الشركات المتعددة الجنسيات
يذهب معظم المختصين إلى القول بأن الظهور الحقيقي للشركات المتعددة الجنسيات multinational companies كان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث ظهر تطور تقني (تكنولوجي) وإداري وصناعي سمح بتقسيم الإنتاج في وحدات مختلفة من بقع العالم.ويمكن تقسيم المراحل التي مر بها تاريخ الشركات المتعددة الجنسيات إلى ثلاث:
ـ المرحلة الأولى: تبدأ من عام 1850م وحتى الحرب العالمية الأولى في عام 1914م، وخلال هذه الفترة قامت الشركات البريطانية التي كانت مسيطرة على الاقتصاد العالمي بالاستثمار، وبخاصة في مجال الخطوط الحديدية والمناجم، وفي شمال أمريكا على الأغلب حيث تملكت الشركات البريطانية الأموال خارج حدود بلدها وقامت بإدارتها مباشرة وتحصيل أرباحها، ثم ظهرت الشركات الألمانية والفرنسية والهولندية وغيرها قبل ظهور الشركات الأمريكية قبيل الحرب العالمية الأولى مباشرة.
المرحلة الثانية: وقد امتدت بين عامي 1918 و1939م، وتميزت باستمرار نمو الشركات المتعددة الجنسيات ولكن بسرعة أقل من بداياتها في المرحلة السابقة، وذلك بسبب ظهور سياسة حماية الاقتصاد الوطني في مواجهة الدول الأجنبية، فإن الحرب العالمية الأولى دفعت في اتجاه الحماية الوطنية، وأدت إلى نشوء أزمة اقتصادية حثت الدول على التدخل في الاقتصاد الحر، إضافة إلى أن ظهور الدول الشيوعية التي تقوم على الاقتصاد الموجه والمسيطَر عليه كليّاً من قبل الدولة أدى إلى الحد من النمو السريع للشركات المتعددة الجنسيات في أوربا، وهذا ما دفع إلى التوجه نحو التكامل الاقتصادي واندماج الشركات على المستوى المحلي.
ـ أما المرحلة الثالثة: فتبدأ مع نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 وحتى اليوم، إذ حصلت الشركات المتعددة الجنسيات على أهمية وسلطات وصلاحيات لم تكن تتمتع بها سابقاً نتيجة تفكك الدول الشيوعية، وسيطرة نظريات الاقتصاد الحرّ، والحاجة الماسة للدول النامية إلى الاستثمارات الأجنبية المتطورة التي فرضت نظامها على النظام الاقتصادي الجديد على الرغم من وجود مجموعة من القواعد المتعلقة بحماية الاستثمار الوطني الذي نادت به اليابان في هذه المرحلة.
أمام هذا التوسع الهائل للشركات المتعددة الجنسيات، زاد الاهتمام بها على المستويات كافة وفي مختلف المجالات، وذلك نظراً للدور المؤثر الذي تقوم به في النطاقين الوطني والدولي. وتكفي الإشارة إلى أنه في نهاية القرن العشرين تحكمت الشركات المتعددة الجنسيات بما يعادل 27% من الإنتاج العالمي، وتم من خلالها أكثر من 35% من المبادلات الدولية، وبذا فهي تعد قوة اقتصادية لا يمكن التقليل من شأنها ومن تأثيرها في المجالين الوطني والدولي اقتصادياً واجتماعياً.
ومع التسليم بالدور المتنامي للشركات المتعددة الجنسيات في المجتمع الدولي، فإن الخلاف سرعان ما دبّ بين المعنيين بالأمر حول جدواها؛ فهنالك من يرى أن هذه الشركات تعد مرحلة من مراحل تطور المشروعات الرأسمالية، وهي بذلك تؤدي إلى التوسع الرأسمالي وتحقيق مزايا التكامل الاقتصادي، ولها دور فعّال في تنمية الاقتصاد العالمي، وتشغيل اليد العاملة، ونمو دول العالم الثالث، وتظهر هذه الآثار الإيجابية بتنشيط الشركات المتعددة الجنسيات للتجارة الدولية، ونقل رؤوس الأموال إلى حيث تمسّ الحاجة إليها، وقدرتها على تطوير التقانة (التكنولوجيا) والنهوض بالمشروعات العمرانية في الدول النامية. بينما يذهب آخرون إلى أن الشركات المذكورة تمثل تحدياً لسيادة الدول، وأنها نتيجة لذلك، تشكل مساساً خطيراً لهذه السيادة إن لم تكن تفريغاً لها من مضمونها، وآثارها السلبية تكمن في أنها، فضلاً عن السيطرة الاقتصادية، لا تراعي مصالح الدول المضيفة، وتستنزف ذوي الكفاءات فيها، وتغريهم بالمرتبات الضخمة على الهجرة، وتعوّد الشعوب على استهلاك سلع كمالية تضر بالاقتصاد القومي وتنافس السلع المحلية.
