الشر
الشر evil: مفهوم أخلاقي يعبر عن تقييم أخلاقي لظواهر اجتماعية ولسلوك إنساني، وهو مفهوم نسبي يختلف من عصر إلى عصر، ومن مجتمع إلى آخر بدرجة كبيرة، بحيث إن تصورات الناس عنه قد يناقض بعضها بعضاً.
ويرتبط مفهوم الشر عموماً بالسوء والفساد والألم والكآبة والتعاسة. وهو موضوع للرفض والذم والتقبيح من الإنسان الذي يحاول التخلص منه، أو إنكاره كما عند الصوفية باعتباره وجوداً غير حقيقي، ظاهرياً، خادعاً، أو التقليل من أهميته وتبريره كما عند ابن سينا قديماً، ولايبنتز حديثاً.
وللشر ثلاثة أنواع: الشر الطبيعي، ويطلق على كل نقص، مثل الضعف والتشويه في الخلقة والمرض والآلام؛ والشر الأخلاقي، ويطلق على الأفعال المذمومة، وعلى مبادئها من الأخلاق، وعلى كل ما يحق للإرادة الصالحة أن تقاومه كالرذيلة والخطيئة[ر] والكذب والعدوان؛ والشر الفلسفي (الميتافيزيقي)، ويطلق على نقصان كل شيء عن كماله، وفقدان ما من شأنه أن يكون له، وهو إما أن يكون بالذات أو بالعرض. وهناك الشر المطلق وهو العدم المطلق، والشر المعرفي وهو الجهل والشر الجمالي وهو القبح.
ويؤكد الفلاسفة اختلاف الخير[ر] والشر. فالشر ضد الخير، وإذا كان الخير مقتضى بالذات فالشر مقتضى بالعَرَض. فالشر موجود بوصفه سلباً للخير. فما إن يذكر الشر حتى تقفز فكرة الخير للأذهان، لأن «الشر بمثابة نفي أو حرمان له»، على حد قول الفيلسوف الفرنسي لافيل Lavelle. ووجود الشر ضروري، فهو المحرك الدائم للحياة الروحية، فلا يمكن قيام حياة أخلاقية من دون التصادم معه. لأنه العقبة التي ينبغي على الإنسان تجاوزها، فافتراضه ضروري، يحفز الإرادة للتغلب عليه وصولاً إلى تحقيق الخير وإعلاء القيم.
وينطوي الشر على تناقض، فالشر فكرة سلبية ذات وجود إيجابي، بمعنى أن نشأة الشر (الظلمة) تفسر بخطأ من الخير (النور) في سعيه نحو الكمال، فالشر انحراف وعدم اكتمال الكمال، أي إنه عنصر دخيل ليس له الأولوية على، ومع الخير. ومع عدم سبق الشر وتزامنه في الوجود مع الخير فهما متداخلان، لأنهما في علاقة جدلية ضرورية سويّاً، فلا وجود للشر قائماً بذاته ومستقلاً عن الخير، فهما قطبان متضادان، كما هو الحال عند القديس أوغسطين[ر] مثلاً، الذي يربط بين الخير والوجود، وبين الشر والعدم.
وعلى العكس من هذا، تضمنت نظريات بعض القدماء إنكاراً لإيجابية مفهوم الشر، بإرجاعه إلى الجهل، كما هو الحال عند سقراط[ر] الذي ربط في تصوره للشر بينه وبين الجهل، بقوله: «إن الفضيلة علم والرذيلة جهل». فيكون الشر نوعاً من الخطأ، والخطأ نوعاً من الجهل، وكذلك أفلاطون، حينما أرجع الخير والشر، في محاورة «فيدون»، إلى حياة سابقة للوجود في هذا العالم، واعتبر الشر طبعاً كامناً في بعض الناس بفعل تأثير الجسد والمادة في النفس.
