سليم الأول بن بايزيد الثاني
(872ـ927هـ/1470ـ1520م)
سليم الأول تاسع السلاطين العثمانيين. ولد سنة 872هـ بأماسيا وتسلم السلطنة وعمره 46 سنة، وذلك بعد أن خلع والده نفسه عن السلطنة وسلمها إليه. ولقبه ( ياووز) أي الصلب القاسي الشديد القاطع. وكان مشهوراً في شبابه بالشجاعة وحب الحرب فكان محبوباً لدى الانكشارية.
كان أول عمل قام به السلطان سليم هو تعيين ابنه الوحيد سليمان حاكماً على اصطنبول وحارب أخويه اللذين انشقا عليه فانتصر عليهما. وهما «قورقود»، وأحمد الذي نافسه على السلطنة بمساعدة الشاه إسماعيل الصفوي. وكان لأحمد ولدان هما مراد الذي هرب إلى بلاد العجم وعلاء الدين إلى مصر.
ولما عاد السلطان سليم إلى أدرنة، جاء سفراء جميع الدول سنة 919هـ، عدا سفير شاه العجم إسماعيل الصفوي، للتبريك وتجديد المعاهدات لدولهم، إذ كان بانتظاره سفراء البندقية والمجر وموسكو وسلطنة مصر، وفرض جمركاً على البضائع الأجنبية الواردة من الخارج بلغت خمسة بالمائة، فهو أول من أحدث ذلك.
وفي سنة 920هـ/1514م توجه السلطان سليم إلى المشرق الإسلامي بجيش كبير لقتال شاه إيران إسماعيل الصفوي[ر]. وكان إسماعيل قد فرض سلطانه على فارس وخراسان والعراق العربي وكردستان وديار بكر، كما أنه أخذ يبث التشيع الذي اتخذه مذهباً لدولته بالقوة في المناطق الشرقية من أراضي السلطنة، وكان وجود أعداد كبيرة من القبائل التركمانية والتي تدين بالولاء للصفويين ضمن أراضي الدولة العثمانية، تهديداً للعثمانيين لا يمكن تجاهله.
التقى الجيشان في سهل جالديران في سنة 920هـ/1514م، انتصر جيش السلطان سليم انتصاراً ساحقاً لاعتماده على المدفعية الحديثة، وهرب الشاه ودخل السلطان سليم عاصمته تبريز، ولكنه اضطر لمغادرتها حينما بلغه أن قانصوه الغوري سلطان المماليك في مصر، أرسل جيشاً لنجدة الشاه إسماعيل، فقرر السلطان سليم معاقبة السلطان الغوري، وسار بجيشه حتى وصل مرج دابق قرب حلب سنة 922هـ/1516م، حيث التقى بجيش الغوري الذي قُتل وهُزم جيشه.
دخل السلطان مدينة حلب التي رحبت به، وصلى في جامع زكريا، ووصفه الخطيب بسلطان البحرين والبرين ثم تابع مسيره إلى حماة فحمص فدمشق، واستقبل في دمشق بالترحيب، واهتم بالمدينة وأمر ببناء مسجد على قبر الشيخ محيي الدين بن عربي وغيره من المساجد والمنشآت في أثناء إقامته فيها التي امتدت أكثر من شهرين.
ومن دمشق أرسل إلى طومان باي الذي تولى السلطنة في مصر يطلب منه إعلان التبعية والولاء بجعل الخطبة والسكة باسم السلطان سليم فرفض، فسار السلطان سليم بجيشه إلى مصر سنة 922هـ ماراً ببيت المقدس والخليل، وانتصر على جيش المماليك في موقعة الريدانية (29 ذي الحجة 922هـ/ 23 كانون الأول 1517م)، وعلى المقاومة التي استمرت أسبوعاً. وألقي القبض على طومان باي فحبس ثم قتل، ورتب السلطان سليم أمور مصر واهتم بالأسطول في الإسكندرية.
وانتهت السلطنة المملوكية وأصبحت جميع أراضيها موحدة مع أراضي السلطنة العثمانية فتكونت دولة إسلامية كبرى تتصدى للعدو الأوربي من مختلف الجهات. وفي أثناء وجود السلطان بمصر أتاه الشريف أبو نمي من الحجاز مبايعاً باسم أبيه الشريف بركات وسلمه مفاتيح الكعبة والآثار الشريفة والمخلفات فقبلها. وصار السلطان يلقب نفسه خادم الحرمين الشريفين، كما دان له المماليك في اليمن.
