يهود Jews - Juifs

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يهود Jews - Juifs

    اليهود

    يهود

    Jews - Juifs

    اليهود

    يقصد بتعبير اليهود Jews كل أولئك الذين تحدّروا من صلب يهوذا Judah، وهو واحد من أبناء يعقوب (إسرائيل) الاثني عشر من زوجته ليا Lea. وقد اشتق هذا التعبير من الاسم العبراني يهودا Yehudah الذي استخدم أول مرّة في القرن السادس قبل الميلاد للدلالة على كل أفراد القبائل الأثنتي عشرة (الأسباط) من أحفاد يعقوب وكذلك أولئك الذين يدينون باليهودية ديناً سماوياً.
    وتعدّ المصادر المقدسة ـ ولاسيما «التوراة» ـ المصدر الرئيس لتاريخ اليهود القديم إضافة إلى بعض الدراسات الأثرية غير الدقيقة، وهذه المعلومات في مجموعها شواهد يدخل الشك في مصداقيتها بنسبة كبيرة.
    ـ في التاريخ القديم:
    ادعى اليهود في مصادرهم المقدسة نسبتهم إلى مجموعة القبائل التي أعادت نسبها إلى سام بن نوح، وكانت هذه القبائل تتابع تجوالها في مناطق شمالي شبه الجزيرة العربية وتحديداً في مناطق «الهلال الخصيب»، حتى استقرارهم الأخير بقيادة إبراهيمu في فلسطين أو «كنعان» كما تسميها التوراة. وتزعم التوراة أن إبراهيم اتجه إلى فلسطين بأمر إلهي نحو «الأرض الموعودة»، وهو زعم تفضحه التوراة نفسها ولاسيما في سفر التكوين في مقارنة بسيطة بين الآيتين (16) و(18).
    ويبدو أن القحط الذي أصاب فلسطين في تلك الأيام دفع ورثة إبراهيم ولاسيما يعقوب وأبناءه إلى الهجرة باتجاه مصر. وهو تاريخ أوردته المصادر المقدسة على شكل رواية يكيد فيها أبناء يعقوب من زوجه الأولى لأخيهم الأصغر يوسف الذي نجا من مؤامرة اغتياله، وأصبح واحداً من كبار معاوني ملك مصر، وقدّم بناء على مركزه هذا خدمات وامتيازات لكل إخوته والأفراد الذين صاحبوهم إلى مصر.
    وتضيف التوراة أن أحفاد يعقوب عانوا بعد موت يوسف اضطهاد المصريين (لأسباب واهية أبرزها تكاثر أبناء يعقوب). وقرروا قتل كل مولود ذكر بعد ولادته إلى أن قيض الله نجاة موسىu وترعرعه في بيت فرعون. وعندما أقدم موسى على قتل أحد المصريين انتقاماً لواحد من أفراد شعبه، وأصبح مطارداً من السلطة الفرعونية قاد مجموعة من شعبه باتجاه فلسطين عبر سيناء، وهناك تلقى من ربه الوصايا العشر. وهي التي أصبحت مع إضافاتها تؤلف محور «التوراة» أو كتاب اليهود المقدس. وبهذه القوانين التي تضمنتها التوراة توحدت أمة موسى أول مرّة في تاريخها. وأصبحت بعد غياب موسى تأتمر بقيادة خادمه يوشع Joshua (يشوع بن نون). وبعد موته وفي القرنين الثاني عشر والحادي عشر قبل الميلاد حكمت من قبل مجموعة من القادة عرفوا باسم (القضاة) الذين امتلكوا السلطتين العسكرية والمدنية، وتمكنوا من فرض هيمنة القادمين الجدد على فلسطين ضد الكنعانيين في الداخل والفلسطينيين على الساحل، إضافة إلى عدد من سكان فلسطين القدامى، وتسلّم الحكم بعد القضاة المدعو (شاؤول) من قبيلة «بنيامين»، وكان أول ملك أسس الدولة التي أطلق عليها اسم (إسرائيل). وبعده تسلم القيادة المدعو (داود) من قبيلة «يهوذا»، وفي عهده وصلت دولة إسرائيل إلى أوج قوتها بعد اتخاذ بيت المقدس أو (أورشليم) عاصمة له إثر انتصاره على أقوى أعدائه من الكنعانيين.
