كتب: نوري عبد الدائم أبو عيسى.ليبيا:مئة عام من المسرح هكذا تكلم المسرحيون 1908 - 2008

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #76

    الحركة المسرحية الليبية
    إصرار شغوف ومثابر
    بقلم / محمد سليمان الزيات

    إن المتتبع للحركة المسرحية الليبية،سواء عن طريق المشاهدة أو قراءة ماكتب وما يكتب عنها،سوف يخرج بنتيجتين.
    أولاهما:إن إصرارا شغوفا ظل ملازماً للعناصر الفنية التي اهتمت بهذا الفن العظيم،على مساحة زمنية امتدت لقرن من الزمان.شهدت خلاله الحركة،موجات بين مد وجزر،واسمة تلك الحركة بالمثابرة والإصرار اللذين يبعثان في نفوسنا كل احترام وتقدير.
    ثانيهما:تلك العوامل المعيقة التي وقفت دائماً في وجه كل المحاولات دون استثناء.وفي اعتقادي أن أي تقييم لهذه الحركة الفنية لابد وأن يأخذ في الاعتبار مجموعة الظروف المتعددة التي واجهت الحركة المسرحية الليبية منذ النشأة وحتى الآن.
    سواء في ذلك تلك الظروف السياسية المتمثلة في واقع الاحتلال،الذي داهم المجتمع الليبي،والحركة المسرحية الوليدة التي لم يتعد عمرها حينذاك الثلاث سنوات.
    هذا الواقع أو هذا الظرف الاستثنائي الذي أملى على الحركة المسرحية الوليدة ضرورة الكفاح.ومن خلال هذه الضرورة كان على الحركة أن تخوض صراعاً ضد المحتل.الأمر الذي شكل ظرفاً جدليا بين الفن والفنانين من ناحية وسلطة الاحتلال من ناحية أخرى.وهو ماوضع الحركة المسرحية وهي في طور نموها على أرضية اجتماعية وسياسية ساخنة.
    وشتان مابين مناخ كفاحي ساخن وأرضية باردة في تأثير الأولى على حركة الإبداع وسيكلوجيته في الوقت ذاته.إذ لايخفى دور الحماسة الوطنية على الإبداع الفني والدور الذي يمكن أن يلعبه في رفع الوعي بالمسألة الوطنية وجعلها متأججة ومطروحة بإلحاح على الضمير الوطني.
    وكان الظرف الاجتماعى الفارض للعزلة خاصة في النصف الأول من القرن العشرين هو ما ألقى بالصعوبات ضمن عوامل أخرى.أمام تطور تلك الفرق المسرحية التي كانت قد انبثقت من الجغرافيا المترامية للبلاد.
    وما أن انتصف القرن العشرون حتى بدأت العزلة في الانكسار متمثلة في الاتصال والحضور لفنانين وأساتذة مصريين وكذلك الدورات التدريبية بعد ذلك التي حظى بها بعض الفنانين المهتمين بالإخرج والتمثيل المسرحي المبعوثين إلى الخارج وإلى القاهرة خاصة الذين توجهوا إلى المسرح القومي بالقاهرة والزيارات المتعددة لفنانين وأساتذة مسرحيين مخلصين للحركة المسرحية العربية.
    كل ذلك كان من شأنه أن يعمل على دفع الحركة المسرحية الليبية من ممثلين ومؤلفين ومخرجين وإداريين إلى الدخول في مرحلة العلمية،التي هي ضرورية بقدر ما للحماسة والشغف بفن المسرح من أهمية.
    حيث الحاجة إلى الاطلاع على المدارس المتنوعة في الأداء المسرحي وكذلك الوقوف على التخصصات المختلفة من إعداد الخشبة والسينوغرافيا والتفريق بين مهمة المخرج ومدير الغرفة ومصمم الملابس وفني التنكر "المكياج"والصوت وفني الإضاءة..إلخ وكل منها علم لايستقيم العمل دونه فضلاً عن كتابة النص المسرحي المدعوم بمعرفة كل هذه العلوم.
    إلا أن عوامل التعويق ظلت مرافقة للحركة المسرحية الليبية وعالقة بها ولكى نكون منصفين فإن بعضها أخذ في التراجع في السنوات الأخيرة وإذا اعتبرنا أن المسرح يقوم برصد الواقع الاجتماعي السياسي والثقافي في بعض الأحيان فإنه لزام عليه أن يعكس عنصري المجتمع الرجل والمرأة ضمن تقديمه للعلاقات الاجتماعية وجدل طبقاته أو فئاته وشرائحه الاجتماعية.
    وفي هذه النقطة نستطيع أن نقول إن عدة مستويات قد لعبت دوراً في توجيه كتاب المسرح لموضوعات يمكن تسميتها بالثيمات العرفية سطر أو العمل على نص لكاتب عربي.
    ويمكن إرجاع هذا التوجه في الكتابة المسرحية إلى مستوى التطور الاجتماعي حيث عدم بروز طبقات اجتماعية محددة الملامح بسبب طبيعة نمط الإنتاج الريفي وشبه الزراعي والنظام القبلي بقيمه وتقاليده وأعرافه الذي يجد صعوبة في تقبل مثل هذا النوع من الفن،خاصة في مسألة مشاركة المرأة.
    وقد سجلت شهادات بعض الفرق هذه الصعوبة.
    ولكن علينا أيضاً أن نعترف أن خشبة المسرح بدأت تشهد منذ منتصف القرن العشرين وبالتدريج حضوراً مشرفاً لفنانات تركن بصمة على الحركة المسرحية الليبية بل نستطيع أن نقول إنهن في ظرف اجتماعى صعب مثل هذا قد حملن مهمة شق الطريق وتغيير القيم المعيقة،ببطولة وتحد منقطع النظير.الأمر الذي أثر في النظرة الاجتماعية للفنانات وإن لم تكن خالصة بعد،شأنها في ذلك شأن كل المجتمعات الشرقية في النظر بسلبية إليهن بل إلى كل المستغلين بالفن في بعض المجتمعات العربية الأخرى.
    وتعتبر مسألة الرعاية والتمويل من أهم النقاط التي أعاقت استمرارية الفرق المسرحية التي كانت تنبت ثم تموت وتدخل في إغماءة بسبب عدم الالتفات إلى أهمية الدور الحضاري للمسرح وعدم تقدير دوره في إيصال الجماهير للوعي اللازم بمصالحها.
    وفي ظل كل هذه المعوقات التي أدت إلى الحضور المتقطع للمسرح فقد المسرح جمهوره الذي لايمكن له أن يحيا دونه.
    إلا أننا وعلى الرغم من هذا التقطع في الحضور والارتباط المناسباتي ومن خلال مشاهداتنا للعروض التي تعرض في المهرجانات نجد إقبالاً بدأ يتزايد على العروض حتى وإن كان بعض الحضور يوجدون لأسباب أخرى غير مانرتضيه للمسرح وقدسيته إلا أن حركة مسرحية مستمرة وقائمة بشكل مؤسساتي تستطيع أن تحسم مسألة الجمهور بالإيجاب وتخلق فيه تقاليد قائمة على احترام قيمة هذا الفن الرفيع.
    وتساهم في خلق أجواء محبة للفن كما ستتيح للفنانين والفنيين والمخرجين إمكانية الممارسة التي عليها يكون الرهان في بروز مبدعين على كل المستويات يمكن حينها أن نصدر الأحكام عليهم.إنما الآن لانستطيع إلا أن نؤدي واجبنا بمواكبة نقدية ليست مهمتها إصدار الأحكام وإنما تنصب مهمتها في تحليل الأعمال وتبيان مواضع الضعف إن وجدت وهي بالضرورة قائمة وتحتاج إلى من يقرأها بل إلى من يقرأوها أي أننا في حاجة إلى نقد علمي وموضوعي يواكب هذا الشغف الجميل المحب لتحمل أعباء ومعاناة الفن المسرحي.

    تعليق


    • #77
      الممثلة المسرحية في مئوية المسرح الليبي " 1908 – 2008م" ·
      سعاد الحداد نموذجا
      بقلم / فاطمة غندور

      يتردد في المشهد الثقافي الليبي وتحديدا المسرحي أن عام 1908م شهد أولى البوادر المسرحية الليبية ، والوثيقة المؤرخة لهذا الحدث مقالة بصحيفة ( الترقي) ففي عددها 15 رمضان 1326هـ الموافق 28سبتمبر1908م ،تتضمن إشارة لعرض مسرحي ( حب الوطن) نص كتبه محمد نامق كمال ، وقدمته فرقة الفنان محمد قدري المحامي- بطرابلس - بتاريخ 10 رمضان – 23 سبتمبر1908م ،بل إن أحد عروضها قُدم ليعود ريعه لعمال ميناء طرابلس الذين أضربوا رفضا لإنزال بضائع نمساوية معلنين موقفهم من ضم الامبراطورية النمساوية لمقاطعتي البوسنة والهرسك المُسلمتين ، وبعودة الى دراسات وبحوث الاستاذ البوصيري عبدالله (**)بكونه من انشغل بوثائق الاشارات المبكرة لمسرحنا الحديث يرى أن شاهد الصحيفة ( حب الوطن ) يُثبت أن ( المسرح بمفهومه العلمي الدقيق لم يعرف عندنا إلا في سنة 1908م… مسرحية حب الوطن هي أول مسرحية موثقة في تاريخ المسرح الليبي ) ويؤكد ذلك أيضا بمُراجعته لصحيفة ( أبي قشة 1908م – 1911م لصاحبها الهاشمي المكي ) ففيها ما يشير الى محاذاة عروض مسرحية أخرى لفرق وجمعيات ومؤسسات إجتماعية مختلفة مع العقد الأول من القرن العشرين ، وما من وثيقة تجزم بان ظهور الممثلة الليبية صاحب مئوية الممثل لظروف ليست بخافية عن أحد !.
      في ظل انعدام التوثيق المؤرخ لمسيرة مشاركة الفنانة الليبية في مجال المسرح ـ إلاماندر ـ يظل التداول الشفوي هو المانع للمعلومات الراصدة والتي تأتي من بعض ممن عاصروا أواخر الحقبة الخمسينية تلك المرحلة التي يتم اعتمادها زمنيا لتاريخ بداية المشاركة النسائية بالمسرح الليبي حيث انبرت سيدتان من مدينة درنة :هما حليمة الجملي وسالمة العجيلي بالمشاركة بدورين مسرحيين :جميلة بوحيرد ، وعزة ! ، ولعل للبدايات المبكرة لظهور المسرح بمدينتي طبرق ودرنة بمساهمات محمد عبد الهادي وأحمد الشارف وإبراهيم الأسطى عمر الحافز والمشجع لمغامرتهن المتجاوزة لأوضاع عصية ونابذة ـ إن صح التعبير ـ في ذلك المحيط الاجتماعي بالدرجة الأولى والسياسي والاقتصادي أيضاً..
      فإذا كان الممثلون الرجال قد عانوا من ردود أفعال المستعمر أنذاك فما بالك بإمرأة تحاذيهم في تبنيها لقضايا مهمة ومحركة لقيم المجتمع وما يقع تحت طائلتها ،وفي مبدأها وجودها المسرحي
      وكانت تجربة المرأة في طرابلس وإن كانت بعيدة عن المشاركة المباشرة بالفرق المسرحية ضمن مؤسسات المجتمع المدني ممثلة بجمعية النهضة 1957م والتي انضمت إليها ما يقارب المائة عضوة فاعلة في مختلف المجالات التعليمية والصحية والخدمية والفنية ، حيث تشير الرائدة رئيسة الجمعية صالحة ظافر المدني، والسيدة المعلمة مريومة الطيف أن الأستاذ المرحوم سعيد السراج كتب نصوصا مسرحية ذات الفصل الواحد لعرضها في المناسبات الوطنية والقومية وذكرتا مسرحية بعنوان ( جميلة بو حيرد ) والتي تم عرضها في سينما الهمبرا قبل الإعلان عن جمع التبرعات لمساعدة الشعب الجزائري في محنته والطريف أن مريومة أدت دور الجندي الفرنسي الذي يقوم بتعذيب المناضلة الجزائرية في زمن كان الممثل يؤدي دور المرأة في كثير من العروض المسرحية والإذاعية كذلك .
      وفي استعراض مسيرة الفنانة الممثلة ما ارتبط بجهود فنانين رواد ساهموا في حضورها على ركحه ، ومنهم كاتب الأغنية والدراما والمهتم بالتراث الشعبي الحاج محمد حقيق الذي تعهد عددا من الفنانات بتدريبهن على اسكتشات تمثيلية غنائية تؤدى كفواصل بين المشاهد والفصول المسرحية وقد أكد لي الفنان كامل الفزاني في مقابلتي له بالفرقة الوطنية تبني ( حقيق) لهن رغم بساطة مستواهن التعليمي وما استلزم ذلك من معالجة لحالات القصورالفني لديهن .
      أما الفنان مختار الأسود فيؤكد أنه من أدخل الرائدة الفنانة حميدة الخوجة وأقنع أسرتها وهي من جمعت بين الغناء والتمثيل و الحاصلة على وسام الريادة النسائية التمثيلية من ثورة الفاتح.
      وفي منتصف ستينيات القرن المنصرم جاءت مشاركة الرائدة في الإخراج المرئي الفنانة الممثلة المسرحية سعاد الحداد إبان عودة اسرتها من دمشق ، والتي برزت كنموذج للفنانة المثابرة ومن عملت على تطوير قدرتها واستثمار فرصة وجودها في وسط منحها الاحترام والتقدير والتجربة الحرفية وهي من يلقبها زملاؤها رواد المسرح في طرابلس ، ممن عاصروا مسيرتها بــ(سيدة المسرح الليبي) فلأربعة عقود والممثلة والمذيعة والمخرجة سعاد الحداد تنحت تاريخها الفني دون قطيعة أو كلل ودون ضجيج أيضاً!!، بدأت ممثلة بالإذاعة المسموعة الليبية عام 1966 م وقدمت أول عمل مسرحي مع الفرقة الوطنية بطرابلس (أهل الكهف ) في ذات السنة وكانت إحدى المؤسسات للمسرح الوطني .
      شاركت في عدة مهرجانات منها :-
      -مهرجان المغرب العربي بتونس 1968 ،1974 ،1977.
      -المهرجان الثقافي الأفريقي الأول بالجزائر عام 1969.
      -مهرجان دمشق للفنون المسرحية عام 1971، 1977.
      -الاسبوع الثقافي الليبي بالكويت بمسرحية (الصوت والصدى للمرحوم الاديب عبدالله القويري) .

      لم تخل سنة في بواكير اشتغالها من التواصل بالعمل المسرحي ومن مسرحياتها ما بين 1968 إلى 1977 شجرة النصر، راشمون، تشرق الشمس ، حكاية شاركان في زاره ، شكسبير في ليبيا، الأقنعة ، الصوت والصدى ، وطني عكا، الزير سالم، الأم ، حمل الجماعة ريش ، ،السندباد.
      -عملت بالإخراج بعد دورة الإخراج المرئي 1968 بالإذاعة الليبية حيث اشتغلت مخرجة لنشرات الأخبار والبرامج.
      شاركت في فيلم تاقرفت كممثلة وكذلك ضمن الطاقم الفني كمساعدة مخرج ثم انتقلت إلى الإذاعة المسموعة كمخرجة دراما بدأت مشوارها بإذاعة صوت الوطن العربي الكبير عام 1980م وأسهمت في استقطاب العناصر الجديدة من مذيعين وممثلين - وكنت إحداهن- واستمرت مشاركتها الدائمة في المسرح الوطني ، تحصلت على وسام الفاتح للريادة في عيد الوفاء العيد العشرين كأول مخرجة ليبية في مجال الإخراج المرئي كرمت من قبل اللجنة الشعبية للإعلام بطرابلس في مهرجان أيام طرابلس المسرحية ومن اللجنة الشعبية بالجبل الأخضر بمهرجان المسرح التجريبي ، كما شغلت منصب مدير إدارة التمثيل والإخراج بالإذاعة لخبرتها في المجال الإذاعي تم تعيينها كمتعاونة بعد بدء مرحلة تقاعدها مؤخراً وفي مبادرة مبكرة لتولي امرأة لرئاسة مهرجان مسرحي محلي (وإن تأخرت) تم اختيارها لترأس مهرجان طرابلس المسرحي في دورته الرابعة (1-13-7-2007م) وننشر هنا كلمتها بمناسبة المئوية المسرحية ، وأيضاً لاختيارها كامرأة فنانة وهبت عمرها عاشقة لفن المسرح والتي ألقتها بمسرح الكشاف ليلة الافتتاح لنقرأ من خلالها روح العطاء والتفاني والعصامية ما ميزها كنموذج لفنانة ليبية قدمت فنها بسخاء للوطن. .

      تعليق


      • #78
        الممثلة المسرحية في مئوية المسرح الليبي " 1908 – 2008م" ·
        سعاد الحداد نموذجا
        بقلم / فاطمة غندور

        يتردد في المشهد الثقافي الليبي وتحديدا المسرحي أن عام 1908م شهد أولى البوادر المسرحية الليبية ، والوثيقة المؤرخة لهذا الحدث مقالة بصحيفة ( الترقي) ففي عددها 15 رمضان 1326هـ الموافق 28سبتمبر1908م ،تتضمن إشارة لعرض مسرحي ( حب الوطن) نص كتبه محمد نامق كمال ، وقدمته فرقة الفنان محمد قدري المحامي- بطرابلس - بتاريخ 10 رمضان – 23 سبتمبر1908م ،بل إن أحد عروضها قُدم ليعود ريعه لعمال ميناء طرابلس الذين أضربوا رفضا لإنزال بضائع نمساوية معلنين موقفهم من ضم الامبراطورية النمساوية لمقاطعتي البوسنة والهرسك المُسلمتين ، وبعودة الى دراسات وبحوث الاستاذ البوصيري عبدالله (**)بكونه من انشغل بوثائق الاشارات المبكرة لمسرحنا الحديث يرى أن شاهد الصحيفة ( حب الوطن ) يُثبت أن ( المسرح بمفهومه العلمي الدقيق لم يعرف عندنا إلا في سنة 1908م… مسرحية حب الوطن هي أول مسرحية موثقة في تاريخ المسرح الليبي ) ويؤكد ذلك أيضا بمُراجعته لصحيفة ( أبي قشة 1908م – 1911م لصاحبها الهاشمي المكي ) ففيها ما يشير الى محاذاة عروض مسرحية أخرى لفرق وجمعيات ومؤسسات إجتماعية مختلفة مع العقد الأول من القرن العشرين ، وما من وثيقة تجزم بان ظهور الممثلة الليبية صاحب مئوية الممثل لظروف ليست بخافية عن أحد !.
        في ظل انعدام التوثيق المؤرخ لمسيرة مشاركة الفنانة الليبية في مجال المسرح ـ إلاماندر ـ يظل التداول الشفوي هو المانع للمعلومات الراصدة والتي تأتي من بعض ممن عاصروا أواخر الحقبة الخمسينية تلك المرحلة التي يتم اعتمادها زمنيا لتاريخ بداية المشاركة النسائية بالمسرح الليبي حيث انبرت سيدتان من مدينة درنة :هما حليمة الجملي وسالمة العجيلي بالمشاركة بدورين مسرحيين :جميلة بوحيرد ، وعزة ! ، ولعل للبدايات المبكرة لظهور المسرح بمدينتي طبرق ودرنة بمساهمات محمد عبد الهادي وأحمد الشارف وإبراهيم الأسطى عمر الحافز والمشجع لمغامرتهن المتجاوزة لأوضاع عصية ونابذة ـ إن صح التعبير ـ في ذلك المحيط الاجتماعي بالدرجة الأولى والسياسي والاقتصادي أيضاً..
        فإذا كان الممثلون الرجال قد عانوا من ردود أفعال المستعمر أنذاك فما بالك بإمرأة تحاذيهم في تبنيها لقضايا مهمة ومحركة لقيم المجتمع وما يقع تحت طائلتها ،وفي مبدأها وجودها المسرحي
        وكانت تجربة المرأة في طرابلس وإن كانت بعيدة عن المشاركة المباشرة بالفرق المسرحية ضمن مؤسسات المجتمع المدني ممثلة بجمعية النهضة 1957م والتي انضمت إليها ما يقارب المائة عضوة فاعلة في مختلف المجالات التعليمية والصحية والخدمية والفنية ، حيث تشير الرائدة رئيسة الجمعية صالحة ظافر المدني، والسيدة المعلمة مريومة الطيف أن الأستاذ المرحوم سعيد السراج كتب نصوصا مسرحية ذات الفصل الواحد لعرضها في المناسبات الوطنية والقومية وذكرتا مسرحية بعنوان ( جميلة بو حيرد ) والتي تم عرضها في سينما الهمبرا قبل الإعلان عن جمع التبرعات لمساعدة الشعب الجزائري في محنته والطريف أن مريومة أدت دور الجندي الفرنسي الذي يقوم بتعذيب المناضلة الجزائرية في زمن كان الممثل يؤدي دور المرأة في كثير من العروض المسرحية والإذاعية كذلك .
        وفي استعراض مسيرة الفنانة الممثلة ما ارتبط بجهود فنانين رواد ساهموا في حضورها على ركحه ، ومنهم كاتب الأغنية والدراما والمهتم بالتراث الشعبي الحاج محمد حقيق الذي تعهد عددا من الفنانات بتدريبهن على اسكتشات تمثيلية غنائية تؤدى كفواصل بين المشاهد والفصول المسرحية وقد أكد لي الفنان كامل الفزاني في مقابلتي له بالفرقة الوطنية تبني ( حقيق) لهن رغم بساطة مستواهن التعليمي وما استلزم ذلك من معالجة لحالات القصورالفني لديهن .
        أما الفنان مختار الأسود فيؤكد أنه من أدخل الرائدة الفنانة حميدة الخوجة وأقنع أسرتها وهي من جمعت بين الغناء والتمثيل و الحاصلة على وسام الريادة النسائية التمثيلية من ثورة الفاتح.
        وفي منتصف ستينيات القرن المنصرم جاءت مشاركة الرائدة في الإخراج المرئي الفنانة الممثلة المسرحية سعاد الحداد إبان عودة اسرتها من دمشق ، والتي برزت كنموذج للفنانة المثابرة ومن عملت على تطوير قدرتها واستثمار فرصة وجودها في وسط منحها الاحترام والتقدير والتجربة الحرفية وهي من يلقبها زملاؤها رواد المسرح في طرابلس ، ممن عاصروا مسيرتها بــ(سيدة المسرح الليبي) فلأربعة عقود والممثلة والمذيعة والمخرجة سعاد الحداد تنحت تاريخها الفني دون قطيعة أو كلل ودون ضجيج أيضاً!!، بدأت ممثلة بالإذاعة المسموعة الليبية عام 1966 م وقدمت أول عمل مسرحي مع الفرقة الوطنية بطرابلس (أهل الكهف ) في ذات السنة وكانت إحدى المؤسسات للمسرح الوطني .

