"ضحية مشتبه بها": مواجهة تذنيب الشرطة للنساء ضحايا الاغتصاب
ربيع عيد
سينما
راشيل دي ليون في لقطة من الفيلم وملصق الفيلم
شارك هذا المقال
حجم الخط
ثمة حقيقة صعبة يصعب تخيّلها تفيد أن عشرات النساء اللاتي تعرّضن للاغتصاب وذهبن للإبلاغ عن الحادثة للشرطة تحولن بين ليلة وضحاها لمذنبات، ومنهن من دخلن السجن بتهمة البلاغ الكاذب. تبدو هذه القصّة ملائمة للأفلام أكثر منها للواقع، إلّا أن الواقع يخبّئ الكثير من المستور، وهذا ما يكشفه الفيلم الوثائقي "ضحيّة مشتبه بها" Victim/Suspect (2023) عن ظاهرة تذنيب النساء المشتكيات عن حوادث اغتصاب في الولايات المتحدة.
يتتبع الفيلم (90 دقيقة) قصّة الصحافيّة راشيل دي ليون Rachel de Leon التي تبدأ تدريبًا في الصحافة الاستقصائيّة في مركز الصحافة الاستقصائية في مدينة أوكلاند – كاليفورنيا، عندما تقرّر البحث بشكل معمّق حول قضايا لنساء تمّت إدانتهن بتقديم بلاغ كاذب حول حوادث اغتصاب تعرّضن لها. في البداية، لم تحظ ليون بموافقة مركز الصحافة للعمل على قصتها لغياب أدلة كافية، إلّا أن ليون استمرت في البحث في الأخبار عن قصص مشابهة لتكتشف قصصًا جديدة صادمة في أكثر من ولاية أميركيّة حول واقع مغيّب عن الإعلام والجمهور، بل إن وسائل الإعلام لعبت في عدة حالات دور تشويه سمعة الضحية.
نتعرّف على قصص النساء الضحايا من خلال عمل ليون الاستقصائي، ونتتبع من خلال رحلة التحقيق معاناة نساء وعائلات تمّت إدانتهن أو هدّدن بالإدانة من قبل محققين من الشرطة، الذين رغبوا بإغلاق الملفات بهذا الشكل المختصر مستعملين أسلوب التخويف. ترضخ النساء للشرطة ويتراجعن عن الشكوى بعد الصدمة النفسية جراء الاعتداء الجنسي وتفاديًا للعواقب التي يخبرهن بها المحقق. ادّعت الشرطة كذبًا أنّها تملك فيديوهات للنساء وهن يذهبن برغبتهن مع المعتدين وهو ما أكدّه أحد المحققين في الفيلم، معتبرًا أن هذا الأسلوب متّبع في التحقيقات.
القيمة الإضافية للوثائقي وللتحقيق نفسه، نشر فيديوهات التحقيقات التي أجرتها الشرطة مع النساء المشتكيات، هذه الفيديوهات كانت الدليل القوي والقاطع الذي دعم فرضية التحقيق الصحافي، وبيّن أن الحديث عن ظاهرة متداولة بين أقسام الشرطة والمحققين. نرى في الفيديوهات أسلوب المحققين المتهاون مع المعتدين الذكور والمتشدد مع الضحايا النساء. لم يكن بالإمكان الحصول على هذه الفيديوهات لولا المعركة القضائيّة التي خاضتها الصحافية ومركز الصحافة الاستقصائيّة في أوكلاند، مستغلين قانون حرية الحصول على المعلومات.
معظم النساء الضحايا شابات في مقتبل العمر منهن قاصرات، واجهن صدمة الاعتداء الجنسي وصدمة التشكيك في روايتهن وتحوّلهن إلى مذنبات، منهن من جرى اعتقالهن خلال استجواب الشرطة لهن. توصلت ليون في تحقيقها إلى 160 حالة خلال عشر سنوات، الأمر الذي يعكس ثقافة نموذجية من كراهية بحق النساء وقلة التدريب للتعامل مع قضايا من هذا النوع داخل الشرطة، وتفاقم ثقافة الاغتصاب بسبب عيوب في نظام العدالة الجنائيّة.
الفيلم من إخراج وإنتاج نانسي شوارتزمان Nancy Schwartzman وبدأ عرضه عبر نتفليكس في أيّار/مايو الماضي، وترشّح لجوائز عدّة، منها أفضل فيلم في مهرجان صندانس السينمائي. يعكس الفيلم أهمية الصحافة الاستقصائيّة المعمّقة، فالتحقيق الصحافي الذي عملت عليه راشيل دي ليون استمر ثلاث سنوات متواصلة قبل النشر بعد جمع كافة الأدلة والشهادات والتأكد منها دون انحياز.
تمكّن الفيلم من الكشف عن الظلم المنهجي بحق الضحايا، ورغم من أنه قد يكون ثقيلًا للبعض لدى مشاهدته لحساسيّة المواقف والقصص، إلّا أنّه أعطى فرصة للنساء باستعادة السيطرة على روايتهن بعد تشويهها وسلبها منهن. كما يكشف هذا العمل عن تغلغل الثقافة الذكوريّة داخل أقسام الشرطة في دولة ديمقراطيّة ذات مؤسسات، يُفترض أنها قطعت شوطًا كبيرًا في المساواة وإنهاء التمييز ضد النساء.
