جديد السينما
محمد جميل خضر
سينما
شارك هذا المقال
حجم الخط
من جديد السينما:
الفيلم التركي "ضاق الخِناق"
اسم الفيلم بالإنكليزية: Chokehold
بالتركي: Boga Boga
تأليف: هاكان غونداي.
إخراج: أونور سايلاك.
مدة الفيلم: ساعة و53 دقيقة.
بروحِ المسلسل التلفزيونيّ بدأ الفيلم التركي الروائي حكايته، ليختمها بروحٍ سينمائية وافرة.
لا يستطيع المرء أن يهرب من آثامه، هذا ما حاول الفيلم إيصاله، خصوصًا إذا كانت هذه الآثام متعلّقة بحقوق الناس والعبث بأحلامهم، والسطو على (تحْويشات) عمرهم بحجة الاستثمار بها، وتخْصيبها، قبل أن يتبيّن أن الأمر كلّه لا يعدو عن كونه، مرّة ثانية، مجرّد وسيلة جديدة، قديمة، من وسائل النصب عليهم.
كثير من المشاهد الفائضة عن الحاجة، والمواقف غير مكتملة الإقناع، ولكن الرسالة، على صعيد المحتوى، تستحق تحمّل عناء إكمال الفيلم حتى مشهده الأخير، المفعم (هذا المشهد) بالواقعية السحرية، وِبروح القُرى النائمة عند حدود الجداول والبِحار (بحر إيجة) والخضرة الساحرة.
إنها الرسالة المتعلّقة بِمدى بشاعة جشعِ البشر، ومدى سرعة تهافت الناس نحو أي فرصةِ كسبٍ مهما كانت متعجّلةً وخاليةً من المنطق.
لا يبدو، في الفيلم، أن الممثل التركي كيفانش تاتليتوغ الذي اشتهر عربيًا بدور مهنّد في المسلسل التركي المدبْلَج "نور"، قد فقد بريقه الدراميّ رغم بدايته كـَ(موديل موضة). ومع شواربه التي تخفي كثيرًا من أسرار شخصيته المضطربة القاسية النهمة، واظب يالين (اسمه في الفيلم) على القتل ثم البكاء. إنها الهاوية التي لا تتبعها سوى هاوية أكثر انحدارًا منها.
بدورها، ملأت الممثلة فوندا إرايجيت (صاحبة الأصول الشركسية الجيورجية)، مساحَتها بِدور بييزا زوجة يالين، العاشقة بشكلٍ مضطربٍ له، الآمِلة عودته إلى رشده، المتمسّكة، رغم كل الفوضى التي تسبب بها زوجها، بضرورة الحفاظ على توازنها الأخلاقيّ، مع إبْقائها على كيمياءَ ممكنةٍ بينهما، على الصعيد العاطفيّ الجسديّ بأقلِّ تقدير، لكنّ الخِناق، للأسف العميق، ضاقَ في نهاية المطاف.
كان لافتًا، باعتقادي، مشهد مرور لاجئين (بغض النظر سوريين، أو غير سوريين)، ممّن لفظتهم قوارب الموت، بالقرب من يالين وهو يحاول دفن أحد ضحاياه، لِمواراة إحدى جرائمه. وكان بليغًا الدرس المتعلّق بهذا المشهد، لو منح نفسه (يالين) فرصة تأمّل مدى خواء جري البشر جري الوحوش، علمًا أنها غير رزقها لن (تحوش).
الفيلم الهندي "لصوص السحاب"
الاسم بالهندية: Chor Nikal Ke Bhaga
تأليف مشترك لِـ: سيراج أحمد، راج كومار غوبطا وأمار كاوشيك.
إخراج: أجاي سينغ.
(111) دقيقة.
بكثيرٍ من الحركة والتشويق والمفارقات المضحكة فوق السحاب، يعكس الفيلم التطوّر الذي وصلته السينما الهندية، في هذا النوع من الأفلام التي لا تنشد العمق، أو فتح نافذة للتأمّل والدهشة والتفاعل القيميّ الساطع. فيلم يريدنا أن ننبهر فقط، ونراقب خفة ظل الأداء، ونستمتع بكيف تسير أمور عملية تهريب جواهر عبر رحلة طيران من... إلى. وهو، على كل حال، درس قاس حول ضراوة المرأة حين تقرر الانتقام، ولا محدودية قدراتها عندما يتاح لها إظهار هذه القدرات. وجبة تسلية بتقنيات سينمائية عالية، وبأداء لافت للمجرمة نيها غروفر (يامين غاوتام) التي لا تملك إلا أن تتعاطف معها، ومع خفة الظل المتناهية لهذا التمثيل الساطع.
