نوستالجيا تنتشر في لوحات طلبة وأساتذة الفن في الشارقة
أعمال فنية تعيد تعريف مفهوم الحنين وعلاقته بالإبداع الفني.
الجمعة 2023/05/26
انشرWhatsAppTwitterFacebook
النوستالجيا محفز فني
قد تكون النوستالجيا بالنسبة إلى الإنسان العادي لحظات من الحزن أو الفرح يمر بها سريعا حين يخلو إلى نفسه أو تحمله الذاكرة إلى زمن مضى، لكنها بالنسبة إلى الفنان لحظة فارقة في تجربته الإنسانية والفنية تجعله يعيد فهم مشاعره وتحريرها عبر لوحات وأعمال فنية.
ما زالت النوستالجيا عبر السنين، لاسيما منذ القرن السابع عشر، تمر بمراحل تبدل وتطور في التصور الإنساني واختباره لتفاصيل حياته الشخصية. وهي اليوم تكتسب أهمية قصوى في زمن تكثر فيه الهجرات من الأماكن الأولى سواء كانت بلدانا أو أماكن عرفنا فيها أشخاصا كان لهم أثر هائل في احتضاننا أو بلوروا ما نحن عليه بصفة شبه نهائية.
وفي استيعابها لأهمية هذا المفهوم الشديد والمعاصر قامت صالة أيام الفنية بمبادرة فنية لافتة، تمثلت في إقامتها معرضا كبيرا تحت عنوان “نوستالجيا”.
جاء تميز هذا المعرض من خلال جمعه لنخبة من أعمال أساتذة وخريجي كلية الفنون بجامعة الشارقة. وجاء افتتاح المعرض في السركال أفنيو، وأقيم بمناسبة مرور 20 عاما على افتتاح كلية الفنون.
ويشارك في المعرض الفنان أحمد الكاثيري وبرايان غونزاليس وهالة العبورة وكوثر الشورفا ولينا المليك ومعتصم القبيسي وندى عبدالله ومحمد يوسف وثائر هلال وتور سيدل وعنيزة إسماعيل ونوربانو حجازي ومحمد يوسف الأحمدي.
للمفارقة أنه منذ فترة قصيرة صدر كتاب مهم للمؤلف والباحث البريطاني توماس دودمان بعنوان “تاريخ شعور ميت”؛ فإلى جانب تقديمه المنحى التاريخي لهذه الكلمة وإشارته باستطراد إلى أنها في بدايتها أطلقت لتوصيف حالة نفسية مرضية مؤلمة، عرض كيف تحولت هذه الكلمة إلى معنى شديد المعاصرة يطال شريحة كبيرة من البشر في هذا الزمن.
معرض "نوستالجيا" منطلق إضافي في الساحة الفنية لشتى أنواع التساؤلات حول ماهية النوستالجيا في زمن طاحن لا يقيم للّحظات معنى
ومما ذكره الفنان أن النوستالجيا، أو ما يُتعارف عليه بالحنين، إضافة إلى تأثيرها السلبي على نفسية الشخص لها آثار إيجابية أهمها الإبداع الذي ظهر في أعمال الشعراء والأدباء والفنانين؛ أعمال عبرت عن حالة التوق إلى الوطن الأم أو إلى الوطن الذي حلموا به ولم يروه يوما.
بدورهم، ذكر القيمون على صالة أيام في البيان الصحفي المرافق للمعرض ما قاله يوما الكاتب الفرنسي مارسيل بروست “تذكّر الأشياء القديمة لا يعني تماما أن نتذكرها على ما كانت عليه بالفعل”. والنوستالجيا الخاصة بذلك الأديب تنشقّ من كلمتين وهما الكلمة الإغريقية “نوستوس” و”ألغوس” أي “العودة” و”الحزن”.
الأعمال الفنية المشاركة في المعرض تعكس هذا المعنى وانشغالات الفنانين العاطفية بما يمكن أن يعني التذكّر وتخيّل ذكرى قد لا يكونون عاشوها في الواقع، ولكن شعروا بوطأتها بواسطة ملكة التخيل والتوق إلى مجهول مرغوب فيه.
وبالفعل جمع المعرض، حسب الفنان والأستاذ في الفنون الدكتور محمد يوسف، “أعمال الطلبة الخريجين من السنوات الماضية في معرض مشترك مع الأساتذة، مما أوجد تنوعا جميلا في الأعمال، وتناغما بوجود تيمة واحدة في المعرض هي النوستالجيا”.
