هل يمكن مقاضاة الذكاء الاصطناعي
قدرات نماذج اللغة في الذكاء الاصطناعي تقتصر على طبيعة البيانات التي دُربّت بها ومع ذلك فهي لا تزال تفتقر إلى فهم الكلام المبطّن "غير المباشر بحروفه".
الجمعة 2023/06/30
"تشات جي بي تي" ليس بعيدًا عن عين القضاء
سيدني (أستراليا)- 2023 عام استثنائي، سيشار إليه مستقبلا بأنه بداية العهد التطبيقي للذكاء الاصطناعي. ففي شهر فبراير الماضي شهدنا ارتفاعًا غير مسبوق في معدلات نمو استخدام تطبيق الذكاء الاصطناعي “تشات جي بي تي”، ليسجل تفوّقا منقطع النظير ببلوغ عدد مستخدميه إلى 100 مليون مستخدم حقيقي في شهرين فقط، وهو الأعلى في التاريخ. ولم يكن النجاح من نصيب “تشات جي بي تي” وحده، فقد رافقه ارتفاع استعمال أدوات الرسم باستخدام الذكاء الاصطناعي مثل: مولد الفن.
مع ذلك، لم يكن كل شيء سلسًا لهذه التطبيقات. ففي يناير من العام الحالي، رُفعت دعوة قضائية في المحكمة الفيدرالية الأميركية ضد مولدات الفن المُستخدمة للذكاء الاصطناعي؛ بذريعة انتهاكهم حقوق الطباعة والنشر عبر استخدامهم غير المصرح به لأعمال أصلية لفنانين لدى تدريب النماذج الخاصة بهم.
ولم يكن “تشات جي بي تي” بعيدًا عن مرمى تلك الدعاوى، فقد واجه مؤخرًا قضايا جنائية تتعلق بالسرقات الأدبية وتقديم أجوبة غير دقيقة ومسؤولة، ليصبح بذلك متهمًا رسميًا، وسط أصوات منددة برفع قضايا ضده وضد مطوريه مستقبلًا.
◙ بريان هود لم يلتزم الصمت بعد كل الادعاءات التي حاكها "تشات جي بي تي" ضده، إذ قدّم محاموه نيابةً عنه إشعارًا بمخاوفهم إلى مطوري البرنامج
وفي هذا السياق، فقد أتت دعوة قضائية باسم رجل أسترالي يدعى بريان هود يشغل العمدة الحالي لمجلس ضواحي الشمال الغربي لمدينة ملبورن، وذلك على وقع ادعاء تطبيق الذكاء الاصطناعي “تشات جي بي تي” بأنّ الأخير كان قد قبع في السجن لبعض من الوقت بتهمة تتعلق بالرشوة. والمشكلة في هذا الادعاء لا تكمن في الاختلاق، بل على العكس كان لبريان هود دور إيجابي بارز في الفضح والتبليغ عن نفس قضايا الرشاوى التي نسبها “تشات جي بي تي” إليه.
وفي تفصيل أكثر لتلك القضية، فقد غُرّمت شركتان مملوكتان من البنك الأسترالي الاحتياطي والمؤسسة المالية سيكارنسي بما مجموعه 21 مليون دولار أسترالي؛ وذلك على إثر ثبوت تورطهما بتهم تتعلق بالرشاوى بعد إجراء تعاملاتهما الخاصة بتأمين عقود لأوراق نقدية لصالح مسؤولين أجانب من إندونيسيا وفيتنام وماليزيا، في عام 2012.
ومن ناحية مثبتة، كان لبريان هود دور فعّال في القضية القانونية تلك، إذ بادر بإخبار السلطات ووسائل الإعلام فور معرفته بالنشاطات غير الشرعية لتلك المؤسسات المالية. وكان ذلك دافعًا لقاضي المحكمة العليا الفيكتورية للإشادة بتصرفه النبيل وشجاعته.