    وتورد بعض مصادر اليهود المقدسة أن سليمان بن داود أسس نحو سنة 950 ق.م هيكل بيت المقدس لتصبح المدينة منذ ذلك التاريخ مدينة اليهود المقدسة. والصحيح أنه جدد بناء المسجد القصى القديم، ولم يبن هيكلاً، وإنما جاءت كلمة «هيكل» في كتب بني إسرائيل المحرفة. كما أن كثيراً من المؤرخين يشككون في صحة ما روي عن الهيكل في الكتب المقدسة لأنها لم تكتب إلا بعد عهد موسى بـ 700 سنة.
    وتورد كتبهم أن تكاليف بناء «الهيكل» كانت باهظة مما أدى إلى وقوع الدولة في عجز مادي بعد عجز مادي بعد وفاة سليمان سنة 922ق.م؛ مما أدى إلى نشوب ثورة شعبية قسمت المملكة إلى قسمين، شمالي وعاصمته السامرة Samaria، وحمل اسم إسرائيل، وجنوبي وعاصمته بيت المقدس، وحمل اسم يهودا، وكان العداء بينهما واضحاً للغنى الذي تمتعت به إسرائيل لوقوعها على طريق التجارة مع مصر وهو أمر أطمع فيها جيرانها الآشوريين الذين قاموا سنة 721ق.م بمحاصرة السامرة والقضاء على مملكة إسرائيل التي لم يتبق من سكانها إلا القليل الذين أطلق عليهم اسم السامريين. وعلى أن مملكة يهودا لم تكن تملك مقوماً اقتصادياً واحداً يغري بمهاجمتها إلا أن أعمال سكانها أدت إلى قيام البابليين سنة 586ق.م بقيادة نبوخذ نصر Nebuchadnezzar بمهاجمة بيت المقدس وتدمير «الهيكل» وسبي كثير من سكانها اليهود إلى بابل، وأطلق على من تبقى من يهود بيت المقدس الذين تفرقوا في كل الاتجاهات يهود الشتات Diaspora. ونحو سنة 538 سمح الملك الفارسي قورش بتأثير من زوجه اليهودية «إستِر بنت مردخاي» بعودة من يرغب من اليهود إلى بيت المقدس، فعاد قسم منهم بقيادة عزرا Ezra ونحميا Nehemiah؛ ليبدؤوا بإعادة بناء «الهيكل» وإعادة كتابة التوراة في بيت المقدس بدلاً من تلك التي كتبت في بابل، وأطلق على الأولى «التوراة» الأورشليمية والثانية البابلية.
    ـ في العصر الهلنستي والروماني:
    ونحو سنة 332ق.م تبع اليهود امبراطورية الإسكندر المقدوني، وبعد ذلك خلفاء ملوك مصر البطالمة[ر] ثم ملوك سورية السلوقيين[ر] الذين كانوا أكثر رغبة في ضبط المجتمع اليهودي ولاسيما في فترة حكم أنطيوخس الرابع الذي فرض عليهم ـ لغايات سياسية ـ النزول عن كثير من معتقداتهم الدينية، مما دعا بعضهم إلى الثورة بزعامة يهوذا المكابي Maccabeus ونجحت الثورة بمساعدة الرومان في استعادة حرية اليهود الدينية، لكنها أدت إلى تأسيس دولة مكابية لم يتمكن زعماؤها من مقاومة إغراءات السلطة، فحملوا ألقاب الملوك ورئاسة الكهنوت مع مايستتبع هذا التوحيد في السلطة من مساوئ.
    وفي سنة 63ق.م سيطر الرومان على فلسطين سيطرة مباشرة، ودان لهم ملوك اليهود وأبرزهم هيرود Herod الذي حكم من سنة 37ق.م حتى سنة 4 ميلادية. وكان آخر ملك أثبت وجوده على الساحة المحلية قبل قضاء الرومان على آخر محاولة للتمرد قام بها اليهود سنة 66م والتي نجم عنها احتلال الرومان بيت المقدس وتدمير «الهيكل» سنة 70م على يدي الامبراطور ڤسباسيان Vespasian وابنه تيتوس Titus، وهو الأمر الذي أدى إلى الشتات الثاني لكثير من يهود بيت المقدس. وخشية ردة فعل يهودية على تدمير الهيكل أمر الامبراطور الثاني هادريانوس[ر] سنة 132م بجعل بيت المقدس مركزاً إقليمياً لعبادة آلهة روما؛ مما أدى إلى قيام عدد من أعيان اليهود بآخر ثوراتهم بقيادة سيمون باركوخبا S.Bar kokhba وأكيبا بن يوسف Akiba ben Joseph التي أدت إلى شتاتهم مرّة أخرى، ولكنهم أفادوا في الفترة من 200 ـ 500م بإعادة كتابة «التوراة» و«التلمود» وبشكليها المقدسي والبابلي بصورة نهائية.
