مدينة التماسيح" فيلم للاكتتاب الجماهيري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مدينة التماسيح" فيلم للاكتتاب الجماهيري

    "مدينة التماسيح" فيلم للاكتتاب الجماهيري
    عن الحياة البرية في مصر..
    كتب: وائل سعيد
    التمساح هو أضخم الزواحف المتبقية على وجه الأرض، ويعد من أشرس الحيوانات وأكثرها خطورة لما يتسم به من عدوانية شديدة تستعصي على الاستئناس أو الترويض. عرفت "التمساحيات" طريقها إلى الحياة في العصر الطباشيري منذ ملايين السنين، وساعد عمرها الطويل على انبثاق الكثير من القصص والأساطير حولها، لاسيما وأن هيكلها العام يتشابه بعض الشيء مع حيوانات ما قبل التاريخ.
    في السنوات الأخيرة، رصدت بعض الصحف والمواقع جدلا دائرا بشأن التمساح المصري، حيث انقسمت الأراء بين مؤيد ومعارض، فريق وجد أن مجموعة التماسيح المتمركز في بحيرة ناصر خلف السد العالي تُهدر نسبة ضخمة من ثروة مصر السمكية، بينما سلط الآخر الضوء على أهمية التمساح نفسه باعتباره ثروة مهدرة مع وجود الآلاف منه حسب الإحصائيات الرسمية.
    تمساح النيل تحت رحمة الانقراض
    اتخذ "عمر منجوته"، المخرج المصري المتخرج من معهد السينما 2015، من التمساح بطلا له لشغفه بالحياة البرية خصوصا في هذا التوقيت الحرج الذي يعانى فيه العالم من تدهور كارثي في التنوع البيولوجي،، وكانت النتيجة ثلاثة أفلام قصيرة شاركت في بعض المهرجانات المحلية والدولية، علاوة على فيلمه الوثائقي الطويل "كروكودوبوليس" الذي جمع بين سينمائيين وعلماء وباحثين، يعملون بتمويل ذاتي وجهود فردية، ما دفعهم إلى التفكير خارج الصندوق، فأطلقوا حملة على إحدى المنصات العالمية للتمويل الجماعي بهدف جمع عشرة آلاف دولار لإنجاز المراحل المتبقية في الفيلم وإنقاذ تمساح النيل من الانقراض. جاءت الاستجابة سريعة فخلال فترة وجيزة جمعت الحملة –حتى الآن- ما يقارب 30% من المبلغ المُستهدف.
    يؤكد فريق العمل أن فيلمهم سيكون بمثابة "دعوة عاجلة للتوعية بالعلاقة بين البشر وغير البشر وحماية أكثر المخلوقات مرونة التي سكنت هذا الكوكب قبل وقت طويل من عصرنا، ولا يوجد سوى القليل من الإجراءات التي يتم القيام بها لمنع انقراض التماسيح في مصر". ويشير أحدهم في موضع آخر إلى خطورة تتعلق بطوبوغرافيا المكان؛ وتتمثل في تغير –هوية- بحيرة ناصر أكبر معاقل التماسيح.
    الطريق إلى الذهب
    دخل التمساح الميثولوجيا الفرعونية مجسدا في صورة الإله "سوبك" أحد أقوى الآلهة التي أحكمت سيطرتها على مياه النيل، وكان يقدم له الذبائح ويتم تزينها بأقراط ثمينة كما ذكر هيرودوت. ولا تخلو الأدبيات الفرعونية أيضا من قصص ونودار عن هذا المخلوق الأسطوري، منها قصة القائد الذي أراد الانتقام من أحد معاونيه حين علم بخيانته مع زوجته، فصنع تمثالا صغيرا من الشمع على شكل تمساح وأهداه لغريمه بعد أن قرأ عليه بعض التعاويذ، على أن تتكفل تلك التميمة بتحويل التمثال لتمساح حقيقي بحجم كبير، كي يلتهم الاثنان معا بالتأكيد.
