رسومات جدارية تروي مآسي حرب اليمن على مباني عدن
الفنان اليمني علاء روبيل بدأ في إنجاز الرسومات منذ كان مراهقا.
السبت 2023/05/27
فنان يحول القبح إلى جمال
عدن (اليمن) - يشدّد فنان تشكيلي يمني أمضى سنوات في خطّ رسومات جدارية تروي قصص الموت والمأساة على مبانٍ دمرتها القذائف في عدن، على أنّ جهود إحياء محادثات السلام يجب ألا تصرف الانتباه عن أهوال سنوات الحرب في بلده.
وبدأ علاء روبيل (30 عاما) في إنجاز هذه الرسومات منذ كان مراهقا، لكنّ هوايته اتسمت بزخم أكبر بعد اندلاع القتال العنيف في مدينته الجنوبية عدن العام 2015 بين الحوثيين والقوات الداعمة للحكومة.
لأشهر طويلة، انهالت القذائف المدفعية على المدينة الساحلية في جنوب اليمن وأطلق الحوثيون صواريخ وقذائف هاون على مناطق مكتظة بالسكان ما أودى بحياة العشرات من المدنيين، حسب ما أفادت آنذاك منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية.
وحين هدأ القتال أخيرا بدأ روبيل العمل بوتيرة أكبر، محاولا تسليط الضوء على المتضررين بشكل مباشر.
شوارع عدن المليئة بركام المباني المدمرة باتت بمثابة معرض شبه دائم لأعمال روبيل، وشهادة على أهوال الحرب
يقول الفنان روبيل “رأيت أنّ الحكومة لم تلتفت للناس الذين تشردوا. لذا أحببت أنّ أوصل رسالتي للعالم. أرسم معاناة الناس الذين فقدوا بيوتهم وأسرهم”.
اليوم، باتت شوارع عدن المليئة بركام المباني المدمرة بمثابة معرض شبه دائم لأعمال روبيل، وشهادة على أهوال الحرب التي عاشها هو وجيرانه.
وعلى جدار أحد المتاجر في منطقة لحقت بها أضرار كبيرة، رسم مخططًا كبيرًا لوجه رجل، لكنه حجب العينين والأنف والفم بيدٍ تحمل ثلاثة أعواد من الديناميت.
في الجانب الآخر من الشارع، على الجدار الداخلي لمبنى سكني تعرّض للقصف، رسم قطعة يسميها “معاناة صامتة” تصوّر هيكلا عظميا يعزف على الكمان بينما تطفو إشارات السلام حول جمجمته.
ويصوّر عمل فني آخر فتاة ترتدي فستانا أحمر وتجلس على الأرض واضعةً يدها اليسرى على خدّها، بجانب غراب أسود يقف على صاروخ. خلفها، بدا أقاربها القتلى، وقد رُسموا بالأبيض والأسود، ينظرون من نافذة مفتوحة.
ويقول روبيل إن اللوحة الجدارية تستند إلى قصة حقيقية لفتاة عاشت في المنطقة وفقدت عائلتها بالكامل في القتال المرير. ويضيف أنّ الفتاة التي نجت من تحت الأنقاض “تعتقد أن الحرب لعبة. وتعتقد أن عائلتها ستعود (…) لذا فهي تنتظرهم”.
ويقول عمرو أبوبكر سعيد (42 عاما) الذي يعيش في الجوار إنّ اللوحات هي بمثابة تكريم قاتم لكنه ضروري للقتلى.
ويؤكّد “كلّما نمر بهذا المكان نشعر بتعب ووجع، بالناس الذين كانوا موجودين هنا وعشنا معهم”، مضيفًا “هذه الرسومات تعبّر عن مآسي الناس الذين دُمرّت بيوتهم وتشرّدوا، وتثبت أنّ هناك حربًا بالفعل في اليمن”.
ومرّت ثماني سنوات منذ شكّلت السعودية تحالفا عسكريا لوقف تقدّم الحوثيين المدعومين من إيران، الذين دخلوا العاصمة اليمنية صنعاء في 2014.
أودت الحرب بحياة مئات الآلاف من الأشخاص بشكل مباشر وغير مباشر وتركت ثلثي سكان اليمن، أفقر دول شبه الجزيرة العربية، يعيشون على المساعدات.
وتم التوصل إلى هدنة في أبريل 2022. ورغم انتهاء مدّتها في أكتوبر الماضي، سُجّل تراجع كبير في القتال ما أنعش آمال التوصل لسلام.
وفيما يسير حاملا فُرشاته وعلبة الطلاء، يقول الفنان اليمني أيضا إنّه يحاول أن يكون متفائلًا.
ويؤكّد أنه يرغب في “أن يتحول هذا المكان من دمار إلى مركز سلام”، موضحا أنّه يؤمن بأنّ الفن يمكن أن يساعد في إعادة بناء المدينة. لكنه يقرّ بأن الكثير من سكّان عدن ما زالوا ينتظرون أن يلمسوا منافع التهدئة.
وتعبّر ياسمين أنور عبدالشكور (53 عاما) وهي في طريق العودة من عملها في مكتب صحي حكومي إلى المنزل، عن الإحباط الذي يخيم على سكان المدينة.
وتقول بيأس “بالنسبة إلي، لم يتغيّر شيء”، واصفةً كيف أنّ معظم المباني التي تضرّرت بشدّة لم يتم إصلاحها بعد. وتضيف “نحن مهدّدون من جرّاء سقوط المباني علينا في أي وقت”.
وعلاء عبدالشكور ياسين المعروف بـ”علاء روبيل”، كان دائما مبادرا بالتجديد الفني في بلاده، حيث رسم منذ سنوات على السيارات انطلاقا من إيمانه بأن الفنان يستطيع الرسم على أي شيء.
تأثر الفنان بوالدته الرسامة التي يقول إنها كانت توجهه وتشتري له الألوان والمجلات، وهو يرى أن “الرسم عدة مدارس وأنا أفضل المدرسة الرومانسية لأنها تعطي شعورا بالقوة والخيال وتركز على العواطف الإنسانية مثل الخوف والألم والرعب. والفن الرومانسي يعطي أشياء ذاتية كثيرة”.
وفي تصريحات سابقة له، شدد الفنان اليمني الشاب على أن “الواقع اليمني قتل الفن وساعدت نفسي بنفسي والكثير من الأعمال كنت أريد إنجازها ولم أستطع بسبب الحرب، وأحاول الضغط على نفسي وتحدي الظروف والدولة اليمنية لا تهتم بالفن التشكيلي ولا بالفنون الأخرى وأتمنى أن أكمل دراستي خارج اليمن وأساعد نفسي ومجتمعي”.