وقد كشف الفنان الإماراتي محمد يوسف، وهو أستاذ في جامعة الفنون ومُشارك في معرض “نوستالجيا”، عن عادة واظب على ممارستها برفقة مجموعة من الفنانين وهي التخييم في أحضان الطبيعة. وقال عن ذلك “أحضرت الأحجار من تلك المنطقة، وحاولت ألا أخدش تكوينها الطبيعي أو أطمس معالمها، ولأني متشبع برسومات الأطفال، كانت هذه المنحوتات امتداداً لأسلوبي الفني، من خلال التشكيلات التجريدية البسيطة التي أسقطتها على الشكل الأصلي بلمسات متناهية البساطة”.
وسيعثر زائر المعرض المقام في صالة أيام على البعض من هذه الأعمال.
الأعمال الفنية المشاركة في المعرض تعكس معنى النوستالجيا وانشغالات الفنانين العاطفية بما يمكن أن يعني التذكّر
نذكر من الفنانين المشاركين هالة العبورة التي قدمت عملا فنيا مستوحى من ذاكرة أرشيف لفلسطين، مستخدمة تقنية طباعة خاصة إضافة إلى إدخال تقنية الخياطة اليدوية في تنفيذ تشكيل الكلمات. الفنانة هي خريجة سنة 2021.
ويسكن أعمال هالة العبورة هاجس الاستمرارية والرغبة في الحفاظ على الأشياء واضحة، في مخالفة لحالة العبور والتلاشي.
ويرتكز عمل الفنانة على جمع والتقاط المبعثرات. ويبرز أسلوبها الفني في التضاد ما بين الخياطة اليدوية المنمنمة، وصلابة المعدن وبرودة البلاستيك ومادة “الريزين” الصناعية.
ومن الفنانين نذكر أيضا أحمد الكثيري الذي قال عن أعماله إنها تشكل حالة تأمل وإبحار في علاقته مع أجداده بهدف بناء مساحة وجود متخيلة. ويعود ذلك إلى كونه ترعرع بعيدا عن وطنه فذكرياته في اليمن وعلاقته مع أهله لهما أهمية كبرى في تشكيل أعماله. من ناحية ذكرياته هي مُشبعة بلحظات اللعب العابرة التي عرفها حول منزل جدته المُشمس والعابق بعطره الخاص، ومن ناحية أخرى هي ذكريات تسكنها الأوقات التي كان يستمع فيها مع جده إلى الأغاني والخطابات التراثية.
وجاءت أعماله المعروضة في الصالة التي تجسد وسادات باهرة بألوانها مأهولة بلحظات الدفيء والسعادة التي اختبرها في منزل جدته.
أما الفنانة السودانية لينا المليك فأعمالها مشغولة بالمرأة، لاسيما المرأة العربية – الأفريقية وما يدور حولها من مواضيع تتعلق بالتراث والهوية والعزلة والحرية.
توظف الفنانة أساليب وتقنيات مختلفة لأجل التعبير عن أفكارها، منها الأعمال الديجيتالية والتجهيز الفني والرسومات. عبورها من أسلوب إلى آخر في التعبير هو جزء من التعبير عن التغريب والهجرة. إنها فنانة تنقلت في عيشها ما بين الإمارات والسودان وقطر والولايات المتحدة.
ومن الفنانين المكرسين والمشهورين بأعمالهم النحتية بالبرونز نذكر العراقي معتصم القبيسي، وهو أستاذ في جامعة الشارقة للفنون وأيضا في بغداد. له معارض فردية في بلدان وعواصم عديدة منها بيروت ودبي وأبوظبي وباريس وسيدني والكويت.
يقدم الفنان القبيسي في هذا المعرض منحوتة اسمها “الصحيفة”. وذكر الفنان في معرض الحديث عنها أن “هناك محطات في الحياة تجعلني أتوقف لتعيدني إلى سنوات مضت حين كنت أتلهف للحصول على المعلومات عن العالم والحياة. وكانت الصحيفة اليومية ملاذي والمكان الذي كان يلبي حاجتي إلى المعرفة والاكتشاف”.
في المعرض أيضا حضور للفنان التشكيلي ثائر هلال عبر أعمال توظف الشفافية وتراكم الطبقات اللونية على حد السواء، وتتخذ الترميز والحسية والغموض وسائل للتعبير عن الأمكنة التي تغوص في وعينا وذاكرتنا لتطرح أسئلة حول الماضي والحاضر والحب والطبيعة والفرح، ومن تلك المشاعر والأفكار ينبثق الحزن القادم من الحس بالخسارة والفقد.
معرض “نوستالجيا” يستمر حتى 17 يونيو القادم ليكون منطلقا إضافيا في الساحة الفنية لشتى أنواع التساؤلات حول ماهية النوستالجيا في زمن طاحن لا يقيم للحظات معنى.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
ميموزا العراوي
ناقدة لبنانية
أعمال فنية تعيد تعريف مفهوم الحنين وعلاقته بالإبداع الفني.