        تعليق


        • #79
          شاركت في عدة مهرجانات منها :-
          -مهرجان المغرب العربي بتونس 1968 ،1974 ،1977.
          -المهرجان الثقافي الأفريقي الأول بالجزائر عام 1969.
          -مهرجان دمشق للفنون المسرحية عام 1971، 1977.
          -الاسبوع الثقافي الليبي بالكويت بمسرحية (الصوت والصدى للمرحوم الاديب عبدالله القويري) .

          لم تخل سنة في بواكير اشتغالها من التواصل بالعمل المسرحي ومن مسرحياتها ما بين 1968 إلى 1977 شجرة النصر، راشمون، تشرق الشمس ، حكاية شاركان في زاره ، شكسبير في ليبيا، الأقنعة ، الصوت والصدى ، وطني عكا، الزير سالم، الأم ، حمل الجماعة ريش ، ،السندباد.
          -عملت بالإخراج بعد دورة الإخراج المرئي 1968 بالإذاعة الليبية حيث اشتغلت مخرجة لنشرات الأخبار والبرامج.
          شاركت في فيلم تاقرفت كممثلة وكذلك ضمن الطاقم الفني كمساعدة مخرج ثم انتقلت إلى الإذاعة المسموعة كمخرجة دراما بدأت مشوارها بإذاعة صوت الوطن العربي الكبير عام 1980م وأسهمت في استقطاب العناصر الجديدة من مذيعين وممثلين - وكنت إحداهن- واستمرت مشاركتها الدائمة في المسرح الوطني ، تحصلت على وسام الفاتح للريادة في عيد الوفاء العيد العشرين كأول مخرجة ليبية في مجال الإخراج المرئي كرمت من قبل اللجنة الشعبية للإعلام بطرابلس في مهرجان أيام طرابلس المسرحية ومن اللجنة الشعبية بالجبل الأخضر بمهرجان المسرح التجريبي ، كما شغلت منصب مدير إدارة التمثيل والإخراج بالإذاعة لخبرتها في المجال الإذاعي تم تعيينها كمتعاونة بعد بدء مرحلة تقاعدها مؤخراً وفي مبادرة مبكرة لتولي امرأة لرئاسة مهرجان مسرحي محلي (وإن تأخرت) تم اختيارها لترأس مهرجان طرابلس المسرحي في دورته الرابعة (1-13-7-2007م) وننشر هنا كلمتها بمناسبة المئوية المسرحية ، وأيضاً لاختيارها كامرأة فنانة وهبت عمرها عاشقة لفن المسرح والتي ألقتها بمسرح الكشاف ليلة الافتتاح لنقرأ من خلالها روح العطاء والتفاني والعصامية ما ميزها كنموذج لفنانة ليبية قدمت فنها بسخاء للوطن. .

          تعليق


          • #80
            الدعاية و الإعلان في المسرح الليبي ..
            بقلم /أحمد الغماري

            يقف المرء عاجزا مكتوف الأيدي أمام موضوع لا تتوفر له مصادر و لا مراجع يستند عليها لدراسته, خاصة عندما يتعلق الأمر بالفنون البصرية ,و ما يخص منها الملصق بالذات , وعلى الأخص الملصق المسرحي , الذي يعتبر أقل انتشارا بين الناس من الملصق السينمائي , و كما هو معروف بأن الجانب الإعلاني والدعائي من مهامه إبلاغ الجمهور عن مواعيد وأماكن العرض المسرحي
            والدعاية له .إلا أن الملصق يبقى من أهم هذه الوسائل الدعائية والإعلانية ,
            و النافدة الأولى التي يطل منها المشاهد على أحداث و شخصيات العمل المسرحي ويكون عامل جدب أو تنفير , ما حدا بالفرق المسرحية و المسارح أن تتخذه بعين الاعتبار و تفرش له المساحة الكبرى على جدرانها و تؤكل أمر تنفيذه لأفضل المصممين والفنانين المختصين في هذا المجال , الذين استخدموا أفضل التقنيات
            وأحدثها من اجل إظهاره بالمظهر الجذاب لعين المشاهد, فظهر الملصق الورقي الذي يوزع على جدران الشوارع و الملصق الجداري الذي يرسم على القماش أو الخشب والمعروف في بعض الأماكن باسم( الأفيش) وينصب على أوجهات دور العرض بألوانه الزاهية و بمساحات كبيرة , إلى جانب الوسائل الأخرى التي استغلت لغرض الدعاية والإعلان فكان النداء و العزف الموسيقي الارتجالي في الشوارع و الميادين كإحدى هذه الوسائل التي اعتمد عليها كما ظهرت طرق أخرى تمثلت في (مواقف طريفة للإعلان )التي لا تخلو من روح الدعابة و الترفيه في تجسيدها ,

            و في نظرة إلى الخلف لكي نبحث عن الإشكال التي اتخذتها الدعاية و الإعلان للعروض المسرحية في بلادنا , و طبعا حسب ما توفر من نماذج للملصقات و ما سمعته من بعض الفنانين والأخوة المهتمين بالحركة المسرحية عن هذا الأمر , نجد أن الدعاية قد اتخذت ثلاث أشكال رئيسية واستخدمت في أوقات و ظروف مختلفة و بإمكانيات فرضتها معطيات كل زمن مرت به , إلا أنني ارغب في بادئ الأمر أن أسلط الضوء على احدى هذه الوسائل التي وصفتها سابقا – بالمواقف الطريفة للإعلان – والتي تعبر عن سعي بعض المسرحين لجذب المشاهد البسيط لعروضهم المسرحية , خاصة لو علمنا بان الوعي الفني لدى المواطن في تلك الفترة _ النصف الأول من القرن العشرين _ لم يتبلور بعد كما هو الحال اليوم ما دعاهم للالتجاء لهذه الحيل الطريفة’ التي اعتمدوا فيها خلق (مواقف تمثلية) حيه للمواطن في الشارع لإعلامه بالعرض المسرحي و دعوته إليه , و عرف على الفنان "مختار الأسود"قيامه بهذه المواقف الذي يذكرها فيقول:
            ... بأنني مارست هذه الحيل بنفسي في إحدى المرات عندما ارتديت فيها ملابس شرطي المرور وبدأت بإيقاف السيارات المارة , و كان السائقون يعتقدون بأنني شرطي أريد أن اخالفهم لارتكابهم مخالفة مرورية ألا أنني أقابلهم بابتسامه و أقول لهم (لا تنزعج فأنت مدعوا إلى المسرحية التي ستعرض اليوم أو غدا ...في المكان الفلاني) وأقدم لهم مخالفة هي في الحقيقة دعوة للحضور مسرحيتنا التي سنقدمها ...ومن المواقف المشابهة التي قام بها الفنان"مختار الأسود"و أصدقائه ذات مرة عندما شيعوا جنازة افتراضية في أزقة المدينة القديمة و ساروا بها على اعتبار أنها جنازة لأحد المتوفين من سكان المدينة الأمر الذي جعل المواطنين يسيرون وراء الجنازة حتى وصلوا أمام باب مسرح (البوليتياما) الموجود حاليا بسوق الترك و الذي يسمى اليوم- بدار عرض النصر- عندئذ وقف قائلا لهم بان لا توجد جنازة بل هو يدعوهم للمسرحية التي ستعرضها (فرقة خرجي مكتب الفنون
            والصنايع) إلا أن الفنان "مختار الأسود" لم يتوقف عند هذه الحيل و المواقف الطريفة بل نوع في أشكالها و طرقها - فطبع ذات مرة الإعلانات على الأكياس الورقية التي يباع فيها الخبز و الفاكهة بحيث تصل إلى كل بيت عندما يقوم أب الأسرة بشراء حاجات أسرته من السوق. إلا أن هذه الوسيلة الطريفة قد رافقتها وسيلة أخرى يمكن أن نطلق عليها اليوم (بالدعاية الصوتية) والتي عرفها الليبيين (بالتبريح) أي النداء في الأزقة و الميادين من اجل إعلام الناس عن حدث ما .
            وذكر الفنان " مختار الأسود" بان الفرق المسرحية كانت تؤكل أمر إعلاناتها لأحد (البراحة) و كان هناك شخصا يدعى " النطاح "يقوم بهذه المهمة لبعض المسرحيات بحيث يجوب الشوارع مناديا بعبارات سلسة تعودت عليها أذان الناس بهذه الكلمات( ألتوب ألتوب ألتوب ... تسمعوا ألا الخير أن شاء الله و الحاضر يعلم الغايب ... أبناء الفرقة الفلانية عندهم تمثيلية في مساء اليوم في السينما الفلانية ... و يلعبوا فيها فلان وفلان و فلان ... راهي تفوتكم تعالوا كأنكم بتضحكوا) مستعينا بآلة إيقاعية (كالبندير او الدنقة) أو أي آلة أخرى محدث بها تنغيما بين العبارات و الإيقاعات , و يضيف الفنان"محمد بن محمود"في هذا الإطار بان بعض الفرق المسرحية كانت تكلف أفراداً من أعضائها أو أشخاصا من خارجها أحيانا للإعلان وذلك بان يصطحبوا عربة وآلات موسيقية و يجوبون بها الشوارع بالعزف و الغناء ملفتين قدر الإمكان انتباه المارة إليهم لإعلامهم عن موعد و مكان العرض, و يذكر الفنان "محمد بن محمود"- بان هذه العملية لم تكن مقتصرة على المعلنين بل أن الممثلين أنفسهم أحيانا ينزلون إلى الشارع قبل العرض بملابسهم التنكرية ليجلبوا انتباه المارة ويضيف الأستاذ "سعيد المزوغي"إلى هذا بان المساجد باعتبارها مكانا لتجمع و خاصة في صلاة الجمعة, حيث جرت العادة أن يتخذها الناس كأحد وسائل الإعلان عن حدث أو أمر ما (فيقوم احد المعلنين بعد صلاة الجمعة و يطلب من المصلين الانتباه إليه و بعدها يبلغهم عن وجود مسرحية في المكان والموعد الفلاني ,ويحدث هذا عدة عندما تكون المسرحية ذات طابع إسلامي أو قومي ) إلا أن المعايش للفترة الأولى أو حتى الفترة التالية للحركة المسرحية يعرف جيدا بان الدخل و الدعم المادي للفرق المسرحية لم يكن ليسمح لها بالصرف على الجانب الدعائي و الإعلاني بالشكل المطلوب , بل إن الفنان"محمد بن محمود" ذكر بان عروضهم المسرحية التي كانوا يقدمونها في مناطق خارج طرابلس كالخمس أو الزاوية مثلا, كانت تقبل فيها غلال أو الثمار الموسمية مقابل ثمن تذكرة الدخول مراعين في ذلك الظروف المادية لبعض المواطنين في تلك المنطقة, وهذا يعطي مؤشرا واضحا على الحالة المادية التي تمر بها الفرق المسرحية ما جعلتها تهمل الجانب الدعائي في برنامجها ,وسبب ذلك تأخر ظهور الملصق المطبوع على جدران الشوارع وحتى إن ظهر فيظهر بشكل محتشم وبسيط ,وعوض عنه بالملصق اليدوي - إن صحت ألتسمية- الذي كان يرسم من قبل احد الرسامين في أحسن الأحوال أو يقوم مهندس الديكور في الفرقة برسمه أن رأى في نفسه الكفاءة للقيام بذلك و كان يوضع في أماكن محدودة بالمدينة ,إلا أن الملصق الورقي في اعتقادي يبقى الوسيلة الأكثر ملائمة وفاعلية للإعلان نظرا لسهولة توزيعه في أي مكان وإمكانية استخدامه في أكثر من فرصة تالية, و لهذا سألقي نظرة فيها شيء من التفحص على تاريخ صدوره و أشكاله التي اتخذها ,وهنا يأتي ألسؤال ليطرح نفسه متى كان ظهور أول ملصق و كيف كان تصميم الملصق في كل فترة من الفترات التي مر بها ؟؟ و لكي أجيب عن هذه الأسئلة توجب علي أتوجه إلى أهل الدرية و المهتمين بالشأن المسرحي لنسمع منهم الإجابة عن هذه الأسئلة. فكانت البداية مع الأستاذ "البصيري عبدالله " الذي يذكر- بان صدور أول ملصق حائطي كان في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي-ويؤكد على ذلك الفنان "بشير المبروك" باعتبار - أن الفرقة الوطنية الطرابلسية للتمثيل و الموسيقى قد عرضت مسرحيات في تلك الإثناء بملصقاتها - لكن الفنان " مختار الأسود" ينفي و يقول - بان صدوره في منتصف الخمسينيات- و يرى المخرج "عبد الله الزروق"- بان الملصق بمفهومه الحقيقي لم يلقى اهتماما في بادي الأمر و بدأ الاهتمام به فقط في أواخر الستينيات و بداية السبعينيات- و يقول الفنان "محمد بن محمود" - الملصق كان موجودا من فترة طويلة فكان يكتب و يرسم باليد و يوزع في الشوارع والأسواق- و على أي حال فان البحث و الفرز عن تاريخ صدور أول ملصق في بلادنا لهو أمر يحتاج إلى المزيد من التفحص و التروي من اجل إجابة تكون أكثر دقة و موضوعية..
            ولننتقل الآن إلى النقطة التالية وهي شكل وتصميم الملصق الذي طرا عليه عبر الزمن العديد من التطورات,و لمعرفة هذا التطورات توجب علي الاطلاع على ما أمكنني الاطلاع عليه من ملصقات نجت من التلف و الضياع و أخرى هي حديثة العهد وتعتبر نماذج لا باس بها تعكس الفترة التي ظهرت فيها ,و كذلك ملصقات أكثر حداثه تحمل روح هذا العصر بما فيها من تقنيات الكمبيوتر والإخراج الحديث الذي بدأ يميز هذه الملصقات عن سابقاتها , و لكن أولا لنرجع لنلتمس طريقنا إلى أقدم الملصقات التي يمكن أن ننطلق منها لرسم ملامح الملصق و الكيفية التي كان عليها , ففي الملصق الذي رافق العرض المسرحي الذي قدمته الفرقة الوطنية للتمثيل و الموسيقى سنة 1946 م لراويات اجتماعية و إسكتشات هزلية من بطوله - الكوميدي -"محمد حمدي " و رافقه في العرض الموسيقي المطرب " محمد الفرجاني", حيث ظهرت فيه صور شخصية لممثلين و عازفين وفي أسفل الصور كتبت أسمائهم و ظهر في أعلى الملصق اسم الفرقة بخط عريض و في الاسطر التي تلتها نشاهد التقديم و التعريف بالعمل المسرحي و على جانبي هذا التقديم تظهر أسماء العناصر البارزة في العمل المسرحي,إلا أن الغريب في الأمر ظهر بعد تلك الفترة من الزمن ملصق مسرحية (أهل الكهف) الذي طبع في سنة 1966م خلا تماما من أي صورة فوتوغرافية أو رسم يدوي وظهرت أسماء الممثلين و المؤلف و المخرج في توزيعا هندسي من الوسط و على الجانبين, و في أعلى الملصق كالعادة كتب اسم الفرقة و في صدره عنوان المسرحية و ظهرت في الأسفل أسماء الطاقم الفني وأسعار التذاكر للصفوف الأولى و التي تلتها و مواعيد ومكان العرض .. و استمر الحال على ما هو عليه في تصميم الملصق إلى منتصف السبعينيات دون أن يطرأ أي تغير, و خلت هذه الملصقات من أي لمسة فنية في تصميمه بحيث ظهرت كأنها إعلانات وظيفية أكثر منها ملصقات دعائية مما يدل على إن الذين قاموا على تنفيذها هم أشخاص ليسوا مختصين في هذا المجال, ولكن الملصق قد بدأ يأخذ طابعا مختلفا في تصميمه فظهرت ملصقات اعتمدت في تصميمها على الرسوم و الخطوط الدعائية, كما استمر ظهور الصور الشخصية للممثلين ألا أنها اكتفت بصور الإبطال و بعض الشخصيات الرئيسية , وما ميز هذه الملصقات عما سبقها من ملصقات الأربعينيات و الخمسينيات و الستينيات بأنها طبعت بالألوان و صورت برسومات أحيانا كانت كاريكاتيرية تعبر عن فكرة المسرحية في إجمالها ولكن الفترة من النصف الأخير من الثمانينات و إلى نهاية التسعينيات قد جاءت بملصقات حملت على صفحاتها صور فوتوغرافية تصور مشهدا من أحداث العمل المسرحي ,واستعمل الخط الدعائي بشكل جيد بحيث يضفي لمسة جمالية على الملصق,وأخيرا اتخذ الملصق منعطفا آخر في بداية الألفية الثالثة بسبب دخول الكمبيوتر مجالات الحياة و انتشار برامج التصميم و الدعاية ( اﻠﭭرفيك ديزاين) و بروز شباب يحسنون استعمال هذه التقنيات , فظهرت ملصقات تحمل على صفحاتها مشاهد أو أفكار تعبر عن العمل المسرحي و بتصميم بدا إخراجها يعكس روح العصر في شكله و تميزت ببساطة الشكل و اختفاء الصورة الشخصية الجامدة للممثل التي استبدلت بصورة حركية يعبر فيها الممثل عن الدور الذي يلعبه في العمل المسرحي اضف إلى هذا التأثيرات التي أتاحتها تقنية الكمبيوتر , هذه العناصر قد أعطت الملصق ثوبا جديد يمكن أن يقال عنه بأنه يجدب عين المشاهد و يستثير فضوله لمشاهدة العمل وهذا التطور في التصميم يواكب أيضا التطور الذي حدث في العمل المسرحي في كل جوانبه, و من يشاهد منا الملصق الذي قدمتة فرقة الأنوار لعملها (انتحار رائد الفضاء ) و الذي صور رواد الفضاء خارج الغلاف الجوي و تظهر الأرض خلفهم و هم يسبحون بجوار مركبتهم الفضائية , وأقول من يشاهد هذا الملصق سينجذب إليه و سيستهويه مشاهدة هذا العمل لان الصورة تستثير مخيلتنا , و هذا هو الدور الذي يجب أن يقوم به الملصق الجيد لصالح العمل المسرحي و هو دور مهم جدا لان الكثير من الإعمال المسرحية الجيدة نجد أن ملصقاتها لا ترتقي إلى مستواها الفني مما يؤثر بشكل مباشر و غير مباشر على العمل المسرحي ..... و الملصق و وسائل الدعاية الأخرى هي في الحقيقة العنصر الثالث في العمل المسرحي بعد الممثل و الطاقم الفني إن صح التعبير .

