دعاء الكروان !!
يتذكر معظمنا (هنادي)، في فيلم دعاء الكروان، ذلك الفيلم الذي كنا نشاهده - وما زلت أشاهده بين الحين والآخر - وما يزال صوت الفنانة أمينة رزق (الست زهرة) وهي تنادي على ابنتها: "انت فين يا هنادي!" .. يرن في أسماعنا!
هنادي ... تلك الفتاة التي قامت بدورها (الفنانة زهرة العلا)، قد غرر بها (مهندس الري) الذي أدى دوره الفنان (أحمد مظهر)، حينما عملت خادما بمنزله، فما كان من خالها (ذاك الأعرابي) إلا أن طعنها بخنجره فسقطت من على (الجمل) صريعة، فلما رأت أختها (أمينة) الفنانة فاتن حمامة، هذا المنظر بغضت خالها وأمها وكرهتهما، وأصرت على الانتقام من ذاك المهندس، وتحايلت حتى التحقت بمنزله كخادم مكان أختها... غير أن النهاية لم تكن كما أُريد لها!!
الحقيقة أن الفيلم حاول توصيل قصة الرواية للمشاهد، غير أنه – من وجهة نظري – ورغم ما فيه من مشاهد درامية مؤثرة، لم يستطع تحويل تلك المشاعر الجياشة التي برزت بالرواية إلى نفوس المشاهدين.
فرواية "دعاء الكروان" للدكتور طه حسين رحمه الله والتي نشرها عام 1934م، استطاع السينارست (يوسف جوهر) تحويلها لهذا الفيلم الذي أخرجه (هنري بركات) عام 1959م.
لكن لقد بلغت الرواية تأجيج المشاعر والأحاسيس مبلغا كبير، حتى إن الشاعر اللبناني الكبير (خليل مطران) بلغت تلك الرواية من نفسه موضع الرضا، فأهدى عميدَ الأدب العربي تلك القصيدة الرائعة التي وضعها الدكتور طه في مقدمته.. والتي منها:
دعاء هذا الكروان الذي … خلدته في مسمع الدهر
له صدى في القلب والفكر من … أشهى متاع القلب والفكر
لكنه مشج بترجيعه … لما جرى في ذلك القفر
وفيها يبث أحزانه حين يقول:
أسال دمعي خطب مطلولة … مقتولة في زهرة العمر
جنى عليها واهمأنه … يثأر للعرض وللطهر
وخامرتني حسرة خامرت … شهود ذاك المصرع النكر
أليس للأرواح في بثها … أواصر من حيث لا تدري
ويشيد خليل مطران بلغة الدكتور طه التي سبق بها عصره، فيقول:
يا لغة العرب التي كاشفت … طه بما صانت من السر
من أي روض يجتنى مثل ما … جناه من أزهارك النضر
من أي بحر والمنى دره … يصاد ما صاد من الدر
من أي تبر في غوالي الحلى … يصاغ ما صاغ من التبر
وأخيرا .. أنصح بقراءة تلك الرواية الشجية، وعدم الاكتفاء بمشاهدة الفيلم، وخاصة أن النهاية بها بعض الاختلاف، ففي الرواية نرى النهاية حين تعلن الفتاة (آمنة) للمهندس، قصتها وقصة أختها (هنادي) التي غرر بها والتي كانت سببا في مصرعها، فتدور به الغرفة فلا يكاد يستقر، وبعد صمت طويل أو قصير يقول لها: "إن العبء لأثقل من أن تحمليه وحدك، وإن العبء لأثقل من أن أحمله أنا وحدي. فلنحمل شقاءنا معا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.. ثم أطبق على الغرفة صمت هائل رهيب".
أما النهاية في الفيلم؛ فيكشفها المخرج أمام أعيننا، فنرى الخالَ (ذاك الرجل الأعرابي) وهو يطلق رصاصة بندقيته ليتخلص من تلك الفتاة (آمنة) فيحاول (المهندس) حمايتها فتصيبُ الرصاصةُ قلبَه فيسقط صريعا معلنا (حبَه الطاهر) لتلك الفتاة التي تحتضنه معلنةً بشكل عملي لأختها (هنادي) أنها لم تستطع أن توفي بذلك العهد الذي قطعته على نفسها بالثأر لها!.
--------
الصورة للدكتور طه حسين وبطلة فيلم دعاء الكروان فاتن حمامة ، خلال العرض الأول للفيلم عام 1959م.