كرواتيا (لغه ادب) Croatia - Croatie
اللغة والأدب
الكرواتية لغة من الأسرة السلاڤية، وهي من أسرة اللغات الهندية الأوربية، لغة الشعب الكرواتي الذي يسكن جغرافياً يوغسلاڤيا (سلاڤيا الجنوبية). نضجت اللغة الكرواتية بعد أن اكتسبت كتابة خاصةً حين اتسعت صلاتها ببيزنطة وروما، وقام تلامذة كيريل وميثوديوس بدور مهم في ذلك. غير أن كرواتيا اعتنقت المسيحية على المذهب الكاثوليكي، واعتمدت اللغة اللاتينية بدلاً من السلاڤية القديمة لغة للكنيسة؛ مما أدى إلى اعتماد الكتابة بالأبجدية اللاتينية بدلاً من السلاڤية التي وضعها كيريل وميثوديوس، وبذلك تميزت الكرواتية من الصربية.
بدأ الأدب الكرواتي في القرن الثاني عشر أدباً دينياً، وتشربت المدونات التاريخية بألوان وصور وأساليب تعبير فولكلورية. وظهرت في هذه الحقبة مقدمات تكوُّن الأدب الكرواتي، خاصة في الشعر الروحاني و«مُدّونات القسيس دوكليانين» التي سجلت بطولات المحاربين وتضحياتهم، وما صاحب ذلك من أغانٍ شعبية.
احتك الأدب الكرواتي في الفترة ما بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر بآداب الشعوب المتاخمة للمناطق الساحلية، وهي مناطق تحررت من الحكم التركي مثل دوبرُڤنيك ودالماتسيا وغيرهما، وتأثرت بها إلى درجة أعاقت تطور أدبٍ كرواتي قومي، فانتشر الأدب البروتستنتي في النصف الثاني من القرن السابع عشر، ثم قامت الحركة الكاثوليكية المضادة بطرد البروتستنت وإحراق كتبهم. وبرز في هذه المرحلة كتّاب مثل ن. زرينسكي N.Zrincky وب. زرينسكي Zrincky (1621-1671)، وفرنكوبان N.Frankopan (1643 - 1664) الذين دونوا الأغنية الشعبية وألّفوها أيضاً. وظهرت ملحمة ڤيتيزوڤيتش P.R.Vitezovich (1652 - 1713)، عن النضال ضد الاحتلال التركي، وتميزت بلغتها الأدبية وموضوعها الوطني.
بدأ عصر النهضة الكرواتي في نهاية القرن الثامن عشر، وامتد حتى منتصف القرن التاسع عشر، وكانت هذه المرحلة مرحلة نضال ضد السيطرة النمساوية، واتسعت حركة «التنوير» enlightenment وظهرت الصحف والمجلات. كتب ريلكوڤيتش M.A.Relkovich (1732 - 1798) قصيدته «ساتير (هجاء)» Satire عام 1761، وكتب دوشين V.Doshen «الحية ذات الرؤوس السبعة»، وأسهمت حركة «إيلليريزم» illirism (نسبة إلى منطقة إيليريا على البحر الأدرياتيكي)، في ثلاثينيات القرن التاسع عشر وأربعينياته، بدور مهم في تقدّم الحركة الثقافية الأدبية. وقّع الصرب والكروات في عام 1850 وثيقة تنص على وحدة اللغة الفصحى لتصبح لغة الأدب والثقافة. وكانت الإبداعية (الرومنسية) Romanticism النزعة الأدبية الأبرز التي اتكأت على التقاليد والفولكلور، وأسس الرومنسيون لفكرة الأصالة في الأدب، وكان من أبرزهم الشاعر غاي L.Gay، وانتشر شعر الغزل (ڤراز S.Vraz) والشعر الفلسفي والتأملي (بريرادوڤيتش) P.Preradovich وكذلك الشعر الغنائي والملحمي (ديميتر B.Demeter ومايورانيتش I.Majuranich) وبدأت الكتابة المسرحية وتأسس المسرح الكرواتي بجهود كثيرين أهمهم ديميتر.
كانت الواقعيةُ Realism الاتجاه الأدبي الرائد في ثمانينيات القرن التاسع عشر بسبب التأثر الواضح بالأدبين الروسي والأوربي الغربي، وكان من أهم أعلام هذا الاتجاه شينوي A.Chinoy الذي شكل أدبه نقلةً من الرومنسية إلى الواقعية، وتناول فيه القضايا الاجتماعية والوطنية خصوصاً في روايته التاريخية «الانتفاضة الفلاحية»، وتميز كوزاراتس Y.Kozarats بتوجهه الاجتماعي الواقعي، وكذلك نوڤاك V.Novak وكوڤاتشين A.Kovachin وديالسكوي K.Djalskoy الذي كان من أبرز الشعراء الواقعيين. وظهرت في هذه المرحلة أيضاً النزعة الطبيعية Naturalism جنباً إلى جنب مع الواقعية.
