الكلام (علم)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكلام (علم)

    كلام (علم) -
    الكلام (علم ـ)



    نشأ هذا العلم على يد علماء الكلام والفلسفة الإسلامية كالأشعري والماتريدي والغزالي والباقلاني، والفارابي وابن سينا وأبي البركات البغدادي لإثبات العقائد الإسلامية ومواجهة الضلالات والانحرافات، متأثرين بمنهج الفلاسفة اليونانيين في تقسيم الأشياء إلى ممكن ومستحيل وواجب، وبأنه لا توجد الممكنات إلا بقدرة مرجحة صفة الوجود على العدم، وتلك القدرة سابقة في الوجود على المخلوقات الممكنة، إذ لا بد من اليقين بأن الممكنات كلها تحتاج في اسـتناد أصل وجودها إلى ذات واجبة الوجود؛ حتى لا يؤدي ذلك إلى التسلسـل إلى ما لا نهاية له، وهو باطل ومستحيل، وتلك الذات هي الله التي ينبع وجودها من ذات الله لا من غيره. ويسمى هذا العلم أيضاً بعلم التوحيد وهو أشرف العلوم، وأول ما يجب على المكلف معرفته، ويدخل في مفهوم التوحيد: الإيمان بوجود الله، والتوحيد أصل الدين؛ لذا يلقب هذا العلم بعلم أصول الدين، لاحتوائه على قواعد كلية لا يقوم الدين إلا عليها، ويسمى أيضاً بعلم الكلام؛ لأنه لا يتم تحققه في النفس غالباً إلا بالكلام وكثرته.

    وأطلق هذا الاسم في عصر المأمون في مقابل علم الفقه، وهو العلم بالأحكام الشرعية العملية. واستمد علم التوحيد أو الكلام في الأصل من الوجوب والجواز والامتناع كما تقدم، ثم من التفسير والحديث والفقه والإجماع والعقل، لأن التكليف من الشرع، ووظيفة العقل: معرفة ماهية الواقع وصفته بحسب قدرة البشر والنظر أو التأمل في العالم الخارجي، للتعرف على وجود الله، ولكن وجوب الإيمان بالله بحيث يعاقب من لا يؤمن، ويثاب من يؤمن من الشرع لا من العقل في رأي الأشاعرة (أتباع أبي الحسن الأشعري)، ومن العقل في رأي الماتريدية (أتباع أبي منصور الماتريدي). وإثبات القرآن يكون بعد إثبات وجود الله تعالى، ولا يتم التصديق بالحديث إلا بإثبات نبوة النبي والتصديق بظاهرة الوحي، وهذا لا يتحقق إلا بعلم التوحيد.

    تعريفه وأهميته: هو -كما ذكر ابن خلدون في المقدمة- علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، والرد على الكفرة والمبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة.

    أو هو كما قال عضد الملة والدين في المواقف: علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشُّبه، والمراد بالعقائد: ما يقصد به الاعتقاد نفسه من دون العمل، وبالدينية: المنسوبة إلى دين محمد r.

    وعرفه سعد الدين التفتازاني بإيجاز: بأنه العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية. وتلتقي هذه التعاريف بأنه علم يثبت عقيدة الإسلام في النفس، ويؤدي إلى إفحام المخالف وإلزامه، فيحصل المؤمن على سعادة الدنيا والآخرة، ويملأ النفس شدة الخوف من الله تعالى، ويفيد في تحقيق طمأنينة النفس، وانكشاف الحقيقة لديها، وإفحام المشككين من أهل الكفر.

    فهو علم على غاية من الأهمية، لتعلقه بأصول الاعتقاد من إيمان بوجود الله وتوحيده وبراءةٍ من الشرك، وإقرار بالنبوة والوحي، وتصديق بخاتم الأنبياء والرسل وغيره ممن تقدمه منهم، والمعتبر في أدلة هذا العلم اليقين فقط.

    وهذا ما استقر لدى كثير من أتباع المذاهب الأربعة إذ قرروا أن علم الكلام من الفروض الكفائية، لدَحْض الشبه.

    وأما ما نقل عن بعض الأئمة: مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف من استنكار هذا العلم، فيراد به التحذير من اتخاذه صنعة وطريقاً للجدل، من غير حاجة إليه، وخشية الانزلاق في متاهات الفلاسفة والمنطق الأرسطي، وهو ما قرره الغزالي والباقلاني، فقد يكون علم الكلام في رأي الغزالي حلالاً أو مندوباً أو واجباً بحسب الحاجة إليه، وقد يصير حراماً عند احتمال ضرره، ويكون تعلمه في حدود الحاجة إليه، ومتفقاً مع المنهج القرآني في تبصير المؤمنين بحقائق الإسلام وعقائده.

    موضوعه وغايته: موضوعه: المعلوم المتعلق بإثبات العقائد الدينية، كالعلم بأحوال الخالق الصانع واتصافه بالقِدم والوَحْدة والقدرة والإرادة وغيرها من أصول العقيدة الإسلامية، ومعرفة أحوال الجسم وما يعرض له من الحدوث والافتقار والتركيب والأجزاء وقبول الفناء، وذلك دليل الافتقار إلى الموجِد له.