            تعليق


            • #81

              المئـــويــة للمسرح الليبــي عيـديــة
              بقلم / شرف الدين سعيد العلواني

              باقات من الورود نمت وترعرعت ففاحت روائحها الذكية بفضل تربتها البكر والعرق الذي سقاها من جبين رواده ومحبيه وعشاقه ومن غيره مسرح بلادي الجماهيرية يقدم لهم في مئويته هذه الهدية في عيده وعيدهم.
              في عام ( 1908 ) قدمت فرقة محمد قدري مسرحية بعنوان الحرية من مدينة طرابلس الغرب هذه المدينة وبحكم مركزها الجغرافي والتجاري والاستراتيجي كانت جامعة للأدب والأدباء والعلم والعلماء والفن ومبديعيه وإذا ما حسبنا الحسبة سنجدها مئة عام وهنا جاء ذكر المئوية إلا أننا لو تعمقنا ورجعنا إلى مصادر أخرى عديدة لوجدنا أن العمر أكبر من ذلك وهذا لا يضر المئوية ولكن يزيدها فخرا وقوة وتأكيد وجود فعلي لثمارها ها نحن نجنيها الآن بهذا الكم الهائل من الفرق المسرحية وأعمالها التي صارت مثل الماء والهواء للجماهير سواء في مدينة بنغازي النشطة أو طرابلس أو درنه أو طبرق مروراً بالبيضاء والمرج أو المدن الواقعة بين طرابلس وبنغازي كالخمس ومصراته وسرت واجدابيا ونتجه جنوباً من الجفرة بواحاتها الخمس الجميلة وعروسها هون ووصيفة العروس زلة إلى سبها كعاصمة للمدن المحيطة بها والتي ساعدتها الإذاعات المحلية في إزاح الستار عن هذه الإبداعات ..
              تذكر بعض الأبحاث أن الفن المسرحي الليبي يعود إلى العام ( 1878 ) ويؤكد هذا الأستاذ المهدي بوقرين في كتابة المعنون تاريخ المسرح في الجماهيرية وقال الفقيد الأستاذ "علي صدقي عبدالقادر" إن المسرح بدأ فعلياً في عام ( 1880 ) وعلى كل فإن هذه التواريخ التي ذكرتها أن أكدت مئوية المسرح الليبي حيث تتالت بعد ذلك تواريخ التأسيس والبدء الفعلي للحركة المسرحية في ليبيا.
              ها هو المرحوم محمد عبدالهادي يؤسس فرقة مسرحية بمدينة الزهور والفن درنة عام ( 1930 ) يقدم أول عمل مسرحي ( هارون الرشيد ) لتتوالى وتستمر عروضها بعد ذلك ويأتي عام ( 1936 ) لتتأسس أول فرقة مسرحية بمدينة بنغازي على يد رجب البكوش رحمه الله وكذلك إبراهيم بن عامر ويلحق بركبهم إبراهيم مفتاح العريبي ورجب العقوري والمرحوم فرج سعد الطيرة والمرحوم عبدالله المسماري وغيرهم الا وهي فرقة المسرح الشعبي التي توالت أعمالها ولا زالت إلى اليوم ومنها تأسست عدة فرق أخرى منها المسرح الوطني على يد إبراهيم العريبي والمسرح الحديث على يد محمد بن حريز وعلى أبو جناح والمسرح العربي على يد عبدالحميد المالطي والمسرح العام على يد عبدالهادي الكوافي وعلي بحيري والمسرح الأخضر على يد رافع الحبتي وهاشم الفيتوري ومسرح هواة الفن الجماهيري على يد مجموعة من شباب بنينة والمسرح الجوال على يد سليمان الدينالي .
              لقد كان المرحوم رجب البكوش ولتأثرة بمسرح فرقة هواة التمثيل بدرنة رائداً للمسرح ببنغازي حيث كان يكتب ويخرج ويمثل وكان يمتاز بخفة الدم وروح الفكاهة وله تأثير بالغ في محيطه وقدم العديد من الأعمال تحت أسماء مختلفة كفرقة الشاطئ بمسرحية ( الوفاء العربي ) وفرقة رابطة الشباب وفرقة هواة التمثيل وجميعها انبثقت من فرقة المسرح الشعبي.
              كان للمسرح الليبي بعد مئة سنة ثابتة وهي من ( 1908 ) إلي عام ( 2002 ) دور حقيقي وأساسي في محاربة الظلم والفساد والغزو الصليبى البربري على بلادنا وفضح لكل من تسول له نفسه أن يمس ترابها وكان للمسرح الليبي دور ترشيدي تعليمى توجيهي ترفيهي نقدي بارز ترك آثاره على الأجيال التي تلاحقت وكان رواده على رأسهم الشيخ عبدالله جمال الدين الميلادي ومحمد قدري ومحمد مصطفى شرف الدين الذي أسس فرقة غنائية مسرحية تحت اسم رابطة الشباب السعداوي عام ( 1929 ) وكتب واخرج لها العديد من الأعمال ومصطفى الأمير ورجب البكوش ومحمد عبدالهادي وأنور الطرابلسي و إبراهيم بن عامر و أحمد قنابة والدكتور مصطفى العجيلي ورجب العقوري ومختار الأسود وقد كان للمسرحي والشاعر أحمد قنابة دور كبير في المسرح الطرابلسي بعد أن أسس فرقة من طلبة الفنون والصنائع وقدم من خلالها العديد من الأعمال المسرحية أصبحت امتدادا له ولا ننسى أيضاً محمد حمدي أبوبكر وإبراهيم الأسطى عمر وغيرهم كثيرون الذين بذلوا الجهد والعرق ضحوا بالغالي والرخيص وتحملوا ويلات العذاب والحساب من المستعمرين وغيرهم من عملاء حكومات العهد البائد إلى أن انبلج نور فجر الحرية بثورة الفاتح من سبتمبر فاعترفت وكرمت الرواد و شجعت اللاحقين وأقامت المعاهد والكليات والمسارح وشجعت الفن حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم وإذا ما ثبتنا عام ( 1908 ) كبداية للمئوية المسرحية في ليبيا فإننا ولابد أن نعترف ونعرف ونؤكد أن تاريخ المسرح في ليبيا يرجع إلى ما قبل ذلك بقرون والمسارح الأثرية الإغريقية والرومانية بشحات والبيضاء وطلميثة وسوسة ولبده وصبرا ته هي دليل على وجود المسرح آنذاك أي إلى القرن الرابع قبل الميلاد وعلى المستوى العربي إذا ما اعتبرنا أن البداية كانت بالشام حيث مسرح مارون النقاش عام ( 1847 ) وشقيقه نقولا ثم بيروت ثم مصر عندما أسس سلامة حجازي عام ( 1905 ) فجورج أبيض عام ( 1912 ) هنا نجد أن التواريخ متقاربة بيننا وبينهم بل قد نكون سباقين إذا أكدنا أن أول تاريخ للمسرح الليبي هو ( 1878 ) كما جاء في كتاب الأستاذ المهدي بوقرين تاريخ المسرح في الجماهيرية ..
              ونؤكد هنا أن الظروف المتلاحقة التي ابتدأت بالحكم العثماني والغزو الإيطالي والحكم الملكي كانت سبباً في تعثر الحركة المسرحية رغم الكم الهائل من المحاولات الجادة بعزيمة الرواد الأوائل وإصرارهم ولولاها لكان العطاء أكثر لمعاناً وقوة ونفوذاً على مستوى الوطن العربي رغم هذا ولله الحمد فإن المئة عام الماضية أرست قواعد صلبة ومتينة للمسرح الليبي وهذا باعتراف كبار الأساتذة من الوطن العربي سواء بحضورهم مهرجانات المسرح بليبيا أو بتواجدهم في مشاهدة مشاركات المسرح الليبي في تونس والمغرب وسوريا والقاهرة وحتى ايطاليا نفسها إن الحديث عن المسرح الليبي شيق وطويل وبحاجة إلى وقت أطول وورق أكثر حتى يتم تأليف كتب عنه ولا بد لنا في هذه المشاركة احتفالاً بالعيد المئة للمسرح الليبي أن نؤكد تقديرنا واعتزازنا بالرواد الذين إذا غابت أجسادهم وبقيت أرواحهم وذكراهم حية بيننا بصمة على جدار الزمن والذين لا زالوا أحياء أطال الله عمرهم وعسانا نستفيد منهم في تسجيل ذكرياتهم وما سمعوه ممن سبق وما عاشوه واقعاً ملموساً أيضاً التلاميذ النجباء والمستجدون الذين قد صاروا هم قادة دفة المسرح الليبي ونطمح منهم إلى المزيد من البذل والجهد والعطاء أما الدولة فلها أن تزيد من المعاهد المتوسطة والعليا ومن البعثات لمن سبقونا للأستزادة وكذلك إقامة دور العرض المسرحي في كل شبر من بلادنا كون المسرح أستاذاً له أن يعلمنا ويرشدنا ويوجهنا نحو الأصلح .
              هنيناً لنا جميعاً بعيدنا العيد المئة لمشوار المسرح في بلادنا ومن عيد إلى عيد نجاح وبناء وتشييد ودائماً تجديد في تجديد .

              تعليق


              • #82

                من يحتفل بمئوية المسرح الليبي ؟!!
                أحمد الغماري - هدى الغيطاني - سوزان الغيطاني

                واقع مأزوم ومهزوم، ومتضررون يصرخون ولايجدون إلا آذاناً صماء ومسرحاً تزلزلت خشبته وتصدعت.. إنه وصف بسيط للحال الذي وجدنا عليه مسرحنا الذي يحتفل هذا العام بعيده المئة رغم أن الناظر لواقع المسرح الليبي لا يصدق أن عمره مئة عام خاصة إذا كان قد حضر الاحتفالية المتواضعة جداً والتي أقيمت في هذه المناسبة والمؤسف أنها كانت بالمجهود الذاتي من فرقة غفران للأعمال الفنية والمسرحية بإخراج الفنان صالح أبو السنون يوم الخميس الماضي أما المؤسسات الرسمية فربما لا تعلم أن هذا العام هو المئة للمسرح الليبي بل قد لاتعلم أن ليبيا بها مسرح أصلاً، هذا ليس تهكماً على مسوولينا بقدر ماهو محاولة لتحريك سكونهم المميت الذي لمسناه بأنفسنا عندما أجرينا لقاءات مع المثقفين والفنانين والممثلين في مسرحنا الوطني فأثناء دخولنا للمسرح ومشاهدة الاحتفالية وجدنا لفيفاً من الممثلين والفنيين والمثقفين يتجاذبون أطراف الحديث قبل الدخول للمسرح كان من بينهم الفنان يحيي عبدالسلام والفنان عبدالله الشاوش الذي لم يعطنا فرصة لنسأله بل اندفع هو وسألنا من يحتفل بمئوية المسرح ؟! ..وارتسمت على وجهه علامات الامتعاض والرفض لواقع المسرح الليبي الذي وصفه بأنه لم يقدم شيئاً للفنان مقارنة بالمسارح العربية... وأضاف أن وضع المسرح الليبي بهذا الشكل يجعل الناس تقول إن لا ثقافة أو مسرح لدينا، وتدخل الفنان الكبير يحيي عبدالسلام قائلاً:-
                لقد قدمنا مسرحاً حقيقياً في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات واعتمدنا في ذلك على الموهبة لكن هذا الجيل الجديد لم يقدم شيئاً بالتالي فالمسرح الجديد هو عبارة عن سراب وأوهام مقارنة بالمسرح الذي قمنا نحن بتأسيسه في الماضي رغم اعتمادانا على مجهودات فردية لأن الدولة لم تقدم شيئاً للمسرح فقط تقوم كل بضعة أعوام بتنظيم تظاهرة مسرحية وفي مستوى ضعيف ... مثلا في مدينة طرابلس كيف يقدم ثلاثة عروض في يوم واحد رغم عدم توفر مسرح جيد ويطلق عليه اسم مهرجان مسرحي وكل ذلك للحصول على مال.. إن مايقدم من أعمال مسرحية تحمل هذا النمط جعل المسرح يهتز وهنا قاطعه الفنان عبدالله الشاوش وعلامات الأسف ترتسم على ملامح وجهه قائلاً: - نحن دولة لا تحترم المسرح ولا تحترم الفنان الليبي حتى في الحقوق المادية في العمل المشترك، فلماذا لا تنشر أجور الفنانين الليبيين في الصحف كما هو في الدول الأخرى؟.... وبعد لحظات أضاف أن الفن الحقيقي هو موهبة وثقافة وليس مؤهلاً علمياً كما أن الظهور على المرئية لمرة أو مرتين لايعني النجومية بل الرصيد المسرحي هو الذي يصنعها.
                وفي سؤالنا عن ظاهرة المنتج المنفذ ومدى تأييدهم لها أجاب الفنان يحيي عبدالسلام قائلاً :- إن هذه الظاهرة التي خرجت في السنوات الأخيرة فكرة سيئة جداً فيجب أن تكون الجهة المنتجة شركة أو إذاعة ونعامل مادياً وفقاً للائحة لأن هذا سيضمن حصولنا على حقوقنا كاملة فمثلاً الممثلين الذين كانوا يعتبرون فريقاً أو ثنائياً تفرقوا ليقوم كل منهم بعمل منفرد ويرصد للعمل 120 ألف دينار ويتعاون مع 5 أو 6 آخرين ويعطيهم مبلغاً معيناً ولايعرف أين يذهب باقي المبلغ لذا أقول إن فكرة المنتج المنفذ والمخرج والبطل والكاتب خطأ لأن المنتج هو تاجر وما خالف ذلك فهو ( كلام فارغ ) .
                وبعد رصدنا لهذه الآراء التي استشعرنا من خلالها مرارة وما يعانيه الفنانون توجهنا إلى قاعة المسرح وفي طريقنا إليها التقينا الفنان عيسى عبدالحفيظ فاستوقفناه ليفيدنا برأيه في فكرة إقامة مهرجانات في المدن فقال:إن إقامة مهرجان وطني للمسرح في منطقة معينة تعتمد على أن هناك مهرجانات قارة يجب أن تقام في ذات المنطقة التي أقيمت بها أول مرة وفي نفس الوقت هناك مهرجانات متنقلة ولكن مسرح الليالي طرابلس يجب أن يكون في طرابلس خاصة وأنها استضافته لثماني سنوات وبذلك نكون حققنا مهرجاناً معروفاً في ليبيا كمهرجان قرطاج في تونس والقاهرة في مصر ولتنشيط الحركة المسرحية في باقي مدن الجماهيرية يمكن عمل فروع لهذه المهرجانات كما في مصر وتونس.
                "أويا" ما تقييمك لمراسم الاحتفال بمرور مائة عام على المسرح الليبي الحديث؟
                * إن هذا الاحتفال لم ينل اهتماماً كافياً خاصة وأننا لم نحتفل باليوم العالمي للمسرح الذي يفترض أن نحتفل به كل عام ويمكن أن تتولى ذلك أمانة الثقافة على اعتبار أنها الراعي الرسمي للمسرح أو الهيئة العامة للمسرح التي كانت تحتفل به ولكنها غير موجودة الآن.
                "أويا" هل يمكن الاعتماد على المسرح التجاري لتنشيط الحركة المسرحية؟
                * إن تطبيق فكرة المسرح التجاري كمنشط للثقافة هو في الواقع استغلال وليس ثقافة لأن المواطن لم يصل بعد لدرجة الاهتمام المطلوبة بالمسرح وهذه مسؤولية أمانة الثقافة والمناشط المدرسية والهيئات الاجتماعية.
                وفور انتهاء حديثنا هذا مر بجانبنا حسن السعداوي الممثل الذي يعتبر دماً جديداً ننتظر أن يضخ في عروق المسرح الليبيي الحديث فيساهم في إعادة النبض لقلبه فاستوقفناه لنرصد رأيه حول هذا الاحتفال وقبل أن نكمل سؤالنا أجاب وعلامات الرفض ترتسم على محياه نحن لانجد من يحتفل حقيقة بمرور مائة عام على المسرح الليبي فلا يوجد دعم من اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام أو اللجنة الشعبية للثقافة والإعلام طرابلس وهذا العمل أهلي يعتمد على دعم فردي ولم تقدم الدولة أي دعم أو مساعدة إلا في أرض المسرح الذي تسلمه لأي كان.
                وحامت لحظات صمت قليلة ليقطعها مندفعاً ويجب أن يكون مثل هذا العمل الأهلي تنبيهاً للمسؤولين كي يتبنوا هذه الفكرة ويحتفلوا كل عام باليوم الوطني للمسرح الليبي.
                "أويا" بما تفسر عدم مبادرة المسؤولين حتى الآن لاتخاذ خطوة إيجابية للنهوض بالحركة المسرحية؟
                أجاب في صوت عالٍ يمتزج فيه الاستياء والسأم لأن المسؤلين الموجودين في الثقافة لا علاقة لهم بالثقافة وهؤلاء الذين تقلدوا هذه المناصب لا يوجد منهم من ألف كتاباً أو كتب شعراً أو حتى يعرف قيمة عمل يقدم له بل ربما نجد منهم من لم يشاهد مسرحية طوال حياته ؟؟
                أويا :/ كحل لكل هذا التخبط هل تؤيد فكرة المسرح التجاري ؟
                طالما أن الدولة لا ترغب في تقديم شيئاً للمسرح فيمكن اعتبار أنها فكرة جيدة ولكن يجب أن نضع في الاعتبار أن تطبيق هذه الفكرة في بنغازي كان لها وضع خاص لأن مناخ المدينة ساهم في نجاح العمل المسرحي نظراً للزيارات المتبادلة والمستمرة بين فناني مصر وبنغازي إضافة لروح النكتة والفكاهة التي يتمتع بها أهل المنطقة ولاننسى الدعم الذي يقدم لمسرح بنغازي بينما هو غائب عن مسرح طرابلس .
                ولاستكمال رصد الآراء اعتلينا خشبة المسرح وتجولنا بين الفنانين خلف الكواليس فالتقينا الفنان صلاح سنون مخرج وممثل الذي قال في عجالة: نحن نتساءل لماذا لم تحتفل اللجنة الشعبية العامة للثقافة بمئوية المسرح الليبي الحديث واحتفلت به فرقة أهلية مع العلم أننا نعد له من شهر الربيع - مارس،
                ثم أعطينا لاقط الصوت للفنان - علي دعدوش- الذي كان يقف بالقرب منه بعد أن ارتدى ملابس الدور الذي سيمثله بالمسرحية ووضع المكياج اللازم لإتقان الدور وقال في أناة إن المسرح الليبي يعاني من رفع أيدي المسؤولين عنه رغم أن الخطاب الرسمي يفرض دعم أي جهة مسؤولة تملك وعياً بضرورة وأهمية المسرح والفن ولا أعلم سبب ذلك فهل هو نفاق داخلي أم هناك خللاً أم يوجد دعم ولكن لم يصل ؟!!
                أويا / بما تفسر غياب الحركة المسرحية في ليبيا ؟
                إن غياب المسرح خاصة في مدينة طرابلس عاصمة ليبيا وعاصمة الثقافة الإسلامية سابقاً يعني أن الحياة الثقافية فيها ميتة خاصة وأن المسرح سيدالفن بكل معاييره لذا أقول أن هناك هوة بين الإعلام كخطاب والإعلام كثقافة .
                أويا / هل يمكن أن يكون المسرح التجاري بديلاً ؟
                لا، لأن المسرح التجاري هو أيضاً بحاجة لرأسمال ليكون محركاً ، ورأس المال لن يُجازف لعدم توفر مسارح وفنانين وكتاب ولكن بشكل عام لايمكن الحكم على فكرة المسرح التجاري إلا إذا تم خوضها.
                وعندما نزلنا من على خشبة المسرح وجدنا مصطفى المصراتي الذي يمتد عمره المسرحي لأكثر من 40 سنة فسألناه عن رأيه في هوية المسرح الليبي بل إن كان للمسرح الليبي هوية فأجابنا في ضيق إننا لا نملك هوية ثابتة لمسرحنا في إطار التخبط بين المدارس المختلفة وساعد على ذلك عدم عرض مسرحيات إلا في المناسبات الوطنية أو الدينية ولا تتوج بالاستمرارية لذا لانجد عائلات تدفع ثمن تذاكر لتدخل للمسرح كما في دول شقيقة.
                أويا / ما تقييمك لهذا الاحتفال الذي يقام بمناسبة مئوية المسرح الليبي ؟
                المئوية تستحق الكثير من الاهتمام والدعم وكان يفترض بالجهات المسؤولة أن تتبنى هذه الاحتفالية على اعتبار أن أمانة الثقافة والإعلام هي الباب الواسع لاحتضان المسرح والمسرحيين والفرق المسرحية ، وأعتقد أن عدم الاهتمام بالمسرح يعود لتعدد اهتمامنا نحن المسرحيين خاصة وأن ظروف الفنان لها دور كبير في هذا، ففي السابق كنا نعيب على أساتذتنا في شكواهم من قلة الدعم وها نحن نشكو من ذات الموضوع لذا لا يمكن أن نعفي الدولة من التقصير ، فمثلاً تقام خلال الفترة القادمة الدورة الحادية عشرة للفنون المسرحية في مدينة درنة تقريباً ولم يصُرف لنا حتى الآن أي مبالغ مالية لذا أقول لامسرح بدون دعم.
                وبعد برهة صمت قال صحيح أن المسرح أستاذ الشعوب ولكن يجب أن يتم تشجيعه مادياً ومعنوياً .
                أويا / بحكم خبرتكم الطويلة في مجال المسرح هل لديكم تصور لتطوير الحركة المسرحية وتشجيعها ؟
                أولاً يجب الاستفادة من التجارب السابقة فمثلاً قمنا في الماضي بعمل مسرحيات مقتبسة من المناهج المدرسية واستفاد الجميع منها حيث ظهرت المواهب واستفاد الطلاب ، كما يجب أن يكون المسرح هو المسرح الواقعي الذي ينقل الحياة الاجتماعية، أما مسرحيات شكسبير فهي تخص طبقة معينة فقط .
                أويا / وماذا عن دعم القطاع الخاص للمسرح ؟
                هذا الدعم موجود ولكن في المناسبات الوطنية في حين إنه في مصر أصبح تجارة إلا أن هناك وعياً بقيمة الفن المسرحي رغم أن أغلب العارضين كانوا طلاباً في أخر عمل شاهدته بالإسكندرية ومع ذلك كانت الصالة ممتلئة بالجمهور المتلهف لمشاهدة العرض .
                وفور انتهاء العرض المسرحي ووسط الزحام والضجيج اغتنمنا فرصة اختطاف لقاء سريع مع - علي الخمسي - الذي سألناه إن كان هذا الاحتفال يليق بمئوية المسرح الليبي الحديث فقال في تعجب أين هو الاحتفال !!؟ ثم تدارك الحديث قائلاً هذه الاحتفالية متواضعة جداً ولم تتبناها أمانة الثقافة والأعلام أو الفرق المحلية أو المسرح الوطني لذا لا أستطيع أن أسمى هذا العمل احتفالاً والسبب في ذلك هو غياب التخطيط أو غياب الاهتمام ، فلا يمكن أن يُطلق على فرقة صغيرة أهلية بسيطة عمرها قصير أنها وقعت بأسمها احتفالية بمئوية المسرح الليبي الحديث وأنا في هذا لا أشك في تاريخ المسرح الليبي وإمكانياته وقدرات ممثلينا ومخرجينا ومؤلفينا ولكن هذا الاحتفال غير رسمي فهناك مكتب متخصص في أمانة الإعلام كان يجب أن يشرف أو ينظم الاحتفالية ، ثم رفع صوته قائلاً بحماس أنا أدعو إلى إحياء مئوية المسرح الليبي خلال هذا العام وأخيراً أؤكد على أن الإمكانيات البشرية والمادية موجودة وكذلك مقومات العمل المسرحي فقط ينقصنا التخطيط .
                وبعد لحظات وقع بصرنا على الهادي البكوش وبشير مبروك الذي كان يعبر عن استيائه من غياب المسرحيين عن هذا العمل وأرجع ذلك لعدم وجود إدارة وغياب التنسيق وضعف الإنتاج لذلك أرى أن الحركة المسرحية الآن في غيبوبة فهناك مسرح ولكنه غائب والمسرحيون متوفرون ولكن لا أحد يتبناهم فهناك مجموعة كبيرة من الخريجين وذوي المواهب ولكن أين هم في الفرق المسرحية ، وتدخل بشير المبروك قائلاً: إن مسرحنا بحاجة لتوجيه فالمسرح مدرسة ونحن لانستطيع أن نرفض نوعاً معيناً من المسرح ولكن المشكلة في بداية هيكلة الفرق من جديد خاصة وأن الفرق تحتاج لدعم مادي كبير ، وأكمل يشير المبروك أن عمل ممثلي المسرح في المرئية أثر بشكل كبير على العمل المسرحي وبالتالي يصبح وقته منشغلاً بتدريبات المرئية خاصة وأنه سيحصل على مقابل مادي أما هنا فقد لايحصل على شيء كما هو الحال معنا في بعض الأحيان .
                وأضاف في اندفاع إنني لاأؤيد دخول القطاع الخاص للمسرح فهذا غير صحيح لأنه فشل في مصر وأصبح لايقدم مضموناً إلا إذا كان هناك تفاعل ، فاعترضه مخالفاً للرأي الهادي البكوش إن العمل سيباع ولكننا لانملك أرضية ليبنى عليها القطاع الخاص لأنه يسعى للربح أولاً ولكن الاستمرارية ترتقي بالعمل.
                وكان ختام لقاءاتنا مع أحمد القطعاني منتج هذا العمل الذي مثل الاحتفال بمئوية المسرح الليبي والذي لم تتذكره جميع هيئات الدولة وقال في حديثه القصير إلينا : إن هذه الاحتفالية يقصد بها توجيه رسالتين الأولى تنبيه الجهات المسؤولة علّها تفيق وتعتني قليلا بهذا الابن العليل وهو المسرح ، والرسالة الثانية هي إجابة على بعض التساؤلات التي قد تثار لدى الناس ومن خلال المسرح يجاب عنها وفي هذا رفع لقدر المسرح وتشجيع له ، كما أن هذا الاحتفال جماهيري أقيم بمناسبة مرور مئة عام على المسرح الليبي الحديث وهو ليس احتفال الدولة لأنها غائبة عن هذا الأمر ، وهذا العرض من تمويل فرد وبعيد كل البعد عن الدولة .
                هذا ليس إلا غيضاً من فيض وقطرة من كأس ما جعلنا حريصين على رصد آراء عدد كبير من المختصين والمتضررين كي لايمر هذا التجاهل لمئوية المسرح الليبي الحديث مرور الكرام ، ونؤكد لقرائنا أن هذا التحقيق ليس إلا جزءاً من سلسلة تحقيقات ستتواصل حتى بداية العام الجديد .