تعقّد مشهد الحركة الأدبية الكرواتية على تخوم القرن العشرين بسبب التطور الرأسمالي وتعمق التناقضات الاجتماعية، فقد تأثرت هذه المرحلة تأثراً واضحاً بالأيديولوجيا الاشتراكية، واتسعت الصلات الأدبية بأوربا الغربية وثقافتها، فاغتنى، إلا أنَّ بعضه أصيب في الآن ذاته بأعراض أدب الانحطاط decadence.
ظهرت في الأدب الكرواتي منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى تسعينياته حركة الحداثة الكرواتية، وهي حركة عبّرت عن النزعات المعادية للبرجوازية وعن سخطها على ما تدنّى إليه مستوى الأدب الكرواتي الوطني وتوقف تطوره، لكن الحركة افتقرت إلى الوحدة في رؤاها الفكرية والجمالية، مما جعلها تتسم بتعدد الآراء في قضايا أساسية مثل وظيفة الفن ومسائل المنهج الأدبي، وقد ضمت في صفوفها انطباعيين ورمزيين مثل ماتوتش A.Matotch وڤيدريش V.Vidrich وطبيعيين ورومانسيين جدد مثل نازور V.Nazor وواقعيين مثل كوسور Y.Kossor وكوزاراتس. أما الأدب الواقعي الكرواتي في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين فقد استمر في طبيعته المنادية بالفكر الديمقراطي، وظل محافظاً على صلاته بالأدب العالمي، وراح يوسع من موضوعاته ويقوّي من توجهاته النقدية، فظهرت روايات ديالسكوي التاريخية، وروايات تسار إمين V.Tsar-Emin التي تناولت موضوعات معاصرة. وترسخ التوجه الواقعي في الشعر خصوصاً عند كرانتشيڤتش ونازور، واستمرت الملاحم والقصائد الغنائية حيث اجتمعت ملامح كل من الواقعية والرومنسية.
اتسم الأدب الكرواتي منذ قيام دولة يوغسلاڤيا عام 1918 بظهور تيارات غير واقعية وحَّد بينها رفض الحرب الامبريالية وخيبة الأمل من الواقع اليوغسلاڤي القائم بعد الحرب العالمية الأولى، ونشأت علاقة عدمية Nihilism بثقافة الماضي وتشكل تيار النزعة التعبيرية Expressionism التي جمعت توجهات فكرية عقائدية مختلفة كان بعضها يعبِّر عن توجه سوداوي melancholic، وتمثل ذلك لدى الشعراء الكاثوليكيين. وكان بعضها الآخر تعبيراً عن نزعة فوضوية anarchism فردية احتجاجية ضد الأخلاق والثقافة البرجوازية، منهم: شيميتش A.Chimich ويفيتش T.Yevich، كما مَرّ بهذه المرحلة أيضاً أدباء مثل كرليجا M.Krleja وتسيزارتس A.Tsezarets. ولم يدفع هذا التيار نحو توجه ثوري في الأدب الكرواتي فحسب، بل في آداب يوغسلافيا كلها. وقد انتهى التيار السوداوي واختفى منذ أواسط عشرينيات القرن العشرين، في حين راحت الواقعية منذ الربع الثاني من ذاك القرن ترسـخ مواقعها خصوصــاً عند كولار S.Kolar وتسيزاريتش D.Tsisarich.