الفيلم الإسباني الصامت El Hogar
تأليف وإخراج: جوليو دي لا فوينتي.
(85) دقيقة.
تجلى الفيلم بوصفه احتفاء بمرور مائة عام على أول فيلم عُرض لشارلي شابلن في إسبانيا (فيلم "الطفل" الذي عرض هناك عام 1921). ولهذا جاء الفيلم صامتًا، ليس صامتًا تمامًا كما هي حال أفلام شابلن، ولكن بدون إسماع الجمهور صوت حواراته، وإن كان لا بد من معرفة فحوى حوار ما من حوارات الفيلم، فكانت توضع تفاصيل هذا الحوار مكتوبة فوق الشاشة، أما الصوت الوحيد المسموع فهو صوت الموسيقى المتقاطعة، كثيرًا، مع موسيقى أفلام شابلن، ومع كثير من أفلام الرسوم المتحركة.
بعد معرفة هذه المعلومة حول دلالة إنتاج الفيلم ورمزيته، تصبح محاكمته بالقياس إلى ما وصلت إليه سينما هذه الأيام، محاكمة ظالمة تقلّل من روحانية فكرته، وتمارس تعسفًا لا يستحقه الفيلم المحمّل بطرافة إنسانية غامرة، المنحاز إلى فقراء الأرض، الباحث عن نقاط التقاء بين أفراد المجتمع الواحد.
كاريكاتورية أبطال الفيلم، ومفارقات مواقفه، منحت دقائقه بهجة من نوع خاص، وجعلت التعاطف مع سيرورة أحداثه، فكرة سديدة وخفيفة الظل مثل الفيلم نفسه.
أطفال الفيلم رائعون ومقنعون. أحداثه ذهبت بنا نحو تعرية المجتمع الرأسمالي، وهشاشة تموضعاته التي عصفت بها (عُرى المجتمع الرأسماليّ) فكرة بسيطةٌ وشرّيرةٌ، وربما، عادلةٌ، في الوقت نفسه، إنها فكرة أنْ يضع المشردون (أي مشردين بغض النظر) أيديهم على بيت خال من أصحابه، ويرفضون مغادرته تحت ذريعة أنهم وأولادهم يستحقون مأوى مثل باقي خلق الله.
محمد جميل خضر
سينما
شارك هذا المقال
حجم الخط
من جديد السينما:
الفيلم التركي "ضاق الخِناق"
اسم الفيلم بالإنكليزية: Chokehold
بالتركي: Boga Boga
تأليف: هاكان غونداي.
إخراج: أونور سايلاك.
مدة الفيلم: ساعة و53 دقيقة.
بروحِ المسلسل التلفزيونيّ بدأ الفيلم التركي الروائي حكايته، ليختمها بروحٍ سينمائية وافرة.
لا يستطيع المرء أن يهرب من آثامه، هذا ما حاول الفيلم إيصاله، خصوصًا إذا كانت هذه الآثام متعلّقة بحقوق الناس والعبث بأحلامهم، والسطو على (تحْويشات) عمرهم بحجة الاستثمار بها، وتخْصيبها، قبل أن يتبيّن أن الأمر كلّه لا يعدو عن كونه، مرّة ثانية، مجرّد وسيلة جديدة، قديمة، من وسائل النصب عليهم.
كثير من المشاهد الفائضة عن الحاجة، والمواقف غير مكتملة الإقناع، ولكن الرسالة، على صعيد المحتوى، تستحق تحمّل عناء إكمال الفيلم حتى مشهده الأخير، المفعم (هذا المشهد) بالواقعية السحرية، وِبروح القُرى النائمة عند حدود الجداول والبِحار (بحر إيجة) والخضرة الساحرة.
إنها الرسالة المتعلّقة بِمدى بشاعة جشعِ البشر، ومدى سرعة تهافت الناس نحو أي فرصةِ كسبٍ مهما كانت متعجّلةً وخاليةً من المنطق.
لا يبدو، في الفيلم، أن الممثل التركي كيفانش تاتليتوغ الذي اشتهر عربيًا بدور مهنّد في المسلسل التركي المدبْلَج "نور"، قد فقد بريقه الدراميّ رغم بدايته كـَ(موديل موضة). ومع شواربه التي تخفي كثيرًا من أسرار شخصيته المضطربة القاسية النهمة، واظب يالين (اسمه في الفيلم) على القتل ثم البكاء. إنها الهاوية التي لا تتبعها سوى هاوية أكثر انحدارًا منها.