                تعليق


                • #83
                  الإدارة المسرحية في المسرح الليبي
                  بقلم / عبدالله مفتاح هويدي

                  تعرف الإدارة المسرحية على أنها جهاز مهم من أجهزة المسرح التي تمثل الجانب التقني والفني في عملية الإنتاج المسرحي.. وهي الجهة التي تتولى تسيير وتنظيم الأجهزة التقنية والفنية والتنسيق بين الأطقم البشرية العاملة بهذه الأجهزة الذي نشترك في تجسيد العمل المسرحي وبعث الحياة فيه وتقديمه كعرض مسرحي متكامل..
                  وكانت الإدارة المسرحية في السابق مهمة من مهمات المخرج الذي يكون في أغلب الأحيان مديراً للفرقة المسرحية والمؤلف والمخرج والممثل الأول بها ويتخذ من أعضاء الفرق كفريق مساعد له بالنسبة للخدمات الإنتاجية إلى جانب مشاركتهم في العرض المسرحي كممثلين..
                  غير أن التغير والتطور الذي طرأ على ممارسة الفن المسرحي وحرفيته من ناحية تقنية وفنية وإتساع مجالات الخدمات الإنتاجية والفصل بين المهمات الإدارية والفنية وظهور وظائف جديدة لها اختصاصاتها من حيث هيكلية المؤسسات المسرحية والفصل بين هذه الوظائف ووضعت القوانين واللوائح لذلك وبناء على ذلك برزت الإدارة المسرحية التي تختص بإدارة الحيز الذي عليه التمثيل أي الخشبة أو المنصة..
                  وأسندت مهمة الإدارة المسرحية قياديا إلى شخص تكون لديه خبرة ودراية بشؤون المسرح عامة والجانب التقني والفني والحرفي خاصة.. ويأتي مركز هذا الشخص بعد المخرج في التسلسل التقني والفني وهو يعد بمثابة المخرج المنفذ المعروف في الخيالة والمرئية..
                  والحديث حول وجود الإدارة المسرحية في المسرح الليبي عبر تاريخه الذي يزيد عن قرن ونيف من الصعوبة بمكان إذ أن الوثائق والمصادر التاريخية من مكتوبة ورواية شفهية لم تتعرض لذكر ذلك لا من قريب ولا من بعيد..
                  فلا وجود لذكر الإدارة المسرحية لا في الكتيبات ولا في الملصقات والإعلانات كما أن ما دون في الصحف والمجلات من مقالات حول الفن المسرحي في بلادنا وحتى الكتب التي ألفت أو أعدت في مجال تاريخ الحركة المسرحية لم تتطرق إلى ذلك..
                  بالإضافة إلى الفرق المسرحية العربية والأجنبية والشرق والغرب في أوائل القرن العشرين خلت إعلاناتها هي الأخرى وملصقاتها من مصطلح الإدارة المسرحية إلا نادراً أو تحت مسميات عديدة أغلبها من المفردات الأجنبية التي انتقلت إلى ثقافتنا الفنية العربية عندما تعرف الوطن العربي على الفن المسرحي الأوروبي الغربي في منتصف القرن التاسع عشر وما زالت هذه المصطلحات مستعملة حتى اليوم خاصة في الجزئية التقنية والفنية والحرفية في الفن المسرحي رغم أنه تم تقريب الكثير منها..
                  ولا شك أن الزيارات المتعددة للبلاد من طرف الفرق العربية والأجنبية اعتمد عليها كثيراً في مرحلة النشأة والتأسيس من حيث محاكاتها وتقليدها والتأثر بها في تقديم العروض المسرحية وكانت مهمات واختصاصات الإدارة المسرحية تسند إلى أعضاء الفرق الذين يقومون بذلك جماعياً تحت إشراف وإرشاد وتوجيه المخرج إلى كونهم ممثلين كما ذكرنا سابقاً..
                  هذا بالإضافة إلى أن تقنية وفنية الكتابة المسرحية ومعرفة أصولها وقواعدها غير معروفة والسبب يرجع إلى أن الانتماء إلى هذا المجال وممارسته يعتمد على الموهبة والهواية وليس على الدراسة والممارسة المبنية على أسس علمية وموضوعية إذ أنه لا توجد كليات جامعية أو معاهد عليا متخصصة في تدريس الدراما وفنونها عامة والمسرح خاصة..
                  والاحتكاك بالفرق الزائرة كان قليلاً بحيث لم يتمكن العاملون في مجال المسرح من الاطلاع على الفن المسرحي وخصائصه الفنية مما جعل العملية تعتمد على الاجتهاد حيناً وعلى التقليد والمحاكاة حيناً آخر..
                  أما فيما يتعلق بكتابة المسرحيات فكانت تكتب باليد ويقوم كل ممثل بنسخ دوره فقط ولم يكن هناك تسجيل للحركة أو وضع رموز خاصة بالإضاءة والموسيقا التصويرية والمؤثرات الصوتية بالإضافة إلى وضعية نواقل الصوت التي تربك من حركة الممثلين فوق الخشبة.
                  وانتقال النمط الأوروبي للفضاء المسرحي من حيث البناء والمعمار الخضم في نقل المعمار المسرحي الإيطالي المعلق الذي ينقسم إلى خشبة أو منصة خاصة بحيز التمثيل وإلى قاعة للمشاهدين إضافة إلى الشرفات في المسارح ذات الطوابق المتعددة..
                  وسواء ظهرت فرق مسرحية مارست هذا النشاط واختفى بعضها أو تلك المجموعات من الفنانين الذين كانوا يعملون داخل الأندية الرياضية التي تجمع بين النشاط الرياضي والثقافي والاجتماعي أو الجمعيات الموجودة في ذلك الوقت..
                  ووجود الإدارة المسرحية أو عدم وجودها يتعلق بالمرحلة الممتدة من سنة 1975م إلى سنة 1950م..
                  وما أن حل النصف الثاني من القرن العشرين حتى برزت إلى الوجود فرق مسرحية ودب النشاط من جديد في الفرق التي كانت قائمة.. وأوقفت نشاطها أبان الحرب العالمية الثانية 1939-1945م..
                  مثل فرقة هواة التمثيل التي أسسها المرحوم محمد عبدالهادي بدرنة سنة 1931م والفرقة الوطنية للتمثيل والموسيقا التي تأسست سنة 1936م بطرابلس وفرقة الشباب التي أسسها المرحوم رجب البكوش وزملاؤه في بنغازي وغيرها من الفرق وانتشر النشاط المسرحي بالمدارس وأصبح العمل المسرحي يقدم في عرض خاص وليس كفقرة في حفل منوعات فني في كثير من الأحيان..
                  ونظراً لجملة الأسباب التي ذكرت مقدما فإن الإدارة المسرحية ما زالت متداخلة مع غيرها من الخدمات الإنتاجية وقد ظهر مصطلح المدير الفني كعضو في الهيئات الإدارية للفرق إلا أنه لم تحدد اختصاصاته.. وظل كمشرف عام على جميع الخدمات الإنتاجية التي يساهم فيها الجميع..
                  ولم تعرف الكتابة التقنية والفنية للفن المسرحي ونتيجة لذلك ما زالت الإدارة المسرحية غير معترف بها وليست مدرجة ضمن المناهج الدراسية بالكليات الجامعية والمعاهد العليا المتخصصة والتي بها أقسام لتدريس الدراما بأنواعها والفرق المسرحية هي الأخرى لا تستطيع إعادة عروضها لعدم وجود نسخة تضم مخططات العرض المسرحي تقنياً وفنياً وأدبياً حتى يعطى من درس في الخارج أو ذهب في بعثة تدريبية في مجال الفن المسرحي وعاد لم يعر اهتماما بالإدارة المسرحية ويتولى كل شيء بنفسه مما جعل العملية الإنتاجية للعرض المسرحي أحادية الجانب من طرف المخرج دون غيره..
                  ولا يفوتني هنا الإشارة إلى أن دائرة الشؤون المسرحية التابعة للإدارة العامة للفنون والآداب قد جلبت من جمهورية مصر العربية مجموعة من رجالات المسرح المتخصصين في الإدارة المسرحية بغية إقامة دورات تأهيلية في شؤون المسرح سنة 1972م وهؤلاء الأساتذة هم:
                  - عاصم بدوي
                  - محمد محمود
                  - سليمان عبدالهادي
                  - نبيل الشاذلي
                  وأقيمت في تلك السنة دورات تأهيلية في المسرح وشؤونه بكل من درنة وبنغازي ومصراته وطرابلس.. هذا بالإضافة إلى أن اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام أقامت دورتين في كل من طرابلس وبنغازي بمناسبة انعقاد الدورتين التاسعة والعاشرة للمهرجان الوطني للفنون المسرحية 2006-2007مسيحي.. وكان لي شرف المساهمة البسيطة المتواضعة للمشاركة في هاتين الدورتين مع الزملاء الدكتور صبري محمد والأخ عبدالعزيز الزني بإلقاء محاضرات فيما يتعلق بالإدارة المسرحية إلا أن نتائج ذلك لم تلمس ولم يكن لها تأثير يذكر في عروض المهرجان خلال الدورتين..
                  وقد انصب اهتمامي بالإدارة المسرحية منذ ستينيات القرن الماضي..
                  عندما كنت عضواً بفرقة الأمل للتمثيل المسرحي 1957-1973مسيحي وذلك بالاطلاع على الكتب المتخصصة بالناحية التقنية والفنية والحرفية خاصة تلك التي تتحدث وتتناول الإخراج فهي تحوي بين طياتها معلومات وافرة حول هذا المجال أي -الإدارة المسرحية- مع الممارسة من خلال المسرحيات التي قدمتها الفرقة طيلة تواجدها..
                  ووقع علي الاختيار ضمن مجموعة من الزملاء للإيفاد إلى جمهورية مصر العربية في بعثة تدريبية في مجال الإدارة المسرحية وإدارة شؤون الفرق صحبة الزملاء عبدالله التركي وعبدالحفيظ ابوسبولة..وتتلمذنا على الأستاذ عاصم بدوي مدير الإدارة المسرحية بالمسرح القومي بالقاهرة بالإضافة إلى حضوري كمستمع بالسنة الأخيرة بمعهد التذوق العالي للفنون المسرحية بالقاهرة..
                  وحاضرنا في الأدب والنقد المسرحي المرحوم د.رشاد رشدي بالإضافة إلى حضوري بالمحاضرات الخاصة بالموسيقا التصويرية.. مما جعلني ألم إلماماً غير بسيط بالموسيقا العالمية والعربية ومعرفة آلاتها ودرجات أصواتها وإيقاعاتها ونغماتها.. وكذلك الصوت البشري وأنواعه ودرجاته وكانت المحاضرة لهذه المادة الدكتور رتيبه الحفني كما حظينا بالمشاركة في الأعمال المسرحية التي قدمها المسرح القومي بالقاهرة بجمهورية مصر العربية خلال الموسم المسرحي لسنة 1973مسيحي..
                  وقد أفادتني هذه الدورة رغم قصرها والتي لا تتعدى مدتها ستة أشهر كثيراً في دراسة أدب وفن المسرح من حيث النقد والتحليل والقراءة والدراسة والبحث والذي ما زلت أمارسها وأتابعها حتى الآن..
                  وأخيراً أرجو أن أكون وفقت في إعطاء صورة للإدارة المسرحية بالمسرح الليبي حسب معلوماتي البسيطة وثقافتي المتواضعة وخبرتي التي تساوي نصف قرن من الزمن..
                  ولا يسعني أن أقول في ختام هذه الصورة القلمية للإدارة المسرحية بالمسرح الليبي للجيل الحاضر والأجيال القادمة "المسرح عرق ودموع ودم وليس طريقاً للشهرة أو لكسب المال".. والله من وراء القصد.