أما المنظور المعاصر، فهو يؤكد على إيجابية مفهوم الشر، كونه يمثل مع الخير ـ ومع غيره من المفاهيم الأخلاقية والجمالية ـ أجزاء من نظرية عامة في فلسفة القيم[ر]، تؤكد على قطبية مفاهيم القيم وازدواجيتها (إيجابية ـ سلبية)، كالعدالة والظلم، الجمال والقبح، الخير والشر، التسامح والتعصب. وعلى هذا لا تتضمن القيمة السالبة نقصاً لقيم موجبة. فالقيم السلبية توجد بذاتها إيجابياً.
وقد أكد الوجوديون، خاصة كيركغارد، الوجود الإيجابي للشر الذي ينبغي على الإنسان مصارعته دوماً. كما أكد شوبنهور[ر]Schopenhauer، في مؤلفه «العالم إرادة وتمثل»، نظرته التشاؤمية ورؤيته للطبيعة المشبعة بالشر- تلك التي تأثرت إلى حد كبير بالديانات الشرقية ـ من خلال نظرته للحياة على أنها شر، والألم هو دافعها الأساس وحقيقتها، وأن اللذة وقف سلبي للألم؛ وكلما ارتقى النظام زاد الشقاء؛ فالحياة حرب وصراع وتنافس في الطبيعة، ونزاع بين الكائنات ، فالإنسان ذئب للإنسان، والحياة إذن ـ أولاً وأخيراً ـ شر.
ومما لا جدل فيه، هو أن التأكيد على إيجابية الشر يحدث وعياً بالخير، وهذا ما عززه هيغل[ر] Hegel، بقوله: «إنّ بلوغ الإنسان السعادة لا يأتي إلا بعد تعرضه لأحلك الظروف. وإن الوعي الشقي، والذي يعد وعياً ذليلاً لوجود الشر الكامن فينا هو الذي يؤدي إلى الوعي بالسعادة». كما وافقه قول جيمس[ر] James: «إن الخير لا يعني نفي الشر وإلغاءه فقط، بل يعني الانتصار على الشر.
والشر من المسائل التي يختص بها علم الربوبية theodicy، وهو العلم الذي يحاول التوفيق بين الاعتقاد الديني بخيرية الله وقدرته المطلقة، وواقع الشر في العالم الذي ينفي هذه القدرة أو يحدها. وقد عدّت بعض الديانات الهندوسية الشر وهماً (مايا)، واعتبرته ديانات أخرى كالزرادشتية[ر] مطلقاً يقابل الخير المطلق، ووصفته بأنه ظلام في مقابل النور. بيد أن الديانات السماوية الكبرى الثلاث تعدّه عَرَضّاً، وأنه لا ذات له. حيث تعترف كل من الديانتين - اليهودية والمسيحية- عكس الإسلام- بالخطيئة الأصلية، فهناك نزعة للشر موجودة في الإنسان، أطلق عليها بولس الرسول[ر]: «الصراع بين قانون الجسد وقانون الروح».
ولهذا أثار مفهوم الشر مشكلات جمّة، شغلت معظم فلاسفة العصور الوسطى (اليهودية والمسيحية والإسلامية)، لاسيما ابن ميمون Maimonides وأنسلم[ر] والأكويني[ر]، وابن سينا وابن رشد في معالجتهم لمباحث في الله: وجوده وصفاته، علمه وقدرته، كذلك العناية الإلهية، القضاء والقدر، والحساب: الثواب والعقاب، وغيرها. كما أسهم المعتزلة والأشاعرة وأهل السلف وعلماء الكلام في التمحيص في هذا المفهوم مع مفهوم الخير تحت عنوان «الحسن والقبح».
ومن أهم الإجابات التي قدمها الفلاسفة عن سبب وجود الشر في العالم تلك التي قدمها ابن سينا ولايبنتز في قولهما: إن الشر في هذا العالم يوجد بأقل قدر ممكن، وإن العالم الحالي، رغم كل ما فيه من شرور وحروب وكوارث وأمراض، هو أفضل العوالم الممكنة.