    ـ في العصور الوسطى:
    وفي العصور الوسطى عاش اليهود بين غالبية مسيحية في أوربا وأخرى مسلمة في الأندلس وفي المشرق. وتباينت نظرة المسلمين إلى اليهود في تلك الفترة عن نظرة الأوربيين لهم. فقد احترم المسلمون منذ الفتوحات الإسلامية كتاب اليهود لأسباب دينية وتاريخية، ورحب اليهود في المشرق بالفاتحين الجدد الذين حرروهم من تعصب مسيحيي بيزنطة وزرادشتيي فارس. وفي إطار الأمن والأمان الذي وفره المسلمون حقق اليهود نجاحاً باهراً في تجارتهم وعلومهم؛ ولاسيما في العراق وإسبانيا. وفي إسبانيا التي توافد إليها اليهود بدءاً من القرن العاشر حققوا برعاية المسلمين عصرهم الذهبي، وظهر من هؤلاء الذين أطلق عليهم اسم السِفارديم Sephardim عدد من الوزراء والسفراء والأطباء والعلماء والأدباء البارزين، وقام بعضهم بترجمة علوم اليونان والعرب وفلسفاتهم إلى العبرية واللاتينية، وغدت هذه الأعمال جزءاً من التراث الأوربي في القرن الثاني عشر.
    أما في أوربا التي أطلق على يهودها اسم أشكِنازيم Ashkenazim فلم يرحب سكانها باليهود منذ البداية، فقد حرَّم النظام الإقطاعي في أوربا على اليهود اقتناء الأراضي، ولهذا عمل معظمهم في الحرف، وأقلهم في التجارة، واضطروا لذلك إلى العيش في تجمعات داخل كل مدينة أقاموا فيها، واتسمت نظرة الأوربيين لهم بقلة الاحترام وعدم الفهم. وكانت حركة الإصلاح الديني الكنسي في أوربا أبرز أحداث القرن الحادي عشر التي صبغت تاريخ اليهود بصباغ خاص، وذلك عندما أصدرت الكنيسة تحريماً على اليهود بتولي أيّ مناصب حكومية أو إدارية. وقد استتبع هذا التحريم ارتكاب طلائع الحملات الصليبية عدداً من المجازر في حق يهود مدن الراين في مسيرتها باتجاه الأراضي المقدسة، بناء على تداول مقولة اتهام اليهود بقتل المسيحu، وأن هؤلاء يستخدمون دماء أطفال المسيحيين في احتفالات عيد فصحهم Passover. ولم تجد الكنيسة وقتها حلاً لتعاظم روح العداء ضد اليهود أفضل من أن تفرض على اليهود ارتداء ملابس خاصة لتمييزهم من مسيحيي المدن الأوربية الكبرى، وكذلك السكن في أحياء خاصة تحيط بها أسوار عالية تقفل بواباتها في الليل فيما أطلق عليه اسم الغيتو Ghetto الذي صار مع الزمن مجتمعاً ذاتياً ينظم الدين مناحي الحياة فيه، ويلتزم تجاه حكومة المدينة تأدية الضرائب وتقديم الخدمات العامة داخل الغيتو. وهكذا وجد اليهود في الغيتو وحدتهم واستقلالهم، ولكنهم لم يتمكنوا من الحد من تنمية أحقادهم ضد مضطهديهم من مسيحيي الخارج.
    وفي مقابل هذه الاستقلالية الاتقائية لم تستطع الغالبية الأوربية تجاوز كراهيتها لليهود التي استفحلت إلى درجة قيام الحكومة البريطانية سنة 1290 بسنّ قانون لطرد اليهود من أراضيها، وتلتها فرنسا وبلدان أخرى. وعندما (في سنة 1492) قام الملك الإسباني فرناندو ـ بعد سقوط غرناطة في السنة نفسها ـ بطرد غير النصارى من إسبانيا ساوى بين المسلمين واليهود في عملية الطرد، ولم تنج من عمليات طرد اليهود في معظم أوربا إلا بعض الأقليات اليهودية في شمالي إيطاليا وألمانيا والنمسا.
    ويرى بعض المؤرخين أن يهود شرقي أوربا (الإشكناز) ليسوا من نسل يهود فلسطين، وإنما من نسل الخزر الذين استوطنوا بعد تشرذمهم، لذلك هناك من يفرق بين الشتات الخزري ـ أي انتشار اليهود من بلاد الخزر إلى أرجاء أوربا ـ والشتات فقط أي انتشار اليهود من فلسطين. يقول كوستلر: «إن ألأغلبية العظمى من اليهود المعاصرين ليسوا من أصل فلسطيني، وإنما من أصل قوقازي…».
