جديد السينما ومستجداتها
محمد جميل خضر
سينما
شارك هذا المقال
حجم الخط
الفيلم الحربي الأميركي "العهد" The Covenant
تأليف وإخراج: غاي ريتشي.
ساعد في التأليف والسيناريو والحوار: إيفان أتكنسون ومارن دافييس.
(123) دقيقة.
ما الذي يجعلني أصدق الكاميرا/ السردية الأميركية عندما يتعلّق الأمر بفيلم عن حرب الولايات المتحدة ضد فيتنام، أو أفغانستان، أو احتلال العراق؟ في الحقيقة لا شيء. وبالتالي فإن غير المنجرفين خلف الرواية الأميركية لتبرير حربها في أفغانستان على سبيل المثال، ومن ثم بقائها هناك 20 عامًا، وخلال ذلك رفع عدد قواتها في البلد الآسيوي البائس، من 1800 جندي عام 2001، إلى 98 ألف جندي عام 2018، يتابعون مثل هذه الأفلام، لِمزيد من البراهين على صوابية موقفهم من العقلية الأميركية الإقصائية.
الآلاف المؤلفة من الأميركان الذين تدفقوا نحو كابول وما حولها، احتاجت من أجل تسيير أمورها في دهاليز أفغانستان وجبالها وتقلباتها إلى 50 ألف مترجم. والفيلم الذي بين أيدينا، يتحدث عن (بطولة) متبادلة بين مترجم منهم، وبين رقيب أميركي؛ حيث أنقذ المترجم أحمد (أدى دوره باقتدارٍ لافت الممثل الأفغاني دار سليم)، الرقيب جون كيلي (أدى دوره بعذوبة الممثل الأميركي جيك غيلينهال)، ليستلزم العهد، والالتزام، والتفاني، أن يرد كيلي الجميل لأحمد الذي صار، بعدما عاد جون إلى الديار، مطاردًا من كهف إلى كهف، هو وزوجته وطفله، هروبًا من طالبان الذين وضعوا لرأسه مكافأة مغرية جدًا.
القيمة ليست في إنقاذه الرقيب الذي كان يقوم بالترجمة له ولمجموعته، فهو فعل ذلك أكثر من مرّة، ولكن القيمة بطريقة إنقاذه له في المرّة الأخيرة، فقد قطع وهو يجرّه جريحًا شبه فاقد للوعي، مسافات وفيافي وهو يجرّ عربة خشبية وضعه ولفّه وأخفاه فوقها، صاعدًا جبالًا، ومتدحرجًا منحدرات، حيث تجنّب الطرق المتوقعة، والدروب المدجّجة بعناصر طالبان يبحثون ويقتلون، منقادين لضرورة طاعة الأوامر.
لعل المختلف في "العهد" هو الانزياح قليلًا عن النمطية التي يرى فيها الأميركي الآخر، فأحمد مثّل نموذجًا مقنعًا للبشرية السوية المتطلّعة لتحسين ظروف عيشها، والبحث عن فرصة لخروجٍ بلا عودة.
في حوارات الفيلم يتبيّن، أن ثمّة ثأرًا بين أحمد وطالبان الذين قتلوا ابنًا له أمام ناظريه، ما يضع بطولة هذا المترجم في خانة فرضيات أخرى. وفي مشاهد الشريط ومتواليات أحداثه تغييب لأي مساحة يمكن ان يطل منها الآخر ويقدم سرديته، أو يبرر بعض ما يقترفه بحق شعبه والعالم. ثم إن أحمد مترجم بارع، ما يعني أن إتقانه للغة المحتلّ قد تعني الانبهار به، وتمثّل بعض أخلاقياته، وهذه فرضية ثالثة لمعاينة بطولته من زاوية أخرى للنظر.
الفيلم، بشكل، أو بآخر، حربي، إن اعتبرنا أن مواجهة اثنين لمجموعات كاملة تتدفق على التوالي، هي، على نحو ما حرب بالمفهوم غير التقليدي للحروب! وعلى سيرة مواجهة اثنين لعشرات الرجال المقاتلين والفتك بهم، يصعد سؤالٌ بإلحاح: من أين تعلّم أحمد كل مهارات القتال والرماية والقنص هذه؟
على كل حال في الفيلم تشويق، وفيه تصوير عالي الجودة، وفيه، إضافة إلى كل ذلك، فرصة عميقة لتأمّل كيف تسوّق أميركا نفسها وحروبها، والأمر والأدهى: قيمها.