سوسن البيطار
الشر evil: مفهوم أخلاقي يعبر عن تقييم أخلاقي لظواهر اجتماعية ولسلوك إنساني، وهو مفهوم نسبي يختلف من عصر إلى عصر، ومن مجتمع إلى آخر بدرجة كبيرة، بحيث إن تصورات الناس عنه قد يناقض بعضها بعضاً.
ويرتبط مفهوم الشر عموماً بالسوء والفساد والألم والكآبة والتعاسة. وهو موضوع للرفض والذم والتقبيح من الإنسان الذي يحاول التخلص منه، أو إنكاره كما عند الصوفية باعتباره وجوداً غير حقيقي، ظاهرياً، خادعاً، أو التقليل من أهميته وتبريره كما عند ابن سينا قديماً، ولايبنتز حديثاً.
وللشر ثلاثة أنواع: الشر الطبيعي، ويطلق على كل نقص، مثل الضعف والتشويه في الخلقة والمرض والآلام؛ والشر الأخلاقي، ويطلق على الأفعال المذمومة، وعلى مبادئها من الأخلاق، وعلى كل ما يحق للإرادة الصالحة أن تقاومه كالرذيلة والخطيئة[ر] والكذب والعدوان؛ والشر الفلسفي (الميتافيزيقي)، ويطلق على نقصان كل شيء عن كماله، وفقدان ما من شأنه أن يكون له، وهو إما أن يكون بالذات أو بالعرض. وهناك الشر المطلق وهو العدم المطلق، والشر المعرفي وهو الجهل والشر الجمالي وهو القبح.
ويؤكد الفلاسفة اختلاف الخير[ر] والشر. فالشر ضد الخير، وإذا كان الخير مقتضى بالذات فالشر مقتضى بالعَرَض. فالشر موجود بوصفه سلباً للخير. فما إن يذكر الشر حتى تقفز فكرة الخير للأذهان، لأن «الشر بمثابة نفي أو حرمان له»، على حد قول الفيلسوف الفرنسي لافيل Lavelle. ووجود الشر ضروري، فهو المحرك الدائم للحياة الروحية، فلا يمكن قيام حياة أخلاقية من دون التصادم معه. لأنه العقبة التي ينبغي على الإنسان تجاوزها، فافتراضه ضروري، يحفز الإرادة للتغلب عليه وصولاً إلى تحقيق الخير وإعلاء القيم.
وينطوي الشر على تناقض، فالشر فكرة سلبية ذات وجود إيجابي، بمعنى أن نشأة الشر (الظلمة) تفسر بخطأ من الخير (النور) في سعيه نحو الكمال، فالشر انحراف وعدم اكتمال الكمال، أي إنه عنصر دخيل ليس له الأولوية على، ومع الخير. ومع عدم سبق الشر وتزامنه في الوجود مع الخير فهما متداخلان، لأنهما في علاقة جدلية ضرورية سويّاً، فلا وجود للشر قائماً بذاته ومستقلاً عن الخير، فهما قطبان متضادان، كما هو الحال عند القديس أوغسطين[ر] مثلاً، الذي يربط بين الخير والوجود، وبين الشر والعدم.
وعلى العكس من هذا، تضمنت نظريات بعض القدماء إنكاراً لإيجابية مفهوم الشر، بإرجاعه إلى الجهل، كما هو الحال عند سقراط[ر] الذي ربط في تصوره للشر بينه وبين الجهل، بقوله: «إن الفضيلة علم والرذيلة جهل». فيكون الشر نوعاً من الخطأ، والخطأ نوعاً من الجهل، وكذلك أفلاطون، حينما أرجع الخير والشر، في محاورة «فيدون»، إلى حياة سابقة للوجود في هذا العالم، واعتبر الشر طبعاً كامناً في بعض الناس بفعل تأثير الجسد والمادة في النفس.
