مسرحية "سَبَقٌ صَحَفي": قصّة سرديّة!
أنور محمد
مسرح
(من العرض)
شارك هذا المقال
حجم الخط
مسرحية "سَبَقٌ صَحفي" للشاعر والكاتب المسرحي ممدوح عدوان كما قدَّمها المُخرج نضال عديرة على مسرح دار الثقافة باللاذقية مؤخرًا، تبدأ بالصراخ، عن كلبٍ أهلي عالي الجودة، نظيف وأنيق المظهر على ما وُصِفَ، وخالٍ من الأمراض المُعدية، يفلت من يد صاحبه- أدَّى دوره الممثِّل بسام سلكان- فيدخل حديقةً عامَّة، ويُهاجم فتاةً كانت تتنزَّه - أدَّت دورها الممثِّلة زينة عساف- ويمزِّق بنطالها، ما دفعَ أحد مرتادي الحديقة لإنقاذها من أنياب الكلب- أدَّى دوره الممثِّل براء فارس- فيقوم بضربه بعصا لعبة الغولف التي كانت بيده حتى الموت، ومن ثمَّ يمسك البنت من يدها وهو يجري نحو أقرب طبيب ليُسعفها، إذا بصحافيٍ يعترضهُما- أدَّى دوره الممثِّل يقين زنيبة- وهو يحمل كاميرا تابعة لإحدى جرائد مؤسَّسة إعلامية أميركية خاصَّة ويوثِّق هذه الحادثة، فيما يدخل الحديقة صاحب الكلب ببنطال قصير وهو يلهث، فيتفاجأ بأنَّ كلبه قد عضَّ الفتاة، فيعرض عليها دفع تعويض مالي عن الأذى الذي سبَّبه لها، غير أنَّ الصحافي، بالصراخ وبحركات استعراضية، يُصعِّد ويهوِّل على صاحب الكلب الجريمةَ التي ارتكبها كلبه، ممتدحًا ومُثنيًا على الشاب شَجاعَته ومُروءَته في إنقاذ البنت، ويعقد له محاكمة صورية مختلقًا الأكاذيب ليُجرِّمه، إذا بالصحافي يكشفُ عن جنسيته الأميركية وتكشفُ الفتاة أيضًا عن جنسيتها الأميركية، ولمَّا يسأل الصحافيُّ الشابَ عن جنسيته، وبعد تفكير يقول له: أنا (أفغاني)، إذا بالصحافي كمن تفاجأ بالجواب: أفغاني؟! وكأنَّ هناك مَنْ أخرجه من الفردوس الأرضي ورماه في عذابات الجحيم، فيدبُّ الذعرُ والخوفُ به ويصرخ: (إرهابي). فيقلبُ الصحافي الحكاية، وتصيرُ حسب الرواية الأميركية الجديدة، وعلى صدر الصحيفة التي يعملُ بها: إرهابيٌّ يُهاجمُ كَلبًا وديعًا في حديقة عامة ويقتله.
الحكاية كما قرأناها، وشاهدنا في العرض، هي أقرب إلى المسرح الروائي، لقد بقيت حكاية روائية رغم كل ما بذله الممثلون الأربعة من جهد عضلي عنيف في أدائهم على مدى 30 د. المُخرج نضال عديرة ترك النص في شكله الروائي- لم يقم بتفكيكه وإعادة بنائه، فينقله من السرد الحكائي إلى فعلٍ راهن، فالصراع فيه يقوم على الاستعراض السياسي؛ وليس خبرًا، أو عرضًا لخبر، والذي يكشف اللعبة والتلاعب الإعلامي الأميركي، وقدرته على تزييف الوقائع، وتحويل البطل إلى خائن والعكس. وكأنَّ الناسَ دُمى مربوطة بأسلاك العقائد إلى كرسي القوَّة الأميركية. ممدوح عدوان في مسرحيته هذه يسخر من مسوخ النظام العولمي الذي هو من طبيعة مُفترسة للحياة؛ إنَّها مأساة - يبدو من النص أنَّ المأساة قد حلَّت بممدوح عدوان، فهو طرفٌ مُتأذّ- غير ما شاهدناه في العرض، وكأنَّ المُخرج يتفرَّج، فيما المؤلِّف يتعذَّب ويكتب عذاباته وآلامه، وبحسٍّ جدلي فطري- هي ردَّة فعل عند الكاتب وهو يزجُّ القارئ في جَوٍّ الجحيم الذي تصنعه القوَّة العظمى للبشر، هذا الجحيم لم يُجسِّده المُخرج على الخشبة فنرى- وهذا ما تذهب إليه المسرحية؛ كفاح الإنسان المأساوي ضد المصير الذي تسوقه إليه أميركا. إذ أنَّ "التروستات" التي تحكمها هي مَنْ يفكِّر عن البشر على هذه الكرة الأرضية التي ما تزالُ مُستيقظة تَتَزَلْزَلُ وتَتَهَزْهَزْ.
المُخرج في المسرح يقوم بتحويل الشعور بالمأساة أو بالملهاة إلى شعورٍ مادي، وهو يسيل من على جسد الممثل بحركاتٍ تعبيرية وليس كما شاهدنا وسمعنا صراخًا. الممثِّل يقين زنيبة بدور الصحافي كان يصرخُ ويصرخ بلسانٍ من عامة الناس، وليس بلسان صاحب الرأي، وإن كان يقوم بعملية طبخ الآراء وصبَّها وتسويقها في قوالب حسب حاجة القوَّة العظمى لها بصفته المندوب السامي، وكذلك الممثِّلة زينة عساف والممثِّل براء فارس، إلاَّ صاحب الكلب الممثِّل بسام سلكان، فقد كان يُؤدِّي دورًا يُجسِّد فيه فعلًا اجتماعيًا، هو الواقع الإنساني وبذاتٍ من شعورٍ وفكر، هدوء وصرامة، من البارد في الحركات إلى الساخن، ومن البرَّاني إلى الجوَّاني.