صحيح أن أحمد أُنقِذ، وضغط جون بجنون كي يحصل وأسرته على تأشيرات، ولكن هناك المئات، حتى لا أقول الآلاف ممن تعاونوا مع الأميركان في أفغانستان، وترجموا لهم، وساعدوهم، لم يتح لهم مغادرة أفغانستان إبان انسحاب أميركا من هناك، وكثير منهم قامت حركة طالبان بتصفيتهم، ناهيك عن آلاف مجهولي المصير.
يضع المخرج في شارة الفيلم الختامية صورًا لمترجمين أفغان وجنود أميركان، دون أن يقول إن الفيلم يستند إلى قصة حقيقية. الفيلم الفنلندي "سيسو" Sisu
تأليف وإخراج: جالماري هاليندر.
(91) دقيقة.
هوس البحث عن الذهب لا يقل شأنًا عن هوس خوض الحروب، في الأيام الأخيرة اليائسة من الحرب العالمية الثانية، يكرّس منقِّب عن الذهب (أدّى دوره جورما تومّيلا Jorma Tommila) كل تركيزه وجلّ وقته من أجل الفرصة الأخيرة للعثور على المعدن اللامع الفتّان. ينجح تنقيبه أخيرًا بعد سنين من البحث المضني، ممتطيًا فرسه، معانقًا حلمه المحفوظ في حقائب جلدية، يتعثر المنقّب بجنود ألمان، متعثرين هم بدورهم بعودتهم المهزومة من الحرب، يأخذون الذهب منه، لتبدأ دوامة الانتقام واستعادة الذهب.
فيلم عن القتل من أجل المال، بعد أن كان القتل خلال الحرب من أجل الغرور وفوقية الذات.
بعد تمحيص سريع، يتبيّن أن المنقّب ما هو إلا أتامي كوربي الكوماندوز الفنلندي الفتّاك، الذي تحوّل داخل الوجدان الفنلنديّ إلى أسطورة، وبات يحمل اسم "الخالد". حتى الجنود الروس الذين قتل منهم 300 بين جندي وضابط، صاروا، بدورهم، يطلقون عليه اللقب نفسه: "الخالد".
فيلم عن النصر بالرعب، وعن ضرورة الإرادة العنيدة، كشرط جوهري من شروط الانتصار: "لا يتعلق الأمر بالأقوى، بل برفض الاستسلام".
الفيلم الأميركي "هواء" Air
تأليف: أليكس كزنفيري.
إخراج: بن آفليك (شارك بالتمثيل أيضًا).
(111) دقيقة.
لعل الإضاءة الألمع في هذا الفيلم هي حول أهمية تمسكنا بِاسْتشرافنا. بكثيرٍ من العناد، وقدرٍ مدهشٍ من قراءة الطالع، وفراسة التوقّع، ينجح سوني فاكارو (مات دامون) بإقناع شركة Nike، أن تستثمر في لاعب صاعد، أيامها، وتدفع له مقابل ارتدائه حذاءها الرياضي الخاص بلعبة كرة السلة، لقناعته الراسخة بأن هذه الموهبة الصاعدة سيكون لها شأن كبير في مقبل الأيام. لم يخيّب اللاعب الأميركي مايكل جوردان، الألمع في العالم لعله، ظن فاكارو به، وعادت فراسة الصياد الماهر بعشرات لا بل بمئات ملايين الدولارات على الشركة التي ارتدى جوردان أحذيتها حصريًا.
فيلم عن أنماط رأس المال الأميركي، وعن كيف تتراكم الأرصدة هناك، وعن لا محدودية الفرص في حال امتلاك مهارة، ميزة، قدرات، خصوصية ما.
لا يشذ فيلم "هواء" عن الخط العام لروح السينما الأميركية، ولكن مع بعض بهارات خفة الظل، وتجنّب الإبهار المبالغ فيه، خصوصًا أن الفيلم يروي قصة حقيقية من خلال أداء تمثيليّ وليس من خلال فيلم وثائقي. بقي أن نقول إن الفيلم يُنصف والدة مايكل جوردان بإقراره دورها المحوريّ في صفقات ابنها، وفي مهارات تواصله مع العالم الخارجيّ.
