والمستوحى من شكل جلد القرش، والسحابات المصممة على شكل نتوءات، وشكل الطائرات المستوحى من شكل الطيور. نركز في هذا المقال على الموضوعات البحثية الحالية في المحاكاة الحيوية ومناقشة إمكانات المحاكاة الحيوية في العلوم و الهندسة والطب.

    إذا ضُغِط تاريخ كوكب الأرض في سنة واحدة، فسيظهر البشر في آخر 15 دقيقة منها. من بين تلك الدقائق الخمس عشرة، يحدث التقدم الصناعي الأخير في غضون دقيقة واحدة. وعلى الرغم من هذه النسبة الصغيرة، فإن التصنيع الذي حدث في القرن الماضي أكبر بكثير من ذلك الذي حدث منذ بداية البشرية.

    ساعد المعدل السريع للتصنيع على إطالة الحياة والتغلب على الأمراض، لكنه تسبب أيضًا في تلوث وتدمير البيئة، الأمر الذي يؤثر على بقاء الإنسان نفسه.

    في هذا الانجراف نحو التصنيع، بذل الانسان جهودًا متواصلة لإنشاء المزيد من المنتجات التي يمكن أن تحسن حياتنا، ومع ذلك، فإن بقاء الجنس البشري يواجه معضلة مادية تتمثل في العيش بموارد محدودة.

    لم تكن حلول مشاكل نقص الموارد والبقاء واضحة لنا دائمًا، رغم إمكانية العثور على الإجابة دائمًا في الطبيعة. قد تكمن الطريقة المثيرة للاهتمام لحل هذه المشكلات في المحاكاة الحيوية، والتي تستخدم الطبيعة كنموذج ومعيار ومستشار نهائي.


    مفهوم المحاكاة الحيوية


    لا تُعتبر المحاكاة الحيوية دراسة حديثة أو اتجاهًا حديثًا، لكن فكرة النظر إلى الطبيعة من أجل الإلهام استُخدمَت عمليًا لفترة طويلة، وسُميَت بأسماء مختلفة مثل “البنية الفكرية” في اليابان، و”المواد الذكية” في الولايات المتحدة الأمريكية.

    تتمحور المحاكاة الحيوية حول فكرة عدم وجود نموذج أفضل من الطبيعة لتطوير شيء جديد، وقد حققت نتائج ممتازة في الإنتاجية والفعالية. وفتحت هذه الفكرة أيضًا أبوابًا لتحقيق مكاسب واقعية من خلال التخلص من الهدر وتوفير نفقات البحوث.
    طرق البحث للمحاكاة الحيوية


    تشتمل طريقة البحث الأساسية الخاصة بالمحاكاة الحيوية على ست خطوات يمكن استخدامها لتطبيق المحاكاة الحيوية على التصميم والإنتاج والخدمة والزراعة و الهندسة.

    مثلًا، المادة اللاصقة الموجودة في أقدام أبو بريص، ينبغي البحث في الإمكانيات الوظيفية للتصميم المستوحى من الناحية البيولوجية بدلًا من مجرد تطبيق التصميم كما يستخدمه الكائن الحي. على الرغم من أن اكتشاف أو دمج التكنولوجيا المبتكرة يُعتبَر أمرًا حاسمًا لزيادة الأرباح، فقد توفر فكرة التصميم الإبداعي البسيطة راحة أكبر للحياة البشرية.

    تحتاج كل من المعرفة وتطبيق المواد المختلفة إلى خبرة تراكمية من خلال البحث وتجميع قاعدة بيانات. عادة ما تأتي العلاقة بين الهيكل والوظيفة من خلال التراكيب السطحية، التي نستطيع ملاحظتها بواسطة تقنية الفحص المجهري الإلكتروني.



    تلعب هذه الهياكل الدقيقة دورًا مهمًا في الكائن الحي، ويقال إنها الخطوة الأولى في المحاكاة الحيوية. يستخدم الباحثون الأمريكيون تصنيف المحاكاة الحيوية بمثابة قاعدة بيانات عملية.

