الشهاب محمود بن سلمان (Al-Shihab (Mahmoud ibn Salmanعالم حافظ وقاض علامة، وأديب بارع.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشهاب محمود بن سلمان (Al-Shihab (Mahmoud ibn Salmanعالم حافظ وقاض علامة، وأديب بارع.

    الشهاب (محمود بن سلمان ـ)
    (644ـ 725هـ/1246ـ 1325م)

    شهاب الدين أبو الثناء محمود بن سلمان بن فهد الحلبي الدمشقي الحنبلي، عالم حافظ وقاض علامة، وأديب بارع في الشعر والنثر. ولد في دمشق، وحصل العلم وتخرج بشيوخ عصره، وأخذ الفقه عن ابن المنجا وسمع الحديث من الرضي بن البرهان ويحيى بن عبد الرحمن الحنبلي وابن هامل وغيرهم، وقرأ العربية على ابن مالك، وتأدب بالشيخ مجد الدين بن الظهير الإربلي، وسلك طريقته في النظم، وحذا حذوه في الكتابة وأربى عليه. فحصّل علماً غزيراً، وصارت له مشاركة في علم الحديث وحفظ المتون وتراجم الرجال، واطلاع على آراء الناس ومذاهب الأمم في الملل والنحل وفرق الخلاف ومواضع الاختلاف، وضبط التاريخ واستحضار الوقائع، وذكر نوب الدهر وتصاريف الزمان وأيام العرب والعجم، ومعرفة النسب ودول الخلفاء والملوك،وأحوال الوزراء والكتاب والشعراء ومشاهير الأمة، والأعيان من أهل كل علم، والمقدمين في كل فن، المبرزين في كل صنعة، وأسماء الكتب المصنفة والمجاميع المؤلفة، وإجادة النظر في معرفة الخطوط، والإلمام بكتابة المكاتيب المحكمة والشروط إلى معرفة الأمثال، مع إتقان قوانين الدواوين، مما لم يجمعه سواه، ولو تفرد بواحد منه كفاه.وهذه مؤهلات الكاتب كما ذكرها وأوصى المبتدئين من الكتاب بها.
    ذكر أنه اشتغل بالقضاء مدة واستعفى منه، وقيل: عين لقضاء الحنابلة غير مرة، وكتب الإنشاء بديوان الإنشاء في دمشق، ثم نقل إلى ديوان الإنشاء في الديار المصرية، وأعيد إلى دمشق، فولي كتابة السر وصار صاحب ديوان الإنشاء فيها لمدة ثماني سنوات، إلى أن توفي عن عمر جاوز الثمانين عاماً، قضى منه خمسين عاماً في كتابة الإنشاء، وكان قبل الالتحاق بديوان الإنشاء قد تعلم الخط المنسوب، ونسخ بالأجرة بخطه الأنيق كثيراً.
    عرف الشهاب محمود بدماثته وطيب أخلاقه، وسكونه ووقاره، وتواضعه وحبه لأهل الخير والصلاح، وتدينه ومواظبته على النوافل والتلاوة والأدعية، فقربه أهل العلم لرجاحة عقله، واعتمدوا عليه في تدبيج رسائلهم وكتابة تقاليدهم وتواقيعهم وإخراج أوامرهم ونواهيهم ثقة به وبأمانته، وإدراكاًلإتقانه كتابة الإنشاء الديواني، فانتفع به كتاب زمانه وتخرجوا به وتدربوا بين يديه،وتسابق الأدباء للأخذ عنه ولطلب إجازته، لأن له الروايات العالية بأمهات كتب الأدب وغيره، ولأنه رأى الأشياخ وأخذ عنهم.
    كان في نثره قدوة لأهل زمانه، يأخذون عنه طرائقه ولوازمه، ويقلدونه في معانيه وأسلوبه ويتبعون نصائحه، لأنه أتقن صنعة الكتابة علماً وتجربة، وكان يصدر في نثره عن موهبة كبيرة وثقافة عميقة واسعة، يسترسل ويطيل في بعض نصوصه، ويختصر ويوجز في بعضها الآخر من غير إخلال ولا إملال، ولا يقلد سابقيه ولا يسعى لإظهار براعته في إقامة الصنعة البديعية التي ابتلي بها كتاب عصره، فكان يظهر عظمة الدولة في نثره الديواني بفخامة وجزالة، ويحرص فيها على وضوح مقاصده. وهذا الأمر يحتاج إلى تفكر وتدبر وترديد النظر، ومع ذلك قيل: إنه كان يكتب التقاليد الكبار والتواقيع بديهة من غير مسودة، بأسلوب ذاتي أصيل يدل على صاحبه.
