"نهر الزمن" في معرض يحتفل بمرور 30 سنة على إنشاء صالة جانين ربيز
فنانون يجتمعون لإعادة تصوير تجارب مبدعين آخرين.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
أعمال معاصرة تختزل تجارب الغير
احتفاء بمرور ثلاثة عقود على تأسيسها، يجتمع في صالة جانين ربيز بالعاصمة اللبنانية بيروت عدد من المبدعين الشبان، الذين يعيدون قراءة وتصوير أعمال فنانين سبقوهم في التجربة الفنية، ويقدمونها في لوحات تعبر عن خبراتهم وأساليبهم الفنية محاولين إظهار حجم التنوع الفني الذي يشهده التشكيل اللبناني.
تحتفل صالة “جانين ربيز” في بيروت بداية من يوم السابع من يونيو الحالي حتى الرابع عشر من شهر يوليو القادم بمرور 30 سنة على تأسيسها، عبر معرض جماعي تمّ إطلاق فكرته السنة الفائتة من خلال دعوة عامة وجهت إلى المواهب الشابة من مختلف المجالات والتخصّصات الفنية والأعمار، للمشاركة في إبداع أعمال فنية لصيقة بهموم وأفكار عصرها ومستوحاة من أعمال فنانين مكرسين كان لهم بشكل عام الأثر الكبير في تبلور النصوص الفنية، ولهم مكانة خاصة في ذاكرة صالة “جانين ربيز” التي واكبت ودعمت أعمالهم الفنية على مدار السنين الفائتة.
من هؤلاء الفنانين المكرسين نذكر: الفنانة إيفيت أشقر والفنان شفيق عبود والفنانة لور غريب والفنانة هوغيت كالان والفنانة الشاعرة إتيتل عدنان والفنان بسام جعيتاتي والفنان جوزيف حرب والفنانة لمياء جريج والفنان إبراهيم مرزوق والفنان عارف الريس والفنان هنيبال سروجي.
تنوع كبير في الأساليب
الدعوة التي أطلقت السنة السابقة هي من تصميم وتنظيم منار علي حسن. وقد تشكلت لجنة فنية، من نادين ربيز وهنيبال سروجي وجوليانا خلف وطارق نحاس وساندرا داغر، قامت بانتقاء الأعمال الفنية التي يتم عرضها اليوم في الصالة. أما أسماء الفنانين الذين تم اختيارهم من خلال أعمالهم التي نذكر عناوينها تاليا فهم:
الفنانة لولو بساط “رحلة طائر أزرق مهاجر” والفنانة نهاد الحاج “المشية” والفنان ماريو الخوري “ماذا لو أنت بقيت ونحن غادرنا؟” والفنان فيليب كالان “يوم الشاطئ” والفنانة سارة فرنسيس “القمر الأحمر” والفنانة سامية سوبرة من خلال 4 أعمال: “الاستمتاع” و”إحياء” و”تحت الأرض” و”أنا مرن”، والفنانة هالا طويل “ذكرياتي مرتبكة” والفنانة لمياء صفي “انطلاقة حركة فنية” والفنانة آية أبوهواش “هوية خاصة” والفنان محمد أبوشعير “ذاكرة حاضر” والفنانة يارا الترك “تفكيك البصمة اللبنانية” والفنان رامي شاهين “ماذا تبقى من أرزتي؟”.
كذلك تشارك الفنانة منية رياشي بلوحاة “صخرة الأزمان” والفنانة سيجولين راغو “سكون” والفنانة آية نادرة زنتوت “العلبة الحمراء” والفنانة ريم شهيّب “تراكم” والفنانة ديانا أبوسلمان “بقايا” والفنانة كريس الصوري “صدى الخريف” والفنانة مروة إلهمان “القناع” والفنانة جوّانا رعد “سنترال” والفنانة نور البقار “فيزا” والفنان زياد جريج “أسطحي الحبيبة” والفنان جيلبير لطفي “هبوط في بيروت” والفنانة ملك السهلة “مترابط روحيا” والفنانة مروة الرفاعي “أنا هنا” و”أسقي جراحي”.