مسرحية "سبق صحفي" للمخرج نضال عديرة بقيت قصَّة سردية لم يلعب المخرج على تكوينات الفعل المحوري فيها فيخلق مَشاهِد بصرية مؤثِّرة. العرض المسرحي ليس من مهاراتٍ سمعية- صوتية؛ بل من حركةٍ تجتمع فيها مفردات الإبداع الفكري بالصورة والصوت
أنور محمد
مسرح
(من العرض)
شارك هذا المقال
حجم الخط
مسرحية "سَبَقٌ صَحفي" للشاعر والكاتب المسرحي ممدوح عدوان كما قدَّمها المُخرج نضال عديرة على مسرح دار الثقافة باللاذقية مؤخرًا، تبدأ بالصراخ، عن كلبٍ أهلي عالي الجودة، نظيف وأنيق المظهر على ما وُصِفَ، وخالٍ من الأمراض المُعدية، يفلت من يد صاحبه- أدَّى دوره الممثِّل بسام سلكان- فيدخل حديقةً عامَّة، ويُهاجم فتاةً كانت تتنزَّه - أدَّت دورها الممثِّلة زينة عساف- ويمزِّق بنطالها، ما دفعَ أحد مرتادي الحديقة لإنقاذها من أنياب الكلب- أدَّى دوره الممثِّل براء فارس- فيقوم بضربه بعصا لعبة الغولف التي كانت بيده حتى الموت، ومن ثمَّ يمسك البنت من يدها وهو يجري نحو أقرب طبيب ليُسعفها، إذا بصحافيٍ يعترضهُما- أدَّى دوره الممثِّل يقين زنيبة- وهو يحمل كاميرا تابعة لإحدى جرائد مؤسَّسة إعلامية أميركية خاصَّة ويوثِّق هذه الحادثة، فيما يدخل الحديقة صاحب الكلب ببنطال قصير وهو يلهث، فيتفاجأ بأنَّ كلبه قد عضَّ الفتاة، فيعرض عليها دفع تعويض مالي عن الأذى الذي سبَّبه لها، غير أنَّ الصحافي، بالصراخ وبحركات استعراضية، يُصعِّد ويهوِّل على صاحب الكلب الجريمةَ التي ارتكبها كلبه، ممتدحًا ومُثنيًا على الشاب شَجاعَته ومُروءَته في إنقاذ البنت، ويعقد له محاكمة صورية مختلقًا الأكاذيب ليُجرِّمه، إذا بالصحافي يكشفُ عن جنسيته الأميركية وتكشفُ الفتاة أيضًا عن جنسيتها الأميركية، ولمَّا يسأل الصحافيُّ الشابَ عن جنسيته، وبعد تفكير يقول له: أنا (أفغاني)، إذا بالصحافي كمن تفاجأ بالجواب: أفغاني؟! وكأنَّ هناك مَنْ أخرجه من الفردوس الأرضي ورماه في عذابات الجحيم، فيدبُّ الذعرُ والخوفُ به ويصرخ: (إرهابي). فيقلبُ الصحافي الحكاية، وتصيرُ حسب الرواية الأميركية الجديدة، وعلى صدر الصحيفة التي يعملُ بها: إرهابيٌّ يُهاجمُ كَلبًا وديعًا في حديقة عامة ويقتله.
مسرحية "سبق صحفي" للمخرج نضال عديرة بقيت قصَّة سردية لم يلعب المخرج على تكوينات الفعل المحوري فيها فيخلق مَشاهِد بصرية مؤثِّرة |
المُخرج في المسرح يقوم بتحويل الشعور بالمأساة أو بالملهاة إلى شعورٍ مادي، وهو يسيل من على جسد الممثل بحركاتٍ تعبيرية وليس كما شاهدنا وسمعنا صراخًا. الممثِّل يقين زنيبة بدور الصحافي كان يصرخُ ويصرخ بلسانٍ من عامة الناس، وليس بلسان صاحب الرأي، وإن كان يقوم بعملية طبخ الآراء وصبَّها وتسويقها في قوالب حسب حاجة القوَّة العظمى لها بصفته المندوب السامي، وكذلك الممثِّلة زينة عساف والممثِّل براء فارس، إلاَّ صاحب الكلب الممثِّل بسام سلكان، فقد كان يُؤدِّي دورًا يُجسِّد فيه فعلًا اجتماعيًا، هو الواقع الإنساني وبذاتٍ من شعورٍ وفكر، هدوء وصرامة، من البارد في الحركات إلى الساخن، ومن البرَّاني إلى الجوَّاني.
مسرحية "سبق صحفي" للمخرج نضال عديرة بقيت قصَّة سردية لم يلعب المخرج على تكوينات الفعل المحوري فيها فيخلق مَشاهِد بصرية مؤثِّرة. العرض المسرحي ليس من مهاراتٍ سمعية- صوتية؛ بل من حركةٍ تجتمع فيها مفردات الإبداع الفكري بالصورة والصوت