ماهية الشركات المتعددة الجنسيات
تعريفها
لايوجد إجماع على تعريفٍ موحّد للشركات المتعددة الجنسيات، بل هناك اختلاف في تسميتها.فبعضهم يدعوها: الشركات المتعددة الجنسيات، وآخرون: الشركات عبر الوطنية. ويعود السبب في اختلاف التعريفات إلى اختلاف وجهات النظر حولها بين الاقتصاديين من جهة. والحقوقيين من جهة أخرى، وكذلك بين الدول الغنية من جهة، والدول النامية من جهة أخرى.
وأول هذه التعريفات جاء من دافيد ليلينثال David E.Lilienthal حيث عرفها بأنها: «الشركات التي مركزها الرئيسي في دولة ما وتعمل وتعيش في ظل قانون دولة أخرى». هذا التعريف أخذ بالجنسية الواحدة للشركة وبالعمليات الأجنبية، ولم يأخذ بالشركات التي لها أكثر من مركز في أكثر من دولة واحدة، كما هو حال الشركات الأمريكية والإنكليزية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
أما الاقتصاديون فقد عرفوها أنها الشركات أو المؤسسات التي تملك جزئياً أو كلياً العائدات والأموال وتسيطر عليها وتديرها في أكثر من دولة واحدة. وميزة هذا التعريف أنه لم يحدد شكلاً قانونياً محدداً للشركات المتعددة الجنسيات التي يمكن أن تكون شركات خاصة أو عامة، أو مؤسسات فردية الملكية، كما أنه لم يميّز بين الاستثمار المباشر للشركات المتعددة الجنسيات في الدول الأخرى والمساهمة في مشاريع استثمارية مع غيرها (إدارة أعمال في دولة أخرى أو استثمار أموالها فيها).
إن لجنة الأشخاص المميزين لدى الأمم المتحدة ذهبت أبعد من التعريف البسيط السابق حتى تتوصل إلى التمييز بين الشركات المتعددة الجنسيات والشركات عبر الوطنية transnational companies، وذلك بناء على طلب الأشخاص الذين يمثلون دول أمريكا الجنوبية المنضمة لمجموعة Andean، فقد ميّز هؤلاء الأشخاص بين الشركات المتعددة الجنسيات، وهي الشركات التي تؤسس من أكثر من دولة واحدة، وفي أكثر من دولة واحدة عملاً بمجموعة قواعدAndean، والشركات عبر الوطنية وهي الشركات التي تقوم بأعمال استثمارية مباشرة أو غير مباشرة في أكثر من دولة واحدة.
هذا الاختلاف في التسمية خلق التباساً لدى الباحثين، وحتى في المنظمات الدولية، حيث تبنى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة ECOSOC تعبير: «عبر الوطنية» بينما أصر الاقتصاديون على استخدام تعبير: «المتعددة الجنسيات» للإشارة إلى نوع الشركات نفسه.
وفي عام 1976، وضعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للدول الغربيةOECD دليلاً للشركات المتعددة الجنسيات عرفتها فيه بأنها: « تتضمن عادة الشركات أو الشخصيات القانونية المختلفة، سواء أكانت مملوكة للقطاع الخاص أم العام أم المشترك، التي تؤسس في عدة دول، وترتبط بعضها مع بعض، بحيث تستطيع إحدى هذه الشركات أو أكثر ممارسة تأثير فعال في نشاطات الشركات الأخرى وبخاصة لتقاسم المعرفة والثروات مع غيرها. وقد وضع هذا التعريف من قبل الأمم المتحدة في نظامها المعدّ لتناول أعمال الشركات عبر الوطنية.
أخذت جميع التعريفات السابقة بمعايير اقتصادية أكثر منها قانونية، ولم يجمع المعنيّون على تعريف محدَّد، وبخاصة في الأمم المتحدة حيث كانت وجهات النظر مختلفة دوماً.
أما من وجهة نظر قانونية فقد قصد محسن شفيق بالشركة المتعددة الجنسيات «ذلك المشروع الذي يتكون من مجموعة وحدات فرعية ترتبط بالمركز الأصلي بعلاقات قانونية وتخضع لاستراتيجية اقتصادية عامة تتولى الاستثمار في مناطق جغرافية متعددة».
خصائص الشركات المتعددة الجنسيات
إن المعيار الأساسي لهذه الشركات هو قدرة شركة معينة على السيطرة على نشاطات شركات أخرى كائنة في دول مختلفة. وتشكل هذه الشركات وحدة اقتصادية تمارس نشاطها في مجالات متعددة (استثمارات عمل ـ نقل ـ تقانة) وتؤثر في مصالح أطراف متعددة. فالتعددية تلازم وجود هذه الشركات، إذ تتكون الشركات المتعددة الجنسيات من عنصرين: العنصر الأول وجود مجموعة وحدات فرعية ترتبط بالمركز الأصلي بعلاقات قانونية، وتخضع لاستراتيجية اقتصادية عامة، والعنصر الآخر يتضمن تعدد مراكز نشاطات المشروع. أما بقية المعايير ولاسيما تقاسم المعرفة والثروات فتبقى ثانوية بالموازنة مع المعيار السابق. وباختصار شديد تتميز الشركات المتعددة الجنسيات من غيرها بالعوامل التالية:
ـ قدرتها على نقل وحداتها الإنتاجية عبر حدود أكثر من دولة.