    أما نثره الفني وما يتضمنه من رسائل إخوانية ووصفية، فقد مال فيه إلى الشاعرية، وأطلق لخياله العنان، وانتقى ألفاظه بعناية، ووازن بين عباراته وسجعها، فاقتربت من الشعر لتوافر عناصره فيها، حتى يظن قارئها أنه يقرأ قصيدة منثورة.
    وتطرق في شعره إلى جميع أغراض الشعر المعروفة وموضوعاته، وخاصة المدح والإخوانيات، فطارح أدباء عصره، وبادلهم أرق المشاعر وأصدقها، وأظهر عوارض الصداقة وحقوقها وواجباتها، وصنع ديوانا في المدائح النبوية، تفرد به عن معاصريه، وقد حافظ في شعره على ديباجة الشعر الأصيل، ولحق فيه بالمتقدمين في جزالته وقوته، وجماله وعذوبته، فلم يشارك في المنظومات الملحونة التي انتشرت في عصره، ونظمها كبار الشعراء وصغار المتشاعرين، ولم يثقل شعره بضروب البديع، فحاز على إعجاب أهل زمانه وتقديرهم، وأضحى المنظور إليه في البلاد الشامية والمصرية، وحرص المصنفون في الأدب على إيراد شيء كثير من شعره ونثره.
    ترك الشهاب محمود مصنفات مختلفة،منها كتاب «حسن التوسل إلى صناعة الترسل» وضع فيه أحكام الكتابة، وأوضح أنواعها وعدتها وطرائقها وأساليبها، وهو مطبوع، وكتاب «أهنى المنائح في أسنى المدائح» وهو ديوان في المدح النبوي، عدد أبياته ألفان وثلاث مئة وخمسة وستون بيتاً، وهو مطبوع، وكتاب «ذيل على الكامل في التاريخ لابن الأثير» وكتاب «الذيل على ذيل مرآة الزمان» للقطب اليونيني، وكتاب «منازل الأحباب ومنازه الألباب»، وله مقامة العشاق ورسالة وصف الخيل ورسالة البندق وغيرها، وهي مبثوثة في كتب التراجم والأدب. وقيل: إن نثره يجيء في ثلاثين مجلدة، وقد جمع بعضهم تقاليده وتواقيعه في مجلدين، وشعره يأتي في أربعة مجلدات لم يجمعه أحد.
    فالشهاب محمود أحد أعلام عصره، وصاحب مكانة كبيرة فيه، وأديب مبدع أثر في أدب زمانه وخلف إبداعاً مهماً في الشعر والنثر.
    من نثره قوله يصف الغروب في رحلة صيد:
    «فبرزنا وشمس الأصيل تجود بنفسها، وتشير من الأفق الغربي إلى جانب رمسها، وتغازل عيون النّوْر بمقلة أرمد، وتنظر إلى صفحات الورد نظر المريض إلى وجوه العُوّد، فكأنما كئيب أضحى من الفراق على فَرَقَ، أوعليل يقضي بين صحبه بقايا عمر بالرمق، وقد اخضلّت عين الورد لوداعها، وهمّ الروض بخلع حليته المموهة بذهب شعاعها 000»
    ومن شعره قوله في الغزل:
    هل البدر إلا ما حــواه لــثامها
    أو الــصبـح إلا ما جلاه ابتسامها
    أو النار إلا ما بـدافـوق خــدهـا
    سناها وفي قلب المحب ضرامـها
    تردد بين الخمر والسحر لحظها
    وحازهمـــــا والــدر أيضاً كلامها
    كلانا نــشاوى غـير أن جـفـونها
    مــدام المعــنّى والــدلال مدامـها
    محمود سالم محمد

يعمل...
X