    يتمثل التحدي الأكبر الذي تواجهه المحاكاة الحيوية عند تحديد طريقة عمل المركبات النانوية والمجهرية في علاقتها بالكائن الحي والبيئة، خاصة إذا لم تُكتشَف بالكامل بعد.

    يُعتبَر تحديد مختلف آليات التكيف الوظيفية والبيئية للكائنات الحية وتصميمها الذي يقلل من استهلاك الطاقة الوجهة التالية للبحث. مثال ناجح على ذلك؛ الطلاء المضاد للانعكاس الذي استوحِي من التراكيب النانوية (200 نانومتر) لعين العثة والتي تعكس أشعة الضوء المرئية.
    أمثلة من المحاكاة الحيوية في الصناعة

    الفيلكرو


    في أوائل الأربعينيات من القرن العشرين، لاحظ المهندس السويسري (جورج دي ماسترال – George de Mastral) ميل فاكهة العشب الخشن الخام “Xanthium strumarium” للالتصاق بشعر الكلب، واستخدم المجهر لمراقبة الكُلابات في الفاكهة التي تعلق على شعر الحيوان.

    اكتشف أن هذه الفاكهة بيضاوية الشكل، بطول 1 سنتيمتر، احتوت على تراكيب تشبه الخطافات، تمسك هذه الأشياء بملابس الناس أو بشعر الحيوانات، ما يسمح بانتشار البذور على نطاق واسع.

    وبتطبيق الفكرة المستوحاة من هذه الفاكهة، استُخدم النايلون لإنشاء الفيلكرو لتعزيز القدرات اللاصقة. يتكون الفيلكرو من شريط يحتوي حلقات دائرية وشريط به خطاف، وهو يتميز بمساحة سطحية صغيرة وقوة لاصقة استثنائية، المستخدمة على نطاق واسع بمثابة بديل بسيط وعملي للأزرار في الملابس والأحذية.
    الطائرات




    يُعتبَر ظهور الطائرات تحقيقًا لحلم البشرية الذي طال أمده بالطيران، لكنه كان أيضًا وسيلة مواصلات رائدة. يتكون الهيكل الأساسي لأجنحة الطائرات من سطح منحنٍ مختلف الحجم في الجزء العلوي والسفلي من الجناح، الذي يخلق قوى هيدروديناميكية موضحة بتأثير برنولي.

    من خلال هذا الهيكل الهيدروديناميكي، تكون سرعة الهواء الجوي أسرع في الجزء العلوي من الأجنحة وأبطأ في الجزء السفلي من الأجنحة. يساعد الضغط العالي أسفل الأجنحة وسرعة الطائرة، طائرة بوزن 100 طن على الطيران.

    كان هذا هو المبدأ الذي دفع الأخوين رايت إلى النجاح في رحلتهما الأولى، ولكنه كان أيضًا نتيجة لسنوات عديدة من البحث في مجال المحاكاة الحيوية حول بنية وتصميم أجنحة الطيور وريشها.

    بالإضافة إلى الطيور الفردية، توجد قطعان من الإوز البري تطير بشكل V، ما يخلق تيارًا صاعدًا من الهواء يسمح لتلك الطيور التي تسافر خلفها بالطيران بجهد أقل. تستخدم شركة (إيرباص – AIRBUS) الفرنسية هذه المبادئ لتصميم طائراتها. علاوة على ذلك، تمتلك الطيور التي تطير لمسافات قصيرة نوع وشكل ريش مختلف عن تلك التي تطير لمسافات طويلة، واستُخدمَت هذه الأفكار لتصميم الطائرات التي يجب أن تسافر مسافات أقصر وأطول بطريقة مختلفة.
    السيارات


    خلال العقد الأخير، لم يمتلك تصميم السيارات تأثيرًا على المظهر الخارجي للسيارات فحسب، بل أثر أيضًا على وظيفتها. تبنّى النموذج الآلي البدئي للسيارة التي صنعتها شركة “DaimlerChrysler” كلًا من الاقتصاد، وجوانب كفاءة استخدام الطاقة في السيارات.

