فؤاد الكعبازي
سيرة القنديل أو ذاكرة الإبداع البكر
حوار / نوري عبدالدايم
على مدى ستة أيام متقطعة حرص الأستاذ " فؤاد الكعبازي " كما حرصت على أن تترك الذاكرة تقودنا الى سرد حر مفتوح لأن الذاكرة كما يقول أشبه بالفقاقيع إذا أطلقت واحدة تيقظت الأخريات " فكانت تداعيات سرده أشبه ببناء روايات " ميلان كونديرا" في إنتقاله الزماني والمكاني والعودة اليهما . لم تفارقه ذكريات طفولته فنراها نقية صافية على غير ذكرياته في فترة الأربعينيات والخمسينيات التي يتعذّر عليه رصد تواريخها وأسماء أعلامها تاركاً لي مهمة التـأكد منها من المراجع أوشهود عصرها للأمانة . هنا أختص بنشر مادار بيننا من حوار حول المسرح وأعلامه الرواد .
* :- عندما تأسس " نادي العمال " سنة " 1944 م " برئاسة " احمد قنابة " وعضوية د. مصطفى العجيلي " نائباً للرئيس " و " محمد محمد قنابة " أميناً للصندوق . قمت بتصميم شعار النادي ، بالإضافة الى نشاطك كرياضي ومصمم مناظر "1 " .
د . الكعبازي :- كان أغلب رواد " نادي العمال " من خريجي " مدرسة الفنون والصنائع " وكان رواده " مصطفى العجيلي ، والهادي المشيرقي ، ومحمد قنابة ، واحمد قنابة ، ومحمد حمدي ، وأحمد البيزنطي ، عبدالمجيد النعاس ، والصديق حواص ، وسالم التلتي ، وعمر حدود ، سالم كمال ، وأحمد الحصايري ، _ تحر على الأسماء فذاكرتي لاتستطيع استحضارهم كلهم _ والتحق أخيراً " مصطفى الأمير " كان يضم موسيقيين و ملاكمين وأدباء وعمال ... كان مقرّنا في " حوش قنابة " بشارع " سيدي درغوت " وهو عبارة عن منزل عربي يحتوي على استراحات . صممنا فيه حلبة للملاكمة ومصطبة للتمثيل في صالة بمساحة ( 12×12 متر) قمت بهذا العمل صحبة " علي فتحي المحمودي " من مناظر ونجارة.... يضم هذا المقر إستراحات صيفية وصالة للشتاء ، تركنا في خلفية الركح مسافة 30 سم على الحائط لضرورات التنكر وتغيير الملابس " كواليس " و لم يترك مكاناً للملقن الذي يعد ضرورة من ضرورات فن التمثيل في ذلك الوقت ، فكان بدوره يحفظ جميع الأدوار ويتنقل حسب حركة الممثل . كان أيضاً " مصطفى العجيلي " و محمد حمدي" يمتلكون القدرة على الحفظ .... روح التعاون هي المبداء الذي اعتمدناه في هذا النادي ... كانت تجلب المقاعد من المقاهي بعدما تقفل أبوابها . وتكفلت أنا بالستائر من بيت والدي وإرجاعها للبيت بعد العرض . منهم من تكفل بمد الإنارة . الملابس كان يتكفل بها الممثلين . كان " مصطفى العجيلي " يمتلك مقدرة نادرة على جمع التبرعات من الأسواق بمساعدة " محمد الكريكشي " . إضافة لدوري في المناظر والتنكر كنت مدرباً للتربية البدنية " الملاكمة ، المصارعة ، كرة القدم" . كما قدمت يوم الافتتاح عرضاً رياضياً "1" .... كنت قبلها منتسباً للنادي الأدبي والكشاف صحبة " مظفر رفعت " والد " حورية مظفر " ، و" مماد الامير" ، والد " مصطفى الأمير " . ولد " الكشاف " سنة 1934 م " قبل ميلاد " النادي الأدبي " كانت التدريبات _ أي الكشاف _ في " سيدي عمران " كما أسس " نادي العمال " تحت مظلة " النادي الادبي " الذي أفتتح امام " مكتب الفنون و الصنايع " أمام " فندق البدري " .