ـ قدرتها على استثمار وحدات إنتاج لمصلحتها في دول أخرى.
ـ قدرتها على التبادل التجاري بين أكثر من دولة واحدة عبر إنتاج شركات مرتبطة بها أو تابعة لها.
ـ قدرتها على استثمار معرفتها التقنية في دولة أخرى دون أن تفقد سيطرتها على هذه المعرفة وأن تنظم إداراتها بشكل شامل وفقاً للهيكلية التي تسمح بسيطرة أكبر على منتجاتها في عدة دول.
هذه القدرات تسمح للشركات المتعددة الجنسيات بتوزيع الإنتاج العالمي ومصادره وفقاً لسياستها.
تنظيمها
يخضع تنظيم الشركات المتعددة الجنسيات إلى قواعد وطنية تتعلق بالدولة الواحدة، وإلى قواعد دولية.
ـ القواعد الوطنية: لم تكن الدول ذات الأنظمة الاقتصادية الحرة التي تعمل وفقاً لسياسة الباب المفتوح متشابهة في تعاملها مع الشركات المتعددة الجنسيات على مر الزمن، ففي البداية وضعت هذه الدول بعض العراقيل أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة باعتبارها (من وجهة نظرها) تشكل خطراً على الاقتصاد، وتهدر الثروات الوطنية، ولذلك سنت التشريعات التي تحد من الاستثمارات المباشرة ما لم تكن مقرونة بحيازة المعرفة التقنية المرجوة كفائدة أولى من الاستثمار المباشر (مثل اليابان التي منعت الاستثمار المباشر لديها ما لم يكن مقروناً بنقلٍ للتقنية).
كما كانت ثمة سياسة الحماية للاقتصاد الوطني التي ظهرت مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، والتي منعت الشركات الأجنبية من العمل لديها أو حدّت من ذلك، هذا بالإضافة إلى وجهة النظر الماركسية التي انتشرت في المعسكر الشرقي حتى تاريخ سقوطه، والتي لم تسمح للشركات المتعددة الجنسيات بالعمل لديها إلا بواسطة اتفاقية خاصة.
كما أن دول العالم الثالث غيرت نظرتها إلى هذه الشركات، فبعد أن حاربتها وقامت بسلسلة قوانين التأميم التي شملت بعضها، عادت لتفتح أبوابها للاستثمار المباشر، وللسماح بحرية نسبية أو مطلقة لعمل هذه الشركات لديها.
أما من الناحية القانونية فيتم تنظيم عمل الشركات المتعددة الجنسيات بموجب العديد من التشريعات والقوانين التي تتناول: جنسية الشركة ـ خضوعها للازداوج الضريبي أم لا ـ قوانين العمل النافذة على العمال لديها ـ القضاء الذي تخضع له ـ تنفيذ القرارات القضائية ـ قانون المحاسبة ومراقبة الشركات ـ قوانين الاستثمار ـ وقوانين المنافسة الحرة وغيرها.
هذه القوانين تنظم مثلاً قدرة الشركات المتعددة الجنسيات على النشاط في دول أخرى وطريقة هذا النشاط: هل يجب مثلاً أن تؤسس الشركة فروعاً ليست لها شخصية اعتبارية مستقلة، أو يمكن تأسيس شركات برأسمال تملك الشركة الأم أغلبه أم لا ؟ هل تعد الشركة المؤسسة في دولة ما حاملة جنسية هذه الدولة أم هي تحمل جنسية الشركة الأم التي تملك أكثر رأسمالها؟
لذلك قد يخلق التنظيم القانوني الوطني مشكلات عدة أمام الشركات المتعددة الجنسيات تختلف باختلاف الرغبة فيها أو عدمها. فبعض التشريعات تسهل عملها وتبرم اتفاقيات دولية وثنائية تسمح لها مثلاً بعدم دفع الضرائب ثانية (اتفاقيات منح الازدواج الضريبي)، وأن تكون مملوكة بأغلب الرأسمال الأجنبي، والبعض الآخر يحدّ منها بطرائق أخرى.
وبهذا الصدد، أعطت دول مجموعةAndean في أمريكا الجنوبية (بوليفيا ـ شيلي ـ كولومبيا ـ الأكوادور) نموذجاً للتعامل مع الشركات المتعددة الجنسية باعتبارها دولاً مضيفة، حيث وضعت تقنيناً دولياً للسلوك يتعلق بالاستثمارات الأجنبية، وبالتالي الشركات المتعددة الجنسية.