اشترك كثير من كتاب يوغسلافيا، بمن فيهم كتاب كرواتيا في الحرب ضد الفاشية، فأسهموا في انتصار شعبهم وقيام الثورة الشعبية الديمقراطية عام 1945 في بلدهم؛ فبدأت بذلك مرحلة جديدة من مراحل تطور الأدب، وقد ظهر هذا في نهوض أدب مضادٍ للفاشية يسعى إلى بناء حياة جديدة. صارت الرواية في أواسط خمسينيات القرن الماضي جنساً أدبياً مهيمناً وسائداً، وصار توجهها نحو تحليل واقعي لما كان قائماً قبل الثورة ولما حدث في حرب التحرير الوطنية، فظهرت روايات بوغيتش M.Bogich، ودونتشيڤتش وكاليب V.Kaleb وفرانيتشيڤتش ـ بلوشار. ومع اتساع الحقل الموضوعاتي thematic في النثر الكرواتي ترسخت عناصر نفسية وانعكاسية عند مارينوڤتش P.Marinovich وآخرين، وظهر اهتمام بالقضايا الاجتماعية العامة التي كثيراً ما صيغت بشكل مجازي مجرد، وكانت حلولها لاتخلو من تأثير الوجودية Existentialism عند شوليان A.Sholyan ونوڤاك، وانتشرت فيه نزعة تعبيرية وسريالية Surrealism وفردية مجردة. أما تقاليد الواقعية في الشعر فقد استمرت عند تسيزاريتش وكريكليتش وتاديانوفتش D.Tadiyanovich وبارون V.Parun الذي اتسم شعره بنفحة إنسانية.
اتسع في نهاية ستينيات القرن العشرين حقل البحوث النفسية الاجتماعية التي تناولت مرحلة حرب التحرير الوطنية، وقد انعكس ذلك على الرواية الكرواتية عند بوغيتش وفرانيتشيڤتش ـ بلوشار وغيرهما، بينما تناولت روايات أخرى موضوعات معاصرة. وتشغل الملحمة الروائية «الرايات» التي كتبها كريكليتش مكانة خاصة؛ إذ يظهر فيها تأثير مرحلة الحرب العالمية الأولى في تاريخ كرواتيا، وتأثير الحركات الثورية في المصير الشخصي والنمو الروحي لأبطال الرواية. وتناول ماتكوڤيتش قضايا أخلاقية جمالية معاصرة ووجه اهتمامه إلى مضامين حكائية وأسطورية وإلى صور وألوان من الدراما الإغريقية.
توجه الأدب الكرواتي في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، قبل اكتمال انهيار المنظومة الاشتراكية في أوربا الشرقية، نحو ظواهر عينية محددة تتناول الواقع المعيش، وترافق ذلك مع عودة النزعة الطبيعية. ومع تفكك الاتحاد اليوغسلاڤي ومطلع قرن جديد يقف الأدب الكرواتي على عتبة مرحلة جديدة، بدأتها حرب أهلية وتدخل دولي، ونشوء نظام جديد لَمّا ينتج أدبه الذي يعبر عنه بَعْدُ.
رضوان القضماني
اللغة والأدب
الكرواتية لغة من الأسرة السلاڤية، وهي من أسرة اللغات الهندية الأوربية، لغة الشعب الكرواتي الذي يسكن جغرافياً يوغسلاڤيا (سلاڤيا الجنوبية). نضجت اللغة الكرواتية بعد أن اكتسبت كتابة خاصةً حين اتسعت صلاتها ببيزنطة وروما، وقام تلامذة كيريل وميثوديوس بدور مهم في ذلك. غير أن كرواتيا اعتنقت المسيحية على المذهب الكاثوليكي، واعتمدت اللغة اللاتينية بدلاً من السلاڤية القديمة لغة للكنيسة؛ مما أدى إلى اعتماد الكتابة بالأبجدية اللاتينية بدلاً من السلاڤية التي وضعها كيريل وميثوديوس، وبذلك تميزت الكرواتية من الصربية.
بدأ الأدب الكرواتي في القرن الثاني عشر أدباً دينياً، وتشربت المدونات التاريخية بألوان وصور وأساليب تعبير فولكلورية. وظهرت في هذه الحقبة مقدمات تكوُّن الأدب الكرواتي، خاصة في الشعر الروحاني و«مُدّونات القسيس دوكليانين» التي سجلت بطولات المحاربين وتضحياتهم، وما صاحب ذلك من أغانٍ شعبية.
احتك الأدب الكرواتي في الفترة ما بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر بآداب الشعوب المتاخمة للمناطق الساحلية، وهي مناطق تحررت من الحكم التركي مثل دوبرُڤنيك ودالماتسيا وغيرهما، وتأثرت بها إلى درجة أعاقت تطور أدبٍ كرواتي قومي، فانتشر الأدب البروتستنتي في النصف الثاني من القرن السابع عشر، ثم قامت الحركة الكاثوليكية المضادة بطرد البروتستنت وإحراق كتبهم. وبرز في هذه المرحلة كتّاب مثل ن. زرينسكي N.Zrincky وب. زرينسكي Zrincky (1621-1671)، وفرنكوبان N.Frankopan (1643 - 1664) الذين دونوا الأغنية الشعبية وألّفوها أيضاً. وظهرت ملحمة ڤيتيزوڤيتش P.R.Vitezovich (1652 - 1713)، عن النضال ضد الاحتلال التركي، وتميزت بلغتها الأدبية وموضوعها الوطني.
