كربلاء Karbala' - Kerbala
كربلاء
مدينة عراقية تقع جنوب غرب بغداد، وتبعد عنها 104كم، على الضفة اليسرى لمجرى الحسينية، وعلى مقربة من سد الهندية. اشتق اسمها من الكربلة التي تأتي بمعنى رخاوة القدمين. يقال في اللغة: «أرض مكربلة» إذا كانت منقاة من الحصى والدغل، ومن المؤرخين من ذكرأن كربلاء من المدن العراقية القديمة التي يرجع تاريخها إلى العهد البابلي، وأن الاسم منحوت من كلمتين آشوريتين: (كرب) و(إيلا) وهما بمعنى حرم الله، ويرى فريق آخر أن الاسم بالأصل: (كوربابل) والكور هنا بمعنى الإقليم وكوربابل مجموعة قرى تعود إلى العهد البابلي؛ منها: نينوى (شمال شرق كربلاء) والغاضرية (شمال شرق مقام الإمام جعفر الصادق)، والنواويس (بناحية الحسينية)، ملاصقة لنينوى، كانت مقبرة لنصارى المنطقة قبل الفتح الإسلامي، ثم الحائر، وهي الأرض المنخفضة من كربلاء وفيها قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما، عرفت بذلك لأن الماء حار حولها.
أما كربلاء القديمة فتطلق على الأطلال الكائنة شمال غربي المدينة، كان قدماء السكان في العهد البابلي يستخرجون منها الخزف والفخار لصناعة الجرار التي كانوا يدفنون فيها موتاهم. ومما يذكر أن الحسين t سأل في أثناء مسيره إلى العراق عندما انتهى به الأمر إلى تلك الناحية: ما اسم هذه القرية؟ فقيل: كربلاء، فقال: هي كرب وبلاء، وأراد الخروج منها فمنع كما هو مبسوط في قصة استشهاده.
وعلى العموم، فكربلاء اليوم من أمهات مدن العراق الوسطى بلغ عدد سكانها 184 ألف نسمة عام 2001 وهي تمتاز ببساتينها الكثيفة التي زادت أشجارها المثمرة على 600 ألف شجرة من مختلف الفواكه، إلى جانب ثلاثة ملايين نخلة، وتعود شهرة المدينة إلى مكانتها الدينية عند أتباع المذهب الشيعي، فعلى تربتها أُريق دم الحسين سبط النبي r في العاشر من محرم سنة 61هـ/680م، وفيها الروضتان اللتان تضمان رفاته ورفات أخيه العباس.
يذكر الطبري أن أول من زار قبر الحسين بعد دفنه عبيد الله بن الحر من بني سعد العشيرة، وكان هذا سيداً في قومه، وقد امتنع عن مقاتلة الحسين. وتتالت من بعده الزيارات سراً إلى أن كانت الزيارة الكبرى التي قام بها التوابون وعلى رأسهم سليمان بن صرد الخزاعي 65هـ/684م. أما أول من أشاد البناء على قبر الحسين فهو محمد بن إبراهيم الأشتر بأمر من المختار الثقفي الذي ساد العراق بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان، وكانت جدران البناء مصنوعة من الطين والحجارة وتعلو القبر قبة من الطابوق، وكان الناس يتوجهون سراً إلى زيارة القبر منذ أيام عبد الملك بن مروان، واستمر الأمر كذلك طوال القرن الأول الهجري. وفي بعض مراحل العصر العباسي تعرض القبر للهدم، وعلى الأخص في عهد المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بن الرشيد 205-247هـ/820-861م الذي مَنَع الناس من زيارته ثم أمر بهدمه وهدم ما حوله من الدور.
أعيد ترميم القبر عند منتصف القرن الثالث الهجري إلا أنه لم يعتن به إلا مع وصول بني بويه إلى حكم العراق، إذ انصب اهتمامهم بعمارة المقامين في كل من النجف وكربلاء؛ لكونهم من أتباع المذهب الشيعي، ومنذ ذلك الوقت أخذ الزوار يفدون إلى كربلاء قوافل من أنحاء العالم الإسلامي.
يشتمل مقام الحسين اليوم على الضريح الكائن في صحن واسع يبلغ طوله 95 متراً، وعرضه 75 متراً، وله عشرة أبواب لكل منها طاق معقود بالفسيفساء، ويحيط به 65 إيواناً مطلية بالداخل والخارج بالفسيفساء، وداخل كل منها حجرة يلتقي فيها طلاب العلم. وقبر الحسين يتوسط بلاطة لها أبواب عدة أشهرها باب الذهب المؤدي إلى إيوان الذهب الذي ينتهي برواق محيط بالقبر، وإلى جانبه قبر حبيب مظاهر الأسدي الذي كان على ميسرة الحسين يوم فاجعة كربلاء. وفي الرواق نفسه مدافن لشخصيات تاريخية كبيرة، إلى جانبها صندوق يضم أجداث عدد من علماء الشيعة الكبار، وتعلو روضةَ الحسين قبةٌ واسعة يبلغ ارتفاعها 27متراً مغشاة بالذهب، وإلى جانبيها ترتفع مئذنتان شامختان مكسوتان بالذهب الخالص.