                  تعليق


                  • #84
                    علاقة جميلة كهذه..
                    ." تخاريف قديمة عن مسرح حقيقي وعشاق حقيقيين "
                    بقلم / عبدالله الزروق

                    إن النسيج الدرامي الذي يختاره المخرج هو الفيصل وهو الأساس وعليه توضع جميع الأحداثيات وهو الذي يحدد درجة الوعي والمعرفة من خلال معركة أولية يحدد فيها المخرج نقاط التماس والاختراق لذلك النسيج عبر محاولات التطويع والذوبان أو التوازي فكثيراً ما يقف النسيج الدرامي صلباً عنيداً غير قابل للاختراق أو التطويع أو التفاهم عندها يكون الإخراج موازياً يحارب ويناضل من أجل قيمة يريد أن يحقن بها ذلك النسيج حتى يحدث التلاقح وفق قراءتين متوازيتين.. ولم أعرف زمن الستينيات فارساً حقيقياً يحاول فك طلاسم تلك الأنسجة إلا الفنان الراحل الأمين ناصف.. الذي كان عاشقا حقيقيا تفتحت مداركه منذ زمن الخمسينيات على المسرح العالمي.. هرباً من القوالب التقليدية وفراراً من الغرفة الإيطالية.. وفي عام ١٩٦٩ مسيحي، قدم على مسرح الغزالة مسرحية رائعة من المسرح الياباني وهي "راشومون" هذه المسرحية التي هزت الأمين ناصف هي نفس المسرحية التي حولها المخرج الياباني الشهير "أكيرا كيرومساوا" إلى شريط سينمائي هز العالم وحصد أغلب الجوائز بما فيها الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي، وهي ومضات إنسانية لحياة الساموراى ذلك المقاتل الفذ والولوج لأعماقه.. وعرضت هذه المسرحية في عام ١٩٦٩ مسيحي، أيضاً في مهرجان الجزائر للمسرح وأثنى عليها النقاد والفنانون واعتبروها طفرة حقيقية للمسرح الليبي.. وكانت هذه المسرحية من تمثيل سعاد الحداد.. محمد شرف الدين عبد الحفيظ أبو سبولة، أحمد الغزيوي، علي القبلاوي، سالم الشريف.
                    كانت فرقة المسرح الليبي تعرض في ذلك الوقت مسرحية "زهرة المدائن" من إخراج عاشق آخر من عشاق المسرح له مذاق آخر وتجربة أكثر عمراً المرحوم الأزهر أبو بكر حميد.. الذي أخرج هذه المسرحية وأعدها عن "أفول القمر" "لجون شتاينبك" وكنت ممثلاً فيها وكانت من بطولة عياد الزليطني وعبد الله الشاوش والأزهر حميد.. ومفتاح شبشاب وعلي الرقيعي ومحمد الغرياني وغيرهم من الزملاء.. فاجتمعت هاتان المسرحيتان في عام ١٩٦٩ مسيحي، كما أقامت فرقة المسرح الليبي حفلاً بمناسبة النجاح الباهر لمسرحية "راشومون" وكان هذا أول لقاء حقيقي لي مع الأمين ناصف.. عرفت فيه أنه يرغب في إخراج مسرحية "سجناء الطونا" لجان بول سارتر.. واستمرت لقاءاتنا بعد أن بدأ في التدريبات على مسرحية "زهرة من دم" للكاتب سهيل إدريس.. وكان الراحل الأ زهر حميد متحمساً للاستفادة من انفتاح الراحل الأمين ناصف.. وقد كنت أحد الممثلين في هذه المسرحية رفقة عبد الله الشاوش وعياد الزليطني وعثمان إسماعيل وغيرهم.. ولكن هذه المسرحية لم تكتمل إذ توقفت التدريبات بقيام ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة.. ووسط فرحة الشباب وحماسهم استطاعت الفرقة أن تقدم مسرحية "وتحطمت الأصنام" في تاسع أيام الثورة ووسط حظر التجول وهي من تأليف وإخراج الأزهر أبو بكر حميد.. وأنا عندما أتكلم عن هذه المسرحيات لا أنفي جهود الفرق المسرحية الأخرى وهي فرق رائدة.. فقد كانت خشبة مسرح الخضراء "الحمراء" سابقا وأود في هذه السانحة أن أؤكد أن تسمية مسرح " الهمبرا" المقصود بها قصر الحمراء وليس اللون الأحمر.. كانت هذه الخشبة تحتضن الفرقة القومية في مسرحية "حلم الجيعانين" تأليف وإخراج الراحل مصطفى الأمير.. وذلك الدور الرائع لفنان الشعب محمد شرف الدين والفنان القدير مختار الأسود.. والعزيز البوصيري عبد الله الذي كنا نسميه شكري سرحان ليبيا.. وذلك التطور التقني الذي ظهر في هذه المسرحية عبر سينوجرافيا فريدة في مشهد القبور حيث استجلب المخرج مصطفى الأمير أزياء عليها هياكل عظيمة من إيطاليا.. وعند إضاءتها بالأشعة فوق البنفسجية لم تظهر إلا الهياكل التي يلبسها الممثلون وكانت تطوراً نوعيا لابد من الإشارة إليه.. وكنت ملقنا في هذه المسرحية وممثلا في مسرحية "زهرة المدائن" وأدت الراحلة فتحية القمودي وهي من الممثلات الجيدات دوراً متميزاً.. وما دمنا تكلمنا عن السينوغرافيا لابد لي أن أذكر ذلك الديكور الرائع للفنان علي عثمان وهو منظر الغابة.. فقد قسم المسرح بخلفية من "الشيفون" لكي يضمن ضبابية الغابة وكذلك مكياج سالم الشريف ومحمود زميط.. وكانت الفرقة الوطنية قد أنهت مسرحيتها "حسناء قورينا" تأليف د. علي فهمي خشيم.. وإخراج الأستاذ خالد مصطفى خشيم التي عرضت في مهرجان المنستير للمسرح عام ١٩٦٨ مسيحي.. وكذلك الحضور الرائع للمسرح الشعبي ببنغازي في "بيت الله الحرام" على مسرح الغزالة.. من إخراج عمر الحريري وفيها الرائعون فرج الربع ومنصور فنوش الذي لن أنسى مسرحيته الرائعة "البخيل" ومحمد بن حريز وغيرهم من الأعزاء.
                    أعود مرة أخيرة إلى الأمين ناصف الذي لم نستطع أن نستثمره والذي لم يطرق بابه أحد تلك الطرقات التي تعيد إليه الحنين وتفتح أبواب قلبه.
                    عندما بدأت في الإخراج عام ١٩٧٢ مسيحي، كان اختياري لمسرحية "الحضيض" للكاتب الروسي الكبير مكسيم جوركي صعباً ففي زمن سطوة الأعمال الواقعية لن نستطيع النفاذ بسهولة.. ولن ترضي مهما فعلت أذواقهم.. ولن نستطيع أن نتكلم عن المذاهب المسرحية ولا تحطيم الحائط الرابع.. الذي كان مقدساً.. ومتينا، أشبه بسور الصين أو سور برلين أو حائط المبكى.
                    وفي يوم الافتتاح على مسرح الكشاف كان الراحل الأمين ناصف أول الحاضرين وأول المهنين.. كان ذلك عام ١٩٧٣ مسيحي، نفس السنة التي عرض فيها مسرحيته "الزير سالم" للكاتب العربي ألفريد فرج الذي قال عند مشاهدة المسرحية وفي كتبه فيما بعد بأن القراءة الليبية كانت أقرب القراءات.. كان عملا متكاملا برز فيه الفنان لطفي بن موسى ولطفية إبراهيم وعمران المدنيني وحميدة الخوجة.. وغيرهم من الزملاء وقدم الأمين ناصف في هذا العمل مسرحية من أهم المسرحيات الليبية.. وعندما تقدمت لإخراج مسرحية "سور الصين" للكاتب المسرحي "ماكس فريش" بالمسرح الوطني وبدأت تدريباتها.. وبعد ذلك أوقفت ولا أعلم إلى حد الآن لماذا أوقفت؟، كان الأمين ناصف هو المساند الحقيقي.. بل إنه أخذ مقدمة مسرحية "الزير سالم" من مقدمة مسرحية "ماكس فريش" سور الصين وأشار إليها في كتيب الدعاية.. وباشر بعد ذلك في إخراج مسرحية "السندباد" للمسرح الوطني.. ولكن خلافاً حدث حول الموسيقا التصويرية بعد نهاية الحركة والديكورات أوقفت بسببه المسرحية، وكانت آخر علاقة له بالمسرح.. استدعي في آخر سنوات عمره مرة عضواً في لجنة التحكيم، وكانت محاولة أخيرة قبل وفاته بقليل لإخراج مسرحية بالمسرح الوطني.
                    هذه تخاريف قديمة عن مسرح حقيقي وعشاق حقيقيين.. ملأوا خشبات المسارح بتجاربهم المخرج القدير محمد القمودي ومسرحيته "كاليغولا" لألبيركامو.. و"الضفادع " لاريسطوفان .. ومحمد العلاقي.. والطاهر القبائلي في مسرحية "وطني عكا".. التي مازلنا نتذكر صوت الممثل العملاق شعبان القبلاوي وهو يصيح وطني عكا.. عكا يا وطني.. وعلي أبو جناح وعبد الفتاح الوسيع وعلي ناصر وعلي الجهاني.. ومحمد إدريس.. وأتى بعدهم جيل جديد أصبح الآن يمتلك مقدرات المسرح بدخول الدراسة والتحصيل.. واضعين على عاتقه آمالنا وأحلامنا في قيام مسرح حقيقي.. حقيقي.. حقيقي.

                    تعليق


                    • #85
                      عبدالله القويري .. الصمت الصاخب
                      بقلم / جمال التركي
                      ترى لماذا خاض عبدالله القويري فعل الكتابة المسرحية؟ واستجابة لأي نداء ؟ ثم لماذا توقف عن كتابة النص المسرحي ولم يستمر بحيث تتموضع تواريخ نصوصة ضمن فترة وجيزة تقع بين 1963-1965 هذا إذا استثنينا مسرحية عمر المختار التي كتبها في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، ولم تتضمنها المجموعة الكاملة لمسرحياته، ربما لضغطها الفني قد تبدو هذه الأسئلة ساذجة واعتباطية بعض الشيء إلا أنها تظل الأكثر حضوراً بالقدر الذي تستحيل فيه الإجابة عنها ، ولأن أية مقاربة نقدية تعني أساساً بالنص المحايد وتعتبر ما عدى ذلك هو اختصاص لفروع أخرى فمناقشة الوضع النفسي للكاتب يخص علم النفس بشكل رئيس وتحليل التفاعلات الاجتماعية، والاقتصادية، والتاريخية المصاحبة لعملية الكتابة تقع ضمن مدرات علوم الاجتماع، والاقتصاد، والتاريخ إلا أنني أعتقد أن فعل الكتابة لدى القويري هو بشكل كبير محاولة للحوار مع الآخر الآخر الذي يخصه والذي يخاصمه ويحبه ذلك الآخر، الذي يفترض بنا استحضاره نحو محيط الكتابة ومقياسه المساحات الدالة بينه وبين ذات الفاعل والنص. ولعل ذلك يحيلنا إلى تفصلين ومقاربة فنتكئ أولاً على أن الكتابة المسرحية عند القويري - في مقابل الاجناس الأدبية الأخرى - هي وحدها في اعتقاده الأكثر قدرة على النفاذ نحو الآخر، وهي الفضاء الممكن للحوار لكونها الجنس الأدبي الوحيد الذي يتم استقباله بشكل جماعي خلال العرض، ويعود التمفصل الثاني إلى محاولة ردم الهوة المفاهميه والمرجعية والقيمية بين الذات وبين البنية الثقافية والاجتماعية السائدة للمجتمع آنذاك فهو وفي معظم أعماله يحاول أن يكشف نفسه للآخر وأن يستدرجه نحو بقعة الضوء الإنساني.
                      وتأتي مقاربة فترة الكتابة تاريخياً في كونها من أكثر سنوات القلق في التاريخ الوطني الحديث ، فمع بداية التسعينيات ظهرت الطفرة النفطية ، وما رافقها من تغييرات درامتيكية لبنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحدوث هذه التغيرات دفعة واحدة وبشكل مفاجئ وانتقال المجتمع من نمط اقتصادي بدائي إلى نمط اقتصادي ربحي مصحوباً باحتياج لشركات تجسد أقصى ما توصلت إليه الرأسمالية ، ويبدو هنا المشهد درامياً بالكامل حيث تتجاور ثقافتان على طرفي نقيض في مكان واحد وفي لحظة واحدة وفي دورة اقتصادية واحدة ، ربما هذا ما كان " القويري " يحاول أن يرصده، فتأتي مسرحياته محملة بالأسئلة الميتافيزيقية موشاة بالقلق واللاجدوى والرفض المجهض والتمرد المخنوق ، تثيرها شخصيات أشكالية على حد تعبير لوكاش تحظى في مشروعها مع معرفتها المسبقة بفشله ، حيث الانتظار بلا جدوى ، ومعالجة الخيبة بالصمت ، وليبدو الفقد نسيجا تحيكه الشخصيات بشكل متوتر يزيح كل تطهير ممكن نحو توتر دائم وقلق ، فيظهر اللاتواصل مهيمنا على مجمل النصوص ، هناك شخصيات تريد أن تتذكر وشخصيات تريد أن تنسى وشخصيات تريد أن تنيب عنها الأخرين للتذكر أنها محاولة لترويض الذاكرة المثقلة باسمال الذهول والمحبوسة في الطلال التى يتلاشى فيها كل شىء وينتصر الموت إنه يكتب بمعنى أنه يرى الآخر بين الكلمات ، يرصد الأحداث الواضحة في حياة شخصياته ثم يفرغها بهدوء من معطاها اليومي ، ويعيدها كتراجيديا تحفر في ذاكرة المسكوت عنه ، تراقب التآكل الإنساني أمام اللهاث المحموم للحفاظ على الذات.
                      إن الإبقي بالنسبة للكاتب هو ذلك التساؤل عن معنى الأشياء وذلك الرصد الحثيث للخيبة الإنسانية ، فما يلح لديه هو ذلك الشعور بأن هناك خطرا ما، قدراً ما يسوق البشر إلى مصير لم يختاروه وليسوا مسؤولين عنه ، ولكنه يقودهم إلى حتفهم ، فالشخصيات لم تعد هي السيد ، أصبحت موضعاً للتدقيق ولإعادة التعرف إنها تحيك حكايتها الصغيرة بشكل عصابي يزيح كل تطهير ممكن حسب المفهوم الأرسطي نحو توتر دائم يفتقد التواصل ، ليصير الحوار مجرد تشكيل للعلاقات بين الذات وموضوعاتها الحقيقة والهوامية ، فتنزاح هذه الذات عن مركز النص وتتحرك متوزعة بين الشخصيات ، وهي لا تفتأ في تقويض مقولات الخطاب المتطابق مع مقتضياته الاجتماعية ، لتدفع به نحو مناطق الصمت ، بحيث يعجز هناك عن اصدار أحكامه وفرض إجراءاته التي لا تتعدى ثنائيات الخير / والشر أنه يفهم الكتابة على أنها نداء ، يحثه على السير منفرداً ومعاكساً ويثنيه عن كل رغبة في الاستقرار يقول سعدالله ونوس إن المسرح هو الرجوع إلى الحوار ، حوار متعدد ، مركز وشامل ، حوار بين الأفراد ، وحوار بين الجماعات وقد توقف عبدالله القويري عن فعل المسرح ربما لأنه شعر أن هذا الحوار هو مجرد منولوج في منودراما الممثل الواحد .