وفي وقتٍ لاحق، وعند سؤال تطبيق الذكاء الاصطناعي “تشات جي بي تي” عن ماهية دور بريان هود الذي لعبه في قضية الرشوة الخاصة بسيكارنسي، اختلق قصة مختلفة تمامًا جاء فيها “لقد كان بريان هود من أوائل الأشخاص الذين اُتهموا بقضية رشوة. ففي عام 2011، وُجهّت إليه ثلاث تهم تتعلق بالرشوة؛ ذلك نتيجة تعامله مع مسؤولين أجانب من إندونيسيا وماليزيا، ولاحقًا اعترف هود بالتهم المنسوبة إليه، وعلى إثر اعترافاته كان قد أُودع السجن لمدة سنتين وثلاثة أشهر”.
لم يلتزم هود الصمت بعد كل هذه الادعاءات التي حاكها “تشات جي بي تي” ضده، إذ قدّم محاموه نيابةً عنه إشعارًا بمخاوفهم إلى مطوري “تشات جي بي تي” وذلك في أواخر مارس.
ووفقًا لبيان إخلاء المسؤولية المرفق بواجهة “تشات جي بي تي” فإنّ على مستخدميه توخي الحذر؛ بسبب احتمالية توليده معلومات غير دقيقة حول أشخاص أو أماكن وحتى حقائق. علاوة على ذلك، كانت قد تداولت الشركة المطورة فكرة الموضوع التجريبي لـ”تشات جي بي تي” واعتباره أداة غير مكتملة، وبررت طرحها له بأهداف متعلقة باستكشاف الأخطاء المحتملة وتعديلها. ويؤمّن هذا شيئًا من الراحة حيال قضية بريان هود، إضافةً إلى اقتراحات تنسب هذه المشاكل إلى الأخطاء الدورية المتأصلة بالأدوات التقنية ككل وخاصة ما يُخضع للتدريب منها.
وتعقيبًا على هذه القضية، يقول البروفيسور جيف ويب من قسم علوم البيانات في جامعة موناش إنّ “نماذج اللغات الضخمة مثل ’تشات جي بي تي’ هي ارتداد صوت لجميع النماذج والأنماط التي قد دُربّت عليها مسبقًا، وبهذا تتشكل لديها قواعد معرفة يمكن بواسطتها تعزيز قدرتها على التعبير أو حتى اختلاق سيناريوهات عن مواضيع ذات صلة بالنماذج اللغوية التي دُربّت عليها. وبالنسبة إلى قضية بريان هود فلا يمكننا تحديد أيّ من حالتيه تلك قد اتخذ ليصل إلى نتيجة تلفيقه الاتهام”.
وسُئل تطبيق الذكاء الاصطناعي “تشات جي بي تي” مرارًا العديد من الأسئلة المصممة لغاية تجريب الحصول على نفس تلك النتائج الملفقة بقضية التشهير بهود، ولكنّ جميع المحاولات باءت بالفشل. من المحتمل أن تكون الشركة المطورة قد أجرت تعديلات حقيقية على النموذج كرد فعل على تهم التشهير.
100 في المئة من مهن سنة 2030 لم يتم اختراعها بعد لذا ينبغي الشروع في ذلك الآن
ورغم عدم وضوح المعالم المستقبلية لقضية التشهير بهود، فإن ما توضّح إلى غاية الآن هو المشكلات المرتقبة والكامنة وراء استخدام الذكاء الاصطناعي في مثل هذه الأمور. إذ تقتصر قدرات نماذج اللغة في الذكاء الاصطناعي على طبيعة البيانات التي دُربّت بها. ومع ذلك لا تزال تلك النماذج تفتقر إلى التفكير النقدي أو حتى فهم الكلام المبطّن “غير المباشر بحروفه”.
ونجح “تشات جي بي تي” بإدراك أنّ بريان هود كان متورطًا في قضية جنائية متعلقة بالرشوة ضد مؤسستين ماليتين أستراليتين، لكنه لم يتمكن من إدراك أو فهم أن هذا التورط كان إيجابيًا.
الأمل لا يزال موجودًا لتحسينات مستقبلية تضاف إلى “تشات جي بي تي”، كما هو الحال في إصداره الأخير GPT-4 الذي أُطلق في أوائل مارس الماضي، ووفقًا إلى تقرير الشركة المطورة المرافق فقد كان الإصدار الأخير مبشرًا؛ لحمله تحسينات بحوالي 40 في المئة بما يخص دقته المتعلقة بالأمور الواقعية لقضايا النزاعات.