كعب زهير سلمي Kab ibn Zuhayr ibn abi Salma - Kab ibn Zuhayr ibn abi Salma
كعب بن زهير بن أبي سُلمى
كعب بن زهير بن أبي سُلمى، من فحول الشعراء المخضرمين، ومن أسرة اتصل الشعر فيها اتصالاً لم يُعرف لأحد في عصرها، فأبوه زهير صاحب المعلقة من فحول الشعراء الجاهليين، وجده ربيعة، ويكنى بأبي سلمى، شاعر، وعمته سُلمى شاعرة، وخال أبيه بَشَامة ابن الغدير شاعر، وأخوه بجير شاعر، وابنه عقبة بن كعب، ولقبه المضرّب، شاعر وحفيده العوام بن عقبة شاعر. قال ابن سلام: «لم يُترك في ولد زهير شعر، ولم يتصل في ولد أحد من فحول الجاهلية ما اتصل في ولد زهير».
وكعب من قبيلة مُزَيْنة، وهي إحدى قبائل مضر، وأمّه كبشة بنت عمار بن عدي بن سحيم من بني عبد الله بن غطفان، تزوجها زهير ثم نزل فيهم هو وأهل بيته، وكانت منازلهم بالحاجر من نجد.
تعلّم كعب الشعر عن أبيه مثله في ذلك مثل أخيه بجير، ومثل الحطيئة الشاعر المشهور، ويذكر الرواة الطريقة التي كان يعلّم بها زهير تلاميذه من أهل بيته وغيرهم، إذ يقولون إنه كان يحفّظهم شعره وشعر غيره من الجاهليين حتى تنضج موهبة الشعر فيهم، ويقولون عن كعب إنه كان يخرج به إلى الصحراء فيلقي عليه بيتاً أو شطراً ويطلب إليه أن يجيزه (أي يتمّه)، تمريناً له وتدريباً على صوغ الشعر ونظمه.
وقد انعقد إجماع الرواة على أن كعباً كان أحد الفحول المجوِّدين في الشعر، والمقدَّم في طبقته ويصفون شعره بقوّة التماسك وجزالة اللفظ وسموّ المعنى، ويكفي أن يُعرف أن الحطيئة، وهو مَنْ هو، كان راوية زهير، روى ابن سلام أن الحطيئة قال لكعب: «قد علمت روايتي شعر أهل هذا البيت، وانقطاعي لكم، وقد ذهب الفحول غيري وغيرك، فلو قلت شعراً تذكر نفسك وتضعني موضعاً، فإن الناس لأشعاركم أروى وإليها أسرع، فقال كعب:
فمن للقوافي شانَها من يحوكها
إذا ما ثوى كعب وفـوّز جرول
كفيتك لا تلقى من الناس واحداً
تنخّـل منها مثـل مـا أتنخّـل
نثـقـفهـا حتى تلـين متونها
فيـقصر عنـها كلُّ ما يُتَمَثّـل».
وفي هذه الأبيات إشارة واضحة إلى انتماء كعب والحطيئة إلى مدرسة زهير وأمثاله، وهي المدرسة التي سمّاها النقاد «عبيد الشعر» لِمَا لمسوه عندهم من طول الثقاف والتنقيح والتجويد وكأنهم يلغون حريتهم وإرادتهم، فهم عبيد فن الشعر، يخضعون لإرادته الفنية وما يُطوى في هذه الإرادة من تنسيق محكم للألفاظ.
وذكر النقاد أن كعباً سبق إلى مذاهب في الشعر قلّده فيها الشعراء، ومثّلوا لذلك بأبياته التي ذكر فيها الغراب والذئب، ومنها:
غراب وذئب ينظران متى أرى
مُناخَ مبيت أو مقيـلاً فأنزل
أغارا على ما خيّـلتْ وكلاهما
سيُخلِفه مني الذي كان يأمل
فجاء بعده ذو الرمّة والطرمّاح واحتذيا حذوه.