فلما وصلت إلى السلطان سليم أخبار تعديات كثيرة من أوربا على بلاد الرومللي، قرر العودة إلى اصطنبول، وفور عودته إليها بدأ عمله بزيادة القوة البحرية وتنظيمها لتعادل قوة الأوربيين، وعزم على فتح جزيرة رودس التي كانت تابعة للبابا ومجمعاً للقراصنة الذين يقطعون الطرق على المسلمين، فجهز حملة سنة 925هـ لتطهير البحر المتوسط ومن ثم حماية شمالي إفريقية المسلم من تعدياتهم.
ثم أرسل خير الدين بربروسا المجاهد البحري وأخاه عروج لتقديم العون للمسلمين في الجزائر ضد الإسبان فأصبحت الجزائر جزءاً من السلطنة عام 925هـ/1519م.
أمر السلطان سليم بإنشاء أسطول حربي في السويس وكلف سليمان ريس بقيادته لطرد البرتغاليين من البحر الأحمر ثم إغلاقه في وجه الأوربيين.
بلغت السلطنة العثمانية أوج قوتها وعظمتها في عهد السلطان سليم الأول، ثم في عهد ابنه سليمان القانوني. إذ امتدت من اليمن جنوباً إلى أعالي البحر الأسود شمالاً. ومن العراق والخليج شرقاً إلى وسط أوربا والجزائر غرباً.
وقد أحدثت فتوحاته رعباً شديداً في أوربا. وهرع البابا يُعد لحملة صليبية جديدة. فقد كان السلطان سليم قهاراً ذا هيبة وشهامة، ونشاطه وافر، وتوقد ذهنه حاد، وهمته عالية، كثير التفحص عن أخبار الناس إذ كان يتنكر ويخرج فيختلط بالشعب ليطلع على حقائق الأحوال، ويعرف مم تشكو الرعية، فيقتص من العمال الذين يتحقق من خروجهم عن جادة العدل. كما كان كثير المطالعة للتواريخ وأخبار الملوك جمع منها جملة كبيرة بالتركية والعربية وغيرها. ومحباً للعلم والعلماء والأدباء، وقد بنى كثيراً من الجوامع، وحَوَّل أجمل كنائس القسطنطينية إلى مساجد، ومع أنه كان يستطيع أن يحمل النصارى على قبول الإسلام أو الرحيل من البلاد بسبب استغلال دول أوربا النصرانية لهم، فإنه انقاد لرأي المفتي الذي لم يوافق لمخالفة ذلك الشريعة لأنهم أهل ذمة.
وكان السلطان سليم ينوي جعل اللغة العربية اللغة الرسمية في السلطنة العثمانية. وكان شاعراً بليغاً عظيماً حسن النظم بالتركية العثمانية والعربية والفارسية. ومن نظمه العربي:
الملكُ لله مَنْ يظفر بنيل غنىً
يردده حقاً ويضمن بعده الدركا
لو كان لي أو لغيري قدرُ أُنملةٍ
فوق التراب لكان الأمر مشتركا
وقد نشر ديوانه عام 1904 م بأمر من القيصر الألماني ولهلم الثاني وقدم هدية للسلطان عبد الحميد الثاني.
وكان السلطان سليم كوالده كثير المحبة لأهل الحرمين الشريفين، حسن الالتفات إليهم، كثير الإحسان والتعطف عليهم. وضاعف الصدقة التي ترسل إليهم سنوياً، فتضاعف له الدعاء بالحرمين الشريفين. فلقد اهتم بهما وأجرى فيهما إصلاحات عديدة وبقوافل الحج وطرقها.
وحين كان السلطان سليم يستعد للغزو في البحر، مرض أربعين يوماً ومات في سنة 927هـ/1520م، ودفن بأدرنة عند قبر أبيه، فكانت مدة سلطنته تسع سنين وثمانية أشهر فقط. ولو طالت مدة هذا الرجل لبلغت السلطنة العثمانية درجة عالية من الشوكة والبسطة.