بدأ عصر النهضة الكرواتي في نهاية القرن الثامن عشر، وامتد حتى منتصف القرن التاسع عشر، وكانت هذه المرحلة مرحلة نضال ضد السيطرة النمساوية، واتسعت حركة «التنوير» enlightenment وظهرت الصحف والمجلات. كتب ريلكوڤيتش M.A.Relkovich (1732 - 1798) قصيدته «ساتير (هجاء)» Satire عام 1761، وكتب دوشين V.Doshen «الحية ذات الرؤوس السبعة»، وأسهمت حركة «إيلليريزم» illirism (نسبة إلى منطقة إيليريا على البحر الأدرياتيكي)، في ثلاثينيات القرن التاسع عشر وأربعينياته، بدور مهم في تقدّم الحركة الثقافية الأدبية. وقّع الصرب والكروات في عام 1850 وثيقة تنص على وحدة اللغة الفصحى لتصبح لغة الأدب والثقافة. وكانت الإبداعية (الرومنسية) Romanticism النزعة الأدبية الأبرز التي اتكأت على التقاليد والفولكلور، وأسس الرومنسيون لفكرة الأصالة في الأدب، وكان من أبرزهم الشاعر غاي L.Gay، وانتشر شعر الغزل (ڤراز S.Vraz) والشعر الفلسفي والتأملي (بريرادوڤيتش) P.Preradovich وكذلك الشعر الغنائي والملحمي (ديميتر B.Demeter ومايورانيتش I.Majuranich) وبدأت الكتابة المسرحية وتأسس المسرح الكرواتي بجهود كثيرين أهمهم ديميتر.
كانت الواقعيةُ Realism الاتجاه الأدبي الرائد في ثمانينيات القرن التاسع عشر بسبب التأثر الواضح بالأدبين الروسي والأوربي الغربي، وكان من أهم أعلام هذا الاتجاه شينوي A.Chinoy الذي شكل أدبه نقلةً من الرومنسية إلى الواقعية، وتناول فيه القضايا الاجتماعية والوطنية خصوصاً في روايته التاريخية «الانتفاضة الفلاحية»، وتميز كوزاراتس Y.Kozarats بتوجهه الاجتماعي الواقعي، وكذلك نوڤاك V.Novak وكوڤاتشين A.Kovachin وديالسكوي K.Djalskoy الذي كان من أبرز الشعراء الواقعيين. وظهرت في هذه المرحلة أيضاً النزعة الطبيعية Naturalism جنباً إلى جنب مع الواقعية.
تعقّد مشهد الحركة الأدبية الكرواتية على تخوم القرن العشرين بسبب التطور الرأسمالي وتعمق التناقضات الاجتماعية، فقد تأثرت هذه المرحلة تأثراً واضحاً بالأيديولوجيا الاشتراكية، واتسعت الصلات الأدبية بأوربا الغربية وثقافتها، فاغتنى، إلا أنَّ بعضه أصيب في الآن ذاته بأعراض أدب الانحطاط decadence.
ظهرت في الأدب الكرواتي منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى تسعينياته حركة الحداثة الكرواتية، وهي حركة عبّرت عن النزعات المعادية للبرجوازية وعن سخطها على ما تدنّى إليه مستوى الأدب الكرواتي الوطني وتوقف تطوره، لكن الحركة افتقرت إلى الوحدة في رؤاها الفكرية والجمالية، مما جعلها تتسم بتعدد الآراء في قضايا أساسية مثل وظيفة الفن ومسائل المنهج الأدبي، وقد ضمت في صفوفها انطباعيين ورمزيين مثل ماتوتش A.Matotch وڤيدريش V.Vidrich وطبيعيين ورومانسيين جدد مثل نازور V.Nazor وواقعيين مثل كوسور Y.Kossor وكوزاراتس. أما الأدب الواقعي الكرواتي في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين فقد استمر في طبيعته المنادية بالفكر الديمقراطي، وظل محافظاً على صلاته بالأدب العالمي، وراح يوسع من موضوعاته ويقوّي من توجهاته النقدية، فظهرت روايات ديالسكوي التاريخية، وروايات تسار إمين V.Tsar-Emin التي تناولت موضوعات معاصرة. وترسخ التوجه الواقعي في الشعر خصوصاً عند كرانتشيڤتش ونازور، واستمرت الملاحم والقصائد الغنائية حيث اجتمعت ملامح كل من الواقعية والرومنسية.