أما المنظور المعاصر، فهو يؤكد على إيجابية مفهوم الشر، كونه يمثل مع الخير ـ ومع غيره من المفاهيم الأخلاقية والجمالية ـ أجزاء من نظرية عامة في فلسفة القيم[ر]، تؤكد على قطبية مفاهيم القيم وازدواجيتها (إيجابية ـ سلبية)، كالعدالة والظلم، الجمال والقبح، الخير والشر، التسامح والتعصب. وعلى هذا لا تتضمن القيمة السالبة نقصاً لقيم موجبة. فالقيم السلبية توجد بذاتها إيجابياً.
وقد أكد الوجوديون، خاصة كيركغارد، الوجود الإيجابي للشر الذي ينبغي على الإنسان مصارعته دوماً. كما أكد شوبنهور[ر]Schopenhauer، في مؤلفه «العالم إرادة وتمثل»، نظرته التشاؤمية ورؤيته للطبيعة المشبعة بالشر- تلك التي تأثرت إلى حد كبير بالديانات الشرقية ـ من خلال نظرته للحياة على أنها شر، والألم هو دافعها الأساس وحقيقتها، وأن اللذة وقف سلبي للألم؛ وكلما ارتقى النظام زاد الشقاء؛ فالحياة حرب وصراع وتنافس في الطبيعة، ونزاع بين الكائنات ، فالإنسان ذئب للإنسان، والحياة إذن ـ أولاً وأخيراً ـ شر.
ومما لا جدل فيه، هو أن التأكيد على إيجابية الشر يحدث وعياً بالخير، وهذا ما عززه هيغل[ر] Hegel، بقوله: «إنّ بلوغ الإنسان السعادة لا يأتي إلا بعد تعرضه لأحلك الظروف. وإن الوعي الشقي، والذي يعد وعياً ذليلاً لوجود الشر الكامن فينا هو الذي يؤدي إلى الوعي بالسعادة». كما وافقه قول جيمس[ر] James: «إن الخير لا يعني نفي الشر وإلغاءه فقط، بل يعني الانتصار على الشر.
والشر من المسائل التي يختص بها علم الربوبية theodicy، وهو العلم الذي يحاول التوفيق بين الاعتقاد الديني بخيرية الله وقدرته المطلقة، وواقع الشر في العالم الذي ينفي هذه القدرة أو يحدها. وقد عدّت بعض الديانات الهندوسية الشر وهماً (مايا)، واعتبرته ديانات أخرى كالزرادشتية[ر] مطلقاً يقابل الخير المطلق، ووصفته بأنه ظلام في مقابل النور. بيد أن الديانات السماوية الكبرى الثلاث تعدّه عَرَضّاً، وأنه لا ذات له. حيث تعترف كل من الديانتين - اليهودية والمسيحية- عكس الإسلام- بالخطيئة الأصلية، فهناك نزعة للشر موجودة في الإنسان، أطلق عليها بولس الرسول[ر]: «الصراع بين قانون الجسد وقانون الروح».
ولهذا أثار مفهوم الشر مشكلات جمّة، شغلت معظم فلاسفة العصور الوسطى (اليهودية والمسيحية والإسلامية)، لاسيما ابن ميمون Maimonides وأنسلم[ر] والأكويني[ر]، وابن سينا وابن رشد في معالجتهم لمباحث في الله: وجوده وصفاته، علمه وقدرته، كذلك العناية الإلهية، القضاء والقدر، والحساب: الثواب والعقاب، وغيرها. كما أسهم المعتزلة والأشاعرة وأهل السلف وعلماء الكلام في التمحيص في هذا المفهوم مع مفهوم الخير تحت عنوان «الحسن والقبح».
ومن أهم الإجابات التي قدمها الفلاسفة عن سبب وجود الشر في العالم تلك التي قدمها ابن سينا ولايبنتز في قولهما: إن الشر في هذا العالم يوجد بأقل قدر ممكن، وإن العالم الحالي، رغم كل ما فيه من شرور وحروب وكوارث وأمراض، هو أفضل العوالم الممكنة.
سوسن البيطار