هذا وقد حدد هذا التقنين نسبة المساهمة وسيطرة الدول الأجنبية والأفراد الأجانب في المشروعات المحلية، وذهب إلى إلغاء الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الاقتصادية الحيوية، وإلى تنمية التقانة (التكنولوجيا) الوطنية واحلالها محل التقانة (التكنولوجيا) الأجنبية وتم وضع هذا التقنين موضع التنفيذ عبر مجموعة من القواعد القانونية التي خفضت نسبة مساهمة الشركات الأجنبية القائمة، ومنعت تأسيس شركات برأسمال أجنبي، ولم تمنح أي ضمان في مواجهة قيام دولة من الدول الأعضاء بتصفية الاستثمارات الأجنبية، وحظرت تعامل الشركات الأجنبية في قطاع الخدمات والتجارة الداخلية والمصارف والتأمين، إضافة إلى تبني نظام مراقبة الشركات الأجنبية حسابياً ووضع شروط للحصول على ترخيص للاستثمار ونقل الأموال.
أما فيما يتعلق بنقل التقانة technology، فقد فرض التقنين شروطاً تمنع ترخيص عمل الشركات الأجنبية التي لا تنقل أيَّ تقانة متطورة وفقاً لمعايير تضعها الدول المعنية، وهذا كله ضمن نطاق أفضلية للشركات المتعددة الجنسية الإقليمية والعائدة للدول المنتمية لمجموعة Andean.
إن هذا التنظيم الوطني رافقته محاولات عديدة للتنظيم الدولي، إضافة إلى قوانين لها الصبغة الدولية.
ـ التنظيم الدولي: هناك نوعان من التنظيم الدولي للشركات المتعددة الجنسيات، أحدهما يتناول جزءاً من نشاطها، والثاني حاول أن يكون شاملاً.
فالتنظيم الدولي الجزئي يمثل في الإعلان الثلاثي (حكومات، وأرباب عمل، وعمال) المبادئ المتعلقة بالشركات المتعددة الجنسيات السياسية والاجتماعية.
ويرمي هذا الإعلان الذي صدر عن منظمة العمل الدولية في عام 1977إلى تشجيع دور الشركات المتعددة الجنسية في دفع النمو الاقتصادي والاجتماعي للدول، مع ضرورة حل المشكلات التي تواجه هذه الوحدات، كما يوجب هذا الإعلان على الشركات المتعددة الجنسيات أن تحترم أهداف سياسات الدول التي تزاول فيها عملياتها.
ويشمل الإعلان تنظيم أمور العمالة ورفع مستواها، وتطبيق مبدأ المساواة في الفرص والمعاملة بين العمال، ووضع قواعد استقرار العمل والتدريب، ونظام الأجور والأرباح وظروف العمل والمعيشة والصحة والأمن وغيره.
أما مستوى التنظيم الدولي الشامل فقد ظهرت الحاجة إليه في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة الذي رأى ضرورة وضع دليل دائم لعمل الشركات المتعددة الجنسيات، وذلك لإقامة نظام اقتصادي عالمي جديد يتصدى لمشكلات التنمية في المجالات كافة، ويحدّ من السلطات الواسعة للشركات المتعددة الجنسيات بالتوازن مع السماح لها بالعمل، نتيجة الحاجة الماسة لها في مجال التقانة (التكنولوجيا).
ويذهب هذا النظام إلى وضع منهج يجب اتباعه من قبل الشركات المتعددة الجنسيات، وهذا المنهج يختلف تبعاً لوجهات نظر الدول وظروفها الاقتصادية؛ فالدول النامية ترى أن يتم اقرار قواعد ملزمة في صالح الدول المضيفة عن طريق فرض سياستها الاقتصادية وسيطرتها على الموارد الطبيعية، وبالتالي خضوع الشركات المتعددة الجنسيات لقانون الدولة المضيفة وقضائها.
أما الدول المتقدمة فاتجهت اتجاهاً اقتصادياً وليس سياسيا، يقوم على بيان أهمية الشركات المتعددة الجنسيات ونشر آلية السوق. وقد ظهر هذا الاتجاه باتفاقية واشنطن لحماية الاستثمارات الأجنبية، وكذلك بظهور الوكالة الدولية للتأمين على الاستثمارات وغيرها.
وظهرت حديثاً على المستوى الدولي والوطني قواعد المحافظة على حرية المنافسة (anti- trust law في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي) وهي تحدّ من اندماج الشركات، ومن سيطرتها على الأسواق العالمية بشكل احتكاري، وذلك حماية للمستهلك، وللحدّ من التوسع الكبير للشركات المتعددة الجنسيات على المستوى الدولي والداخلي بحيث لا تصبح شركات احتكارية.