محمد جميل خضر
سينما
شارك هذا المقال
حجم الخط
الفيلم الحربي الأميركي "العهد" The Covenant
تأليف وإخراج: غاي ريتشي.
ساعد في التأليف والسيناريو والحوار: إيفان أتكنسون ومارن دافييس.
(123) دقيقة.
ما الذي يجعلني أصدق الكاميرا/ السردية الأميركية عندما يتعلّق الأمر بفيلم عن حرب الولايات المتحدة ضد فيتنام، أو أفغانستان، أو احتلال العراق؟ في الحقيقة لا شيء. وبالتالي فإن غير المنجرفين خلف الرواية الأميركية لتبرير حربها في أفغانستان على سبيل المثال، ومن ثم بقائها هناك 20 عامًا، وخلال ذلك رفع عدد قواتها في البلد الآسيوي البائس، من 1800 جندي عام 2001، إلى 98 ألف جندي عام 2018، يتابعون مثل هذه الأفلام، لِمزيد من البراهين على صوابية موقفهم من العقلية الأميركية الإقصائية.
الآلاف المؤلفة من الأميركان الذين تدفقوا نحو كابول وما حولها، احتاجت من أجل تسيير أمورها في دهاليز أفغانستان وجبالها وتقلباتها إلى 50 ألف مترجم. والفيلم الذي بين أيدينا، يتحدث عن (بطولة) متبادلة بين مترجم منهم، وبين رقيب أميركي؛ حيث أنقذ المترجم أحمد (أدى دوره باقتدارٍ لافت الممثل الأفغاني دار سليم)، الرقيب جون كيلي (أدى دوره بعذوبة الممثل الأميركي جيك غيلينهال)، ليستلزم العهد، والالتزام، والتفاني، أن يرد كيلي الجميل لأحمد الذي صار، بعدما عاد جون إلى الديار، مطاردًا من كهف إلى كهف، هو وزوجته وطفله، هروبًا من طالبان الذين وضعوا لرأسه مكافأة مغرية جدًا.
القيمة ليست في إنقاذه الرقيب الذي كان يقوم بالترجمة له ولمجموعته، فهو فعل ذلك أكثر من مرّة، ولكن القيمة بطريقة إنقاذه له في المرّة الأخيرة، فقد قطع وهو يجرّه جريحًا شبه فاقد للوعي، مسافات وفيافي وهو يجرّ عربة خشبية وضعه ولفّه وأخفاه فوقها، صاعدًا جبالًا، ومتدحرجًا منحدرات، حيث تجنّب الطرق المتوقعة، والدروب المدجّجة بعناصر طالبان يبحثون ويقتلون، منقادين لضرورة طاعة الأوامر.
لعل المختلف في "العهد" هو الانزياح قليلًا عن النمطية التي يرى فيها الأميركي الآخر، فأحمد مثّل نموذجًا مقنعًا للبشرية السوية المتطلّعة لتحسين ظروف عيشها، والبحث عن فرصة لخروجٍ بلا عودة.
في حوارات الفيلم يتبيّن، أن ثمّة ثأرًا بين أحمد وطالبان الذين قتلوا ابنًا له أمام ناظريه، ما يضع بطولة هذا المترجم في خانة فرضيات أخرى. وفي مشاهد الشريط ومتواليات أحداثه تغييب لأي مساحة يمكن ان يطل منها الآخر ويقدم سرديته، أو يبرر بعض ما يقترفه بحق شعبه والعالم. ثم إن أحمد مترجم بارع، ما يعني أن إتقانه للغة المحتلّ قد تعني الانبهار به، وتمثّل بعض أخلاقياته، وهذه فرضية ثالثة لمعاينة بطولته من زاوية أخرى للنظر.