الجمعة 2023/05/26
انشرWhatsAppTwitterFacebook
النوستالجيا محفز فني
قد تكون النوستالجيا بالنسبة إلى الإنسان العادي لحظات من الحزن أو الفرح يمر بها سريعا حين يخلو إلى نفسه أو تحمله الذاكرة إلى زمن مضى، لكنها بالنسبة إلى الفنان لحظة فارقة في تجربته الإنسانية والفنية تجعله يعيد فهم مشاعره وتحريرها عبر لوحات وأعمال فنية.
ما زالت النوستالجيا عبر السنين، لاسيما منذ القرن السابع عشر، تمر بمراحل تبدل وتطور في التصور الإنساني واختباره لتفاصيل حياته الشخصية. وهي اليوم تكتسب أهمية قصوى في زمن تكثر فيه الهجرات من الأماكن الأولى سواء كانت بلدانا أو أماكن عرفنا فيها أشخاصا كان لهم أثر هائل في احتضاننا أو بلوروا ما نحن عليه بصفة شبه نهائية.
وفي استيعابها لأهمية هذا المفهوم الشديد والمعاصر قامت صالة أيام الفنية بمبادرة فنية لافتة، تمثلت في إقامتها معرضا كبيرا تحت عنوان “نوستالجيا”.
جاء تميز هذا المعرض من خلال جمعه لنخبة من أعمال أساتذة وخريجي كلية الفنون بجامعة الشارقة. وجاء افتتاح المعرض في السركال أفنيو، وأقيم بمناسبة مرور 20 عاما على افتتاح كلية الفنون.
ويشارك في المعرض الفنان أحمد الكاثيري وبرايان غونزاليس وهالة العبورة وكوثر الشورفا ولينا المليك ومعتصم القبيسي وندى عبدالله ومحمد يوسف وثائر هلال وتور سيدل وعنيزة إسماعيل ونوربانو حجازي ومحمد يوسف الأحمدي.
للمفارقة أنه منذ فترة قصيرة صدر كتاب مهم للمؤلف والباحث البريطاني توماس دودمان بعنوان “تاريخ شعور ميت”؛ فإلى جانب تقديمه المنحى التاريخي لهذه الكلمة وإشارته باستطراد إلى أنها في بدايتها أطلقت لتوصيف حالة نفسية مرضية مؤلمة، عرض كيف تحولت هذه الكلمة إلى معنى شديد المعاصرة يطال شريحة كبيرة من البشر في هذا الزمن.
معرض "نوستالجيا" منطلق إضافي في الساحة الفنية لشتى أنواع التساؤلات حول ماهية النوستالجيا في زمن طاحن لا يقيم للّحظات معنى
ومما ذكره الفنان أن النوستالجيا، أو ما يُتعارف عليه بالحنين، إضافة إلى تأثيرها السلبي على نفسية الشخص لها آثار إيجابية أهمها الإبداع الذي ظهر في أعمال الشعراء والأدباء والفنانين؛ أعمال عبرت عن حالة التوق إلى الوطن الأم أو إلى الوطن الذي حلموا به ولم يروه يوما.
بدورهم، ذكر القيمون على صالة أيام في البيان الصحفي المرافق للمعرض ما قاله يوما الكاتب الفرنسي مارسيل بروست “تذكّر الأشياء القديمة لا يعني تماما أن نتذكرها على ما كانت عليه بالفعل”. والنوستالجيا الخاصة بذلك الأديب تنشقّ من كلمتين وهما الكلمة الإغريقية “نوستوس” و”ألغوس” أي “العودة” و”الحزن”.
الأعمال الفنية المشاركة في المعرض تعكس هذا المعنى وانشغالات الفنانين العاطفية بما يمكن أن يعني التذكّر وتخيّل ذكرى قد لا يكونون عاشوها في الواقع، ولكن شعروا بوطأتها بواسطة ملكة التخيل والتوق إلى مجهول مرغوب فيه.
وبالفعل جمع المعرض، حسب الفنان والأستاذ في الفنون الدكتور محمد يوسف، “أعمال الطلبة الخريجين من السنوات الماضية في معرض مشترك مع الأساتذة، مما أوجد تنوعا جميلا في الأعمال، وتناغما بوجود تيمة واحدة في المعرض هي النوستالجيا”.