موسى متري
يذهب معظم المختصين إلى القول بأن الظهور الحقيقي للشركات المتعددة الجنسيات multinational companies كان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث ظهر تطور تقني (تكنولوجي) وإداري وصناعي سمح بتقسيم الإنتاج في وحدات مختلفة من بقع العالم.ويمكن تقسيم المراحل التي مر بها تاريخ الشركات المتعددة الجنسيات إلى ثلاث:
ـ المرحلة الأولى: تبدأ من عام 1850م وحتى الحرب العالمية الأولى في عام 1914م، وخلال هذه الفترة قامت الشركات البريطانية التي كانت مسيطرة على الاقتصاد العالمي بالاستثمار، وبخاصة في مجال الخطوط الحديدية والمناجم، وفي شمال أمريكا على الأغلب حيث تملكت الشركات البريطانية الأموال خارج حدود بلدها وقامت بإدارتها مباشرة وتحصيل أرباحها، ثم ظهرت الشركات الألمانية والفرنسية والهولندية وغيرها قبل ظهور الشركات الأمريكية قبيل الحرب العالمية الأولى مباشرة.
المرحلة الثانية: وقد امتدت بين عامي 1918 و1939م، وتميزت باستمرار نمو الشركات المتعددة الجنسيات ولكن بسرعة أقل من بداياتها في المرحلة السابقة، وذلك بسبب ظهور سياسة حماية الاقتصاد الوطني في مواجهة الدول الأجنبية، فإن الحرب العالمية الأولى دفعت في اتجاه الحماية الوطنية، وأدت إلى نشوء أزمة اقتصادية حثت الدول على التدخل في الاقتصاد الحر، إضافة إلى أن ظهور الدول الشيوعية التي تقوم على الاقتصاد الموجه والمسيطَر عليه كليّاً من قبل الدولة أدى إلى الحد من النمو السريع للشركات المتعددة الجنسيات في أوربا، وهذا ما دفع إلى التوجه نحو التكامل الاقتصادي واندماج الشركات على المستوى المحلي.
ـ أما المرحلة الثالثة: فتبدأ مع نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 وحتى اليوم، إذ حصلت الشركات المتعددة الجنسيات على أهمية وسلطات وصلاحيات لم تكن تتمتع بها سابقاً نتيجة تفكك الدول الشيوعية، وسيطرة نظريات الاقتصاد الحرّ، والحاجة الماسة للدول النامية إلى الاستثمارات الأجنبية المتطورة التي فرضت نظامها على النظام الاقتصادي الجديد على الرغم من وجود مجموعة من القواعد المتعلقة بحماية الاستثمار الوطني الذي نادت به اليابان في هذه المرحلة.
أمام هذا التوسع الهائل للشركات المتعددة الجنسيات، زاد الاهتمام بها على المستويات كافة وفي مختلف المجالات، وذلك نظراً للدور المؤثر الذي تقوم به في النطاقين الوطني والدولي. وتكفي الإشارة إلى أنه في نهاية القرن العشرين تحكمت الشركات المتعددة الجنسيات بما يعادل 27% من الإنتاج العالمي، وتم من خلالها أكثر من 35% من المبادلات الدولية، وبذا فهي تعد قوة اقتصادية لا يمكن التقليل من شأنها ومن تأثيرها في المجالين الوطني والدولي اقتصادياً واجتماعياً.
ومع التسليم بالدور المتنامي للشركات المتعددة الجنسيات في المجتمع الدولي، فإن الخلاف سرعان ما دبّ بين المعنيين بالأمر حول جدواها؛ فهنالك من يرى أن هذه الشركات تعد مرحلة من مراحل تطور المشروعات الرأسمالية، وهي بذلك تؤدي إلى التوسع الرأسمالي وتحقيق مزايا التكامل الاقتصادي، ولها دور فعّال في تنمية الاقتصاد العالمي، وتشغيل اليد العاملة، ونمو دول العالم الثالث، وتظهر هذه الآثار الإيجابية بتنشيط الشركات المتعددة الجنسيات للتجارة الدولية، ونقل رؤوس الأموال إلى حيث تمسّ الحاجة إليها، وقدرتها على تطوير التقانة (التكنولوجيا) والنهوض بالمشروعات العمرانية في الدول النامية. بينما يذهب آخرون إلى أن الشركات المذكورة تمثل تحدياً لسيادة الدول، وأنها نتيجة لذلك، تشكل مساساً خطيراً لهذه السيادة إن لم تكن تفريغاً لها من مضمونها، وآثارها السلبية تكمن في أنها، فضلاً عن السيطرة الاقتصادية، لا تراعي مصالح الدول المضيفة، وتستنزف ذوي الكفاءات فيها، وتغريهم بالمرتبات الضخمة على الهجرة، وتعوّد الشعوب على استهلاك سلع كمالية تضر بالاقتصاد القومي وتنافس السلع المحلية.