عبد الرحمن البيطار
(872ـ927هـ/1470ـ1520م)
سليم الأول تاسع السلاطين العثمانيين. ولد سنة 872هـ بأماسيا وتسلم السلطنة وعمره 46 سنة، وذلك بعد أن خلع والده نفسه عن السلطنة وسلمها إليه. ولقبه ( ياووز) أي الصلب القاسي الشديد القاطع. وكان مشهوراً في شبابه بالشجاعة وحب الحرب فكان محبوباً لدى الانكشارية.
كان أول عمل قام به السلطان سليم هو تعيين ابنه الوحيد سليمان حاكماً على اصطنبول وحارب أخويه اللذين انشقا عليه فانتصر عليهما. وهما «قورقود»، وأحمد الذي نافسه على السلطنة بمساعدة الشاه إسماعيل الصفوي. وكان لأحمد ولدان هما مراد الذي هرب إلى بلاد العجم وعلاء الدين إلى مصر.
ولما عاد السلطان سليم إلى أدرنة، جاء سفراء جميع الدول سنة 919هـ، عدا سفير شاه العجم إسماعيل الصفوي، للتبريك وتجديد المعاهدات لدولهم، إذ كان بانتظاره سفراء البندقية والمجر وموسكو وسلطنة مصر، وفرض جمركاً على البضائع الأجنبية الواردة من الخارج بلغت خمسة بالمائة، فهو أول من أحدث ذلك.
وفي سنة 920هـ/1514م توجه السلطان سليم إلى المشرق الإسلامي بجيش كبير لقتال شاه إيران إسماعيل الصفوي[ر]. وكان إسماعيل قد فرض سلطانه على فارس وخراسان والعراق العربي وكردستان وديار بكر، كما أنه أخذ يبث التشيع الذي اتخذه مذهباً لدولته بالقوة في المناطق الشرقية من أراضي السلطنة، وكان وجود أعداد كبيرة من القبائل التركمانية والتي تدين بالولاء للصفويين ضمن أراضي الدولة العثمانية، تهديداً للعثمانيين لا يمكن تجاهله.
التقى الجيشان في سهل جالديران في سنة 920هـ/1514م، انتصر جيش السلطان سليم انتصاراً ساحقاً لاعتماده على المدفعية الحديثة، وهرب الشاه ودخل السلطان سليم عاصمته تبريز، ولكنه اضطر لمغادرتها حينما بلغه أن قانصوه الغوري سلطان المماليك في مصر، أرسل جيشاً لنجدة الشاه إسماعيل، فقرر السلطان سليم معاقبة السلطان الغوري، وسار بجيشه حتى وصل مرج دابق قرب حلب سنة 922هـ/1516م، حيث التقى بجيش الغوري الذي قُتل وهُزم جيشه.
دخل السلطان مدينة حلب التي رحبت به، وصلى في جامع زكريا، ووصفه الخطيب بسلطان البحرين والبرين ثم تابع مسيره إلى حماة فحمص فدمشق، واستقبل في دمشق بالترحيب، واهتم بالمدينة وأمر ببناء مسجد على قبر الشيخ محيي الدين بن عربي وغيره من المساجد والمنشآت في أثناء إقامته فيها التي امتدت أكثر من شهرين.
ومن دمشق أرسل إلى طومان باي الذي تولى السلطنة في مصر يطلب منه إعلان التبعية والولاء بجعل الخطبة والسكة باسم السلطان سليم فرفض، فسار السلطان سليم بجيشه إلى مصر سنة 922هـ ماراً ببيت المقدس والخليل، وانتصر على جيش المماليك في موقعة الريدانية (29 ذي الحجة 922هـ/ 23 كانون الأول 1517م)، وعلى المقاومة التي استمرت أسبوعاً. وألقي القبض على طومان باي فحبس ثم قتل، ورتب السلطان سليم أمور مصر واهتم بالأسطول في الإسكندرية.
وانتهت السلطنة المملوكية وأصبحت جميع أراضيها موحدة مع أراضي السلطنة العثمانية فتكونت دولة إسلامية كبرى تتصدى للعدو الأوربي من مختلف الجهات. وفي أثناء وجود السلطان بمصر أتاه الشريف أبو نمي من الحجاز مبايعاً باسم أبيه الشريف بركات وسلمه مفاتيح الكعبة والآثار الشريفة والمخلفات فقبلها. وصار السلطان يلقب نفسه خادم الحرمين الشريفين، كما دان له المماليك في اليمن.