                      تعليق


                      • #86

                        مصطفى الأمير وفرج قناو
                        الاتجاه الواحد والتفريع المستقل
                        بقلم : أحمد بشير عزيز
                        التدفق المسرحي لدى الكاتب الليبي مصطفى الأمير له مايبرره ، وتواصل عطاؤه المستمر لم يأت من فراغ أو تمطيط لتولدات محدودة مصطفى الأمير افراز للمدينة القديمة بمعطياتها المتماوجة وبموروثها ومتناقضاتها اعتمر داخله بكل هذه المكونات فكان شعبياً يعبر عن هذه البيئة بتطلعاتها ومآسيها وكان لاستشرافه لكل هذه الموحيات تأثير كبير على خطه الدرامي وأسلوبه المسرحي وحضوره المتواصل ومواكبته للطفرات الاجتماعية المتباينة.
                        إن الذي يقرأ مسرح مصطفى الأمير يستشف مباشرة الاشعاعات الشعبية المنبعثة من المدينة القديمة التي تفاعل فيها ومعها ليمتلئ وجدانه من خلال حساسية التلقى ولصالح العطاء المفيد إن مسرحيات مصطفى الأمير الأولى وهي خلاصة مستفادة من كثير من التجارب المسرحية العربية التقليدية التي قوامها تسطيح الشخصية دون الدخول إلى أغوارها والاهتمام فقط بشد الانتباه ويفوت فرصة الالتفات إلى كنه الشخصية لكن خطه المسرحي تحول فيما بعد عن هذا التوجه وانطلق يسعى لتحقيق التماثل التام لابعاد الشخصية المسرحية.
                        خلال الخمسينيات والستينيات من هذا القرن حرص مصطفى على ملامسة الواقع الليبي وممارسة التعصير بمقياس ذلك الزمن من خلاله ابداعه المسرحي فكانت له انتاجات عديدة نجح لأكثرها في أن يصل إلى وجدان المواطن وتنبيهه إلى أشياء كثيرة بل تحريضه في بعض الأحيان علىالتمرد على السائد الراهن وقتها ولنا في مسرحيات "كل شيء يتصلح، اللي تظنه موسى ،حلم الجيعانين، ما يصح إلّا الصحيح ،بين يوم وليلة ، ما يقعد في الوادي ،عكوز موسى ..وغيرها خير مثال لذلك.
                        إن مصطفى الأمير يعد بحق أحدى العلامات المتميزة في تاريخنا المسرحي وقلم حساس رصد للظواهر الاجتماعية وقناص ماهر للمشكلات الاجتماعية .وبقدر ما استأثر مصطفى بهذه الأهمية بقدر ما نجد كاتبا آخر هو فرج قناو ولج عالم المسرح في بلادنا مع أواخر الستينيات لكنه لم يكن في انطلاقه حالة طارئة على عالم الابداع ولا هو بكاتب احترف رص الكلمات ولظمها في شكل حوار فارغ الدلالة أو الايحاء .
                        إن لفرج قناو رائحة خاصة تتناهى من خلال مسرحياته ذات النسيج الاجتماعي الذي يحتفظ بين ثناياه بالعديد من القيم التي تفرض نفسها على كل التجاوزات ثم تتلاشى أمام منطقة التناول في لهجة رفيعة معبرة موصلة لهجة كما يقوى عبدالله الزروق الذي أخرج أغلب مسرحيات فرج قناو " لا تعرف استدراج المشاهد إلى الضحك القسرى" وإنما تركز على اختيار المفردة ذات الدلالة والمعنى العميق الذي ينفذ إلى وجدان المتلقي بمثل ما ينفذ إلى عقله . إن فرج قناو كاتب يجري المسرح في دمه كان عاشقا للمسرح وكان يجد نفسه دائما في مسرح الأسرة راصداً للعلاقات الأسرية بإيجابياتها وسلبياتها داخل مجهره المسرحي.. يعيش معها وتتفاعل معه يرقبها ويتابع تفجرها..
                        لقد قدم فرج قناو وعلى مدى مسيرته التي تجاوزت الربع قرن عدداً من الأعمال المسرحية التي استدعت الانتباه وكشفت عن كاتب قادر يحذق صنعته.. فمسرحيات "حوش العيلة" و"هجالة ومية عريس" و"متزوج سبعة" و"البنت اللي قالت لا" و"اخطى راسي وقص" و"بشرى" و"اللي اديره تلقاه" وغيرها تدل على أن قناو استطاع أن يرسخ نفسه ككاتب مسرحي يجيد اختيار موضوعاته ويحسن صياغتها درامياً هذان الكاتبان مصطفى الأمير وفرج قناو اهتما اهتماماً ملحوظاً بالمسرحية الاجتماعية وأعطيا لهذا النوع من المسرحيات خلاصة ابداعهما وعصارة أفكارهما بكون أنهما من أكثر كتابنا التصاقا بدراما الأسرة ومع ذلك كان لكل منهما طريقته في التناول وأسلوبه في طرح قضاياه وقدرته على إدارة حواره.
                        ولكن أين يلتقيان؟ وأين يختلفان؟
                        بتصوري أن هناك نقاط التقاء عديدة تجمع الكاتبين:
                        فكلاهما داخل إطار المسرحية الاجتماعية اتخذ من الأسرة مجالًا لابداعه فأغلب مسرحيات مصطفى الأمير إن لم يكن جميعها مكرسة لمحيط واحد هو محيط الأسرة حيث نسج خيوط موضوعاته من العلاقات التي تربط أفراد الأسرة سلباً وإيجاباً.
                        نفس مافعله فرج قناو إذ أنه عادة ما كان يحيط مداره الدرامي بفيض من الصراعات العائلية وتضارب النوازع والاهواء فيها.
                        وكلاهما اعتمد على شخصيات محورية وردت في عدد من أعماله المسرحية شخصية "الطيب" "شلنده" "الحاج" عند مصطفى الأمير.. وشخصية "أبو غديلة" و"هرودة" و"تبرة" و"المرداس" عند فرج قناو.
                        ويكاد يكون منطق هذه الشخصيات واحداً فهي إما شخصيات خيرة تعمل على كشف المستور من العلاقات غير السوية وتواجه أركان الظلم والفساد والاستغلال والجشع وإما شخصيات تشعل فتيل الشر وتغلب أطماعها ونزعاتها الانتهازية والموصولية دون اكتراث بالقيم والأخلاق والمصلحة العامة.
                        إن أبرز ما في مسرح مصطفى الأمير حوار شخصياته الذي يتناهى إلينا في صفاء عفوي وفي تلقائية وانسياب لانكاد نتمثله حقيقة بتأثيره وعذوبته وتدفقه وتفجره إلا من خلال خشبة المسرح.
                        ولقد جاراه فرج قناو في إدارة الحوار في تلقائية وتدفق عجيبين من خلال الاعتماد على مخزون لغوي زاخر فمصطفى الأمير تأسس على إرث تراثي هائل زخرت به المدينة القديمة التي عاش فيها فتشبع بلهجتها ونهل من عاداتها وتقاليدها واستوعب كثيراً من حكم وأمثال وأقوال أهلها وقد انعكس هذا في كتاباته المسرحية إذ لانجد مسرحية من مسرحياته تخلو من هذه الحكم أو الأمثال والأقوال بل امتد هذا إلى عناوين مسرحياته "مايقعد في الوادي إلاّ حجره" "حوت ياكل حوت" "اللي تظنه موسى يطلع فرعون" "حلم الجيعانين" من "حلم الجيعان عيش" وغيرها.
                        بينما نجد فرج قناو القادم إلى المدينة من منطقة الساحل "الريفية" يدعم موروثه الريفي بمد هائل من تراث المدينة نهل جزءا كبيراً منه من منجم الفنان الراحل محمد حقيق الذي ارتبط معه لفترة طويلة بعلاقة صداقة وتبنى – إن صح التعبير – فأثر ذلك بشكل كبير في ابداعه سواء كان المسرحي أو الإذاعي وبذلك جاء حواره معمقاً زاخراً بالأقوال والتعابير الشعبية التي تجمع المدينة بالريف.
                        كلاهما أيضاً اعتمد على ممثل واحد تتمحور حوله أحداث المسرحية ويكون بالتالي الشخصية اللافتة والممسكة بخيوط المسرحية فبقدر ما كان مصطفى الأمير يسند أداء هذه الشخصية إلى الفنان محمد شرف الدين بقدر ما كان فرج قناو يسند أداء شخصيته الرئيسة إلى الفنان فتحي كحلول. فقد ظهر شرف الدين بطلاً لأغلب مسرحيات مصطفى الأمير بينما كان فتحي كحلول بطلاً لأغلب مسرحيات فرج قناو.
                        كذلك دراما الأسرة التي رفع لواءها في مسرحنا الفنان مصطفى الأمير وتواصل معها الكاتب فرج قناو لم يقتصر عطاؤها على الأسرة الليبية فقط بل تجاوزت ذلك لتشمل الأسرة العربية ككل وبمعنى آخر أن الكاتبين تعدا بإبداعهما التعبير عن القطر كأسرة إلى التعبير عن الوطن العربي الكبير وقضاياه كأسرة أكبر.
                        لقد كتب مصطفى الأمير مسرحية "عكوز موسى" ومسرحية "عروس بلا دار" عن القضية الفلسطينية فعكوز موسى هو الكيان الصهيوني الذي جثم على فلسطين العربية و"عكوز موسى" هو نبات غير محمود باعتباره وفق التعابير الشعبية "يشرب المية ويضيق على الزرع" وعروس بلا دار واضح أنها فلسطين التي سلبت وشرد أهلها لقد حافظ مصطفى الأمير في كتابته لمثل هذه المسرحيات على خطه الدرامى في تفجر قضاياه من خلال الأسرة فجاءت بذات النسيج الذي حاك منه مسرحياته التي تناولت قضايا الأسرة في مجتمعنا.
                        وفرج قناو هو الآخر كتب أعمالاً مسرحية في ذات الإطار – إطار دراما الأسرة – خرج بها إلى الدائرة الأسرية الكبيرة.. دائرة الأمة العربية فكتب فيما كتب مسرحية "حوش العيلة" ومسرحية "هجالة ومية عريس" فحوش العيلة واضح أنه الوطن العربي الكبير حيث دعا من خلالها إلى حتمية الوحدة وضرورتها كما كانت "الهجالة" في مسرحية "هجالة ومية عريس" هي فلسطين.
                        وإذا كانت هذه نقاط التقاء بين الكاتبين مصطفى الأمير وفرج قناو وهما المنتميان لمدرسة واحدة والمنتجان في فرع واحد من فروعها فإنه دون شك هناك نقاط ابتعاد ميزت كل واحد عن الآخر واعطت لكل واحد بصمته الخاصة به ولعل هذا ما أثرى أبداعهما ولونه.
                        - وأول وجود للاختلاف أن بداية مصطفى الحقيقية في رحلته مع المسرح كانت في مطلع الخمسينيات وكان خلال تلك الفترة وقبلها قد شاهد العديد من الفرق المسرحية العربية والأجنبية التي جاءت إلى ليبيا لتقديم عروضها المسرحية فأبهره ذلك وأثر فيه وقد ظهر هذا واضحا في النصوص المسرحية التي كتبها حيث حفل عدد منها بالمنولوجيات النمطية وهو ماكان سائداً خلال الفترة التي كان يتكون فيها مصطفى الأمير ككاتب مسرحي بينما غابت هذه المنولوجات في مسرحيات فرج قناو لكون ان فرج قد ولج عالم الصحافة من خلال إلتحاقه كمصحح بجريدة (الشعب) التي كان يصدرها الاستاذ علي مصطفى المصراتي ثم تحول الى كاتب صحفي نشر مقالاته بصحيفة الشعب وعدد من الصحف والمجلات المحلية وهذا ما جعله في كتابته للمسرح يبتعد عن الاسترسال والاطناب وصياغة المنولوجات المطولة باعتبار ان ذلك يتعارض مع طبيعة العمل الصحفي فلا نجد مسرحية من مسرحياته حفلت بأي شكل من أشكال الإطالة بل كان دائماً حوار شخصياته في أقصر الجمل وأدق المعاني.
                        وكان لاجادة مصطفى الأمير للغة الإيطالية أهميتها الكبيرة في اطلاعه على المسرح الإيطالي وقراءة الكثير من المسرحيات الكلاسيكية وخاصة مسرحيات "جولدوني" فاستفاد من هذا المسرح في صياغة بنائه المسرحي وتطور حرفيته المسرحية بينما اعتمد فرج قناو على اطلاعه العربي والعالمي المترجم إلى العربية وقراءاته الواسعة لنصوص نعمان عاشور وسعد الدين وهبة وهو ما أفاده كثيراً في تطور أسلوب الكتابة النصية لديه ودعم فهمه لبناء الشخصية المسرحية وصياغتها الفنية وإدارة الجو المسرحي.
                        وبقدر ماركز مصطفى الأمير جل كتاباته حول المشكلات الاجتماعية وما أحاطها من أجواء مدنته القديمة (طرابلس) بقدر ما جاءت شخصياته المسرحية مدنية تغيب عنها الشخصية الريفية والبدوية.
                        وهذا التخصيص تعداه فرج قناو باعتباره وافد على المدينة من الريف فاستطاع ان يقدم في مسرحياته شخصيات تنتمي ليس فقط لمجتمع المدينة ولكنها الى جانب ذلك جاء بشخصيات ريفية بدوية اندمجت في النسيج العام للقضايا التي طرحها في مسرحياته وكان لها دورها في تفعيل موضوعات هذه المسرحيات وإظهار الاتصال بين المدينة والريف وما يمكن أن يتفجر عبر هذا الاتصال من مشكلات عائلية نتيجة معطيات عديدة وكيف يمكن إذابة هذه المشكلات من خلال المعالجة الدرامية والترجمة الفنية لهذه الموضوعات.
                        وفي كل الأحوال يبقى مصطفى الأمير وفرج قناو اسمين لهما أهميتهما الكبيرة على خريطة مسرحنا، ولهما دورهما الكبير في إثراء حركتنا المسرحية وأسهامهما الواضح في تكوين أجيال من المسرحيين الذين يمارسون حضورهم المسرحي من كتابٍ أو ممثلين أو مخرجين وذلك ما سجله تاريخنا المسرحي الحديث.

                        تعليق


                        • #87
                          أحمد البيزنطي....*.
                          " ريادة "
                          حوار / نوري عبدالدايم


                          في مستهل النصف الثاني من ثلاثينيات القرن الماضي كان الحزب الفاشستي الإيطالي يلقي بضلاله على تفاصيل الحياة اليومية في ليبيا وفي ذات الوقت كانت مدينة طرابلس تخلو من أية فرقة مسرحية ، عدا فرق ونوادي تخص الجاليات المقيمة في طرابلس ، إضافة للنوادي الايطالية التي تحوي ضمن نشاطها نشاطاً مسرحياً. وقتها كانت مجموعة من المثقفين الليبيين الوطنيين " محمود نديم بن موسى ، مصطفى قدري معروف ، الشاعر احمد قنابة ، وراعي الفن الهادي المشيرقي " يحلمون بإنشاء فرقة مسرحية ليبية لملاحقة الركب الحضاري الذي يفرضه العصر ، تبنى هذا الحلم " مصطفى حميدة العجيلي " _ بإشراف الشاعر أحمد قنابة _ الذي رأى تكوين فرقة تضم خريجي مدرسة الفنون والصنايع ، تاركاً باب الأنتساب مفتوحاً أمام الأعضاء من خارج المدرسة وبهذا تم تشكيل أول نواة لفرقة محلية تحمل الصبغة الليبية بمدينة طرابلس (1936 م ) أتفق على تسميتها فرقة " مكتب الفنون والصنائع للتمثيل والموسيقى _ طرابلس الغرب " مقرها مدرسة الفنون والصنائع .
                          قبل التوجه لمنزل الحاج " احمد عبدالله البيزنطي " هاتفت الاستاذ " محمد شرف الدين " لمرافقتي صحبة الفنان " أحمد السيفاو " - لإذابة الحاجز الزمني بيني وبين الحاج أحمد - الذي أبدى إستعداداً فورياً للذهاب " لتاجورا " محل إقامة ضيفنا ، وفي مكان غير بعيد عن ضريح " سيدي الأندلسي " أستقبلنا وحيده " عادل " لمرافقتنا لصالة جلوس معدة بترتيب ليبي لا يخلو من أناقة حيث يجلس " البيزنطي " الذي أستقبلنا بحفاوة تليق بأصالة هذه الأسرة التي تضرب جدورها في ليببيا منذ قرون .
                          * :- هل نحكي عن البدايات ؟
                          البيزنطي : - .... أنا لم أكن ضمن خريجي مكتب الفنون والصنايع كنت من المؤسسين الذين أنتسبو إليها من خارج المدرسة صحبة "علي الفلاح ، وبشير عريبي ، وعلي القروش " فكنت ممثلاً في الفرقة وضمن أفراد التخت الشرقي الذي كان بقيادة الفنان " عثمان نجيم " كعازف " طبلة " . كما تعلمون فالفرقة كان برنامجها يضم عملاً مسرحياً إضافة لأمسية موسيقية أو مشاهد يتخللها " مونولوج ضاحك " . لم نمكث كثيراً في هذا المقر _ صالة الملاكمة بالمدرسة _ فسرعان ما أخطرنا بوجوب البحث عن مقر جديد بناء على رغبة مدير المدرسة في ذلك الوقت ، فتم البحث على مقر الذي يتمثل في حجرة صغيرة بأحدى الفنادق بشارع درغوت باشا.
                          * :- مازلت تذكر أول عمل للفرقة ؟
                          البيزنطي :- كانت بعنوان " وديعة الحاج فيروز الخرساني " ** التي عرضت بمسرح " البوليتياما " النصر حاليا ،وتوالت الأعمال " عبدالرحمن الناصر " " حلم المأمون " ... وقتها فرض علينا الاستعمار تغيير الأسم الى " الليتوريو الإسلامية للتمثيل والغنا " ." أسوشيا زيوني موسلمانا ليتوريو " فتم التحايل من قبل الدكتور " مصطفى العجيلي " بأن أعتمد الأحرف الأولى من الجملة لتصبح فيما بعد فرقة " ا.م.ل " .
                          * :- عملت كثيراً مع الفنان " محمد حمدي " ماهي أهم ملامحه على المسرح ؟
                          البيزنطي :- حمدي من القدرات الاستثنائية ولديه حضور أخاذ فبمجرد خروجه على المسرح يفتح شهية الضحك عند المشاهدين ... لقد رافقته كثيراً وعملنا الكثير من الأعمال ... كم كان يتمنى أن تظهر صورته في الصحافة حتى أنه بروحه الخفيفة يقول : هل لابد أن أموت لتظهر صورتي في الجرايد ؟ ... لقب " ببربري طرابلس " لتشابهه مع الفنان علي الكسار " بربري مصر " فقد كان متأثراً بذلك الفنان مع إضفاء الروح الليبية على أدائه . قدمنا من خلالها – أي الأمل - العديد من الأعمال " عصمان البحري " بطولة حمدي وهي رواية مقتبسة من أعمال علي الكسار و" المريض " و " الصديق المنافق ". كان وقتها مختار الأسود صغيراً يعد لنا الشاي و " يعول علينا " وكانت ضمن فرقة الأناشيد .
                          * :- ...........
                          البيزنطي :- ... استمرت فرقة " الأمل " الى غاية دخول " الأنجليز " لمدينة طرابلس أثناء الحرب العالمية الثانية التي دمرت العديد من المباني طالت منزل العائلة بشارع الفنيدقة بالمدينة القديمة ، ومقر الفرقة . فبعد رفع منع التجول الذي فرضه الأنجليز أستأنفنا نشاطنا في مقر جديد بمنزل النحايسي بحومة البلدية وبأسم جديد " جمعية النهضة الطرابلسية للتمثيل والموسيقى " . بعدها أنتقلنا الى فندق " فكتوريو " الذي يملكه " محمد قنابة " خلف المصرف المركزي حالياً . و تم الانضمام الى " نادي العمال " الذي يضم ضمن أعضائه " أحمد راغب الحصايري " ورئيسه فيما بعد . قدمنا مسرحية " ناكر الجميل " وهي رواية تاريخية جسد أدوارها " عثمان نجيم " دور الملك ، وانا دور الأمير ، و " علي القروش " وزير ، والعديد من الجنود لا أذكر تفاصيلها الأن ، . كانت المناظر من تصميم الأستاذ فؤاد الكعبازي والمهدي الشريف بعدها تلتها " غرام وانتقام ، العودة الى المدرسة ، وخيانة الاصحاب " كلها من تاليف " حسن يوسف " وأخراج مصطفى العجيلي "... بعد " نادي العمال " وبنفس الأشخاص تقريباً وبنفس النهج أنشيئت " الفرقة الوطنية للتمثيل ".
                          *:- كيف كان يسير العمل في ذلك الوقت ؟
                          البيزنطي / شرف الدين :- كان العمل جماعياً ولكن غالباً مايتم عن طريق مدير الفرقة والقدر الأكبر عن طريق مصطفى العجيلي ..... الى أن أستعنا بالأستاذ " عبدالحميد البدوي " سنة ( 1938 م ) وهو زميلاً ل" يوسف وهبي " وقتها أهداء لنا الشيخ " عبدالرزاق البشتي " مسرحية " مساوي المال " من أخراج عبدالحميد البدوي . جهزنا العمل وقد أشرف على الأدارة الفنية " فؤاد الكعبازي " كما صمم شعار " نادي العمال " .. منع هذا العمل من قبل الأدارة الأنجليزية يوم العرض الذي كان مقرراً في " مسرح الهمبراء / الحمراء " الخضراء حالياً بعدما بيعت كل التذاكر فما كان منا الأ كتابة تعليق على ملصق " منعت لأسباب قهرية " ... لم نرضخ لهذا فقدمنا عمل جيد باسم " الأبرياء " من بطولة " عبدالهادي المزداوي " . وهي من تأليف الحاج " الطاهر الشريف " مساعد القايمقام " الطاهر باكير " .
                          * :- أين كان عرضها ؟
                          البيزنطي :- أتفقنا مع " اولاد سارينس " - وهي أسرة مالطية طرابلسية كانت تمتلك مسارح " البوليتياما ، والهمبراء ، والميراماري " -على عرضها في " الهمبراء " كان من عادتنا في تقديم عروضنا _ كما يعرف الحاج محمد _ نستهل الأمسية بأمسية غنائية قبل البدء أو في الفواصل بين مشهد ومشهد أثناء تغيير المناظر وفي نهاية العرض .. في هذا العمل تم إختيار شاب بهي الطلعة ذو صوت جميل يدعى " لبيد حيدر الخضار ".. تم الأتفاق معه على أغنية " محمد عبدالوهاب " " يللي بدعتو الفنون " فأشترط ووجود فرقة اوركسترالية " فتبرع " أحمد عاشور بالنوتة " وأستعنا بأربعين عازف بينهم طليان .. كان تصميم المناظر لفؤاد الكعبازي " وقد أستعنا " ب" بوكا دي فوكو " في منظر الطيور ، الذي عمل فيما بعد بمدينة السينما بإيطاليا . قدمنا مع " عبدالحميد البدوي " مسرحية " حفظ الوداد ، وغرام الملوك ، ويسقط الحب ".
                          شرف الدين :- كان تغيير المناظر يتطلب فترة زمنية تغطى هذه المساحة بأغنية أو عزف منفرد فكان عازف الكمان " أحمد عاشور " " حاجة من وراء العقل " يجيد تغطية هذه المساحة .
                          البيزنطي:- كان قبله - " محضرتاش ياحاج محمد "- أبن الرايس الدهماني ، الذي كلف له ابوه " بروفسور" لتعليمه ، وقد عزف في أول أفتتاح للإذاعة الليبية بمعرض طرابلس " .
                          *:- من كان يجسد الأدوار النسائية ؟
                          البيزنطي :- لم نضع الشخصية النسائية في أعتبارنا منذ الشروع في تأليف العمل وإن حدث يجسدها " بشير العريبي " وقد قمت أنا أيضاً بتجسيد أدوار نسائية... فعندما أتى الأستاذ عبدالحميد البدوي ، أنظمت للفرقة ممثلثان مصريتان " فتحية محمد ، وفتحية مصطفى " .
                          * :- بوجود الجاليات التي تقطن مدينة طرابلس في ذلك الوقت هل ثمة نوادي أو فرق مسرحية ؟
                          البيزنطي / شرف الدين :- هناك العديد من الجاليات في ذلك الوقت الايطاليين ، اليهود ، القبارصة ، والمالطيين ، والأرمن ، واليونانيين . . فالايطاليون لديهم فرقة " دي بولا فورو " . واليهود يملكون " نادي المكابي " الذي يعد فرعاً من النادي الرئيسي ببريطانيا ، قدم مسرحية " يوسف الصديق " في دار عرض " الميرا ماري " بالعربية الفصحى سنة " 1945 م .
                          انتقل الحديث الى ذكريات عن سكان المدينة القديمة ويهود طرابلس والمالطية والفنانيين الطليان وعن مشاركتهم مع فرقة يوسف وهبي وزيارة فرقة " بديعة مصابني " وحضور " أمينة رزق ". وتاريخ كرة القدم الليبية وذكرياتهم مع " حمدي " و" مصطفى الأمير" و" خليفة ماعونة " والموسيقاء و" بشير فحيمة " و" علي مصطفى المصراتي " و"عبدالرزاق بن نعسان " .... الى أن سلك الحديث مسارب أخرى . وقتها قدم إلينا سجل للزوار ليخط شرف الدين كلمة بالمناسبة مع تقديم شكرنا للحفاوة .. دعاء لي بترك التدخين وهو يتهياء لتوديعنا . .
                          *الفنان " أحمد عبدالله البيزنطي " مواليد طرابلس " 1916 م " شارك في العديد من الأعمال المسرحية منها :-
                          1- مسرحية " وديعة الحاج فيروز الخراساني "
                          2- مسرحية " عبدالرحمن الناصر "
                          3- مسرحية " حلم المأمون "
                          4- مسرحية " يسقط الحب "
                          5- مسرحية " غرام الملوك" مشاركة مصرية ليبية
                          6- مسرحية " حفظ الوداد " مع فصل فكاهي بعنوان " المدام ايزابيلا " .
                          7- مسرحية " عصمان في الجيش " .
                          8- مسرحية " شنقور وشنقران " .
                          9- مسرحية " براعة ممثل ".
                          10- مسرحية " طايش وطرشون " .
                          11- مسرحية " إعتناء الأباء بالأبناء " .
                          12- مسرحية " مغالاة المهور".
                          13- مسرحية " كيف تدور الدواير "
                          14 – مسرحية " العاقبة "
                          15- مسرحية " الأبرياء "
                          17-مسرحية " الدكتور فاوست "
                          19- مسرحية " المفتش "
                          20-مسرحية " أماه "
                          21-مسرحية " تحت الرماد "
                          22- مسرحية " النمام "