    والمعلوم الموصل إلى تثبيت العقائد، يشمل العقليات والتجريبيات والمتواترات وغيرها، مما يفيد العلم القطعي. ويشمل أيضاً القرآن والسنة لأنهما المصدران الأساسيان لإثبات العقائد، فيكون العقل والنقل طريقين متكاملين لإثبات العقائد عند أهل السنة، الذين يجزمون بأن البحث العقلي لن يؤدي إلى شيء يخالف ما أتى به الدين.

    وهذا المعلوم المستفاد من علم الكلام أو التوحيد الذي يزوِّد الإنسان بمعرفة الأحكام الثابتة لذات الله تعالى وصفاته وأحوال الممكنات هو قانون الإسلام أو رصيد المعرفة في الإسلام.

    وغاية هذا العلم: ترسيخ أصول الإيمان في نفس المؤمن، والتصديق بها تصديقاً يقينياً محكماً، لا تزعزعه شبهات المبطلين، لأن سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة لا تتم إلا على أساس دين الإسلام، فكان لزاماً غرس أصول هذا الدين في نفوس الناس، والتمكن من الرد على شبهات الكافرين والأعداء.

    وإذا رسخ الدين في النفس المؤمنة اطمأن الناس، وعمَّ العدل والرخاء والاستقرار، وكانت المعاملات قائمة على أساس من الثقة والحق، وامتنع الفساد، وتمسك كل واحد بأحكام الشريعة، لأن منبع احترام النظم والأحكام هو الإيمان الحق بأصول التوحيد على منهج أهل الحق القائم على معطيات القرآن والحديث والعقل.

    مسـائله أو قضاياه: مسائل علم التوحيد هي القضايا النظرية الشرعية الاعتقادية، والمقصود بالنظرية: ما يحتاج إلى دليل أو نظر حتى يتم التصديق بها. ويكفي في رأي أغلب العلماء وجود الدليل الإجمالي على صحة العقيدة، وهذا الدليل فرض عين على كل مكلف، حتى لو كان عامياً، فالدليل على وجود الله: هو حدوث العالم، أي وجوده بعد العدم، ومن الأدلة: التأمل فيمن خلق الورد مثلاً بلونه الجميل ورائحته الزكية وهو الله، ثم يتفاوت أهل المعرفة بالمطالبة بالدليل التفصيلي، وهذا الدليل فرض كفاية في الأمة المسلمة، وهذا يعني أن تعلم التوحيد وتعليمه واجب شـرعاً وجوباً حتمياً، لقولـه تعالى: }فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ{ (محمد 19). ويترتب على إيجاب الدليل الإجمالي أو التفصيلي وجوب الانتقال من التقليد إلى التحقيق أو قيام الدليل في الذات المؤمنة على حدة، حتى يصح الإيمان أو الاعتقاد.

    أمثلة على هذا العلم: هي كثيرة، ومنها ما يأتي:

    أ- الإيمان بالله تعالى: أي التصديق الجازم مع الإذعان لما صدَّق به، وتوحيده، لتفرده بالخلق والإيجاد من العدم، ولأن تعدد الآلهة يؤدي إلى تصادم الإرادات، كما قال تعالى: }أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ{ (النحل 17)، وقوله: }لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا{ (الأنبياء 22).

    ب- تنزيه الله تعالى عن صفات الحوادث: فبما أنه تعالى واجب الوجود لمخالفة غيره من الموجودات، فيوصف بصفة القِدَم فلا يتصف بأنه في زمان ولا مكان، لأنه يستحيل عليه التغير، ويوصف أيضاً بصفة البقاء، فهو واجب البقاء، لأن مالا أول له فلا نهاية له، قال تعالى: }هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ (الحديد 3).

    جـ- علم الله تعالى: علمه شامل لكل شيء في السموات والأرض، سواء الكليات والجزئيات، وهذه صفة انكشاف لا صفة إجبار، ولا يكون العلم بعضو معين، ولا بتجربة ولا بأي وسيلة أخرى، وإنما يعلم بذاته كل الأشياء. ويعلم الماضي والحاضر والمستقبل على السواء، ويعلم السر وأخفى: }عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ{ (الأنعام 73).

    د- كلام الله تعالى: لله صفة الكلام النفسية من غير صوت ولا حرف خلافاً للمخلوقات، وذلك فعل له، وهي صفة أزلية قائمة بذاته تعالى، منافية للسكوت والآفة، هو بها آمر ناهٍ، مخبر، يدل عليها بالعبارة والكتابة والإشارة.

    هـ- الإرادة: وهي صفة من صفات الذات، لا من صفات الفعل، وصفة قديمة ليست حادثة، وهو مختار مطلقاً إن شاء فعل، وإن شاء ترك الفعل، والإرادة نوعان: إرادة كونية مرادفة للمشيئة، وإرادة شرعية مرادفة للمحبة. والقدرة لا تتصور إلا مع الإرادة، ولا تتصور الإرادة إلا مع العلم.

    وهبة الزحيلي
يعمل...
X