ومعروف أن كعباً وبجيراً والحطيئة أدركوا الإسلام، وكان بجير أسبقهم إلى الدخول فيه، وقد هجاه كعب بما أغضب رسول الله r من مثل قوله:
ألا أبلغا عني بجيـراً رسالـة
فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
شربت مع المأمون كأساً روية
فأنهـلك المـأمون منها وعلّكا
وخالفت أسباب الهدى واتبعتـه
على أي شيء ويب غيرك دلكا
على خلق لم تلف أماً ولا أبـاً
عليـه ولم تدرك عليه أخاً لكا
ويقال إن النبي r لما سمع هذا الشعر توعّده. وظل كعب على جاهليته حتى فتحت مكة (سنة ثمان للهجرة)، وانصرف النبي من الطائف إلى المدينة، فكتب بجير إلى كعب أن النبي يهمّ بقتل كل من كان يؤذيه من شعراء المشركين، فإن كانت لك في نفسك حاجة فأقْدِم على رسول الله، فإنه لا يقتل أحداً جاء تائباً، فخاف كعب وأبت مزينة أن تؤويه، فقدم المدينة ثم أتى رسول الله، وكان النبي r لا يعرفه، فجلس بين يديه ثم قال: يا رسول الله: إن كعب بن زهير أتاك تائباً فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ قال: نعم، قال: فأنا كعب بن زهير، فتجهّمته الأنصار وغلّظت عليه، وأحبت المهاجرة أن يسلم ويؤمنه النبي فأمّنه، وأنشد قصيدته الخالدة التي أولها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم إثرها لم يُفدَ مكبـول
فكساه النبي r بردة اشتراها معاوية من ورثة كعب بعشرين ألف درهم، وكان يلبسها الخلفاء من بعده في العيدين، ولقبت قصيدته بـ « البردة » وقد استهلها بالغزل، وخرج منه إلى وصف ناقته، ومازال ينعتها حتى قال يصوّر خوفه وفزعه من رسول الله r:
نبئـت أن رسـول الله أوعدنـي
والعفو عند رسول الله مأمول
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة الـ
قرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخـذنّي بأقوال الوشـاة ولـم
أذنب وإن كثرت فيّ الأقاويل
إن الرسـول لسـيف يستضاء به
مهند من سيوف الله مـسلول
ثم مدح المهاجرين من أصحاب رسول الله r.
وقد حظيت هذه القصيدة بمنزلة خاصة في التراث العربي، فشرحها عدد من العلماء تبرُّكاً بها، ونشأت حولها حركة تأليف لغوية نحوية بلاغية أثرت المكتبة العربية، ومن أبرز شرّاحها: ثعلب (291هـ)، وأبو العباس الأحول (259هـ)، وأبو بكر بن الأنباري (328هـ)، والتبريزي (502هـ)، وأبو البركات الأنباري (577هـ)، وعبد اللطيف البغدادي (629هـ)، وابن هشام الأنصاري (761هـ)، ولعبد القادر البغدادي (1090هـ) حاشية نفيسة على شرح ابن هشام في ثلاثة مجلدات، وممن شرحها من المتأخرين أيضاً: السيوطي (911هـ).