بدورها، ملأت الممثلة فوندا إرايجيت (صاحبة الأصول الشركسية الجيورجية)، مساحَتها بِدور بييزا زوجة يالين، العاشقة بشكلٍ مضطربٍ له، الآمِلة عودته إلى رشده، المتمسّكة، رغم كل الفوضى التي تسبب بها زوجها، بضرورة الحفاظ على توازنها الأخلاقيّ، مع إبْقائها على كيمياءَ ممكنةٍ بينهما، على الصعيد العاطفيّ الجسديّ بأقلِّ تقدير، لكنّ الخِناق، للأسف العميق، ضاقَ في نهاية المطاف.
كان لافتًا، باعتقادي، مشهد مرور لاجئين (بغض النظر سوريين، أو غير سوريين)، ممّن لفظتهم قوارب الموت، بالقرب من يالين وهو يحاول دفن أحد ضحاياه، لِمواراة إحدى جرائمه. وكان بليغًا الدرس المتعلّق بهذا المشهد، لو منح نفسه (يالين) فرصة تأمّل مدى خواء جري البشر جري الوحوش، علمًا أنها غير رزقها لن (تحوش).
الفيلم الهندي "لصوص السحاب"
الاسم بالهندية: Chor Nikal Ke Bhaga
تأليف مشترك لِـ: سيراج أحمد، راج كومار غوبطا وأمار كاوشيك.
إخراج: أجاي سينغ.
(111) دقيقة.
بكثيرٍ من الحركة والتشويق والمفارقات المضحكة فوق السحاب، يعكس الفيلم التطوّر الذي وصلته السينما الهندية، في هذا النوع من الأفلام التي لا تنشد العمق، أو فتح نافذة للتأمّل والدهشة والتفاعل القيميّ الساطع. فيلم يريدنا أن ننبهر فقط، ونراقب خفة ظل الأداء، ونستمتع بكيف تسير أمور عملية تهريب جواهر عبر رحلة طيران من... إلى. وهو، على كل حال، درس قاس حول ضراوة المرأة حين تقرر الانتقام، ولا محدودية قدراتها عندما يتاح لها إظهار هذه القدرات. وجبة تسلية بتقنيات سينمائية عالية، وبأداء لافت للمجرمة نيها غروفر (يامين غاوتام) التي لا تملك إلا أن تتعاطف معها، ومع خفة الظل المتناهية لهذا التمثيل الساطع.
الفيلم الإسباني الصامت El Hogar
تأليف وإخراج: جوليو دي لا فوينتي.
(85) دقيقة.
تجلى الفيلم بوصفه احتفاء بمرور مائة عام على أول فيلم عُرض لشارلي شابلن في إسبانيا (فيلم "الطفل" الذي عرض هناك عام 1921). ولهذا جاء الفيلم صامتًا، ليس صامتًا تمامًا كما هي حال أفلام شابلن، ولكن بدون إسماع الجمهور صوت حواراته، وإن كان لا بد من معرفة فحوى حوار ما من حوارات الفيلم، فكانت توضع تفاصيل هذا الحوار مكتوبة فوق الشاشة، أما الصوت الوحيد المسموع فهو صوت الموسيقى المتقاطعة، كثيرًا، مع موسيقى أفلام شابلن، ومع كثير من أفلام الرسوم المتحركة.
بعد معرفة هذه المعلومة حول دلالة إنتاج الفيلم ورمزيته، تصبح محاكمته بالقياس إلى ما وصلت إليه سينما هذه الأيام، محاكمة ظالمة تقلّل من روحانية فكرته، وتمارس تعسفًا لا يستحقه الفيلم المحمّل بطرافة إنسانية غامرة، المنحاز إلى فقراء الأرض، الباحث عن نقاط التقاء بين أفراد المجتمع الواحد.
كاريكاتورية أبطال الفيلم، ومفارقات مواقفه، منحت دقائقه بهجة من نوع خاص، وجعلت التعاطف مع سيرورة أحداثه، فكرة سديدة وخفيفة الظل مثل الفيلم نفسه.
أطفال الفيلم رائعون ومقنعون. أحداثه ذهبت بنا نحو تعرية المجتمع الرأسمالي، وهشاشة تموضعاته التي عصفت بها (عُرى المجتمع الرأسماليّ) فكرة بسيطةٌ وشرّيرةٌ، وربما، عادلةٌ، في الوقت نفسه، إنها فكرة أنْ يضع المشردون (أي مشردين بغض النظر) أيديهم على بيت خال من أصحابه، ويرفضون مغادرته تحت ذريعة أنهم وأولادهم يستحقون مأوى مثل باقي خلق الله.