يفتح الفيلم في نهايته أسئلة حول عمق هذا التمييز بحق الفئات المستضعفة، ويعطي منصّة وفرصة لضحايا آخرين وأخريات للخروج عن الصمت، ويدعونا كمشاهدين للتفكير عمّا يحصل داخل أقسام الشرطة حول العالم.
ربيع عيد
سينما
راشيل دي ليون في لقطة من الفيلم وملصق الفيلم
شارك هذا المقال
حجم الخط
ثمة حقيقة صعبة يصعب تخيّلها تفيد أن عشرات النساء اللاتي تعرّضن للاغتصاب وذهبن للإبلاغ عن الحادثة للشرطة تحولن بين ليلة وضحاها لمذنبات، ومنهن من دخلن السجن بتهمة البلاغ الكاذب. تبدو هذه القصّة ملائمة للأفلام أكثر منها للواقع، إلّا أن الواقع يخبّئ الكثير من المستور، وهذا ما يكشفه الفيلم الوثائقي "ضحيّة مشتبه بها" Victim/Suspect (2023) عن ظاهرة تذنيب النساء المشتكيات عن حوادث اغتصاب في الولايات المتحدة.
يتتبع الفيلم (90 دقيقة) قصّة الصحافيّة راشيل دي ليون Rachel de Leon التي تبدأ تدريبًا في الصحافة الاستقصائيّة في مركز الصحافة الاستقصائية في مدينة أوكلاند – كاليفورنيا، عندما تقرّر البحث بشكل معمّق حول قضايا لنساء تمّت إدانتهن بتقديم بلاغ كاذب حول حوادث اغتصاب تعرّضن لها. في البداية، لم تحظ ليون بموافقة مركز الصحافة للعمل على قصتها لغياب أدلة كافية، إلّا أن ليون استمرت في البحث في الأخبار عن قصص مشابهة لتكتشف قصصًا جديدة صادمة في أكثر من ولاية أميركيّة حول واقع مغيّب عن الإعلام والجمهور، بل إن وسائل الإعلام لعبت في عدة حالات دور تشويه سمعة الضحية.
نتعرّف على قصص النساء الضحايا من خلال عمل ليون الاستقصائي، ونتتبع من خلال رحلة التحقيق معاناة نساء وعائلات تمّت إدانتهن أو هدّدن بالإدانة من قبل محققين من الشرطة، الذين رغبوا بإغلاق الملفات بهذا الشكل المختصر مستعملين أسلوب التخويف. ترضخ النساء للشرطة ويتراجعن عن الشكوى بعد الصدمة النفسية جراء الاعتداء الجنسي وتفاديًا للعواقب التي يخبرهن بها المحقق. ادّعت الشرطة كذبًا أنّها تملك فيديوهات للنساء وهن يذهبن برغبتهن مع المعتدين وهو ما أكدّه أحد المحققين في الفيلم، معتبرًا أن هذا الأسلوب متّبع في التحقيقات.
معظم النساء الضحايا شابات في مقتبل العمر منهن قاصرات، واجهن صدمة الاعتداء الجنسي وصدمة التشكيك في روايتهن وتحوّلهن إلى مذنبات، منهن من جرى اعتقالهن خلال استجواب الشرطة لهن. توصلت ليون في تحقيقها إلى 160 حالة خلال عشر سنوات، الأمر الذي يعكس ثقافة نموذجية من كراهية بحق النساء وقلة التدريب للتعامل مع قضايا من هذا النوع داخل الشرطة، وتفاقم ثقافة الاغتصاب بسبب عيوب في نظام العدالة الجنائيّة.
الفيلم من إخراج وإنتاج نانسي شوارتزمان Nancy Schwartzman وبدأ عرضه عبر نتفليكس في أيّار/مايو الماضي، وترشّح لجوائز عدّة، منها أفضل فيلم في مهرجان صندانس السينمائي. يعكس الفيلم أهمية الصحافة الاستقصائيّة المعمّقة، فالتحقيق الصحافي الذي عملت عليه راشيل دي ليون استمر ثلاث سنوات متواصلة قبل النشر بعد جمع كافة الأدلة والشهادات والتأكد منها دون انحياز.
تمكّن الفيلم من الكشف عن الظلم المنهجي بحق الضحايا، ورغم من أنه قد يكون ثقيلًا للبعض لدى مشاهدته لحساسيّة المواقف والقصص، إلّا أنّه أعطى فرصة للنساء باستعادة السيطرة على روايتهن بعد تشويهها وسلبها منهن. كما يكشف هذا العمل عن تغلغل الثقافة الذكوريّة داخل أقسام الشرطة في دولة ديمقراطيّة ذات مؤسسات، يُفترض أنها قطعت شوطًا كبيرًا في المساواة وإنهاء التمييز ضد النساء.
يفتح الفيلم في نهايته أسئلة حول عمق هذا التمييز بحق الفئات المستضعفة، ويعطي منصّة وفرصة لضحايا آخرين وأخريات للخروج عن الصمت، ويدعونا كمشاهدين للتفكير عمّا يحصل داخل أقسام الشرطة حول العالم.