وغالبا ما تميل الأعمال الفنية المستوحاة من أعمال لفنانين آخرين إلى أن تكون إما ما يشبه أعمالا توضيحية أو فيها الكثير من التقليد للأعمال الأصلية أو أن تظهر شديدة التماهي باللوحة الأصل، غير أن أول ما يلفت النظر هنا هو، وإن بدرجات مختلفة، أن الفنانين المشاركين أبدعوا نصوصا استدعت من اللوحات الأصلية ليس هيئاتها الخارجية بشكل خاص، بل ما عني لهم وما شجعهم على الإيغال في ذواتهم، وتجاربهم الشخصية، ومن ثم ترجمتها بصريا، واللوحات/الأصل في البال.
ما قدمته الصالة أشبه بما أقرّ به المفكر هنري برغسون، فقد وضع مفهوم "الزمن" في مقابل مفهوم "الوقت"
هذا إذا لم نذكر أن بعض أعمال الفنانين المشاركين في المعرض استنبطت من حياة فنان وشخصيته التي انعكست على نتاجه الفني العام عملا فنيا يحمل إمضاءه وحده وليس إمضاء الفنان المُستوحى من أعماله. ونذكر هنا على سبيل المثال ولا الحصر الفنانة لمى صفير التي قدمت عملا فنيا هو بهيئة حذاء نسائي زخرفته بتداخل وغزارة الأشكال والخطوط بأسلوب الفنانة هوغيت كالان.
و”الأصلي” في الأمر أن الفنانة لمى صفير استمدت من تاريخها الشخصي المعنى في ما قدمته، إذ كانت في طفولتها تتعرض للتنمر بسبب شعرها الكثيف والأشعث.
ويجب أن نذكر أن فكرة الصالة في أن تشترط أن تكون الأعمال الفنية من وحي لوحات مكرسة هو أمر فيه درجة عالية من الحكمة ويفهمها جديا خاصة من يمارسون الفن أو على اتصال وثيق بعالمه.
ففي طرحها هذا تخفف الصالة من وطأة مفهوم القماشة البيضاء المُقلقة على الفنانين اليافعين عبر إشعال شرارة الانطلاق الأولى لتحقيق ذواتهم الفنية بأي أسلوب فني يعتمدونه، ومن خلال أي تقنية أرادوا استخدامها.
وفي المعرض تنوع كبير في الأساليب من ضمن صالة صغيرة نسبيا أحب أن أسميها “منمنمة” استطاعت احتضان شتى أنواع الفنون المعاصرة.
الواقع اللبناني يرسم تجربة فناني بيروت
من ناحية أخرى تشير الصالة إلى أنها أرادت إضافة إلى إطلاقها مواهب جديدة، شأنها شأن “دار الأدب والفن” لصاحبتها جانين ربيز والدة صاحبة الصالة الحلية التي كان لها دور مصيري في إطلاق مسار التشكيل والثقافة منذ الستينات من القرن الفائت، أرادت أن تقابل بين أجيال مختلفة من الفنانين.
الحقيقة أن ما قدمته الصالة هو أشبه بما آمن به المفكر هنري برغسون فقد وضع مفهوم “الزمن” في مقابلة مع مفهوم “الوقت”، أو “اللحظة”. فقد اعتبر أن الحياة بكليتها عبارة عن لحن واحد طويل يمتد من الولادة إلى لحظة الموت، معتبرا أن الزمن هو مثل المساحة الجغرافية: مكان متداخل في تدفق وانسياب. أما اللحظات (كما في حال الأعمال المنفصلة المعروضة من وحي أعمال أخرى منفصلة هي مجرد مقاطع غير محددة إلا بالتراتبية التأريخية/ العلمية. في حين أن الزمن (المتمثل بهذا الانسجام والتداخل الباطني بين الأعمال الجديدة والقديمة) هو الزمن “الحقيقي غير الموضوعي، بل المتدفق كالماء والشخصي جدا”.
