الفن الغامر للحواس تجربة صادقة في صالة زاوية الفلسطينية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفن الغامر للحواس تجربة صادقة في صالة زاوية الفلسطينية

    الفن الغامر للحواس تجربة صادقة في صالة زاوية الفلسطينية


    علاء البابا يقارن المخيم بمحيطه العمراني في لوحات تعبيرية واقعية.
    الأربعاء 2023/04/05
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    الحياة من المخيم إلى اللوحة

    تعد الحياة في المخيم تجربة إنسانية مختلفة لا يدرك أبعادها إلا من عاشها. لكنها تجربة تدفع من يراقبها إلى مقارنات ومقاربات مختلفة كتلك التي استفزت الفنان الفلسطيني علاء البابا ليعيد تصورها بأعمال تشكيلية تنفتح على الحياة في المخيم، لكنها تضفي عليها أبعادا جمالية تلون الحياة في هذا الفضاء الثابت، في حين أن الحياة والمعمار من حوله دائمَا التغير.

    قدمت صالة زاوية الفلسطينية خلال شهر مارس الماضي حدثا فنيا حمل عدة أبعاد. أولا عرّفت المُشاهد على ما يقارب 48 عملا للفنان التشكيلي الفلسطيني علاء البابا البالغ من العمر 38 عاما. لوحات هي نتاج خمس سنوات من العمل في مشاريع فنية تناول فيها البابا مخيم الأمعري من جميع جوانبه. وثانيا قدمت للمُشاهد داخل وخارج المخيم فرصة لقاء الفنان واكتشاف آلية إبداعه وظروف تشكّلها عبر زيارة مرسمه.
    تجربة حقيقية


    ثالثا قدمت للمُشاهد، من ناحية، فرصة اختبار ما يعني العيش في مخيم الأمعري في الضفة الغربية حيث يقع مرسم الفنان، ومن ناحية أخرى، كيف تزول جدران مرسم الفنان علاء البابا افتراضيا لتنفتح على مخيم الأمعري في تجربة تشبه في الكثير من جوانبها ما جرى على تسميته بـ”الفن الافتراضي الغامر للحواس” ولكن مع مصداقية جمّة وناجية حتما مما تتعرض له في معظم الأحيان عروض الفن الغامر من انتقادات أهمها أنها عروض قائمة على تسليع الأعمال الفنية المهمة وابتذالها في الاستهلاك العام.


    المعرض يرتكز على الحياة اليومية حيث يعيد علاء البابا من خلالها بناء تفاصيل المخيم من الناحية المعمارية


    وبينما يبتكر الفن الافتراضي البديل أو الموازي للحياة الحقيقية متعة السير في وهم اللوحات الديجيتالية ويطورها، قدمت صالة “زاوية” الفلسطينية بالتعاون مع الفنان علاء البابا تجربة التجول الحقيقي في المخيم وفرصة توسيع آفاق الرؤية والتنفس من خلال رئة مرسم الفنان الموجود في قلب المخيّم.

    ويذكر البيان الصحفي الذي نشرته صالة “زاوية” الفلسطينية لمرافقة معرض “المخيم/ المرسم المفتوح” للفنان الفلسطيني علاء البابا “أن المعرض أول نشاط من هذا النوع للصالة يشكل انطلاقة مشروع أكبر يهدف إلى إلقاء الضوء على أعمال عدد من الفنانين في مراسمهم الخاصة من خلال سلسلة من المعارض تتخذ من مراسم الفنانين أمكنة للعرض. والصالة ستعمل على الترويج لهذه الأعمال من خلال شبكة علاقاتها في رام الله ودبي، من أجل دعم الفنان وتحفيزه على الإنتاج وخلق شبكة تفاعل بينه وبين جمهوره وبيئته الحاضنة”.

    ويتابع “وقع الاختيار الأول على الفنان التشكيلي علاء البابا. ويمنح هذا المعرض ‘المخيم/ المرسم المفتوح’ تجربة حيّة لهواة الفن بإفساح المجال أمامهم للسير والتجول عبر أزقة مخيم الأمعري القريب من رام الله والتحدث مع الفنان داخل مرسمه في المخيم الذي ولد ونشأ فيه”.

    وأضاف “يرتكز المعرض على الحياة اليومية في المخيم حيث يعيد الفنان علاء البابا من خلالها بناء تفاصيل المخيم من ناحية معمارية باستخدام ألوان صارخة تحمل رؤيته الشخصية وتجربته في المخيم الذي ترعرع فيه”.