اتسم الأدب الكرواتي منذ قيام دولة يوغسلاڤيا عام 1918 بظهور تيارات غير واقعية وحَّد بينها رفض الحرب الامبريالية وخيبة الأمل من الواقع اليوغسلاڤي القائم بعد الحرب العالمية الأولى، ونشأت علاقة عدمية Nihilism بثقافة الماضي وتشكل تيار النزعة التعبيرية Expressionism التي جمعت توجهات فكرية عقائدية مختلفة كان بعضها يعبِّر عن توجه سوداوي melancholic، وتمثل ذلك لدى الشعراء الكاثوليكيين. وكان بعضها الآخر تعبيراً عن نزعة فوضوية anarchism فردية احتجاجية ضد الأخلاق والثقافة البرجوازية، منهم: شيميتش A.Chimich ويفيتش T.Yevich، كما مَرّ بهذه المرحلة أيضاً أدباء مثل كرليجا M.Krleja وتسيزارتس A.Tsezarets. ولم يدفع هذا التيار نحو توجه ثوري في الأدب الكرواتي فحسب، بل في آداب يوغسلافيا كلها. وقد انتهى التيار السوداوي واختفى منذ أواسط عشرينيات القرن العشرين، في حين راحت الواقعية منذ الربع الثاني من ذاك القرن ترسـخ مواقعها خصوصــاً عند كولار S.Kolar وتسيزاريتش D.Tsisarich.
اشترك كثير من كتاب يوغسلافيا، بمن فيهم كتاب كرواتيا في الحرب ضد الفاشية، فأسهموا في انتصار شعبهم وقيام الثورة الشعبية الديمقراطية عام 1945 في بلدهم؛ فبدأت بذلك مرحلة جديدة من مراحل تطور الأدب، وقد ظهر هذا في نهوض أدب مضادٍ للفاشية يسعى إلى بناء حياة جديدة. صارت الرواية في أواسط خمسينيات القرن الماضي جنساً أدبياً مهيمناً وسائداً، وصار توجهها نحو تحليل واقعي لما كان قائماً قبل الثورة ولما حدث في حرب التحرير الوطنية، فظهرت روايات بوغيتش M.Bogich، ودونتشيڤتش وكاليب V.Kaleb وفرانيتشيڤتش ـ بلوشار. ومع اتساع الحقل الموضوعاتي thematic في النثر الكرواتي ترسخت عناصر نفسية وانعكاسية عند مارينوڤتش P.Marinovich وآخرين، وظهر اهتمام بالقضايا الاجتماعية العامة التي كثيراً ما صيغت بشكل مجازي مجرد، وكانت حلولها لاتخلو من تأثير الوجودية Existentialism عند شوليان A.Sholyan ونوڤاك، وانتشرت فيه نزعة تعبيرية وسريالية Surrealism وفردية مجردة. أما تقاليد الواقعية في الشعر فقد استمرت عند تسيزاريتش وكريكليتش وتاديانوفتش D.Tadiyanovich وبارون V.Parun الذي اتسم شعره بنفحة إنسانية.
اتسع في نهاية ستينيات القرن العشرين حقل البحوث النفسية الاجتماعية التي تناولت مرحلة حرب التحرير الوطنية، وقد انعكس ذلك على الرواية الكرواتية عند بوغيتش وفرانيتشيڤتش ـ بلوشار وغيرهما، بينما تناولت روايات أخرى موضوعات معاصرة. وتشغل الملحمة الروائية «الرايات» التي كتبها كريكليتش مكانة خاصة؛ إذ يظهر فيها تأثير مرحلة الحرب العالمية الأولى في تاريخ كرواتيا، وتأثير الحركات الثورية في المصير الشخصي والنمو الروحي لأبطال الرواية. وتناول ماتكوڤيتش قضايا أخلاقية جمالية معاصرة ووجه اهتمامه إلى مضامين حكائية وأسطورية وإلى صور وألوان من الدراما الإغريقية.
توجه الأدب الكرواتي في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، قبل اكتمال انهيار المنظومة الاشتراكية في أوربا الشرقية، نحو ظواهر عينية محددة تتناول الواقع المعيش، وترافق ذلك مع عودة النزعة الطبيعية. ومع تفكك الاتحاد اليوغسلاڤي ومطلع قرن جديد يقف الأدب الكرواتي على عتبة مرحلة جديدة، بدأتها حرب أهلية وتدخل دولي، ونشوء نظام جديد لَمّا ينتج أدبه الذي يعبر عنه بَعْدُ.
رضوان القضماني