شاكر (محمود محمد ـ)
(1327 ـ 1418هـ/1909ـ 1997م)
محمود محمد شاكر، أديب كبير، محقّق فذّ، تراثي موهوب، شاعر من نمط خاص، أستاذ جيل من طراز نادر.
ولد في الإسكندرية، وفيها عاش سنوات حياته الأولى في كنف أب عالم فقيه، ورعاية أم فاضلة، واهتمام أشقاء قدر لهم السير قبله على دروب العلم، وانتقلت أسرته إلى القاهرة حين عين والده الشيخ محمد شاكر وكيلاً للجامع الأزهر، وفيها نشأ وتلقى تعليمه الأولي والثانوي، والتحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ونشب خلاف علمي حول الشعر الجاهلي بينه وبين أستاذه الدكتور طه حسين، فانقطع عن الجامعة سنة (1347هـ/1928م) قبل أن يتم دراسته في الكلية المذكورة وكان لا يزال في السنة الثانية، وسافر إلى جدّة في المملكة العربية السعودية فأنشأ مدرسة جُدّة الابتدائية وعمل مديراً لها، ولم تطل إقامته هناك، فعاد إلى القاهرة، وأعجب بالعلامة الشيخ سيد المرصفي صاحب «رغبة الآمل» فقرأ عليه كتاب «الكامل» للمّبرد، و«حماسة أبي تمّام» وجزءاً من «الأمالي» لأبي علي القالي، ولزم شقيقه العلامة الشيخ أحمد شاكر وأفاد منه فوائد جمّة في شؤون تحقيق كتب التراث، وعني بشؤون الأدب حتى أصبح من أهم أعلامه في مصر والبلدان العربية، وانقطع لإفادة الدارسين من أبناء مصر والبلدان العربية المختلفة، وفتح مكتبته وداره لهم.
أسس محمود محمد شاكر مكتبة دار العروبة بالقاهرة، فاستمرت بالعمل عدة سنوات، ونشر فيها عدداً من آثاره وآثار أصدقائه من أبناء مصر والأقطار العربية. وتركت نشأته في بيت والده العالم الفقيه القاضي أثرها الكبير في مجريات حياته، فعرف معظم العلماء الذين كانوا يترددون على والده، واتصل بأعلام وقته وأدبائه الذين كانت تفخر بهم مصر آنذاك، من أمثال محب الدّين الخطيب، وأحمد تيمور باشا، وأحمد زكي باشا، ومحمد الخضر الحسين، وإبراهيم اطفيّش، ومحمد أمين الخانجي، كما تعرّف إلى أمير الشعراء أحمد شوقي وكان يلتقي به في المنتديات العامة التي كان أمير الشعراء يتردد عليها. وتوثقت صلته بأديب مصر الكبير مصطفى صادق الرافعي إلى حين وفاته وأفاد منه فوائد غزيرة تتعلق بالنمط الخاص الذي عرف به بين أدباء وقته، ثم كانت له صلة حميمة بالأديب الكبير عباس محمود العقاد وحظي بثنائه فيما يتصل بشؤون اشتغاله في الأدب والتراث، وأقام صلة طيبة بِعَلم جُدّة الشيخ محمد نصيف الذي كان في عداد أعيان العصر الكبار ممن خدموا التراث خدمات جليلة بمالهم ومكانتهم العالية في نفوس الناس، وكان في عداد أصدقائه المقربين إبراهيم شبوح من تونس، وعبد الله الطيب من السودان والتف حوله عدد كبير من الدارسين من الباحثين والمحققين.