الفيلم، بشكل، أو بآخر، حربي، إن اعتبرنا أن مواجهة اثنين لمجموعات كاملة تتدفق على التوالي، هي، على نحو ما حرب بالمفهوم غير التقليدي للحروب! وعلى سيرة مواجهة اثنين لعشرات الرجال المقاتلين والفتك بهم، يصعد سؤالٌ بإلحاح: من أين تعلّم أحمد كل مهارات القتال والرماية والقنص هذه؟
لعل المختلف في "العهد" هو الانزياح قليلًا عن النمطية التي يرى فيها الأميركي الآخر، فأحمد مثّل نموذجًا مقنعًا للبشرية السوية المتطلّعة لتحسين ظروف عيشها |
صحيح أن أحمد أُنقِذ، وضغط جون بجنون كي يحصل وأسرته على تأشيرات، ولكن هناك المئات، حتى لا أقول الآلاف ممن تعاونوا مع الأميركان في أفغانستان، وترجموا لهم، وساعدوهم، لم يتح لهم مغادرة أفغانستان إبان انسحاب أميركا من هناك، وكثير منهم قامت حركة طالبان بتصفيتهم، ناهيك عن آلاف مجهولي المصير.
يضع المخرج في شارة الفيلم الختامية صورًا لمترجمين أفغان وجنود أميركان، دون أن يقول إن الفيلم يستند إلى قصة حقيقية. الفيلم الفنلندي "سيسو" Sisu
تأليف وإخراج: جالماري هاليندر.
(91) دقيقة.
هوس البحث عن الذهب لا يقل شأنًا عن هوس خوض الحروب، في الأيام الأخيرة اليائسة من الحرب العالمية الثانية، يكرّس منقِّب عن الذهب (أدّى دوره جورما تومّيلا Jorma Tommila) كل تركيزه وجلّ وقته من أجل الفرصة الأخيرة للعثور على المعدن اللامع الفتّان. ينجح تنقيبه أخيرًا بعد سنين من البحث المضني، ممتطيًا فرسه، معانقًا حلمه المحفوظ في حقائب جلدية، يتعثر المنقّب بجنود ألمان، متعثرين هم بدورهم بعودتهم المهزومة من الحرب، يأخذون الذهب منه، لتبدأ دوامة الانتقام واستعادة الذهب.
فيلم عن القتل من أجل المال، بعد أن كان القتل خلال الحرب من أجل الغرور وفوقية الذات.
بعد تمحيص سريع، يتبيّن أن المنقّب ما هو إلا أتامي كوربي الكوماندوز الفنلندي الفتّاك، الذي تحوّل داخل الوجدان الفنلنديّ إلى أسطورة، وبات يحمل اسم "الخالد". حتى الجنود الروس الذين قتل منهم 300 بين جندي وضابط، صاروا، بدورهم، يطلقون عليه اللقب نفسه: "الخالد".
فيلم عن النصر بالرعب، وعن ضرورة الإرادة العنيدة، كشرط جوهري من شروط الانتصار: "لا يتعلق الأمر بالأقوى، بل برفض الاستسلام".
الفيلم الأميركي "هواء" Air
تأليف: أليكس كزنفيري.
إخراج: بن آفليك (شارك بالتمثيل أيضًا).
(111) دقيقة.
لعل الإضاءة الألمع في هذا الفيلم هي حول أهمية تمسكنا بِاسْتشرافنا. بكثيرٍ من العناد، وقدرٍ مدهشٍ من قراءة الطالع، وفراسة التوقّع، ينجح سوني فاكارو (مات دامون) بإقناع شركة Nike، أن تستثمر في لاعب صاعد، أيامها، وتدفع له مقابل ارتدائه حذاءها الرياضي الخاص بلعبة كرة السلة، لقناعته الراسخة بأن هذه الموهبة الصاعدة سيكون لها شأن كبير في مقبل الأيام. لم يخيّب اللاعب الأميركي مايكل جوردان، الألمع في العالم لعله، ظن فاكارو به، وعادت فراسة الصياد الماهر بعشرات لا بل بمئات ملايين الدولارات على الشركة التي ارتدى جوردان أحذيتها حصريًا.
فيلم عن أنماط رأس المال الأميركي، وعن كيف تتراكم الأرصدة هناك، وعن لا محدودية الفرص في حال امتلاك مهارة، ميزة، قدرات، خصوصية ما.
لا يشذ فيلم "هواء" عن الخط العام لروح السينما الأميركية، ولكن مع بعض بهارات خفة الظل، وتجنّب الإبهار المبالغ فيه، خصوصًا أن الفيلم يروي قصة حقيقية من خلال أداء تمثيليّ وليس من خلال فيلم وثائقي. بقي أن نقول إن الفيلم يُنصف والدة مايكل جوردان بإقراره دورها المحوريّ في صفقات ابنها، وفي مهارات تواصله مع العالم الخارجيّ.