    ويهود الخزر هؤلاء هم قبيلة من أصل تركي، تهوّد امبراطورهم الذي يدعى بولان، ولم تكن يهوديتيهم كاملة، بل احتفظوا بكثير من عاداتهم. وقد كتب أحد يهود الأندلس ـ حين عرف بقيام هذه المملكة اليهودية ـ إلى ملك الخزر يسأله عن القبيلة العبرية التي ينتمي إليها، فأكد له الملك أن أصل الخزر تركي وليس سامياً، ولاعلاقة له بأسباط إسرائيل ولا بفلسطين. والأصل الخزري لمعظم يهود الغرب يفند فكرة الحقوق اليهودية في فلسطين.
    ـ في العصر الحديث:
    وفي بداية العصور الحديثة ومع استمرار الظروف السيئة هاجر القسم الأكبر من يهود أوربا الغربية طوعاً أو قسراً إلى روسيا وليتوانيا وبولونيا وكذلك إلى أراضي الامبراطورية العثمانية التي رحبت بمساهماتهم الاقتصادية والإدارية إلى درجة أن أحدهم وهو يوسف ناسي J.Nasi اليهودي البرتغالي المتنصر أصبح مستشاراً لعدد من سلاطين آل عثمان في تلك الفترة.
    ومع انتشار النهضة الصناعية بدأت ظروف اليهود تتحسن في أوربا الغربية، واتجه عدد من متنصري اليهود الإسبان والبرتغاليين إلى عدد من مراكز التجارة العالمية في ذلك الوقت بصورة خاصة أمستردام وهامبورغ وعدد من مدن ألمانيا وبولونيا وفرنسا وبريطانيا التي أصدرت سنة 1656 قراراً بالسماح لليهود بالعودة والعمل، وكذلك فرنسا بعد الثورة الفرنسية 1789 وإصدار نابليون قراراته بحقهم، وأيضاً بعد استقرار الوضع في القارة الجديدة لمصلحة المستعمرين.
    وقد أفاد اليهود من تغير النظرة إليهم في المجتمعات الأوربية في ممارسة التجارة والصناعة والصيرفة، وارتقى قسم منهم في سلم الثروة ليهيمنوا على التعليم الجامعي ولاسيما في فرعي الطب والقانون. وقد غيرت هذه التحولات حياة كثير من اليهود الذين ما إن أخرجوا من حياة الغيتو حتى تحول قسم كبير منهم إلى المسيحية، وتحول قسم آخر إلى يهودية توفيقية، وبقيت قلة على دينها وتراثها. ونتيجة لكل هذه المستجدات حقق عدد من العائلات اليهودية والأفراد نجاحات باهرة، مثل آل روتشيلد[ر] Rothschild، كما حقق أفراد آخرون أمجاداً خاصة، فكان منهم بنيامين دزرائيلي[ر] B.Disraeli رئيس وزراء بريطانيا والشاعر هاينريش هاينه[ر] H.Heine والمؤلف الموسيقي فيلكس مندلسون[ر] F.Mendelssonn وعالم النفس سيغموند فرويد[ر] S.Freud والفيزيائي ألبرت اينشتاين[ر] A.Einstein وآخرون لا يقلون شهرة عن سابقيهم.
    وعلى ما أحرزه كثير من اليهود من نجاحات في مجتمعات الغرب فإن ذلك لم يشفع لليهود اندماجهم في حياة الغربيين الذين كانوا ينتظرون أيّ مصيبة لاتهام اليهود بالوقوف وراءها أو المساهمة في تدبيرها، ولاسيما في الأمور الاقتصادية لسيطرة اليهود على قسم كبير من الأسواق المالية والمصرفية، ولهذا السبب ولغيره أيضاً راجت في المجتمعات الغربية نظرية العالم الفرنسي جوزيف غوبينو J.Gobineau القائلة بتفوق العرق الآري في كل صفاته على العرق السامي الذي يمثله اليهود في أوربا، وأهمها الذكاء والأخلاق. وأصبح تعبير «المعادي للسامية» ينطبق على الحركة المتنامية ضد اليهود.
    ونتيجة لذلك أيد حزب المحافظين في البرلمان الألماني نظرية معاداة السامية كما فعل النمساويون. وبعد اغتيال القيصر إسكندر الثاني في روسيا 1886 نشطت الحملة في روسيا، وتبعتها فرنسا إثر محاكمة الضابط اليهودي الفرنسي ألفرد درايفوس A.Dreyfus بتهمة الخيانة العظمى.