                          ** عرضت بمسرح " البوليتياما " دار عرض النصر فيما بعد بتاريخ ( 17-6 – 1937 م ) فقد أستغرق إعدادها للمسرح سبعة شهور ، وهي مسرحية وطنية تحكي على عدالة المسلمين . جسد دور الملك المطرب" محمد نجيم " بعدإنتهاء العرض قدم الفنان الساخر " محمد حمدي " فاصل فكاهي بعنوان البخيل " بمساعدة " إحمد البيزنطي ، مصطفى الفلاح ، خيري فرحات ، أنور شحاتة ، " قبل بداية العرض ألقيت كلمة حماسية ألقاها أحد الرواد .
                          المصادر :-
                          1-" الفن والمسرح في ليبيا " تأليف : بشير محمد عريبي / منشورات الدار الغربية للكتاب ( ليبيا –تونس ) 1981 م .
                          " كتيب " عن سيرة الفنان أصدرته أمانة * الشعبي الأساسي المسيرة الكبرى بمناسبة تكريمه بتاريخ "2-12-2004 م" . كما أستعنت بإبنه " عادل البيزنطي " في معرفة بعض التفاصيل .
                          - كرم الفنان " أحمد عبدالله البيزنطي " من قبل أمانة الثقافة ، واللجنة الشعبية ااثقافة والأعلام بشعبية طرابلس ، ومن سفارة فلسطين .

                          تعليق


                          • #88
                            أنور الطرابلسي.. شيخ المسرح الذي رحل
                            بقلم / ناصر الدعيسي

                            مثل قنديل انطفأ في ليلة باردة هكذا تحدث أقرب أصدقائه يوم رحيله النهائي وكان يقول (طالما فيها زيت لا تنطفئ) كان هذا الرجل ابتسامة دائمة بهجة حينما يحكي للآخرين رحلة طويلة معاناة رحلة المسرح الذي عاش في أعماقه سنوات طويلة عن الحياة التي عاشها في مواجهة الآخرين من أجل المسرح، عن المنفي أيام المستعمر، عن رحلات الغربة كان يعرف أن النهاية أسرع من أقدامه في ميدان الصحابة ذلك الميدان الذي قضى فيه آخر أيامه وحمل منه على أكتاف أبناء المسرح والفن في درنة.
                            لقد عرف أن قلبه بدأ ينبض ببطء وأنها أيام فقط هذا الفارس الذي امتطى جواد المسرح والفن والشعر منذ عام ١٩٣٠ ولم يتوقف لحظة واحدة عن العطاء لحركة المسرح ثلاثة أجيال عاصرها وأعطى لها وكان في آخر أيامه يعمل في مسرحيتين معاً رغم هذه السنوات الطويلة، جيله كله توقف لظروفه لكنه هو بقى مخلصاً لكل أجيال المسرح كان المسرح حياته دمه كان الزمن عنده جامداً لم يعرف يوماً غير الفن طريقاً عاصر المسرح قضية ولم يعاصره رحلة صيف لم يعش من أجله كي يراهن على مستقبل مادي أو معنوي لم يعرف سوى الخشبة والنص ورفاق العمل تسعة وخمسون عاماً في المسرح كان أنور الطرابلسي وجهاً ناصعاً في رحلة البداية وشيخاً يخدمه الجميع في نهاية نفس الرحلة كان موتاً وقف له الجميع إجلالاً وتقديراً.
                            ورغم هذا لم يحظ كالآخرين إعلامياً ولم يخرج على شاشات المرئية ولو للتعريف بريادته للمسرح رغم المزايدة على المسرح والجميع يعرف أنه بعد
                            رحيل محمد عبدالهادي في الخمسينيات عن الحياة أصبح أنور الطرابلسي مسؤولاً تاريخيّاً عن هذه الحقبة الطويلة أمام أبناء وطنه والجميع يعرف أنه عاش للمسرح وقدم له دون رغبات في شيء كان يقول المسرح يخرج منه صاحبه دون شيء سوى تاريخه وعطائه وحبه للناس وخرج أنور الطرابلسي هكذا تاريخ وعطاء وحب الناس.
                            حينما تبدأ الكتابة عن هذا الفنان تعود بك الذاكرة سريعاً لمرحلة صعبة من تاريخ بلادنا ألا وهي مرحلة الاستعمار الفاشي لبلادنا تلك المرحلة التي دفع فيها شعبنا الدم وقدم الضحايا وكان نصيبه من تلك المرحلة النفي والقتل والتشريد وكانت الثلاثينيات قمة تلك المواجهة مع هذا المستعمر الغاشم وكانت ضربات عمر المختار ١٩٣٠ م القوية لإيطاليا وفي معركة الفايدية يقول غرسياني (لا أنسى أبداً ضربات عمر المختار الموجعة لنا لقد حرق قلب مدرعات لواء شحات) في هذه الفترة برز هذا الفنان العائد من المنفى والتحم مع أبناء وطنه أصحاب الاهتمام بحركة المسرح والكتابة كما أن الكتابة عن هذا الفنان الراحل لا تعرف البداية ماذا تكتب عن مسرحي عاش بدايات المسرح في ليبيا وعاصر ثلاثة أجيال متتالية لهذا المسرح أم عن شاعر يحفظ عن ظهر قلب أشعار العرب أم عن ... راوٍ للحكاية وتاريخ المسرح إن أنور الطرابلسي الذي كتب الله له أن يعيش بيننا أكثر من ثلاثة أرباع القرن الحاضر كان وبلا أدنى شك فرصة نادرة لكل المهتمين بحركة المسرح الليبي فقد كان يمتلك المعلومات الكاملة عن تاريخ ورحلة هذا المسرح لقد كان يقول : (لا يزايد أحد في المسرح وأنا على قيد الحياة وحينما أتحدث عن المسرح فأنني أقول الحقيقة التي أواجه بها الله وضميري أمام أبناء وطني إن المسرحيين في بلادنا كلهم أحبائي لكنني أكره غياب الحقيقة أو تزويرها).
                            وكان آخر لقاء لأنور الطرابلسي مع مجلة (كل العرب) الصادرة ف باريس وتحدث لها عن المسرح في ليبيا والوطن العربي.
                            ولد فناننا الراحل في ١٩١١ العام الذي دخلت فيه إيطاليا إلى ليبيا ووالده دخل الدور العسكري مقاتلاً مع عمر المختار وعندما ضاقت إيطاليا الفاشية سكان البلاد بقتلها للشيوخ النساء والأطفال وبعد أن أصبحت الحياة صعبة قررت أسرته الهجرة إلى لبنان أثناء وجوده في بيروت في عام ١٩٢٦ م كان يتردد على مكتبة في منطقة الرملة البيضاء الآن وكرر زيارته مع والدته لهذه المكتبة والتي بدورها اشترت له مجموعة من الكتب كانت تخص المسرح ودراسات في فن المسرح وبعض دواوين الشعر في تلك الفترة كان المرحوم محمد عبدالهادي يقوم بمحاولة مسرحية بمدينة طبرق وهي مسرحية (خليفة) لكنه لم يستطع القيام بهذا العمل المسرحي وحينما عاد أنور الطرابلسي للبلاد في بداية الثلاثينيات كان محمد عبدالهادي في درنة يعيد الكرة على مسرحية "خليفة الصياد" وكان حائراً في دور نسائي "قوت القلوب" عرضه على أنور الطرابلسي فقبل الدور ورغم صعوبة المحاولة التي لم يرض عنها المجتمع في تلك الفترة إلا أن حبه للمسرح جعله يتجاوز هذا المفهوم ويأخذ الدور ويبدع فيه وبعد عرض هذا العمل تم اعتقال معظم العاملين فيه وكتب الحاكم العسكري يقول لغرسياني إننا سوف نربي أفعى تلدغنا يوماً ما لكن بعد عام طلب غرسياني ترجمة هذه المسرحية وإعادة عرضها وحينما أعيد عرضها في ١٩٣٤و أخذ أنور الطرابلسي دورين في هذه المسرحية دور (قوت القلوب) ودور هارون الرشيد والشاعر ابراهيم الأسطى عمر دور إسحاق النديم وقد تأثر كثيراً بدور هارون الرشيد وظل حافظاً لدوره هذا حتى آخر لحظة في حياته كان يردده دائماً مع أصدقائه وقد تأثر الناس بدوره حتى أن مدرساً سأل طالباً في الفصل من هو هارون الرشيد فقال له :أنور الطرابلسي وسافر مع (عبدالهادي) إلى بنغازي وطرابلس والزاوية حيث عرضت مسرحيات خليفة الصياد العباسة أخت الرشيد ـ لا أتزوج ولو شنقوني ـ أه لو كنت ملكاً ثم أعاد إخراج مسرحية (خليفة الصياد) وأخرج سهاد لمحمود تيمور وبعدها قام بإخراج وتمثيل مسرحيات أميرة الاندلس ، تاجر بغداد ، الجيل الجديد.
                            في عام ١٩٥٧ وبعد ثورة عبدالناصر بدأ الوعي القومي ينتشر بقوة ولهذا بدأ يبحث عن أدوار تناسب هذه المرحلة فقام بدور في مسرحية عمر المختار وقد شاهد هذه المسرحية أحد قادة الجهاد الذين قاتلوا مع عمر المختار فوق الجياد وفي عام ١٩٥٩م كتب أحد شباب درنة وهو الأستاذ عبدالباسط الدلال مسرحية (جميلة بوحريد) وقام فناننا الراحل بدور المحامي في هذه المسرحية التي شاهدتها حينما كنت طفلاً في السابعة ولازالت تعيش في ذاكرتي أشياء كثيرة من هذه المسرحة التي ولأول مرة في ليبيا تقف فتاتان ليبيتان على المسرح وهما فوزية العجيلي وحليمة الثلثي.
                            في نهاية الستينيات ظهرت فرقة الفنون الشعبية بدرنة وكان أنور الطرابلسي في ذلك الوقت مسؤولاً عن هيئة تضم كل الفنون في المدينة وبهذا كان على علاقة قوية ببداية فرقة الفنون الشعبية بدرنة حيث شاركها في رحلاتها الداخلية والخارجية منذ عام ١٩٦٨م وكانت آخر رحلاتها مهرجان (كاتانيا) الذي تألق فيه الطرابلسي حينما كان يترجم بالإيطالية أشعارنا الشعبية وما تمثله هذه الرقصات الشعبية وقد كان لمشاركته في الوفد الليبي الأثر الكبير في نجاح ما قدمته فرقة درنة أمام الجماهير الإيطالية التي شاهدت وسمعت فنوننا بلغتها التي قدمها الطرابلسي.
                            اشترك في شريط (الشظية) مع مجموعة من الفنانين العرب الليبيين وكانت أول مرة يدخل فيها عملاً سينمائياً وفي عام ١٩٨٨م قام بدور الموسيقي في رائعة (وليام سارويان) (قلبي في بلاد الأحزان) وقد أعجب بدوره هذا وأندمج فيه لكن هذا العمل رغم أنه اكتمل لكن الظروف حالت دون عرضه وحرمت الجماهير من رؤية أنور الطرابلسي في آخر حياته كما عرض عليها العمل في مسرحية (الزفاف يتم الآن) وهو نص محلي للشاعر عبدالحميد بطاو وهذه المسرحية هي آخر عمل اشترك فيه وقبل رحيله كان يأمل رؤية مهرجان المسرح المزمع عقده في طرابلس لكن أنور الطرابلسي يرحل للعالم الآخر لكنه رحل بعد أن أعطى للمسرح الليبي سنوات لم نعرف حتى كتابة هذه الحروف فناناً قدم في حجم هذه السنوات الطويلة ويخرج هذا الفنان من المسرح إلى الأبد فإننا نخسر أحد الرجال الذين شاركوا بفاعلية في بناء المسرح الليبي.

                            تعليق


                            • #89
                              تمسون في مسرح .. وتصبحون على وطن
                              فرج قناو في ذكراه التاسعة
                              بقلم / فتحي كحلول