    ويتابع البيان المرافق متحدثا عن الأسلوب الفني الذي يعتمده الفنان أنه يتراوح “ما بين التعبيري والواقعي ويبرز المخيم في لوحاته عبر مقارنات ومقاربات مختلفة مع محيطه العمراني الحديث في إشارة إلى التحولات التي طالت المجتمع الفلسطيني والتي يمكن ملاحظتها في العمارات والأبراج والإعلانات الدعائية الضخمة المجاورة للمخيم الذي حافظ على هويته عبر السنين”.
    تحدّ لوني



    غالبا ما يُقال إن الرسم بالأسود والأبيض هو من أصعب أنواع الرسم لأن الفنان يتكل في التعبير عما يريد بالخطوط والأشكال وبتقشف لونيّ حاد. غير أن الصعوبة تكمن أيضا في اللوحات التي تكثر فيها الألوان إذ تكون الخطورة في أن تتحول تلك اللوحات إلى ما يشبه بازارا ركيكا يحتدم بالألوان ويذكر بالمهرجانات الربيعية التي تنظمها المدارس الابتدائية والمتوسطة للتلاميذ.

    وتحيلنا تلك الأجواء المرهقة للروح والعين إلى تجربة فنية بقيادة الفنان/المواطن عيّاد ناصر جرت في بيروت منذ بضع سنوات وتحديدا في منطقة الأوزاعي المعروف عنها بأنها منطقة تعاني الكثير من الإهمال والفقر، ويعود ذلك إلى أن عماراتها وأحياءها مبنية بشكل غير قانوني على أراض خاصة وعامة مخالفة لأبسط معايير الهندسة والسلامة العامة.

    الأسلوب الفني الذي يعتمده علاء البابا يتراوح بين التعبيري والواقعي ويبرز المخيم في لوحاته عبر مقارنات ومقاربات مختلفة

    يومها أطلق الفنان عيّاد ناصر صاحب المشروع على منطقة الأوزاعي اسما أجنبيا، وهو “أوزفيل”، ربما نسبة إلى الفيلم الكلاسيكي الأميركي الشهير “ساحر أووز” إضافة إلى كونه اسما مؤلفا من أول حرفين لمنطقة الأوزاعي. ثم شرع في تحويل الأوزاعي إلى “أوزفيل” البحرية بمساعدة فنانين أجانب وبعض الفنانين اللبنانيين وحاول تجميلها من خلال طلاء الأبنية بالألوان الصاخبة ورسم الغرافيتي ذي الطابع الغربي في أغلبه على جدران المنازل المُنهكة مما أشاع هولا تشويهيا وبشاعة.

    كما لفت تنفيذ المشروع إلى سذاجة قصوى في استخدام الرموز والنظرة إلى الألوان على اعتبار أن مجرد استخدامها عشوائيا يشيع البهجة.

    في هذا السياق تحديدا تأتي تجربة الفنان الفلسطيني علاء البابا التي جاءت تماما عكس المنطق “التهريجي”، إذا صح التعبير، في استخدام الألوان. فعلى الرغم من أن لوحاته طغت عليها كثرة الألوان فإنه برع من خلالها في كيفية وحيثية استخدامها، حتى تلك الفوسفورية الفاقعة منها، دون أن ينتج عن ذلك مشاهد مبتذلة وفوضوية. وبالرغم من رغبة الفنان في إشاعة جوّ من الفرح باستخدام الألوان في شوارع وعلى نوافذ وفي مضائق المخيم وأبنيته إلا أنه فعل ذلك عبر إبداع خلطة غنية ممتازة جاءت فيها الألوان تحت سلطة عقله وحساسيته الفنية العالية.


    مشاهد المخيم المكتظة هنا تميزت بحد عال من الجمالية استطاع الفنان علاء البابا عبرها أن يشير إلى مواطن الضوء وانكفائه وإلى ظلاله التي حافظت على عتمتها ومواضع برودتها المنعشة رغم تلونها بألوان دافئة وصارخة كالوردي والأصفر الفاقع.

    وثمة قدرة فنية على إظهار روح مخيم الأمعري مسكونا بالفرح إلى جانب الحزن، ورغم ذلك بدا رائعا في الأبنية التي ظهرت وكأنها مصنوعة من مواد مُلونة وليست مطلية بها.

    وقد ذكر البيان الصحفي المرافق للمعرض أن الفنان “اشتغل طويلا على الشكل المعماري للمخيم بكافة تفاصيله وفي تناقضه عما يحيط به، وعلى نمط الحياة فيه حتى قام بإعادة تشكيله في لوحاته زاخرا بالألوان التي تعكس خياله وفكرة وطريقة نظرته إلى الحياة في المخيم. كما جاءت لوحاته فيها نفحة من السريالية والتعبيرية الغنائية استخدم في إنجازها مواد وأساليب مختلفة وقد شيّد نصه الفني ككُل معتمدا على سلسلة من التجارب والاختبارات الفنية”.

    يذكر أن الفنان علاء البابا بدأ من مرسمه الصغير داخل مخيم الأمعري في عام 2010، وسرعان ما استطاع الخروج ببضعة مشاريع فنية فريدة كمشروع “مسار السمك” في عام 2016.


    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    ميموزا العراوي
    ناقدة لبنانية
يعمل...
X