انتخب عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، فكانت له نشاطات ومشاركات مختلفة في لجانه اللغوية والتراثية إلى آخر حياته، ومما قاله عبد السلام محمد هارون في حفل الاستقبال الذي أقامه المجمع له: «عبقري قلّ أن يجود الزمان بمثله». ثم انتخبه مجمع اللغة العربية بدمشق عضواً مراسلاً تقديراً منه لجهوده العظيمة في خدمة العلم. ونال جائزة الدولة التقديرية في الآداب بمصر سنة 1401هـ/1981م، وحصل على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي سنة 1404هـ/1984م. كان شاكر صاحب فكر نيّر وفهم ثاقب لتاريخ الأمة العلمي والثقافي بعمقه الفكري البعيد المدى، وكان يُحذِّر من أهداف المستشرقين وينقدهم نقداً لاذعاً. وأدار معركة أدبية مع لويس عوض حول أبي العلاء المعّري، فكانت الغلبة له فيها. وإنتاجه متنوع بين الإبداع والتأليف والتحقيق. فله قصائد شعرية عديدة منشورة في عدد من الدوريات أشهرها «القوس العذراء» التي استوحاها من «زائية» الشماخ، ونشر ما يزيد على مئتين وخمسين مقالة في عدد من الدوريات المصرية والعربية بموضوعات مختلفة. وأما مؤلفاته فهي: «مع المتنبي» و«أباطيل وأسمار» و«نمط صعب ونمط مخيف» و«رسالة في الطريق إلى ثقافتنا»، وجميعها عالية الأسلوب رفيعة القدر عند أهل العلم والأدب. وخلّف عدداً من التحقيقات النفيسة القليلة وهي أقل بكثير مما كان ينبغي لمثله أن يخلّفه، أهمها: «إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع» للمقريزي، و«المكافأة وحسن العُقبي» لابن الداية الكاتب، و«فضل العطاء على العصر» لأبي هلال العسكري، و«جمهرة نسب قريش وأخبارها» للزبير بن بكار، و«طبقات فحول الشعراء» لابن سلام الجمحي و«دلائل الإعجاز» للجرجاني. و«تفسير الطبري» ولم يتم العمل به بعد شقيقه وأستاذه الشيخ أحمد محمد شاكر الذي كان يراجع عمله فيه ويخرِّج أحاديثه. راجع تحقيق عدد من الكتب التي عني بتحقيقها آخرون، كـ «الوحشيات» أو«الحماسة الصغرى» لأبي تمام، وقدّم لعدد من الكتب كـ «حياة الرافعي» لـ محمد سعيد العريان. ومثَّل بحق مدرسة كبرى في البحث والتحقيق. وكان حاد الطبع كثير الانتقاد للمتهاونين من المحققين. وحصّل مجداً عريضاً قلما حصل عليه أحد من العلماء في العصر الحديث، وظل ينفع العلماء وطلبة العلم على السواء إلى آخر حياته، توفى بالقاهرة.
محمود الأرناؤوط
(1327 ـ 1418هـ/1909ـ 1997م)
محمود محمد شاكر، أديب كبير، محقّق فذّ، تراثي موهوب، شاعر من نمط خاص، أستاذ جيل من طراز نادر.
ولد في الإسكندرية، وفيها عاش سنوات حياته الأولى في كنف أب عالم فقيه، ورعاية أم فاضلة، واهتمام أشقاء قدر لهم السير قبله على دروب العلم، وانتقلت أسرته إلى القاهرة حين عين والده الشيخ محمد شاكر وكيلاً للجامع الأزهر، وفيها نشأ وتلقى تعليمه الأولي والثانوي، والتحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ونشب خلاف علمي حول الشعر الجاهلي بينه وبين أستاذه الدكتور طه حسين، فانقطع عن الجامعة سنة (1347هـ/1928م) قبل أن يتم دراسته في الكلية المذكورة وكان لا يزال في السنة الثانية، وسافر إلى جدّة في المملكة العربية السعودية فأنشأ مدرسة جُدّة الابتدائية وعمل مديراً لها، ولم تطل إقامته هناك، فعاد إلى القاهرة، وأعجب بالعلامة الشيخ سيد المرصفي صاحب «رغبة الآمل» فقرأ عليه كتاب «الكامل» للمّبرد، و«حماسة أبي تمّام» وجزءاً من «الأمالي» لأبي علي القالي، ولزم شقيقه العلامة الشيخ أحمد شاكر وأفاد منه فوائد جمّة في شؤون تحقيق كتب التراث، وعني بشؤون الأدب حتى أصبح من أهم أعلامه في مصر والبلدان العربية، وانقطع لإفادة الدارسين من أبناء مصر والبلدان العربية المختلفة، وفتح مكتبته وداره لهم.