جيل الحرب سيرى نفسه في هذه الأعمال وجيل الستينات سيرى ماذا آلت إليه أحلامه وخبراته. وجيل ما بعد انفجار 4 أغسطس 2020 والثورة اللبنانية، التي اشتعلت كالأسهم النارية في سماء غليظة بحبر حالك السواد يصعب تبديه، سيرى كم هو ليس فقط على تماس، بل منغمس مع الآخرين حتى القاع كقطرات الماء في النهر “البرغسوني” المتدفق إلى أن تنتهي الحياة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
ميموزا العراوي
ناقدة لبنانية
فنانون يجتمعون لإعادة تصوير تجارب مبدعين آخرين.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
أعمال معاصرة تختزل تجارب الغير
احتفاء بمرور ثلاثة عقود على تأسيسها، يجتمع في صالة جانين ربيز بالعاصمة اللبنانية بيروت عدد من المبدعين الشبان، الذين يعيدون قراءة وتصوير أعمال فنانين سبقوهم في التجربة الفنية، ويقدمونها في لوحات تعبر عن خبراتهم وأساليبهم الفنية محاولين إظهار حجم التنوع الفني الذي يشهده التشكيل اللبناني.
تحتفل صالة “جانين ربيز” في بيروت بداية من يوم السابع من يونيو الحالي حتى الرابع عشر من شهر يوليو القادم بمرور 30 سنة على تأسيسها، عبر معرض جماعي تمّ إطلاق فكرته السنة الفائتة من خلال دعوة عامة وجهت إلى المواهب الشابة من مختلف المجالات والتخصّصات الفنية والأعمار، للمشاركة في إبداع أعمال فنية لصيقة بهموم وأفكار عصرها ومستوحاة من أعمال فنانين مكرسين كان لهم بشكل عام الأثر الكبير في تبلور النصوص الفنية، ولهم مكانة خاصة في ذاكرة صالة “جانين ربيز” التي واكبت ودعمت أعمالهم الفنية على مدار السنين الفائتة.
من هؤلاء الفنانين المكرسين نذكر: الفنانة إيفيت أشقر والفنان شفيق عبود والفنانة لور غريب والفنانة هوغيت كالان والفنانة الشاعرة إتيتل عدنان والفنان بسام جعيتاتي والفنان جوزيف حرب والفنانة لمياء جريج والفنان إبراهيم مرزوق والفنان عارف الريس والفنان هنيبال سروجي.
تنوع كبير في الأساليب
الدعوة التي أطلقت السنة السابقة هي من تصميم وتنظيم منار علي حسن. وقد تشكلت لجنة فنية، من نادين ربيز وهنيبال سروجي وجوليانا خلف وطارق نحاس وساندرا داغر، قامت بانتقاء الأعمال الفنية التي يتم عرضها اليوم في الصالة. أما أسماء الفنانين الذين تم اختيارهم من خلال أعمالهم التي نذكر عناوينها تاليا فهم:
الفنانة لولو بساط “رحلة طائر أزرق مهاجر” والفنانة نهاد الحاج “المشية” والفنان ماريو الخوري “ماذا لو أنت بقيت ونحن غادرنا؟” والفنان فيليب كالان “يوم الشاطئ” والفنانة سارة فرنسيس “القمر الأحمر” والفنانة سامية سوبرة من خلال 4 أعمال: “الاستمتاع” و”إحياء” و”تحت الأرض” و”أنا مرن”، والفنانة هالا طويل “ذكرياتي مرتبكة” والفنانة لمياء صفي “انطلاقة حركة فنية” والفنانة آية أبوهواش “هوية خاصة” والفنان محمد أبوشعير “ذاكرة حاضر” والفنانة يارا الترك “تفكيك البصمة اللبنانية” والفنان رامي شاهين “ماذا تبقى من أرزتي؟”.
كذلك تشارك الفنانة منية رياشي بلوحاة “صخرة الأزمان” والفنانة سيجولين راغو “سكون” والفنانة آية نادرة زنتوت “العلبة الحمراء” والفنانة ريم شهيّب “تراكم” والفنانة ديانا أبوسلمان “بقايا” والفنانة كريس الصوري “صدى الخريف” والفنانة مروة إلهمان “القناع” والفنانة جوّانا رعد “سنترال” والفنانة نور البقار “فيزا” والفنان زياد جريج “أسطحي الحبيبة” والفنان جيلبير لطفي “هبوط في بيروت” والفنانة ملك السهلة “مترابط روحيا” والفنانة مروة الرفاعي “أنا هنا” و”أسقي جراحي”.