والناظر في ديوان كعب يرى أن أكثر شعره ينتمي إلى المرحلة الجاهلية، فنراه مفاخراً متوعّداً مهدّداً مكثراً من ذكر الخمرة كقوله:
وقد أشهد الكأس الرويّة لاهياً
أعلّ قُبيل الصبح منها وأنهل
وقوله:
فإن تسأل الأقوام عني فإنني
أنا ابن أبي سلمى على رغم من رغَمْ
وبعد إسلامه أخذت نفسه تصفو، وأخذ يستشعر معاني الإسلام الروحية كقوله:
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني
سعي الفتى وهْو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها
والنفس واحدة والهـمّ منتشـر
والمرء ما عاش ممدود له أمل
لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر
سنـاء الريس
كعب بن زهير بن أبي سُلمى
كعب بن زهير بن أبي سُلمى، من فحول الشعراء المخضرمين، ومن أسرة اتصل الشعر فيها اتصالاً لم يُعرف لأحد في عصرها، فأبوه زهير صاحب المعلقة من فحول الشعراء الجاهليين، وجده ربيعة، ويكنى بأبي سلمى، شاعر، وعمته سُلمى شاعرة، وخال أبيه بَشَامة ابن الغدير شاعر، وأخوه بجير شاعر، وابنه عقبة بن كعب، ولقبه المضرّب، شاعر وحفيده العوام بن عقبة شاعر. قال ابن سلام: «لم يُترك في ولد زهير شعر، ولم يتصل في ولد أحد من فحول الجاهلية ما اتصل في ولد زهير».
وكعب من قبيلة مُزَيْنة، وهي إحدى قبائل مضر، وأمّه كبشة بنت عمار بن عدي بن سحيم من بني عبد الله بن غطفان، تزوجها زهير ثم نزل فيهم هو وأهل بيته، وكانت منازلهم بالحاجر من نجد.
تعلّم كعب الشعر عن أبيه مثله في ذلك مثل أخيه بجير، ومثل الحطيئة الشاعر المشهور، ويذكر الرواة الطريقة التي كان يعلّم بها زهير تلاميذه من أهل بيته وغيرهم، إذ يقولون إنه كان يحفّظهم شعره وشعر غيره من الجاهليين حتى تنضج موهبة الشعر فيهم، ويقولون عن كعب إنه كان يخرج به إلى الصحراء فيلقي عليه بيتاً أو شطراً ويطلب إليه أن يجيزه (أي يتمّه)، تمريناً له وتدريباً على صوغ الشعر ونظمه.
وقد انعقد إجماع الرواة على أن كعباً كان أحد الفحول المجوِّدين في الشعر، والمقدَّم في طبقته ويصفون شعره بقوّة التماسك وجزالة اللفظ وسموّ المعنى، ويكفي أن يُعرف أن الحطيئة، وهو مَنْ هو، كان راوية زهير، روى ابن سلام أن الحطيئة قال لكعب: «قد علمت روايتي شعر أهل هذا البيت، وانقطاعي لكم، وقد ذهب الفحول غيري وغيرك، فلو قلت شعراً تذكر نفسك وتضعني موضعاً، فإن الناس لأشعاركم أروى وإليها أسرع، فقال كعب:
فمن للقوافي شانَها من يحوكها
إذا ما ثوى كعب وفـوّز جرول
كفيتك لا تلقى من الناس واحداً
تنخّـل منها مثـل مـا أتنخّـل
نثـقـفهـا حتى تلـين متونها
فيـقصر عنـها كلُّ ما يُتَمَثّـل».
وفي هذه الأبيات إشارة واضحة إلى انتماء كعب والحطيئة إلى مدرسة زهير وأمثاله، وهي المدرسة التي سمّاها النقاد «عبيد الشعر» لِمَا لمسوه عندهم من طول الثقاف والتنقيح والتجويد وكأنهم يلغون حريتهم وإرادتهم، فهم عبيد فن الشعر، يخضعون لإرادته الفنية وما يُطوى في هذه الإرادة من تنسيق محكم للألفاظ.
وذكر النقاد أن كعباً سبق إلى مذاهب في الشعر قلّده فيها الشعراء، ومثّلوا لذلك بأبياته التي ذكر فيها الغراب والذئب، ومنها:
غراب وذئب ينظران متى أرى
مُناخَ مبيت أو مقيـلاً فأنزل
أغارا على ما خيّـلتْ وكلاهما
سيُخلِفه مني الذي كان يأمل
فجاء بعده ذو الرمّة والطرمّاح واحتذيا حذوه.