ماهية الشركات المتعددة الجنسيات
تعريفها
لايوجد إجماع على تعريفٍ موحّد للشركات المتعددة الجنسيات، بل هناك اختلاف في تسميتها.فبعضهم يدعوها: الشركات المتعددة الجنسيات، وآخرون: الشركات عبر الوطنية. ويعود السبب في اختلاف التعريفات إلى اختلاف وجهات النظر حولها بين الاقتصاديين من جهة. والحقوقيين من جهة أخرى، وكذلك بين الدول الغنية من جهة، والدول النامية من جهة أخرى.
وأول هذه التعريفات جاء من دافيد ليلينثال David E.Lilienthal حيث عرفها بأنها: «الشركات التي مركزها الرئيسي في دولة ما وتعمل وتعيش في ظل قانون دولة أخرى». هذا التعريف أخذ بالجنسية الواحدة للشركة وبالعمليات الأجنبية، ولم يأخذ بالشركات التي لها أكثر من مركز في أكثر من دولة واحدة، كما هو حال الشركات الأمريكية والإنكليزية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
أما الاقتصاديون فقد عرفوها أنها الشركات أو المؤسسات التي تملك جزئياً أو كلياً العائدات والأموال وتسيطر عليها وتديرها في أكثر من دولة واحدة. وميزة هذا التعريف أنه لم يحدد شكلاً قانونياً محدداً للشركات المتعددة الجنسيات التي يمكن أن تكون شركات خاصة أو عامة، أو مؤسسات فردية الملكية، كما أنه لم يميّز بين الاستثمار المباشر للشركات المتعددة الجنسيات في الدول الأخرى والمساهمة في مشاريع استثمارية مع غيرها (إدارة أعمال في دولة أخرى أو استثمار أموالها فيها).
إن لجنة الأشخاص المميزين لدى الأمم المتحدة ذهبت أبعد من التعريف البسيط السابق حتى تتوصل إلى التمييز بين الشركات المتعددة الجنسيات والشركات عبر الوطنية transnational companies، وذلك بناء على طلب الأشخاص الذين يمثلون دول أمريكا الجنوبية المنضمة لمجموعة Andean، فقد ميّز هؤلاء الأشخاص بين الشركات المتعددة الجنسيات، وهي الشركات التي تؤسس من أكثر من دولة واحدة، وفي أكثر من دولة واحدة عملاً بمجموعة قواعدAndean، والشركات عبر الوطنية وهي الشركات التي تقوم بأعمال استثمارية مباشرة أو غير مباشرة في أكثر من دولة واحدة.
هذا الاختلاف في التسمية خلق التباساً لدى الباحثين، وحتى في المنظمات الدولية، حيث تبنى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة ECOSOC تعبير: «عبر الوطنية» بينما أصر الاقتصاديون على استخدام تعبير: «المتعددة الجنسيات» للإشارة إلى نوع الشركات نفسه.
وفي عام 1976، وضعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للدول الغربيةOECD دليلاً للشركات المتعددة الجنسيات عرفتها فيه بأنها: « تتضمن عادة الشركات أو الشخصيات القانونية المختلفة، سواء أكانت مملوكة للقطاع الخاص أم العام أم المشترك، التي تؤسس في عدة دول، وترتبط بعضها مع بعض، بحيث تستطيع إحدى هذه الشركات أو أكثر ممارسة تأثير فعال في نشاطات الشركات الأخرى وبخاصة لتقاسم المعرفة والثروات مع غيرها. وقد وضع هذا التعريف من قبل الأمم المتحدة في نظامها المعدّ لتناول أعمال الشركات عبر الوطنية.
أخذت جميع التعريفات السابقة بمعايير اقتصادية أكثر منها قانونية، ولم يجمع المعنيّون على تعريف محدَّد، وبخاصة في الأمم المتحدة حيث كانت وجهات النظر مختلفة دوماً.
أما من وجهة نظر قانونية فقد قصد محسن شفيق بالشركة المتعددة الجنسيات «ذلك المشروع الذي يتكون من مجموعة وحدات فرعية ترتبط بالمركز الأصلي بعلاقات قانونية وتخضع لاستراتيجية اقتصادية عامة تتولى الاستثمار في مناطق جغرافية متعددة».
خصائص الشركات المتعددة الجنسيات
إن المعيار الأساسي لهذه الشركات هو قدرة شركة معينة على السيطرة على نشاطات شركات أخرى كائنة في دول مختلفة. وتشكل هذه الشركات وحدة اقتصادية تمارس نشاطها في مجالات متعددة (استثمارات عمل ـ نقل ـ تقانة) وتؤثر في مصالح أطراف متعددة. فالتعددية تلازم وجود هذه الشركات، إذ تتكون الشركات المتعددة الجنسيات من عنصرين: العنصر الأول وجود مجموعة وحدات فرعية ترتبط بالمركز الأصلي بعلاقات قانونية، وتخضع لاستراتيجية اقتصادية عامة، والعنصر الآخر يتضمن تعدد مراكز نشاطات المشروع. أما بقية المعايير ولاسيما تقاسم المعرفة والثروات فتبقى ثانوية بالموازنة مع المعيار السابق. وباختصار شديد تتميز الشركات المتعددة الجنسيات من غيرها بالعوامل التالية:
ـ قدرتها على نقل وحداتها الإنتاجية عبر حدود أكثر من دولة.