أما قبر العباس فهو على بعد 350م إلى الشمال من قبر أخيه الحسين، وهو ضمن روضة مساحتها 4370م2، يتوسطها صحن واسع يشتمل على القبر المحاط بعدد من الأواوين والغرف، مدفون في بعضها عدد من العلماء والسلاطين والوزراء من مختلف العهود الإسلامية. وتعلو القبرَ قبةً مطلية بالذهب كتب على محيطها الداخلي آيات قرآنية بماء الذهب، وإلى جانبيها مئذنتان مزركشتان في معظم أجزائهما.
مدينة كربلاء
وفي مطلع ستينات القرن الماضي تم تصميم ضريح جديد لمرقد العباس من الذهب الخالص المطعم بالفضة بطريقة فنية غاية في الجمال. ولأهمية هذه المدينة عند أتباع المذهب الشيعي؛ فقد شهدت حركة علمية دينية نشطة من خلال المدارس التي افتتحت على نطاق واسع، ومن أشهرها المدرسة العضدية، نسبة إلى مؤسسها عضد الدولة البويهي، ومدرسة دار السيادة التي أنشأها السلطان المغـولي محمود غازان، إلى جانب الزوايا والأماكن الموقوفة للفقراء وطلبة العلم، غير أن هذه المدارس أُزيلت اليوم بحكم توسعة مقامي الحسين وأخيه العباس، ولعل أشهر المدارس الباقية إلى اليوم في كربلاء مدرسة السردار حسن خان القزويني (1767)، ومدرسة المجاهد (1854) بالقرب من مرقد محمد المجاهد الطباطبائي، والمدرسة الحسينية (1909) والمدرسة الرشيدية (1910) والمدرسة الجعفرية (1914). ومعها عدد من المكتبات التي يؤمها العلماء والدارسون من مختلف أنحاء البلاد.
مصطفى الخطيب
كربلاء
مدينة عراقية تقع جنوب غرب بغداد، وتبعد عنها 104كم، على الضفة اليسرى لمجرى الحسينية، وعلى مقربة من سد الهندية. اشتق اسمها من الكربلة التي تأتي بمعنى رخاوة القدمين. يقال في اللغة: «أرض مكربلة» إذا كانت منقاة من الحصى والدغل، ومن المؤرخين من ذكرأن كربلاء من المدن العراقية القديمة التي يرجع تاريخها إلى العهد البابلي، وأن الاسم منحوت من كلمتين آشوريتين: (كرب) و(إيلا) وهما بمعنى حرم الله، ويرى فريق آخر أن الاسم بالأصل: (كوربابل) والكور هنا بمعنى الإقليم وكوربابل مجموعة قرى تعود إلى العهد البابلي؛ منها: نينوى (شمال شرق كربلاء) والغاضرية (شمال شرق مقام الإمام جعفر الصادق)، والنواويس (بناحية الحسينية)، ملاصقة لنينوى، كانت مقبرة لنصارى المنطقة قبل الفتح الإسلامي، ثم الحائر، وهي الأرض المنخفضة من كربلاء وفيها قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما، عرفت بذلك لأن الماء حار حولها.
أما كربلاء القديمة فتطلق على الأطلال الكائنة شمال غربي المدينة، كان قدماء السكان في العهد البابلي يستخرجون منها الخزف والفخار لصناعة الجرار التي كانوا يدفنون فيها موتاهم. ومما يذكر أن الحسين t سأل في أثناء مسيره إلى العراق عندما انتهى به الأمر إلى تلك الناحية: ما اسم هذه القرية؟ فقيل: كربلاء، فقال: هي كرب وبلاء، وأراد الخروج منها فمنع كما هو مبسوط في قصة استشهاده.
وعلى العموم، فكربلاء اليوم من أمهات مدن العراق الوسطى بلغ عدد سكانها 184 ألف نسمة عام 2001 وهي تمتاز ببساتينها الكثيفة التي زادت أشجارها المثمرة على 600 ألف شجرة من مختلف الفواكه، إلى جانب ثلاثة ملايين نخلة، وتعود شهرة المدينة إلى مكانتها الدينية عند أتباع المذهب الشيعي، فعلى تربتها أُريق دم الحسين سبط النبي r في العاشر من محرم سنة 61هـ/680م، وفيها الروضتان اللتان تضمان رفاته ورفات أخيه العباس.