فلما وصلت إلى السلطان سليم أخبار تعديات كثيرة من أوربا على بلاد الرومللي، قرر العودة إلى اصطنبول، وفور عودته إليها بدأ عمله بزيادة القوة البحرية وتنظيمها لتعادل قوة الأوربيين، وعزم على فتح جزيرة رودس التي كانت تابعة للبابا ومجمعاً للقراصنة الذين يقطعون الطرق على المسلمين، فجهز حملة سنة 925هـ لتطهير البحر المتوسط ومن ثم حماية شمالي إفريقية المسلم من تعدياتهم.
ثم أرسل خير الدين بربروسا المجاهد البحري وأخاه عروج لتقديم العون للمسلمين في الجزائر ضد الإسبان فأصبحت الجزائر جزءاً من السلطنة عام 925هـ/1519م.
أمر السلطان سليم بإنشاء أسطول حربي في السويس وكلف سليمان ريس بقيادته لطرد البرتغاليين من البحر الأحمر ثم إغلاقه في وجه الأوربيين.
بلغت السلطنة العثمانية أوج قوتها وعظمتها في عهد السلطان سليم الأول، ثم في عهد ابنه سليمان القانوني. إذ امتدت من اليمن جنوباً إلى أعالي البحر الأسود شمالاً. ومن العراق والخليج شرقاً إلى وسط أوربا والجزائر غرباً.
وقد أحدثت فتوحاته رعباً شديداً في أوربا. وهرع البابا يُعد لحملة صليبية جديدة. فقد كان السلطان سليم قهاراً ذا هيبة وشهامة، ونشاطه وافر، وتوقد ذهنه حاد، وهمته عالية، كثير التفحص عن أخبار الناس إذ كان يتنكر ويخرج فيختلط بالشعب ليطلع على حقائق الأحوال، ويعرف مم تشكو الرعية، فيقتص من العمال الذين يتحقق من خروجهم عن جادة العدل. كما كان كثير المطالعة للتواريخ وأخبار الملوك جمع منها جملة كبيرة بالتركية والعربية وغيرها. ومحباً للعلم والعلماء والأدباء، وقد بنى كثيراً من الجوامع، وحَوَّل أجمل كنائس القسطنطينية إلى مساجد، ومع أنه كان يستطيع أن يحمل النصارى على قبول الإسلام أو الرحيل من البلاد بسبب استغلال دول أوربا النصرانية لهم، فإنه انقاد لرأي المفتي الذي لم يوافق لمخالفة ذلك الشريعة لأنهم أهل ذمة.
وكان السلطان سليم ينوي جعل اللغة العربية اللغة الرسمية في السلطنة العثمانية. وكان شاعراً بليغاً عظيماً حسن النظم بالتركية العثمانية والعربية والفارسية. ومن نظمه العربي:
الملكُ لله مَنْ يظفر بنيل غنىً
يردده حقاً ويضمن بعده الدركا
لو كان لي أو لغيري قدرُ أُنملةٍ
فوق التراب لكان الأمر مشتركا
وقد نشر ديوانه عام 1904 م بأمر من القيصر الألماني ولهلم الثاني وقدم هدية للسلطان عبد الحميد الثاني.
وكان السلطان سليم كوالده كثير المحبة لأهل الحرمين الشريفين، حسن الالتفات إليهم، كثير الإحسان والتعطف عليهم. وضاعف الصدقة التي ترسل إليهم سنوياً، فتضاعف له الدعاء بالحرمين الشريفين. فلقد اهتم بهما وأجرى فيهما إصلاحات عديدة وبقوافل الحج وطرقها.
وحين كان السلطان سليم يستعد للغزو في البحر، مرض أربعين يوماً ومات في سنة 927هـ/1520م، ودفن بأدرنة عند قبر أبيه، فكانت مدة سلطنته تسع سنين وثمانية أشهر فقط. ولو طالت مدة هذا الرجل لبلغت السلطنة العثمانية درجة عالية من الشوكة والبسطة.
عبد الرحمن البيطار