أسس محمود محمد شاكر مكتبة دار العروبة بالقاهرة، فاستمرت بالعمل عدة سنوات، ونشر فيها عدداً من آثاره وآثار أصدقائه من أبناء مصر والأقطار العربية. وتركت نشأته في بيت والده العالم الفقيه القاضي أثرها الكبير في مجريات حياته، فعرف معظم العلماء الذين كانوا يترددون على والده، واتصل بأعلام وقته وأدبائه الذين كانت تفخر بهم مصر آنذاك، من أمثال محب الدّين الخطيب، وأحمد تيمور باشا، وأحمد زكي باشا، ومحمد الخضر الحسين، وإبراهيم اطفيّش، ومحمد أمين الخانجي، كما تعرّف إلى أمير الشعراء أحمد شوقي وكان يلتقي به في المنتديات العامة التي كان أمير الشعراء يتردد عليها. وتوثقت صلته بأديب مصر الكبير مصطفى صادق الرافعي إلى حين وفاته وأفاد منه فوائد غزيرة تتعلق بالنمط الخاص الذي عرف به بين أدباء وقته، ثم كانت له صلة حميمة بالأديب الكبير عباس محمود العقاد وحظي بثنائه فيما يتصل بشؤون اشتغاله في الأدب والتراث، وأقام صلة طيبة بِعَلم جُدّة الشيخ محمد نصيف الذي كان في عداد أعيان العصر الكبار ممن خدموا التراث خدمات جليلة بمالهم ومكانتهم العالية في نفوس الناس، وكان في عداد أصدقائه المقربين إبراهيم شبوح من تونس، وعبد الله الطيب من السودان والتف حوله عدد كبير من الدارسين من الباحثين والمحققين.
انتخب عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، فكانت له نشاطات ومشاركات مختلفة في لجانه اللغوية والتراثية إلى آخر حياته، ومما قاله عبد السلام محمد هارون في حفل الاستقبال الذي أقامه المجمع له: «عبقري قلّ أن يجود الزمان بمثله». ثم انتخبه مجمع اللغة العربية بدمشق عضواً مراسلاً تقديراً منه لجهوده العظيمة في خدمة العلم. ونال جائزة الدولة التقديرية في الآداب بمصر سنة 1401هـ/1981م، وحصل على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي سنة 1404هـ/1984م. كان شاكر صاحب فكر نيّر وفهم ثاقب لتاريخ الأمة العلمي والثقافي بعمقه الفكري البعيد المدى، وكان يُحذِّر من أهداف المستشرقين وينقدهم نقداً لاذعاً. وأدار معركة أدبية مع لويس عوض حول أبي العلاء المعّري، فكانت الغلبة له فيها. وإنتاجه متنوع بين الإبداع والتأليف والتحقيق. فله قصائد شعرية عديدة منشورة في عدد من الدوريات أشهرها «القوس العذراء» التي استوحاها من «زائية» الشماخ، ونشر ما يزيد على مئتين وخمسين مقالة في عدد من الدوريات المصرية والعربية بموضوعات مختلفة. وأما مؤلفاته فهي: «مع المتنبي» و«أباطيل وأسمار» و«نمط صعب ونمط مخيف» و«رسالة في الطريق إلى ثقافتنا»، وجميعها عالية الأسلوب رفيعة القدر عند أهل العلم والأدب. وخلّف عدداً من التحقيقات النفيسة القليلة وهي أقل بكثير مما كان ينبغي لمثله أن يخلّفه، أهمها: «إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع» للمقريزي، و«المكافأة وحسن العُقبي» لابن الداية الكاتب، و«فضل العطاء على العصر» لأبي هلال العسكري، و«جمهرة نسب قريش وأخبارها» للزبير بن بكار، و«طبقات فحول الشعراء» لابن سلام الجمحي و«دلائل الإعجاز» للجرجاني. و«تفسير الطبري» ولم يتم العمل به بعد شقيقه وأستاذه الشيخ أحمد محمد شاكر الذي كان يراجع عمله فيه ويخرِّج أحاديثه. راجع تحقيق عدد من الكتب التي عني بتحقيقها آخرون، كـ «الوحشيات» أو«الحماسة الصغرى» لأبي تمام، وقدّم لعدد من الكتب كـ «حياة الرافعي» لـ محمد سعيد العريان. ومثَّل بحق مدرسة كبرى في البحث والتحقيق. وكان حاد الطبع كثير الانتقاد للمتهاونين من المحققين. وحصّل مجداً عريضاً قلما حصل عليه أحد من العلماء في العصر الحديث، وظل ينفع العلماء وطلبة العلم على السواء إلى آخر حياته، توفى بالقاهرة.
محمود الأرناؤوط