في الثاني من تموز عام 1968 م كانت وفاة زكي الأرسوزي:
منقول :
زكي الأرسوزي بن نجيب بن إِبراهيم مناضل ومفكر عربي سوري, ولد لأب محام نشط في صفوف الحركة العربية, وأم من قرية أرسوز الواقعة على خليج اسكندرون شمال غرب أنطاكية كانت ولادته في اللاذقية عام (1899)، انتقلت أسرته من اللاذقية إِلى أنطاكية وأقامت فيها ردحاً من الزمن، حتى نفت السلطات العثمانية الأب وأفراد أسرته إِلى قونية (تركية) في سنة 1914، وهناك واصل زكي الأرسوزي الدراسة في مدرسة قونية وأتقن اللغة التركية. وفي سنة 1919 سافر إِلى بيروت، ودرس الفرنسية في معهد الحرية، ثم عاد إِلى أنطاكية مدرساً للرياضيات في المدرسة الثانوية. في سنة 1924 عُيّن مديراً لناحية أرسوز، وبعد نحو سنة نقل وعين أمين سر دائرة المعارف في أنطاكية، وفي سنة 1927 سافر إِلى فرنسا موفداً لدراسة الفلسفة في (السوربون) في باريس ونال إجازة الفلسفة عام 1930، وفي باريس انفتح ذهنه على عوالم جديدة من المعرفة التي اتسعت رحابها لتبلغ الآفاق، ويقال أن الأرسوزي تعرف على فلسفة برغسون - الفيلسوف الفرنسي المشهور - فأعجب بها أيما إعجاب، لدرجة أنه كان يحفظ مقاطع كاملة من فلسفته ويرددها كالشعر. عاد إلى أنطاكية سنة 1930 مدرساً للفلسفة والتاريخ في المدرسة الثانوية (التجهيز). حيث انتسب إلى عصبة العمل القومي وتزعم حركتها في اللواء، ثم نقل إِلى حلب عام 1933 بسبب من نشاطه القومي، ومنها إِلى دير الزور وسرّح من الوظيفة في سنة 1934. ومع عودته إلى لواء اسكندرون عام 1934 تجاوز عصبة العمل القومي، فأنشأ جريدة العروبة وأسس حركة أطلق عليها اسم «البعث»، استمرت حتى العام 1938، وقد استطاع عبر تلك الحركة أن يجمع شمل اللوائيين خارج المذاهب والطوائف وترسيخ الشعور بعروبتهم أولاً، وهذا ما أثار إعجاب العرب والأجانب، فتم ذكر ذلك في الإعلام العربي والأجنبي. وقد انخرط الأرسوزي في المعركة التي احتدمت للمحافظة على عروبة «لواء إسكندرونة» سنة 1936 فأسهم في قيادة المظاهرات والكشف عن جريمة سلخ اللواء عن وطنه الأم من خلال جريدة العروبة ما أدى إلى سجنه. وفي عام 1937 أنشأ «نادي العروبة» وأسس مكتبة أطلق عليها اسم «البعث العربي». وعندما سرق الأتراك اللواء في سنة 1938 ,غادر الأرسوزي اللواء إِلى دمشق عام 1939 مع من غادره من سكانه العرب وفيهم الكثير من أصدقائه وتلاميذه. وفي سنة 1940 انتقل للعمل مدرساً في بغداد ولكنه سرعان ما سُرِّح من الوظيفة لانتقاده المتكرر للحكم هناك وموقف نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي من قضية اللواء السليب، فعاد إِلى دمشق. أمضى زكي الأرسوزي في دمشق خمس سنوات ما بين عامي 1941 و1945، كانت سنوات صعبة عانى فيها شظف العيش وقسوته، ولكن هذه السنوات وفرت له فرصة التفرغ لدراسة اللغة العربية، وكانت هذه الدراسة منطلقاً في تفكيره الفلسفي والقومي، واهتمامه باللغة العربية وعبقريتها. وابتداء من سنة 1946 عين زكي الأرسوزي مدرساً للفلسفة والتاريخ في ثانويات حماة ثم حلب ثم في دار المعلمين بدمشق، واستمر في هذا العمل الأخير حتى إِحالته على المعاش سنة 1959..
نذر زكي الأرسوزي حياته لقضية العروبة والدفاع عنها، وكان المعيار الذي يعتمده في الحكم على سلوك كل إِنسان عربي درجة الأمانة للعروبة، وكان في ذلك صريحاً ونقاداً، و حريصاً باستمرار على أن تتحقق العدالة وأن يلغى التمييز بين الناس من أي نوع كان، أما تدريسه فكان يتمحور حول حق العربي في الحرية والاستقلال والثقافة والتعليم. وقد اتجه تفكير الأرسوزي منذ سنة 1940 إِلى تأليف حزب عربي قومي شعاره بعث الأمة العربية ورسالتها إِلى العالم وأسماه «حزب البعث»، وقد انضم إِليه عدد كبير من الطلاب الذين آمنوا بما كان يؤمن به. وفي سنة 1947 عقد المؤتمر التأسيسي الأول لحزب البعث، ولكن زكي الأرسوزي كان بعيداً عن المؤتمر، وآثر الانصراف إِلى التفكير الفلسفي القومي العربي الذي هو في القاعدة من بناء البعث، وكان كتابه الأول «العبقرية العربية في لسانها» المعبّر عن المنطلق الذي أخذ به، قبل أن يتوفى عام 1968. وقد تميز الأرسوزي بثقافته الواسعة ومزاجه النقدي وفرديته وألمعيته، الأمر الذي جذب إليه العديد من الشباب العربي السوري الذين انضموا إلى الرعيل التأسيسي في حزب البعث فيما بعد. لقد كان الأرسوزي صاحب نظرية تضاهي النظريات الكبرى في التاريخ، ولقد أثر على مجرى الأحداث في سورية كما في العالم العربي وامتدت نظريته لتسود العالم العربي سيادة كاملة منذ نشوئها ولغاية مطلع القرن الواحد والعشرين. هذا وكانت الحكومة السورية بعد ثورة آذار 1963 قد أولته اهتمامها (كيف لا؟ وهو الأب الروحي لحزب البعث العربي الاشتراكي) وخصصت له معاشاً تقاعدياً، كما ظل الأرسوزي موضع عناية بالغة من أصدقائه وتلاميذه في السنوات الأخيرة من حياته. وقد تألفت في دمشق بعد وفاته لجنة لتخليد ذكراه أقامت حفلاً تأبينياً، وعملت من أجل إِقامة تمثال له تم نصبه فيما بعد في حديقة في حي المزرعة في دمشق خلف المصرف المركزي السوري سميت باسمه، كما عملت من أجل جمع آثاره ونشرها. وقبل سنة من وفاته، أي سنة 1967، منحه المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب في الجمهورية العربية السورية جائزته التقديرية، تكريماً له على مجمل إنجازاته وتاريخه الفكري الكبير. نشرت آثار الأرسوزي في ستة مجلدات ما بين عامي 1972 - 1976، وفي مقدمة هذه المؤلفات: «العبقرية العربية في لسانها»، «رسالة الفلسفة والأخلاق»، «في فقه اللغة»، «اللسان العربي»، «رسالة الفن»، «رسائل المدنية والثقافة»، «الأمة العربية: ماهيتها - رسالتها- مشاكلها»، «صوت العروبة في لواء الاسكندرونة»، «متى يكون الحكم ديمقراطياً»، «الجمهورية المثلى»، و «التربية السياسية المثلى».
رحم الله الأرسوزي, والمجد للبعث والدعوة لله أن يمد البعث ببعض المفكرين أمثاله .