    يستند الجزء الخارجي من هذه السيارة على شكل سمك يسمى سمك الصندوق، ما يجعلها مستقرة. يتكون الهيكل الأساسي لهذه السيارة من مظهر خارجي كبير وعجلات صغيرة، وقُيم التصميم من خلال محاكاة الكمبيوتر لتحقيق الحد الأدنى من تركيز الإجهاد.

    تتمتع هذه السيارة بمتوسط كفاءة في استهلاك الوقود يبلغ 23 كم/ لتر وسرعة قصوى تبلغ 190 كم/ ساعة، ما يجعلها أكثر كفاءة في استهلاك الوقود من أي سيارة موجودة.
    الهندسة المعمارية


    يمتلك تقليد الطبيعة أطول تاريخ للتطبيق في الهندسة المعمارية. تُستَخدم تقنيات المحاكاة الحيوية السابقة حتى يومنا هذا وستتطور أكثر. أبرز مثال على المحاكاة الحيوية في الهندسة المعمارية هو عش النمل الأبيض بطول 6 أمتار في الأراضي العشبية الأفريقية. بُنيَت هذه الأعشاش من التربة ولحاء الأشجار والرمل ولعاب النمل الأبيض، لكنها أكثر صلابة من الخرسانة.

    النمل الأبيض حساس للحرارة للغاية، لأنه يعيش في مجموعات تفوق الـ2 مليون نسمة. حتى عندما تصل درجة الحرارة الخارجية إلى 40 درجة مئوية، فإن الأعشاش تحافظ على درجة حرارة داخلية تبلغ 30 درجة مئوية. رغم أن النمل الأبيض طور هذا النظام بسبب حساسيته للمنبهات الخارجية فقط، فإنه أكثر فعالية في الحفاظ على درجة الحرارة من أي أنظمة تهوية، وتدفئة، وتبريد صنعها الإنسان.

    لاحظ مايك بيرس من زيمبابوي هذه الخصائص في أعشاش النمل الأبيض وبنى مركز (إيست جيت – Eastgate Centre)، وهو أول هيكل تبريد طبيعي في العالم، في هراري عاصمة زيمبابوي، يحتوي هذا المبنى على ثقوب في السطح والطوابق السفلية ما يسمح بالتهوية الطبيعية، على غرار ما يوجد في عش النمل الأبيض.

    يخرج الهواء الساخن من خلال السقف، ويهوي تدفق الهواء البارد من الأسفل المبنى. وبالتالي، فإن معدل استهلاك الطاقة في هذا المبنى أقل من 10٪، ويُحافَظ على درجة حرارة داخلية تعادل 24 درجة مئوية حتى عندما تكون درجة الحرارة الخارجية أعلى من 38 درجة مئوية.
    الطلاء المضاد للانعكاس


    هي ظاهرة لوحظت في عين العثة، والتي تعكس جميع الأطوال الموجية للضوء عدا طيف الضوء المرئي. تمتص البروزات الموجودة على عيون العث، معظم أشعة الضوء المرئية، ما يُمكِن العثة من تجنب الحيوانات المفترسة ورؤية الفرائس في الظلام. لا تُستَخدم هذه التقنية للأغراض العسكرية فقط بل تُستخدَم أيضًا في الثنائيات الباعثة للضوء للخلايا الشمسية.
    أنابيب الكربون النانوية عالية القوة


    لا ينفصل بلح البحر بسهولة عن الصخور حتى عندما تضربها أمواج قوية لأنها تتمتع بقوة لاصقة عالية، والتي تعود إلى وجود تراكيب صغيرة تعمل على التصاقها.

    إن وسادة قطرها 2 ميليمتر من هذه التراكيب قادرة على رفع وزن يصل إلى 12.5 كيلوجرام. إذ تكون قوة الامتصاص أكبر من أي مادة لاصقة موجودة في الطبيعة. يتكون هيكلها من تشابك ألياف الكولاجين وبروتين يُعرَف باسم (Mefp-1)، وهو أكثر متانة من أي نوع من الألياف.
يعمل...
X