                              في ذكرى وفاة المرحوم المبدع المسرحي فرج عبد السلام قناو 17-7-1999
                              "من غير ما يسلم على السمار ..
                              خلالهم تذكار ..
                              مسرح وأغاني وسلة أشعار ..
                              خلالهم براد شاهي وموقد نار..
                              لملم أوراقه وقلم ارصاص " ورحل مع الأفجار..
                              يا وحشة السمار..
                              يا خالتي لا تشعلي الكانون ..
                              ويا خاطري المحزون ..
                              عدى فرج ومن غير ما يودع حد ..
                              .. وبالساكت كان رحيله ..
                              وهكي الحكاية يا حضار "
                              إن أي كاتب مسرحي لابد وأن يستوحي مادته المسرحية ومضمونها الدرامي من ظروف المجتمع الذي يعيش داخله ويتأثر بأحواله وملابساته في أثناء قيامه بعملية التشكيل الفني ومن هنا تبرز أهمية الفن عموماً والمسرح خصوصاً بالنسبة للمجتمع المعاصر فهو البؤرة التي تتركز فيها تجارب الحياة التي يعيشها المجتمع وعلى ذلك لايمكن الفصل بين الفن والحياة لأنه يعتبر فصل الروح عن الجسد وتصبح الروح شيئاً مجرداً لانستطيع إدراكه أو استيعابه ويتحول الجسد إلى جثه هامدة لاحراك فيها ..كان لابد من هذا المدخل لنطرق أبواب الإبداع المسرحي عند المرحوم الأستاذ «فرج عبد السلام قناو» لأنه مسرح يلقى أضواء كثيرة على أبعاد هذا المجتمع بل ويبلغ اهتمامه به في بعض الأحيان إلى أن يخلق الشخصيات المسرحية بهدف إبراز بعض الملامح الاجتماعية المعينه ورسم هذه الشخصيات وجوانبها المختلفة مع وجود الشخصيات الدرامية الحية ليزداد الحدث توتراً في أعماله ابتداء من مسرحية ( اللي اتديره تلقاه ) وهي العمل الوحيد الذي قام بإخراجه .. ومسرحية ( متزوج سبعة ) ( والبنت اللي قالت لا ) ( واخطى راسي وقص) من إخراج الفنان عبد الله الزروق .. ومسرحية ( حوش العيلة ) ومسرحية ( هجالة ومائة عريس ) ومسرحية ( بشرى) من إخراج الفنان محمد القمودي ومسرحية ( حدث ذات مرة ) قدمت عبر النشاط المدرسي .. ومخطوط المسرحية ( وزارة بعنقود عنب ) ولم يتم تقديمها .. فنجد اهتمام المؤلف ينصب أساساً على حركة تغيير المجتمع والناس نحو تغيراً آتٍ في نظرة مستقبلية وواقعية للحاضر فهو مسرح اجتماعي يتناول الواقع كنقطة بداية لكي يوضح التناقضات ويتخذ منها عناصر اتهام للمجتمع وعناصر دعوة إلى الثورة وعناصر يقوم عليها المجتمع الإنساني الجديد بعد قيام الثورة العظيمة فهو مسرح يخدم الحركة الثورية ومعنى هذه الخدمة أن يقدم المسرح للجماهير عروضا مسرحية تحررهم علمياً وثقافياً ويؤكد على أن الفنان يجب أن يعيش أحداث عصره ولا يعرف معنى لوجود المبدع إلا أن يكون له دور في المجتمع .. تقول إحدى الشخصيات في مسرحية متزوج سبعة وهو يلعب في دور المؤلف الذي قام بتمثيله الفنان الكبير عيسى عبدالحفيظ والذي شارك في تمثيل كل مسرحيات المبدع المرحوم فرج قناو .
                              حوار المسرحية :
                              لازم تعرفي أن المؤلف يضع عصارة أفكاره في مؤلفاته.. وهذا شيء يتطلب منه استغلال كل اللي استفاده من خبرته في الحياة وارتباطه وعلاقته بالناس ومعاملاته معاهم .. لأن المؤلف عمره ما ينتج من وراء المكتب.
                              فالمسرح عن الكاتب المرحوم هو الفضاء الذي تحدث فيه المواجهة الحية وهو الذي يسعى إلى تأثير إيجابي محدد في الجماهير بهدف اكتسابها في صفوف معركة طويلة نحو حياة أفضل تسودها العدالة الاجتماعية والحرية للوصول إلى مسرح تحريضي يقف بجانب الإنسان يناقش كل القضايا ويدعو للتفكير في كل ما يحدث.
                              لقد كان لي الشرف بأنني قمت بتمثيل كل المسرحيات التي كتبها المرحوم وكنت بطلاً يحمل اسم ( بوعديله) وتحصلت في مسرحية ( اخطى راسي وقص ) في المهرجان المسرحي الوطني الثاني على جائزة التمثيل الأولى وقامت صداقة أخوية قوية مع الكاتب فرج قناو وقمت أيضاً بالتمثيل له في المرئية سلسلة المنوعات الرمضانية مع المبدع الكبير سعد الجازوي والفنانة الكبيرة المعتزلة لطفية إبراهيم .
                              إن الصراع الدرامي في مسرح قناو يقوم على أساس الصراع الاجتماعي الذي تفرضه ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهذا الصراع الاجتماعي يلعب دور الخط الأساسي أو العمود الفقري الذي يربط كل جزئيات المسرحية وخلاياها المتعددة وصراع الأفكار القديمة والجديدة التي جاءت بها الثورة الثقافية في أوائل السبعينيات من القرن الماضي ولذلك وضعت كل الأفكار والشخصيات والأغاني في خدمة هذا التغيير والتنوير الثوري المنشود .. وإن الصراع المسرحي ينبع من الاحتكاك بين المثال والواقع بين الجديد الذي يحاول إيجاد ما يجب أن يكون وبين التقليدي القديم الذي يقتنع بما هو كائن ولذلك نجد ونحس أن كل شخصية تدافع عن وجودها وكيانها بقدر ما تمثل اتجاهاً اجتماعياً معيناً مما يشدنا إليها أكثر وكذلك كانت هذه الشخصيات تحمل أسماء مقصودة ومرموزة بقصد دفاعها عن مكانتها وكيانها الذاتي ووجودها الشخصي ولم تتحول إلى أبواق زائفة وعلى سبيل المثال شخصية هرودة في مسرحية حوش العيلة التي قام بتمثيل الدور فيها الصديق الفنان الكبير عبدالمجيد الميساوي والذي شارك في كل المسرحيات التي كتبها الاستاذ فرج قناو فالشخصية في المسرحية لا مكان لها في البيت ويفرض من قبل المجموعة أن تسمع صوته وأغانيه بل يقومون بتقطيع أوتار آلة العود التي تتعامل معها الشخصية ويقولون له بأنه مشكوك في انتمائه للعائلة .. كذلك شخصية تبرة وشخصية أمل وشخصية صبرة التي قامت بأدائها الفنانة الكبيرة خدوجة صبري وشخصية الحاجة مناني في حوش العيلة وشخصية الهجالة في مسرحية تحمل نفس الاسم (هجالة ومائة عريس) أي أرض عربية ومائة مليون عربي يتمنى ولا يفعل شيئا من أجل الأرض المحتلة .. هكذا تركها المؤلف تحمل أفكارها حرة بدون زيف لأنها إذا توقفت مهمتها عند حدود التعبير عن آراء المؤلف فسنفقد ارتباطنا الوجداني بها وتجاوبنا معها لأن اهتمامنا سيتركز في مناقشة الكاتب وليس حتميات الدراما ..
                              لقد كان لمسرح قناو حضور في باطنه كل الارهاصات الجديدة التي توحي برياح التغيير التي ستهب على المجتمع وهي رياح الثورة الثقافية فتجدد من حيويته وشبابه وتطرد الهواء الفاسد والأفكار الهشة ودفع حركة المجتمع نحو التطور حركة جبرية حتمية لا يمكن أن توقفها العقبات لأن التغيير سنة الحياة ولا يمكن لشيء أن يبقى على حاله ذلك من خلال التكتيف والبلورة والاختبار وإيجاد علاقات جديدة وإلقاء ضوء جديد بما يتيح للمشاهد رؤية من زاوية جديدة توسع من نظرته إلى الحياة .
                              * الحياة في نظري كفاح وأنا طول عمري مكافح « لانكل ولانمل » أجبرتني الحياة في صغري على ترك التعليم .. فكانت قسوة الأيام أحسن معلم .. وفعلا حاديت الأيام بقسوتها ومرارتها .. فكانت أول معلم يظهر نقاط ضعفه لتلميذه ويعلمه كيف يتغلب عليه ... فهمت من الحياة الألم البسمة ولذة الآهات .. وأخيرا عرفت وفهمت أن أقوى سند للإنسان في الحياة هو فهمه للحياة نفسها .. ولقيت نفسي زي الفن تربطه وتقومه قواعد في انطلاق وتجديد ويحطمه الروتين ويقتله الروتين .
                              * هذا ديالوج قمت بتمثيله في مسرحية متزوج سبعة في أوائل السبعينيات من القرن الماضي وهو يكشف عن ملامح وظروف تشكيل هذا المؤلف المجدد والمتعدد في المجالات الابداعية فقد كان من أصحاب المواهب المتعددة والمشتتة التي تسكن المسرح بكل عشق وحب وثورية لقد كان هناك تناغم الحوار مع جزئيات الشكل العام مما يمنح المسرحية دفعة درامية وراء الأخرى في تكنيك الحوار بالخلفية الاجتماعية والسياسية والفلسفية إذ يقوم على اختيار كل ما يخدم النص لأنه كان يؤمن بأن ضمان العمل الفني هو تحوله إلى أصل يحمل في داخله كل مقومات الحياة الذاتية الخاصة به وهكذا يستلهم أعماله من مضمون الحياة ويتفاعل هذا المضمون الاجتماعي مع الشكل الفني .
                              لقد تعددت الأصول الدرامية التي تشكلت منها المسرحية القناوية في البنية الدرامية فقد تأثر بمسرح توفيق الحكيم وفي خلق حوار جديد في المسرح الليبي بصياغة شعبية شاعرية عالية وتأثر بالواقعية النقدية ومسارب من التراث العربي والليبي وبرمزية ميترلنك وبمنهج برخت التعليمي الذي قدمه في معظم مسرحياته وعلى سبيل المثال شخصية شعيب في مسرحية هجالة ومائة عريس وادخال الحكاية الشعبية في صلب الخط الدرامي المسرحي وكذلك في كل الأغاني التي قمت بأدائها وتلحينها في مسرحياته وكذلك تأثر بمسرح برانديلو والمسرح داخل المسرح في مسرحية « البنت اللي قالت لا » عندما أدخل أوبريت غنائي في اللوحة الثانية يقدم وسط المسرحية بشكل غنائي وتعبيري داخل فرقة مسرحية تجري تدريبات .. ولقد تأثر بالرمزية ولعبت دورا كبيرا في مسرحه .. فما هو حوش العيلة ؟ وماهي المجاري المسدودة والمتفجرة في مسرحية متزوج سبعة ؟ ومن هي الهجالة ؟ ومن هم العرسان المئة ؟ ومن هي بشرى ؟ ومن هو هرود ؟ ومن هو القنفود ؟ ومن هو شعيب ؟ ومن هو المحمل الذي يحمله عبدالسلام على كتفه طيلة المسرحية ويريد من يساعده على إنزاله ؟ ومن هو حمامي السمسار في حوش العيلة ؟ ومن هي تبرة التي كان يبحث عنها قناو ونفسه في حياته وصدرها في مسرحياته ؟ ومن هي أمل التي قامت على إنقاض شخصية تبرة ؟ تلك رموز ابداعية تحتل مساحة فنية في ابداعه المسرحي المتشكل بالرمزية الفنية .
                              لقد كان يهتم بالأغاني المسرحية وهو أول من ساهم في إيجاد هذا النوع الدرامي في المسرح الليبي وكنت أؤدي هذه الأغاني بشكل حي على المسرح .
                              إن العنصر الغنائي مهم عند قناو لأنه كان يعتمد على معالجة الدراما بالأغنية وتدخل ضمن البناء الدرامي كلغة يعتمد عليها في التوصيل فنجد الموال الشعبي والأغنية الشعبية والتراثية والأغنية الساخرة وأغاني الأمثال الشعبية والعربية في كل ما كتبه للمسرح لقد كانت علاقته علاقة تفاعل وكان التراث هو المادة الثرية التي يشكل منها رؤيته الابداعية في المسرح والشعر والأغاني فقد كان يؤكد ثراء الثرات ليخلق منه معاني من وهج ومعرفة ودلالات جديدة ومعاصرة تعود إلى الواقع ولا تنفصل عنه لأنه يدخل الثرات داخل بنائه الدرامي ذلك عن طريق المثل الشعبي والحكاية الشعبية والأغنية والتسمية الشعبية أي أنه كان يتعامل مع الثرات بأنماطه المختلفة ..
                              حوشك يا عمي عبدالله .. حرام تكريه لبوبرطله
                              الحوش يبي دوره .. اهتموا بيه وعلوا سوره
                              وما تخلوا درجة مكسورة .. بلاها ما نقدر نتعلا
                              حوشك يا عمي عبدالله
                              قولي قولي يا كروسة .. قولي وأحكي على فات يا كروسة
                              لازم من ثورة اجتماعية تخلصنا من كلمة أس
                              ولاتكون سلبي ولا اتكالي ولا تقول أخطى راسي وقص
                              قريتنا تكون تراب واحد غالي مصيون
                              وبسمة ما تفارق العيون
                              أحفاد وجدود .. انكونوا زي شوك القنفوذ
                              إن كان نبوا قريتنا تعود .. الحب يسود .. أروابينا نزرعها ورود
                              لقد حاول أن يعطي للأغنية مساحة كبيرة وانطباعات جديدة داخل الدارما المسرحية في جو شاعري ملئ بالانفعال والحرارة والدفء وكان ينتقي الألفاظ التي تحمل معانيه ويزاوج بين العامية الشعبية والفصحى الشاعرية لإضافة أبعاد جديدة تحمل دلالات مختلفة فقد كان يرفض اللغة الخاصة وكذلك اللغة العامية المتحجرة إلا إذا فرضت الشخصية أسلوب ونوعية اللغة لأنه كان يؤمن بأن لغة الحياة اليومية تحتاج إلى استكشاف جديد لمخزون اللغة لقد كان يلتقط اللغة والأشخاص من الأحداث الحياتية وهذه أجاده في الاختيار والاستلهام فقد كان يكتب لجميع الشخصيات بلغة مسرحية حية باعتباره رجل يعيش بين جنبات المسرح وينام بمقر فرقة المسرح الليبي فقد كان مسرحه مسرح جموع وليس مسرح الفرد أو البطل الأوحد فقد كانت كل الشخصيات تقوم بدورها في الصراع الدرامي وتنمية الحركة وتفجير الأحداث وكان من الممكن أن نطلق عليها نموذج الشخصية اللغير ثابتة بنمطيتها ولكننا نتصارع من أجل الأخرين ومن أجل حياة أفضل للجميع ولهذا يمتاز هذا المسرح بالبطولة الجماعية لأن البطولة قد انعقدت عنده للمجتمع المتغير والمتحول بعيدا عن المألوف والسائد المتحجر ولكنه لا يترك مسرحياته تنتهي عند هذا الحد بل يترك ايحاء بإرهاصات التغيير الاجتماعي الذي يعول عليه بعد قيام الثورة المباركة وكسب المعركة والرهان لصالح الطوفان الشعبي الذي تسانده حركة المجتمع بحكم الثورة والتطور يعني انتهاء حياة فقدت كل مقومات وجودها وتباشير حياة جديدة بدأت في الأفق لأن الشعوب لا تموت وإنما الذي يموت هو الأنظمة الحاكمة التي تفشل في مسايرة حركة المجتمع نحو التقدم والتطور فكشف عن عيوب المجتمع الذي يدعوا إلى السلبية والاستسلام والتقاعس وتقبل ما تأتي به الأيام والدعوة إلى تغيير الواقع والقضاء على المظاهر الاجتماعية الفاسدة .. لم ينعزل عن المجتمع وحاول أن يوظف المعرفة والفن والتراث والموسيقا والثقافة في القضاء على الظلم والفقر والقهر لتحقيق الحرية والعدالة لذلك نجد ألوانا من الصراع في مسرحية واحدة وهذا الصراع موزعا في خطوط فرعية للصراع بمعنى التخفيف من العقدة الرئيسية والعودة إليها وربطها بالخيوط الفرعية لخلق عناصر الدهشة والتشويق والإثارة والمفاجأة فقد كان يوقظ الأمل في نفوس المشاهدين رغم أن الأمل كان بعيدا عنه عاش وحيدا راهبا في حب المسرح والثقافة وساخراً من هذه الدنيا الراحلة ..
                              يقول في إحدى أغاني مسرحية البنت اللي قالت لا والتي قدمتها بصوتي رحلنا على جناح .. ما خلى بينا مطراح ... ومونتنا كانت تفاح .. قطفناه وصرنا المحصول .. رحلنا على جناح المجهول
                              * لقد أنقذ مسرحياته من المباشرة الفجة والتسطيح من خلال النسيج المسرحي الذي قدمه وقدم فيه المجتمع على هيئة كائن حي متغير قادر على الانتصار ومن هنا تبرز أهمية المسرح بالنسبة لكل المجتمعات فلابد أن نسلم باستحالة الفصل بين الفن والمجتمع .. رغم رؤيته الذاتية الحزينة للكون والحياة فهو كاتب متفائل في أعماقه ويسكن في قلبه طفل يخربش على أوراقه المخططة بالتربيع بقلم الرصاص يرسم شخصياته الذين كانوا يحاولون التغلب على الشر والفرقة والتخلف والدعوة إلى مجتمع الإنسان الجديد الذي جاءت الثورة من أجله فهل نجح هؤلاء الشخوص في تحقيق آمالهم .. أرجوا ذلك .
                              رحمة الله على فقيدنا المبدع الصديق فرج عبدالسلام قناو وأسكنه الله فسيح جناته .. هل هناك من باحث .. ناقد .. قارئ مخرج ومعد جديد يحاول خلق اضاءات جديدة حول هذا المسرح الليبي الذي يستحق الكثير.
                              ومازالت الدعوة مفتوحة

                              تعليق


                              • #90

                                علاقة جميلة كهذه
                                رحيل الجياد البرية
                                بقلم عبد الله الزروق

                                مثلما تموت الجياد البرية وحيدة وكريمة وتسقط بلا معين بعد أن كانت تزرع البهجة وتفتح عوالم الدهشة سقط الراحل فرج قناو وحيداً وكأنه نسياً منسياً سقط فرج قناو بعد أن قدم للمسرح الليبي جواهر الكلم وعذب البيان مناضل اسطوري عاش بيننا اعواماً زرع في قلوبنا بيادر الحب وغاص في كيان المجتمع فقدم آهاته وآماله وأحلامه شاهداً على عصر قدم مفرداته بأمانه وعشق بعيداً عن الفترينات والواجهات وتجارة الكلام .
                                عرفته في عام 1968 مسيحي بعد أن قدمه لنا الصحفي والفنان عثمان إسماعيل في فرقة المسرح الليبي والتي كان مكانها في ذلك الوقت بالظهرة شارع سيدي بن الأمام انسل هذا الرجل إلى داخلنا بهدوء وبدون ضجيج كنا في ذلك الوقت نجرى التدريبات على مسرحية "السماسرة" للراحل الأزهر أبو بكر حميد ورحب به الأعضاء عبد الله الشاوش ـ عياد الزليطني ـ عثمان اسماعيل ـ سعيد المزوغي ـ محمد الغرياني ـ الدوكالي بشير ـ عيسى عبد الحفيظ، رمضان القاضي وغيرهم وفي أيام أصبح صديق الجميع كان يشتغل في ذلك الوقت في صحيفة "الشعب" والتي كان يدرها ويرأس تحريرها الأستاذ الكبيرعلي مصطفي المصراتي وعاش معنا فرج قناو في أجواء التدريبات إلى درجة أنه في عرض المسرحية الأخير في مسرح "الارنيا جاردينو" "الحديقة الصيفي " والذي يقع في شارع حسونة باشابين شارع أول سبتمبر ـ وشارع المقريف ـ ومكانه الآن (محطة سيارات) في العرض الأخير غاب أحد الممثلين فأسند دور الضابط للراحل قناو وهو أول وآخر دوره مثله وفي نفس السنة تأسس (اتحاد الهواة العرب السينمائي) وكان مكان هذا الاتحاد غرفة في فرقة المسرح الليبي..ومن أعضائه مصطفى المصراتي .. والشاوش وسعيد المزوغي..وسعد الجازوي .. وعيسى عبد الحفيظ ومحمد الغرياني .. ويوسف النعمي وكان فرج قناو أيضاًً أحد أعضائه .. وقد قدم قصة قصيرة في ذلك الوقت لانتاجها سينمائياً .. تحت اسم ( عودي يا صغيرتي أمينة ) كما قدم الراحل الأزهر حميد للاتحاد قصته( الزهرة الأخيرة) ..وأصبحت الفرقة محظوظة في ذلك الوقت فهي تضم ثلاثة صحفيين عثمان اسماعيل وسعيد المزوغي وفرج قناو.
                                وفي عام 1971 مسيحي ترك الراحل الأزهر حميد فرقة المسرح الليبي .. وقد كان هو المخرج الأوحد والمؤلف الأوحد فترك فراغاً كبيراً .. عندها تقدمت للإخراج مسرحية (الحضيض) للكاتب الروسي مكسيم جوركي وساعدني الجميع البوصيري عبدالله وفرج قناو وشاركني فيها ممثلين منهم عبدالله الشاوش ـ عبد الوهاب الزنكولي ـ سالم جمعة المرحومين رمضان القاضي ـ وعلي العلواني ورسام الكاريكاتير محمد الشريف والفنان عبد السلام القرقارشي والفنانة المصرية زينب عبد العزيز .. والفنانة خدوجة صبري وكان عمرها في ذلك الوقت إحدى عشر سنة . وتمت المجازفة بنجاح غير متوقع أنقذ الفرقة من الاساءة التي واجهتها في المهرجان الأول للفنون المسرحية بعد عرضها لمسرحية ( دولاب الملابس وحجرة المكياج ) للراحل الأزهر حميد والتي تحصلت على الترتيب الأخير بعد ذلك بدأت مرحلة فرج قناو .. فبدأ تجاربه في الكتابة المسرحية.
                                بإعداد مسرحية "هال أشي " لاتتزوج مؤلفة والتي حولها إلى مسرحية "متزوج سبعة " والتي كان أول عروضها في مدينة بنغازي في نهاية عام 1972مسيحي وبعد ذلك أعد عملاً آخر وهو مسرحية "اللي اتديرة تلقاه "وهي ماخوذة عن مسرحية "الراجل اللي ضحك عالملايكة "للكاتب المصري علي سالم وأخرج المسرحية أيضاً وهي مسرحية قصيرة مثلها الشاوش وخدوجة ورمضان القاضي وهي أول وآخر إخراج له .
                                بعدذلك توالت أعماله المسرحية الاجتماعية والتي شكلت في مجموعها اقتراباً حقيقياً من أديم المجتمع وإبراز مكارمه وخصائله وخصوصياته فاصبحت تجاربه الاجتماعية في البنت اللى قالت لا وأخطي رأسى وقص وحوش العيلة له خصائص تذكرنا بمسرح نعمان عاشور وسعد الدين وهبه ..و كذلك هجالة وميات عريس.
                                وقد كان لي شرف أن أخرج لهذا الكاتب الكبير مجموعة من أعماله منها متزوج سبعة ـ أخطى راسي وقص ـ البنت اللي قالت لا ـ بشرى ـ الطير اللي يغني ـ حدث ذات مرّة وهي سلسلة اعتز بها كثيراً ... ولم ينتج فرج قناو نصوصاً مسرحية فقط بل أبدع شخصيات أصبحت نماذج حقيقية للمواطن مثل بوعديلة،وهرودة ،والحاجة مناني، ونعنوشة وتبره .. وساهم أيضاً في انتاج ممثلين مثل فتحي كحلول، وخدوجة صبري، وعبد المجيد الميساوي،وحسن اكشيك ولطفية ابراهيم .. وقدم لهم أدواراً صنعت منهم فنانين حقيقيين وكان الراحل قناو شاعراً منفرداً بجمل في أعماقه حنيناً دائماً .. وبحث دائماً عن معانٍ تجذر الأصالة .. وكأنه كان يخاف من تلاشي الهوية .. فيقولها في بعض أعماله...
                                ومادابينا نسيروا منطلقة خطاوينا
                                ومادابينا نغنوا مع الطير غناوينا

                                ويقول أيضاً ..
                                حوشك ياعمي عبدالله
                                حرام يعطوه لبوبرطله..
                                ويقول أيضاًِ
                                حرام ينعرض للبيع حوش العيلة
                                حب انكتب في القلب وآش يشيله
                                ويقول عاشقاً
                                لاتهمدي رمشك ولا تصديني
                                فتمهيدتك تحت الهدب تلقيني
                                هذا هو جانب من جوانب الفنان الراحل فرج قناو والذي فقدت بموته شقيقاً وأليفاً وعزيزاً كاتباً مثقفاً بدأ حياته بقراءة المتون والمراجع عرف الأغاني للأصفهاني والعقد الفريد ونهم البلاغة والحيوان للجاحظ .. وتمتع بالمعلقات السبع..عاشقاً من عشاق المعرفة ...
                                وسراجاً حقيقياً..وعندما تخلى عنه الجميع .. ترك حياتهم واتجه إلى عالم الطفولة إلى معسكرات البراعم يلقنهم المعرفة ويطرح فيهم مشروع مسرح المستقبل..بقى وحيداً طوال حياته .. وآن لهذا الفارس أن يترجل ... وودعنا طيفاً حقيقياً لون حياتنا بالأزاهير .. ليلي بسيط .. وليبي بسيط فقط ..ولكنه بسيط جداً..

                                تعليق

                                يعمل...
                                X