وغالبا ما تميل الأعمال الفنية المستوحاة من أعمال لفنانين آخرين إلى أن تكون إما ما يشبه أعمالا توضيحية أو فيها الكثير من التقليد للأعمال الأصلية أو أن تظهر شديدة التماهي باللوحة الأصل، غير أن أول ما يلفت النظر هنا هو، وإن بدرجات مختلفة، أن الفنانين المشاركين أبدعوا نصوصا استدعت من اللوحات الأصلية ليس هيئاتها الخارجية بشكل خاص، بل ما عني لهم وما شجعهم على الإيغال في ذواتهم، وتجاربهم الشخصية، ومن ثم ترجمتها بصريا، واللوحات/الأصل في البال.
ما قدمته الصالة أشبه بما أقرّ به المفكر هنري برغسون، فقد وضع مفهوم "الزمن" في مقابل مفهوم "الوقت"
هذا إذا لم نذكر أن بعض أعمال الفنانين المشاركين في المعرض استنبطت من حياة فنان وشخصيته التي انعكست على نتاجه الفني العام عملا فنيا يحمل إمضاءه وحده وليس إمضاء الفنان المُستوحى من أعماله. ونذكر هنا على سبيل المثال ولا الحصر الفنانة لمى صفير التي قدمت عملا فنيا هو بهيئة حذاء نسائي زخرفته بتداخل وغزارة الأشكال والخطوط بأسلوب الفنانة هوغيت كالان.
و”الأصلي” في الأمر أن الفنانة لمى صفير استمدت من تاريخها الشخصي المعنى في ما قدمته، إذ كانت في طفولتها تتعرض للتنمر بسبب شعرها الكثيف والأشعث.
ويجب أن نذكر أن فكرة الصالة في أن تشترط أن تكون الأعمال الفنية من وحي لوحات مكرسة هو أمر فيه درجة عالية من الحكمة ويفهمها جديا خاصة من يمارسون الفن أو على اتصال وثيق بعالمه.
ففي طرحها هذا تخفف الصالة من وطأة مفهوم القماشة البيضاء المُقلقة على الفنانين اليافعين عبر إشعال شرارة الانطلاق الأولى لتحقيق ذواتهم الفنية بأي أسلوب فني يعتمدونه، ومن خلال أي تقنية أرادوا استخدامها.
وفي المعرض تنوع كبير في الأساليب من ضمن صالة صغيرة نسبيا أحب أن أسميها “منمنمة” استطاعت احتضان شتى أنواع الفنون المعاصرة.
الواقع اللبناني يرسم تجربة فناني بيروت
من ناحية أخرى تشير الصالة إلى أنها أرادت إضافة إلى إطلاقها مواهب جديدة، شأنها شأن “دار الأدب والفن” لصاحبتها جانين ربيز والدة صاحبة الصالة الحلية التي كان لها دور مصيري في إطلاق مسار التشكيل والثقافة منذ الستينات من القرن الفائت، أرادت أن تقابل بين أجيال مختلفة من الفنانين.
الحقيقة أن ما قدمته الصالة هو أشبه بما آمن به المفكر هنري برغسون فقد وضع مفهوم “الزمن” في مقابلة مع مفهوم “الوقت”، أو “اللحظة”. فقد اعتبر أن الحياة بكليتها عبارة عن لحن واحد طويل يمتد من الولادة إلى لحظة الموت، معتبرا أن الزمن هو مثل المساحة الجغرافية: مكان متداخل في تدفق وانسياب. أما اللحظات (كما في حال الأعمال المنفصلة المعروضة من وحي أعمال أخرى منفصلة هي مجرد مقاطع غير محددة إلا بالتراتبية التأريخية/ العلمية. في حين أن الزمن (المتمثل بهذا الانسجام والتداخل الباطني بين الأعمال الجديدة والقديمة) هو الزمن “الحقيقي غير الموضوعي، بل المتدفق كالماء والشخصي جدا”.
جيل الحرب سيرى نفسه في هذه الأعمال وجيل الستينات سيرى ماذا آلت إليه أحلامه وخبراته. وجيل ما بعد انفجار 4 أغسطس 2020 والثورة اللبنانية، التي اشتعلت كالأسهم النارية في سماء غليظة بحبر حالك السواد يصعب تبديه، سيرى كم هو ليس فقط على تماس، بل منغمس مع الآخرين حتى القاع كقطرات الماء في النهر “البرغسوني” المتدفق إلى أن تنتهي الحياة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
ميموزا العراوي
ناقدة لبنانية