نجح باحثون من مختبر مجلس البحوث الطبية للبيولوجيا الجزيئية في إنكلترا في تخليق أول بكتيريا مخبريًا (البكتيريا من نوع – E. coli) من حمض نووي ريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) بشري بالكامل، محدثين قفزةً نوعيةً في البيولوجيا الاصطناعية؛ وممهدين الطريق لابتكار البناء المستقبلي لما يسمى بالبكتيريا المُصَمَمة.
وفقًا لدراسة جديدة نشرت في مجلة “Nature” فإن الجينوم المصطنع هو الأضخم من نوعه حتى الآن. وهو نتاج حملة بحثية امتدت لعامين، يتألف الـDNA المعاد تصنيعه من أربعة ملايين قطعة أي: أربعة أضعاف الرقم المسجل سابقًا.
وبشكل مثير للإعجاب، تحتوي البكتيريا على 61 رامزةً فقط، بخلاف الـ64 رامزةً والتي نشاهدها عند جميع الكائنات الحية تقريبًا. بالرغم من هذا الاختلاف، فإن هذه البكتيريا المصنعة تعمل كالبكتيريا الإشيريكية القولونية الطبيعية. يكمن الاختلاف الأساسي -وفقًا لنيويورك تايمز- في أنها أطول، وأبطأ في معدل النمو.
يقول (جيسون تشين – Jason Chin) عالم الأحياء في جامعة كامبريدج ومشارك في تأليف الدراسة: «كان من غير الواضح تمامًا إن كان من الممكن صنع جينوم بهذا الحجم، أو من الممكن تغييره كثيرًا».
بينما يشرح (توم إيليس – Tom Ellis)، مدير مركز الاصطناع الحيوي في الكلية الملكية في لندن، وناقد للدراسة لموقع “Gizmodo”، أخيرًا تُوجَت جهود الفريق ببراعة في هذا المجال. « صنعوا وبنوا وأظهروا أن أربعة ملايين أساس مزدوج من الجينوم المصنع تستطيع النجاح. إن تخليق أول بكتيريا في المخبر أفضل من أي شيء صنعه أي شخص سابقًا»
لتشفير أي جينوم؛ على العلماء أن يعالجوا الـ64 رامزة، أو التركيبة الثلاثية لجزيئات الـDNA (A و TوC و G؛ اختصارًا للأدينين والثيامين والسيتوزين والغوانين) التي تمد كل الكائنات الحية.
بما أن كل موضع من المواضع الثلاث على الرامزة قد يحوي أي واحدة من هذه الجزيئات الأربعة، فهنالك إذًا 64 تركيبة محتملة (4×4×4). توافق هذه التراكيب بدورها حموضًا أمينيةً محددة، أو المركبات العضوية التي تشكل البروتينات الضرورية للحياة.
على سبيل المثال يوافق الـTCA الحمض الأميني: السيرين، ويحدد الـ:AAG الليزين. بينما يُعتبَر الـTAA إشارة التوقف في عملية تصنيع الأنواع، إذ يعطي إشارةً للكائنات الحية لتوقف إضافة الحموض الأمينية للبروتين قيد التصنيع.
توجد مشكلة أخرى في هذه العملية المعقدة بالأصل: بما أنه يوجد 20 حمض أميني فقط مرتبط بالشيفرة الوراثية، فقد تتوافق عدة رامزات مع حمض أميني واحد. على سبيل المثال: حمض السيرين لا يرتبط فقط بـTCA، لكنه أيضًا يرتبط بـAGT و AGCو TCTو TCCوTCG. وكتب (جون تيمر -John Timmer) لـموقع “Ars Technica”، عدم التطابق هذا في تعداد الروامز التي تقابل الأحماض الأمينية يجعل 43 رامزة غير متوافقة إلى حد كبير، رغم استخدام الخلايا ضوابط أخرى لإيقاف الترميز، فالأدوات التنظيمية هي الطرق الأكثر فاعليةً في ترميز بروتين معين، ولا تزال الحقيقة تشير إلى أن الكثير منها فائض عن الحاجة.
استغرق الأمر تجربةً واسعة النطاق مع حدوث الخطأ لحساب هذه الروامز الفائضة. وصرح تشين لـ”Begley” بأنه: «توجد الكثير من الطرق التي تستطيع من خلالها إعادة ترميز الجينوم، إلا أن فيهم غالبًا نفس الإشكالية وهي: موت الخلية»
لخلق جينوم اصطناعي بنجاح، استبدل تشين وزملائه كل حالة لروامز السيرين TCGو TCAبـ AGC و AGTعلى التوالي. استبدل الفريق أيضًا كل رامزة توقف TAG بالرامزة TAA.
أخيرًا، استخدم الـDNA المشفر أربعة روامز لحمض السيرين عوضًا عن أربعة، ورامزتي توقف بدلًا من ثلاثة. لحسن الحظ، لم يضطر العلماء لمتابعة هذا العمل يدويًا، بدلًا من ذلك قاموا بـِ18,214 تبديلًا بواسطة معالجة شيفرة البكتيريا الإشيريكية القولونية بمثابة ملف نصي هائل، وإنجاز مهمة البحث والتبديل.
تأكدت صعوبة نقل هذا الـDNA المصطنع إلى البكتيريا عند تطويل وتعقيد الجينوم، لم يتمكن الفريق من تقديمه إلى الخلية في مرة واحدة، لذا أدى العلماء هذه المهمة على مراحل، عن طريق تكسير الجينوم بدقة إلى أجزاء ونقله إلى البكتيريا قطعةً قطعة.
يُعد إنجاز الباحثين هنا مضاعفًا، كما أشار تشين -في لقاء له مع أنطونيو ريجالادو من مجلة المراجعة التقنية لمعهد ماساتشوستس- إلى أن إعادة تصميم الجينوم لا تُعتبَر فقط إنجازًا تقنيًا بل هي أيضًا تخبرنا شيئًا عن علم الأحياء وعن مدى مرونة الشفرة الوراثية.
تبعًا للجارديان؛ فقد يساعد هذا البحث العلماء في تخليق بكتيريا محصنة مضادة للفيروسات لتُستخدَم في المستحضرات الكيميائية الحيوية. الإشيريكية القولونية تُستخدَم بالفعل في تصنيع الإنسولين والمركبات الطبية التي تعالج السرطان والتصلب المتعدد والنوبات القلبية وأمراض العيون، ويرجع الفضل إلى قابلية الـDNA غير المصنع لبعض الفيروسات، إذ يُمكِننا من تعطيل إنتاجها بسهولة.
في حديث مع فين ستيرلنج عالم الأحياء التركيبي في مدرسة طب هارفارد -وهو ليس أحد المشاركين في البحث المتعلق ب تخليق أول بكتيريا مخبريًا- اختتم حديثه قائلًا: «نظريًا يمكنك إعادة ترميز أي شيء».