يذكر الطبري أن أول من زار قبر الحسين بعد دفنه عبيد الله بن الحر من بني سعد العشيرة، وكان هذا سيداً في قومه، وقد امتنع عن مقاتلة الحسين. وتتالت من بعده الزيارات سراً إلى أن كانت الزيارة الكبرى التي قام بها التوابون وعلى رأسهم سليمان بن صرد الخزاعي 65هـ/684م. أما أول من أشاد البناء على قبر الحسين فهو محمد بن إبراهيم الأشتر بأمر من المختار الثقفي الذي ساد العراق بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان، وكانت جدران البناء مصنوعة من الطين والحجارة وتعلو القبر قبة من الطابوق، وكان الناس يتوجهون سراً إلى زيارة القبر منذ أيام عبد الملك بن مروان، واستمر الأمر كذلك طوال القرن الأول الهجري. وفي بعض مراحل العصر العباسي تعرض القبر للهدم، وعلى الأخص في عهد المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بن الرشيد 205-247هـ/820-861م الذي مَنَع الناس من زيارته ثم أمر بهدمه وهدم ما حوله من الدور.
أعيد ترميم القبر عند منتصف القرن الثالث الهجري إلا أنه لم يعتن به إلا مع وصول بني بويه إلى حكم العراق، إذ انصب اهتمامهم بعمارة المقامين في كل من النجف وكربلاء؛ لكونهم من أتباع المذهب الشيعي، ومنذ ذلك الوقت أخذ الزوار يفدون إلى كربلاء قوافل من أنحاء العالم الإسلامي.
يشتمل مقام الحسين اليوم على الضريح الكائن في صحن واسع يبلغ طوله 95 متراً، وعرضه 75 متراً، وله عشرة أبواب لكل منها طاق معقود بالفسيفساء، ويحيط به 65 إيواناً مطلية بالداخل والخارج بالفسيفساء، وداخل كل منها حجرة يلتقي فيها طلاب العلم. وقبر الحسين يتوسط بلاطة لها أبواب عدة أشهرها باب الذهب المؤدي إلى إيوان الذهب الذي ينتهي برواق محيط بالقبر، وإلى جانبه قبر حبيب مظاهر الأسدي الذي كان على ميسرة الحسين يوم فاجعة كربلاء. وفي الرواق نفسه مدافن لشخصيات تاريخية كبيرة، إلى جانبها صندوق يضم أجداث عدد من علماء الشيعة الكبار، وتعلو روضةَ الحسين قبةٌ واسعة يبلغ ارتفاعها 27متراً مغشاة بالذهب، وإلى جانبيها ترتفع مئذنتان شامختان مكسوتان بالذهب الخالص.
أما قبر العباس فهو على بعد 350م إلى الشمال من قبر أخيه الحسين، وهو ضمن روضة مساحتها 4370م2، يتوسطها صحن واسع يشتمل على القبر المحاط بعدد من الأواوين والغرف، مدفون في بعضها عدد من العلماء والسلاطين والوزراء من مختلف العهود الإسلامية. وتعلو القبرَ قبةً مطلية بالذهب كتب على محيطها الداخلي آيات قرآنية بماء الذهب، وإلى جانبيها مئذنتان مزركشتان في معظم أجزائهما.
مدينة كربلاء
وفي مطلع ستينات القرن الماضي تم تصميم ضريح جديد لمرقد العباس من الذهب الخالص المطعم بالفضة بطريقة فنية غاية في الجمال. ولأهمية هذه المدينة عند أتباع المذهب الشيعي؛ فقد شهدت حركة علمية دينية نشطة من خلال المدارس التي افتتحت على نطاق واسع، ومن أشهرها المدرسة العضدية، نسبة إلى مؤسسها عضد الدولة البويهي، ومدرسة دار السيادة التي أنشأها السلطان المغـولي محمود غازان، إلى جانب الزوايا والأماكن الموقوفة للفقراء وطلبة العلم، غير أن هذه المدارس أُزيلت اليوم بحكم توسعة مقامي الحسين وأخيه العباس، ولعل أشهر المدارس الباقية إلى اليوم في كربلاء مدرسة السردار حسن خان القزويني (1767)، ومدرسة المجاهد (1854) بالقرب من مرقد محمد المجاهد الطباطبائي، والمدرسة الحسينية (1909) والمدرسة الرشيدية (1910) والمدرسة الجعفرية (1914). ومعها عدد من المكتبات التي يؤمها العلماء والدارسون من مختلف أنحاء البلاد.
مصطفى الخطيب