ـ قدرتها على استثمار وحدات إنتاج لمصلحتها في دول أخرى.
ـ قدرتها على التبادل التجاري بين أكثر من دولة واحدة عبر إنتاج شركات مرتبطة بها أو تابعة لها.
ـ قدرتها على استثمار معرفتها التقنية في دولة أخرى دون أن تفقد سيطرتها على هذه المعرفة وأن تنظم إداراتها بشكل شامل وفقاً للهيكلية التي تسمح بسيطرة أكبر على منتجاتها في عدة دول.
هذه القدرات تسمح للشركات المتعددة الجنسيات بتوزيع الإنتاج العالمي ومصادره وفقاً لسياستها.
تنظيمها
يخضع تنظيم الشركات المتعددة الجنسيات إلى قواعد وطنية تتعلق بالدولة الواحدة، وإلى قواعد دولية.
ـ القواعد الوطنية: لم تكن الدول ذات الأنظمة الاقتصادية الحرة التي تعمل وفقاً لسياسة الباب المفتوح متشابهة في تعاملها مع الشركات المتعددة الجنسيات على مر الزمن، ففي البداية وضعت هذه الدول بعض العراقيل أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة باعتبارها (من وجهة نظرها) تشكل خطراً على الاقتصاد، وتهدر الثروات الوطنية، ولذلك سنت التشريعات التي تحد من الاستثمارات المباشرة ما لم تكن مقرونة بحيازة المعرفة التقنية المرجوة كفائدة أولى من الاستثمار المباشر (مثل اليابان التي منعت الاستثمار المباشر لديها ما لم يكن مقروناً بنقلٍ للتقنية).
كما كانت ثمة سياسة الحماية للاقتصاد الوطني التي ظهرت مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، والتي منعت الشركات الأجنبية من العمل لديها أو حدّت من ذلك، هذا بالإضافة إلى وجهة النظر الماركسية التي انتشرت في المعسكر الشرقي حتى تاريخ سقوطه، والتي لم تسمح للشركات المتعددة الجنسيات بالعمل لديها إلا بواسطة اتفاقية خاصة.
كما أن دول العالم الثالث غيرت نظرتها إلى هذه الشركات، فبعد أن حاربتها وقامت بسلسلة قوانين التأميم التي شملت بعضها، عادت لتفتح أبوابها للاستثمار المباشر، وللسماح بحرية نسبية أو مطلقة لعمل هذه الشركات لديها.
أما من الناحية القانونية فيتم تنظيم عمل الشركات المتعددة الجنسيات بموجب العديد من التشريعات والقوانين التي تتناول: جنسية الشركة ـ خضوعها للازداوج الضريبي أم لا ـ قوانين العمل النافذة على العمال لديها ـ القضاء الذي تخضع له ـ تنفيذ القرارات القضائية ـ قانون المحاسبة ومراقبة الشركات ـ قوانين الاستثمار ـ وقوانين المنافسة الحرة وغيرها.
هذه القوانين تنظم مثلاً قدرة الشركات المتعددة الجنسيات على النشاط في دول أخرى وطريقة هذا النشاط: هل يجب مثلاً أن تؤسس الشركة فروعاً ليست لها شخصية اعتبارية مستقلة، أو يمكن تأسيس شركات برأسمال تملك الشركة الأم أغلبه أم لا ؟ هل تعد الشركة المؤسسة في دولة ما حاملة جنسية هذه الدولة أم هي تحمل جنسية الشركة الأم التي تملك أكثر رأسمالها؟
لذلك قد يخلق التنظيم القانوني الوطني مشكلات عدة أمام الشركات المتعددة الجنسيات تختلف باختلاف الرغبة فيها أو عدمها. فبعض التشريعات تسهل عملها وتبرم اتفاقيات دولية وثنائية تسمح لها مثلاً بعدم دفع الضرائب ثانية (اتفاقيات منح الازدواج الضريبي)، وأن تكون مملوكة بأغلب الرأسمال الأجنبي، والبعض الآخر يحدّ منها بطرائق أخرى.
وبهذا الصدد، أعطت دول مجموعةAndean في أمريكا الجنوبية (بوليفيا ـ شيلي ـ كولومبيا ـ الأكوادور) نموذجاً للتعامل مع الشركات المتعددة الجنسية باعتبارها دولاً مضيفة، حيث وضعت تقنيناً دولياً للسلوك يتعلق بالاستثمارات الأجنبية، وبالتالي الشركات المتعددة الجنسية.