وقد كشف الفنان الإماراتي محمد يوسف، وهو أستاذ في جامعة الفنون ومُشارك في معرض “نوستالجيا”، عن عادة واظب على ممارستها برفقة مجموعة من الفنانين وهي التخييم في أحضان الطبيعة. وقال عن ذلك “أحضرت الأحجار من تلك المنطقة، وحاولت ألا أخدش تكوينها الطبيعي أو أطمس معالمها، ولأني متشبع برسومات الأطفال، كانت هذه المنحوتات امتداداً لأسلوبي الفني، من خلال التشكيلات التجريدية البسيطة التي أسقطتها على الشكل الأصلي بلمسات متناهية البساطة”.
وسيعثر زائر المعرض المقام في صالة أيام على البعض من هذه الأعمال.
الأعمال الفنية المشاركة في المعرض تعكس معنى النوستالجيا وانشغالات الفنانين العاطفية بما يمكن أن يعني التذكّر
نذكر من الفنانين المشاركين هالة العبورة التي قدمت عملا فنيا مستوحى من ذاكرة أرشيف لفلسطين، مستخدمة تقنية طباعة خاصة إضافة إلى إدخال تقنية الخياطة اليدوية في تنفيذ تشكيل الكلمات. الفنانة هي خريجة سنة 2021.
ويسكن أعمال هالة العبورة هاجس الاستمرارية والرغبة في الحفاظ على الأشياء واضحة، في مخالفة لحالة العبور والتلاشي.
ويرتكز عمل الفنانة على جمع والتقاط المبعثرات. ويبرز أسلوبها الفني في التضاد ما بين الخياطة اليدوية المنمنمة، وصلابة المعدن وبرودة البلاستيك ومادة “الريزين” الصناعية.
ومن الفنانين نذكر أيضا أحمد الكثيري الذي قال عن أعماله إنها تشكل حالة تأمل وإبحار في علاقته مع أجداده بهدف بناء مساحة وجود متخيلة. ويعود ذلك إلى كونه ترعرع بعيدا عن وطنه فذكرياته في اليمن وعلاقته مع أهله لهما أهمية كبرى في تشكيل أعماله. من ناحية ذكرياته هي مُشبعة بلحظات اللعب العابرة التي عرفها حول منزل جدته المُشمس والعابق بعطره الخاص، ومن ناحية أخرى هي ذكريات تسكنها الأوقات التي كان يستمع فيها مع جده إلى الأغاني والخطابات التراثية.
وجاءت أعماله المعروضة في الصالة التي تجسد وسادات باهرة بألوانها مأهولة بلحظات الدفيء والسعادة التي اختبرها في منزل جدته.
أما الفنانة السودانية لينا المليك فأعمالها مشغولة بالمرأة، لاسيما المرأة العربية – الأفريقية وما يدور حولها من مواضيع تتعلق بالتراث والهوية والعزلة والحرية.
توظف الفنانة أساليب وتقنيات مختلفة لأجل التعبير عن أفكارها، منها الأعمال الديجيتالية والتجهيز الفني والرسومات. عبورها من أسلوب إلى آخر في التعبير هو جزء من التعبير عن التغريب والهجرة. إنها فنانة تنقلت في عيشها ما بين الإمارات والسودان وقطر والولايات المتحدة.
ومن الفنانين المكرسين والمشهورين بأعمالهم النحتية بالبرونز نذكر العراقي معتصم القبيسي، وهو أستاذ في جامعة الشارقة للفنون وأيضا في بغداد. له معارض فردية في بلدان وعواصم عديدة منها بيروت ودبي وأبوظبي وباريس وسيدني والكويت.
يقدم الفنان القبيسي في هذا المعرض منحوتة اسمها “الصحيفة”. وذكر الفنان في معرض الحديث عنها أن “هناك محطات في الحياة تجعلني أتوقف لتعيدني إلى سنوات مضت حين كنت أتلهف للحصول على المعلومات عن العالم والحياة. وكانت الصحيفة اليومية ملاذي والمكان الذي كان يلبي حاجتي إلى المعرفة والاكتشاف”.
في المعرض أيضا حضور للفنان التشكيلي ثائر هلال عبر أعمال توظف الشفافية وتراكم الطبقات اللونية على حد السواء، وتتخذ الترميز والحسية والغموض وسائل للتعبير عن الأمكنة التي تغوص في وعينا وذاكرتنا لتطرح أسئلة حول الماضي والحاضر والحب والطبيعة والفرح، ومن تلك المشاعر والأفكار ينبثق الحزن القادم من الحس بالخسارة والفقد.
معرض “نوستالجيا” يستمر حتى 17 يونيو القادم ليكون منطلقا إضافيا في الساحة الفنية لشتى أنواع التساؤلات حول ماهية النوستالجيا في زمن طاحن لا يقيم للحظات معنى.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
ميموزا العراوي
ناقدة لبنانية