*:- أخبرتني بأن والدك لم يذهب للعروض المسرحية إلا مرة واحدة عندما ألتزم أمام فرقة هواة درنة سنة 1936 م . كما لا يرغب في إنضمامك لأي فرقة مسرحية .
د. الكعبازي :- كان " مصطفى العجيلي " يتمتع بعلاقة طيبة مع والدي الذي دعاه لحضور أحدى العروض التي أمثل فيها دور " عريس " يموت والده دون علمي . لم يرض أبي هذا الموقف و تشأم منه ولم يذكره سلباً أو إيجاباً . كانت ردة فعله الوحيدة إمتناعه عن الكتابة في مجلة " المرآة " التي يديرها " مصطفى العجيلي " أنتقل هذا الإحساس إلي من والدي ولم أعد التجربة بعد ذلك .
*:- هذا أخر عرضاً لك كممثل ... كيف كانت البدايات ؟
د . الكعبازي :- اول عرض أذكره كان مع الممثل " محمد حمدي " في دور " طبيب " كان باللهجة المصرية التي لم اكن أجيدها مثل " حمدي " و " حسن المصري " ، الأمر الذي جعل الجمهور يضحك من طريقة أدائي . واضحكت " حمدي " معي . كتبت الصحف " الممثل الذي أضحك " حمدي " .... تعلمت من حمدي فن التنكر والإخراج وطريقة صباغة الوجه . .... بعدها انتقلت فرقة " نادي العمال " الى مقر أخر "2" . شاركت في تأسيس " الفرقة العربية للتمثيل " 3 " مع نخبة من المثقفين أذكر منهم " محمد حبيب الله ، سالم كمال ، أحمد جميل ، عبدالسلام باش امام " مع الأستاذ " الطاهر الشريف " _ وهو شخصية وطنية _ أتفقنا مع " سالينوس " صاحب " الهمبراء " الذي خصص لنا صالة للتدريبات . كنت مسؤلاً فنياً في أغلب أعمال الفرقة وكان " سالم كمال " مديراً للإدارة المسرحية . كانت لغة الأعمال الفصحى البسيطة السلسة . قمت بإخراج مسرحية " أماه " من تأليف " الطاهر الشريف " تحكي سيرة ثلاث شخصيات " عمر الخيام ، ونظام الملك ، وحسن السفاح " وتربط بينهما " الأم " كنت أقوم برسم الشخصيات حسب تصوري وأقدمها للممثلين مع النسخة ، في أغلب أعمالي كنت أعتمد هذه الطريقة وأيضاً كنت أحاول أن أجرب الممثل في أغلب الأدوار . في أحد الأعمال أسندت دور " المحقق ل " لبيد الخضار " وأسندت للبيزنطي دور " بحار " مع كل تفاصيله بالوشم والأداء .. مع مخارج حروف الشخصية . ففي هذا العمل يمثل عاملاً وفي عمل أخر مديراً . ولتأثري بالسينما أدخلت الأداء الطبيعي للمسرح مستعيناً بناقل للصوت . مثلث في هذا العمل فتاة إيطالية مستوطنة ، كما قمنا بتنفيذ شلال تجري منه المياه بمساعدة الخلفية والإضاءة وتوزيع المياه من الحنفيات .... في أحد العروض قدمت الفرقة " لبيد لخضار " _ وهو شخصية محبة للفن ويتمتع بصوت جميل ويعشق أغاني " محمد عبدالوهاب "_ بالات عصرية اوركسترالية متكاملة غنى فيها قصيدة " أنشودة الفن " " 4 " .
* :- كيف كانت أشكال الدعاية في ذلك الوقت ؟
د. الكعبازي :- كان ينشر إعلانأ في صحيفة " طرابلس الغرب " مع ملصقات كبيرة تعلق أمام المسرح كان " محمد بطاطا " ينسخ منها عدة نسخ في مطبعة يملكها إيطالي . وأوراق صغيرة ملونة توزع يكتب عليها أسم العمل ومكانه وقيمة التذكرة . بقيت مع هذه الفرقة الى غاية ذهابي الى " بريطانيا " للدراسة .
تعليق