ومعروف أن كعباً وبجيراً والحطيئة أدركوا الإسلام، وكان بجير أسبقهم إلى الدخول فيه، وقد هجاه كعب بما أغضب رسول الله r من مثل قوله:
ألا أبلغا عني بجيـراً رسالـة
فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
شربت مع المأمون كأساً روية
فأنهـلك المـأمون منها وعلّكا
وخالفت أسباب الهدى واتبعتـه
على أي شيء ويب غيرك دلكا
على خلق لم تلف أماً ولا أبـاً
عليـه ولم تدرك عليه أخاً لكا
ويقال إن النبي r لما سمع هذا الشعر توعّده. وظل كعب على جاهليته حتى فتحت مكة (سنة ثمان للهجرة)، وانصرف النبي من الطائف إلى المدينة، فكتب بجير إلى كعب أن النبي يهمّ بقتل كل من كان يؤذيه من شعراء المشركين، فإن كانت لك في نفسك حاجة فأقْدِم على رسول الله، فإنه لا يقتل أحداً جاء تائباً، فخاف كعب وأبت مزينة أن تؤويه، فقدم المدينة ثم أتى رسول الله، وكان النبي r لا يعرفه، فجلس بين يديه ثم قال: يا رسول الله: إن كعب بن زهير أتاك تائباً فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ قال: نعم، قال: فأنا كعب بن زهير، فتجهّمته الأنصار وغلّظت عليه، وأحبت المهاجرة أن يسلم ويؤمنه النبي فأمّنه، وأنشد قصيدته الخالدة التي أولها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم إثرها لم يُفدَ مكبـول
فكساه النبي r بردة اشتراها معاوية من ورثة كعب بعشرين ألف درهم، وكان يلبسها الخلفاء من بعده في العيدين، ولقبت قصيدته بـ « البردة » وقد استهلها بالغزل، وخرج منه إلى وصف ناقته، ومازال ينعتها حتى قال يصوّر خوفه وفزعه من رسول الله r:
نبئـت أن رسـول الله أوعدنـي
والعفو عند رسول الله مأمول
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة الـ
قرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخـذنّي بأقوال الوشـاة ولـم
أذنب وإن كثرت فيّ الأقاويل
إن الرسـول لسـيف يستضاء به
مهند من سيوف الله مـسلول
ثم مدح المهاجرين من أصحاب رسول الله r.
وقد حظيت هذه القصيدة بمنزلة خاصة في التراث العربي، فشرحها عدد من العلماء تبرُّكاً بها، ونشأت حولها حركة تأليف لغوية نحوية بلاغية أثرت المكتبة العربية، ومن أبرز شرّاحها: ثعلب (291هـ)، وأبو العباس الأحول (259هـ)، وأبو بكر بن الأنباري (328هـ)، والتبريزي (502هـ)، وأبو البركات الأنباري (577هـ)، وعبد اللطيف البغدادي (629هـ)، وابن هشام الأنصاري (761هـ)، ولعبد القادر البغدادي (1090هـ) حاشية نفيسة على شرح ابن هشام في ثلاثة مجلدات، وممن شرحها من المتأخرين أيضاً: السيوطي (911هـ).
والناظر في ديوان كعب يرى أن أكثر شعره ينتمي إلى المرحلة الجاهلية، فنراه مفاخراً متوعّداً مهدّداً مكثراً من ذكر الخمرة كقوله:
وقد أشهد الكأس الرويّة لاهياً
أعلّ قُبيل الصبح منها وأنهل
وقوله:
فإن تسأل الأقوام عني فإنني
أنا ابن أبي سلمى على رغم من رغَمْ
وبعد إسلامه أخذت نفسه تصفو، وأخذ يستشعر معاني الإسلام الروحية كقوله:
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني
سعي الفتى وهْو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها
والنفس واحدة والهـمّ منتشـر
والمرء ما عاش ممدود له أمل
لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر
سنـاء الريس