هذا وقد حدد هذا التقنين نسبة المساهمة وسيطرة الدول الأجنبية والأفراد الأجانب في المشروعات المحلية، وذهب إلى إلغاء الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الاقتصادية الحيوية، وإلى تنمية التقانة (التكنولوجيا) الوطنية واحلالها محل التقانة (التكنولوجيا) الأجنبية وتم وضع هذا التقنين موضع التنفيذ عبر مجموعة من القواعد القانونية التي خفضت نسبة مساهمة الشركات الأجنبية القائمة، ومنعت تأسيس شركات برأسمال أجنبي، ولم تمنح أي ضمان في مواجهة قيام دولة من الدول الأعضاء بتصفية الاستثمارات الأجنبية، وحظرت تعامل الشركات الأجنبية في قطاع الخدمات والتجارة الداخلية والمصارف والتأمين، إضافة إلى تبني نظام مراقبة الشركات الأجنبية حسابياً ووضع شروط للحصول على ترخيص للاستثمار ونقل الأموال.
أما فيما يتعلق بنقل التقانة technology، فقد فرض التقنين شروطاً تمنع ترخيص عمل الشركات الأجنبية التي لا تنقل أيَّ تقانة متطورة وفقاً لمعايير تضعها الدول المعنية، وهذا كله ضمن نطاق أفضلية للشركات المتعددة الجنسية الإقليمية والعائدة للدول المنتمية لمجموعة Andean.
إن هذا التنظيم الوطني رافقته محاولات عديدة للتنظيم الدولي، إضافة إلى قوانين لها الصبغة الدولية.
ـ التنظيم الدولي: هناك نوعان من التنظيم الدولي للشركات المتعددة الجنسيات، أحدهما يتناول جزءاً من نشاطها، والثاني حاول أن يكون شاملاً.
فالتنظيم الدولي الجزئي يمثل في الإعلان الثلاثي (حكومات، وأرباب عمل، وعمال) المبادئ المتعلقة بالشركات المتعددة الجنسيات السياسية والاجتماعية.
ويرمي هذا الإعلان الذي صدر عن منظمة العمل الدولية في عام 1977إلى تشجيع دور الشركات المتعددة الجنسية في دفع النمو الاقتصادي والاجتماعي للدول، مع ضرورة حل المشكلات التي تواجه هذه الوحدات، كما يوجب هذا الإعلان على الشركات المتعددة الجنسيات أن تحترم أهداف سياسات الدول التي تزاول فيها عملياتها.
ويشمل الإعلان تنظيم أمور العمالة ورفع مستواها، وتطبيق مبدأ المساواة في الفرص والمعاملة بين العمال، ووضع قواعد استقرار العمل والتدريب، ونظام الأجور والأرباح وظروف العمل والمعيشة والصحة والأمن وغيره.
أما مستوى التنظيم الدولي الشامل فقد ظهرت الحاجة إليه في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة الذي رأى ضرورة وضع دليل دائم لعمل الشركات المتعددة الجنسيات، وذلك لإقامة نظام اقتصادي عالمي جديد يتصدى لمشكلات التنمية في المجالات كافة، ويحدّ من السلطات الواسعة للشركات المتعددة الجنسيات بالتوازن مع السماح لها بالعمل، نتيجة الحاجة الماسة لها في مجال التقانة (التكنولوجيا).
ويذهب هذا النظام إلى وضع منهج يجب اتباعه من قبل الشركات المتعددة الجنسيات، وهذا المنهج يختلف تبعاً لوجهات نظر الدول وظروفها الاقتصادية؛ فالدول النامية ترى أن يتم اقرار قواعد ملزمة في صالح الدول المضيفة عن طريق فرض سياستها الاقتصادية وسيطرتها على الموارد الطبيعية، وبالتالي خضوع الشركات المتعددة الجنسيات لقانون الدولة المضيفة وقضائها.
أما الدول المتقدمة فاتجهت اتجاهاً اقتصادياً وليس سياسيا، يقوم على بيان أهمية الشركات المتعددة الجنسيات ونشر آلية السوق. وقد ظهر هذا الاتجاه باتفاقية واشنطن لحماية الاستثمارات الأجنبية، وكذلك بظهور الوكالة الدولية للتأمين على الاستثمارات وغيرها.
وظهرت حديثاً على المستوى الدولي والوطني قواعد المحافظة على حرية المنافسة (anti- trust law في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي) وهي تحدّ من اندماج الشركات، ومن سيطرتها على الأسواق العالمية بشكل احتكاري، وذلك حماية للمستهلك، وللحدّ من التوسع الكبير للشركات المتعددة الجنسيات على المستوى الدولي والداخلي بحيث لا تصبح شركات احتكارية.
موسى متري