    في هذه الفترة ظهر صحافي يهودي من أصل نمساوي يدعى تيودور هرتزل[ر]، ودعا من باريس إلى تأسيس حركة سياسية لنصرة اليهود تحت مسمى «الحركة الصهيونية»[ر] وإنشاء وطن قومي لهم. وتمكن سنة 1897 في مدينة بازل Basel السويسرية من انتزاع تأييد معظم الشخصيات اليهودية النافذة في أوربا لإنشاء وطن قومي في فلسطين، كما نجح في حشد تأييد معظم الحكومات الأوربية والبريطانية المنتدبة على فلسطين خاصة لإنشاء هذا الوطن، ولكنه لم يهنأ طويلاً بذلك إذ مات سنة 1904 مخلفاً نزاعاً بين قادة اليهود حول كيفية تنفيذ هذا الوعد حتى سنة 1917 حينما تمكن خلفه حاييم وايزمان Weizmann من إكراه بريطانيا على إصدار وعد بلفور والمساعدة على هجرة اليهود من جميع مناطق العالم إلى فلسطين. وعلى أن الثورة البلشفية في روسيا أدانت معاداة السامية ـ لتوجهها الأممي أيديولوجياً ـ فإنها أدانت أيضاً الحركة الصهيونية التي استقطبت وقتها معظم يهود العالم أيضاً لكونها حركة عنصرية دينية. على أن أقوى المواقف الأوربية ضد اليهود نشأت في ألمانيا حيث حمّل الحزب النازي بزعامة «أدولف هتلر» اليهود مسؤولية نجاح الثورة الشيوعية التي كانت تهدد الأمة الألمانية، وكذلك خسارة ألمانيا الحرب العالمية الأولى. ولهذا أيقظ النازيون النظرية العرقية، وقاطعوا المصالح اليهودية، وشجعوا طرد اليهود من الجامعات ووظائف الدولة، وسنّوا سنة 1936 قانوناً ينص على أن معاداة السامية جزء لايتجزأ من قوانين البلاد. وهو أمر سمح للسلطات النازية في الحرب العالمية الثانية بسوق مجموعة من اليهود (تبارت المنظمات الصهيونية في تضخيم عددها استدراراً لعطف العالم) إلى معسكرات في أوربا الشرقية تمهيداً لترحيلهم. وفي سنة 1942 أصدر النازيون قرار (الحل الأخير) Final Solution الذي تدعي فيه المصادر الصهيونية بأن النازيين أعدموا بموجبه عدداً هائلاً من اليهود في معسكرات الاعتقال في مذبحة أطلق عليها الغربيون اسم «الهولوكوست» (المحرقة)[ر].
    وللازدياد المطرد في أعداد اليهود في فلسطين والموقف العربي الفلسطيني تجاه اغتصاب الأرض انضم عدد كبير من اليهود إلى عصابات المستوطنين الجدد مثل «شتيرن» و«هاغاناه» التي اختصت بإرهاب المدنيين الفلسطينيين لإجبارهم على ترك أراضيهم وبيوتهم، عندها تدخلت الأمم المتحدة، وأصدرت قراراً مجحفاً بحق العرب بتقسيم فلسطين، لكنها لم تستطع إقناع اليهود الذين طمعوا بمزيد من الأراضي، ولا العرب الفلسطينيين الذين لم يتمكنوا من مواصلة المقاومة حتى 14/5/1948 تاريخ إعلان اليهود دولتهم في فلسطين برئاسة حاييم وايزمان ودافيد بن غوريون في رئاسة الوزراء.
    ونتيجة لانتشار الديانة اليهودية بطرق متعددة ـ ولاسيما بزواج ذكور من قوميات مختلفة بيهوديات ـ بين مختلف شعوب الأرض وأعراقها؛ ينتفي زعم الحركة الصهونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، فأيّ قومية تجمع ما بين يهود الفلاشا الإثيوبيين ويهود بولونيا وألمانيا وروسيا مثلاً؟ وما تفسير التفرقة العنصرية اللافتة بين اليهود الغربيين المهيمنين على مقدرات البلد وبين اليهود الشرقيين؟.
    يبلغ عدد اليهود في العالم اليوم نحو 13.5 مليوناً يعيش نصفهم في الولايات المتحدة، وأقل من ذلك قليلاً في فلسطين، وعدد أقل في روسيا وفرنسا وبريطانيا وباقي أنحاء العالم.
    مفيد رائف العابد

يعمل...
X