ابن سودون (علي-)(Soudoun (Ali ibnالقاهري ثم الدمشقي الحنفي. الأديب الساخر.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ابن سودون (علي-)(Soudoun (Ali ibnالقاهري ثم الدمشقي الحنفي. الأديب الساخر.

    ابن سودون (علي ـ)
    (810ـ868هـ/1407ـ1463م)

    علاء الدين أبو الحسن علي بن سودون اليشبغاوي القاهري ثم الدمشقي الحنفي. الأديب الساخر. ولد في القاهرة لأب قاض، وجه ابنه إلى مجالس العلم، فكان يختلف إليها علناً، وإلى مجالس اللهو سراً، وعندما يئس والده من إصلاحه، تبرأ منه، فترك القاهرة إلى دمشق ليعيش كما يحب، لكنه لم يعرف كيف يتدبر أمر معيشته، فانخرط في الجندية وشارك في بعض الحروب والغزوات، ثم توجه إلى الحرفة، فعمل حائكاً وخياطاً ووراقاً ولاعباً لخيال الظل، وكان قبل مغادرته القاهرة قد عمل إماماً وواعظاً في بعض المساجد، ولم يستطع تحصيل ما يكفيه ويكفي عياله، وظل يعاني الفاقة بعد الغنى في ظل والده، وهذا الضيق دفعه إلى السخرية من أهل زمانه ومن نفسه، وصار الهزل طبعاً له، والعبث منهجاً يلتزمه إلى أن توفي في دمشق.
    غلبت على ابن سودون ثقافة الأديب العامة، الذي يأخذ من كل علم بطرف، فألمّ بعلوم الدين واللغة وبعض معارف عصره، وعرف الموسيقا معرفة جيدة، وحصّل خبرة جيدة من تقلبه في بيئات مختلفة وأعمال متباينة، فصار على دراية بأوضاع مجتمعه وما يسوده من أفكار وتصورات ورؤى، وما يعانيه من مشكلات وهموم، وأدرك مواطن الخلل فيه، وكذلك ما يحبه الناس ويكرهونه، كل ذلك ساعده على إبداع أدبه، وحدد مضمونه وأسلوبه.
    وبدا في أدبه وأخباره صاحب نفس قلقة متقلبة. بدأ مقبلاً على الحياة وملذاتها، لكنه لم يصل إلى مراده، ولم يحقق أحلامه، فانقلب ناقماً ساخراً من كل شيء، متألماً مما يرى حوله، رافضاً لما استقر في مجتمعه، ولم يتوافق مع محيطه، وعانى من شعور بالاغتراب، فجاء أدبه خيالياً متمرداً، لا يقيم لمنطق الناس وزناً، ولا لنظامهم احتراماً، فعرف في زمانه واشتهر.
    وضع ابن سودون كتابه «نزهة النفوس ومضحك العبوس» ورتبه بنفسه، فتخير من شعره ونثره وأثبت منه ما رآه معبراً عن توجهه في الحياة، وعن نظرته إلى الأدب، وأسقط الباقي، وقسمه إلى شطرين: الأول للشعر الجاد، والثاني للنظم والنثر الساخرين. قصر الأول على الغزل والوصف والرثاء والمدح النبوي وبعض أبيات الحكمة المستخلصة من تجاربه. وجعل الشطر الثاني في أبواب: الأول للقصائد والتصاديق، فيه شعر ونثر ساخر مختلف الألوان، والثاني للحكايات الملافيق التي اقترب فيها من فن القصة، والثالث للموشحات الهبالية كاد أن يكون ديوانًا خاصًا في الزجل، والرابع للدوبيت والزجل والمواليا، وهي منظومات ملحونة معدة للغناء، والخامس للتحف العجيبة والطرف الغريبة، قلّد فيه ضروب الكتابة في عصره بسخرية، واختتمه بفصل من النظم على طريقة العجم. وفي هذا الشطر يتحامق ابن سودون ويعبث وينتقد الظواهر الاجتماعية في أيامه بسخرية طاغية، ويسترسل في الأوهام والأحلام ويدعي المعرفة والبطولة الزائفتين، ويبدي الدهشة من العادي والمألوف، ويثير ضجة كبيرة حول البدهيات بكلام يخلو من أي معنى أو منطق، بل هو من قبيل تحصيل الحاصل. وفي أثناء ذلك يذكر الأطعمة والأشربة الفاخرة ويتشوق إليها تشوق الجائع المحروم، ويتطرق إلى المحرمات مثل تعاطي الخمر والمخدرات.
    لم يترك ابن سودون ضرباً من ضروب النظم والنثر إلا شارك فيه وقلّده، وضمّن أدبه صورة لأحوال عصره، فربط بين الثقافة التي أطل عليها، وبين العامة الذين عاش بينهم، فجاء أدبه هجيناً ساخراً، ومن هنا أتى الإضحاك، لأنه ربط بين نقيضين، وأظهر براعته في التحامق والتباله واصطناع طرائق العلم والعلماء في الحديث عن البديهيات، وخلط العامية بالفصحى برشاقة واسترسال، ولو أنه ترك العامية في بعض نصوصه النثرية والشعرية، واتبع الفصحى المبسطة، لجاء أدبه فريداً في بابه ومع ذلك يظل ابن سودون أديباً متميزاً، له أثره في الإبداع الأدبي العربي. ومن شعره قوله:
    إذا ما الفتى في الناس بالعقل قد سما
    تـيـقـن أن الأرض من فوقها السما
    وأن السما من تحتها الأرض لم تزل
    وبـينهما أشـيا مـتى ظهرت تـُرى
    وكم عجب عندي بمصر وغيرها
    فمصـر بها نيل عـلى الطـين قد جرى
    وفي نيلها مـن نـام في الليل بـلّه
    وليست تبلّ الشمس من نام في الضحى
    وتسخن فيها النار في الصيف دائما
    ويبـرد فيها الماء فـي زمـن الـشتا
    وقد يضحك الإنسان أوقات فَرْحه
    ويـبكي زمـان الحزن فـيها إذا ابتلى
    محمود سالم محمد


يعمل...
X