ما هو علم البديع؟
البديع لغة: هو من بدع الشي يبدعه بدعاً وابتدعه: أي أنشأه وبدأه، والبدع: الشيء الذي يكون أولاً.[١]
أما علم البديع اصطلاحاً: فهو أحد علوم البلاغة العربية الثلاثة؛ (علم البديع، علم البيان، علم المعاني)، وهو علم يُعرف به وجوه تحسين الكلام، وإيراده بطرق واضحة، فيزداد الكلام حسناً وطلاوة، بعد مطابقته لمقتضى الحال ووضوح دلالته على المراد لفظاً ومعنى.[٢]
لمَ سمي علم البديع بهذا الاسم؟
سمي البديع بهذا الاسم لأن الأدباء كانوا يتنافسون في ابتداع الصور البديعة، والمحسنات اللفظية والزخارف.[١]
كيف نشأ علم البديع؟ ومن واضعه؟
علم البديع علم غير مستحدث، بل هو موجود ومستخدم منذ العصر الجاهلي من قبل الشعراء، فكان الواحد منهم بحسه الفطريّ وعلى غير دراية بأنواع الأساليب البيانية يستخدمها تلقائياً كلما أراد أن يعبر تعبيراً بليغاً، وفي فترة ما بعد الإسلام أخذ علماء العربية يهتمون بعلم البلاغة ليستعينوا به في المقام الأول على معرفة أسرار الإعجاز الموجودة في القرآن الكريم.[٣]
وأخذت ملامح علم البديع تتشكل في العصر العباسي داخل أطر واضحة على يد الشاعر مسلم بن الوليد، الذي وضع مصطلحات لبعض الصور البيانية والمحسنات اللفظية والمعنوية، مثل الجناس والطباق، ثم أتى بعده الجاحظ في كتابه (البين والتبيين)، حيث أتت أقسام البيان والفصاحة موزعة في كتابه، كما أشار إلى البديع بقوله: (البديع مقصور على العرب، ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة، وأربت على كل لسان، والشاعر الراعي كثير البديع في شعره).[٣]
ومن بعده أتى الخليفة العباسي ابن المعتز، وهو شاعر مطبوع مقتدر على الشعر، جيد القريحة مغرم بالبديع في شعره، وهو من قام بأول محاولة علمية جادّة في ميدان علم البديع، فبذلك يعد ابن المعتز واضع علم البديع كما يتضح من كتابه (كتاب البديع).[٣]
ما هي أنواع علم البديع؟
ينقسم علم البديع إلى قسمين، هما: المحسنات اللفظية، والمحسنات المعنوية.
المحسنات اللفظية
هي التي يعتمد التحسين فيها على اللفظ، مثل الجناس، السجع، الاقتباس، التصريع، وفي الآتي توضيح لبعض المحسنات اللفظية:[٣]
الجناس: تشابه لفظين في النطق، واختلافهما في المعنى، نحو قوله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ)،[٤]الساعة الأولى: يوم القيامة، الساعة الثانية: الوقت الزمني.
السجع: هو توافق الفاصلتين في الكلام المنثور على حرف واحد، نحو: إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع.
الاقتباس: هو أن يضمن الكلام شيئاً من القرآن الكريم أو الحديث من غير دلالة على أنه منهما، نحو قول الشاعر:
قد كان ما خفت أن يكونا إنا إلى الله راجعونا
ففي البيت اقتباس من الآية الكريمة: (إنا لله وإنا إليه راجعون).[٥]
التصريع: هو اتفاق آخر جزء من الشطر الأول مع آخر جزء من الشطر الثاني؛ إعراباً ووزناً وقافية، نحو قول الشاعر:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم.
المحسنات المعنوية
وهي التي يعتمد التحسين فيها على المعنى، مثل: الطباق، المقابلة، التورية، حسن التقسيم، وفي الآتي توضيح لبعض المحسنات المعنوية:[١]
الطباق: وهو الجمع بين معنيين ومتضادين في الجملة، على نحو (وما يستوي العالم والجاهل)، هنا (العالم) ضد (الجاهل).
المقابلة: وهي أن يُؤتى بمعنيين متوافقين أو معانٍ متوافقة، ثم يُؤتى بما يقابل (ضد) ذلك على الترتيب، على نحو قوله تعالى: (فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً)،[٦] وردت المقابلة في (ليضحكوا يقابلها: ليبكوا)، و(قليلاً يقابلها: كثيراً).
التورية: وهو أن يذكر المتكلم لفظاً مفرداً له معنيان الأول قريب ودلالة اللفظ عليه ظاهرة، والآخر بعيد ودلالة اللفظ عليه خفية، فيريد المتكلم المعنى البعيد، فيتوهم السامع لأول وهلة أنه يريد القريب، وفي الحقيقة هو يريد البعيد، نحو قوله تعالى: (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار)،[٧] المعنى القريب الأول: هو إحداث جرح بالجسد، ولكن المعنى البعيد الثاني: هو ارتكاب الآثام والذنوب.
حسن التقسيم: هو تقسيم البيت إلى جمل متساوية في الطول والإيقاع، نحو قول الخنساء:
طويل النجاد، رفيع العماد كثير الرماد إذا ما شتى.