    بدأت فكرة الفيلم منذ أربعة أعوام تقريبا..، "عندما عاد الباحث المصري محمد عزت إلى بحيرة ناصر، ليكتشف ما طرأ على هويتها من تغيير. لقد سيطر الصيادون على أنشطة البحيرة، متجاوزين عاداتهم في الصيد لاستهداف أكبر كائن حي على قمة السلسلة الغذائية للبحيرة".
    إلى جانب خطر الصيادين وفي الوقت الذي أثبتت فيه دراسات بيئية أمريكية حديثة معاناة تمساح النيل من غياب الشواطئ الرملية كبيئة ملائمة لوضع البيض وحضانته، نجد أغلب شواطئ البحيرة حجرية أو صخرية مما يجعلها بيئة غير آمنة على الفقس الجديد وأحيانا غير مناسبة من الأساس.
    عن الفيلم وأحوال الصناعة
    كثيرا ما وقف التمويل عائقا رئيسيا في طريق الأفلام قبل ظهورها على الشاشة، فهو المصدر الأهم لتحويلها من مجرد أفكار على الورق إلي صور حية ومشاهد متحركة. من هنا ارتأى البعض حلا بعيدا عن الطرق المعتادة باللجوء إلى التمويل الجماعي أو المساعدة في تمويل عمل فنى ما، وهو ليس وليد اللحظة أو العصر الحديث، إلا أن التكنولوجيا الرقمية تحديدا مكنت الأجيال الجديدة من نشر الأفكار وإطلاق الحملات ومتابعتها بشكل أفضل وأسرع.
    علي الرغم من أن مشروع فيلمها "يوم أكلت السمكة" لم يكتمل حتى الآن، إلا أن الممثلة والمخرجة الشابة عايدة الكاشف قامت بإطلاق حملة مشابهة عام 2015 لتمويل الجزء المتبقي من الفيلم. استهدفت الحملة حينئذ جمع 26 ألف دولار وتم بلوغ ما يقارب 70% من هذا المُستهدف، وكما أعلنت صفحة الفيلم كانت النسبة الأكبر من المتبرعين مصريين؛ حتى أن بعض الموسيقيين الشباب نظموا حفلات موسيقية يكون ريعها موجها للحملة. تُشير بعض التقارير إلي أن حملات التمويل الجماعي -على مستوى العالم- في هذا العام جمعت ما يزيد عن 30 بليون دولار لأفلام غامرت بالفكرة ونجحت فيها، الأمر هنا يخضع لمنهج الإعلان بنسبة كبيرة، وكلما كانت قدرتك على إقناع الجمهور وإبهاره في الوقت نفسه، زادت فرصتك في النجاح.
    لكن "لا نجاح بغير حراك"، لذلك حين تواصلت مع مخرج الفيلم "عمر منجوته" وجدته في بيروت يسوق للفكرة ويبحث عن دعم من بعض الهيئات السينمائية. اكتمل فيلمه بنسبة 80% حتى الآن بدعم من "الجمعية المصرية لحماية الطبيعة" وهي جمعية أهلية. ويبدو بديهيا أن يبحث الفيلم عن تمويل من مهرجان أو من برامج المنح السينمائية الدولية، فلماذا لم يفعل؟ يُجيب منجوته بأن "عملية التقديم لهذه المنصات دائما ما تكون طويلة ومعقدة في بعض الأحيان"، مؤكدا على أنه واجه صعوبات في توصيل الفكرة نفسها لبعض المنصات العربية تحديدا، والتي اعتادت على شكل معين لأفكار الفيلم التسجيلي. علاوة على أن الهدف من الحملة لا يقف عند حد التمويل فحسب، لقد أراد فريق الفيلم جذب فئة من الجمهور لتكون بمثابة داعما لهم وبالتالي مشاركا في صنع الفيلم، حيث يوفر موقع الحملة للمشتركين عدد من المزايا. بجانب ذلك، أصر فريق العمل على الاعتماد على التمويل الذاتي والدعم الجماعي حتى لا يتم الخضوع لتوجهات معينة أو سياسات موجهة تفرضها الجهة الداعمة أو الممولة للفيلم. مع العلم أن المبلغ المتبقي لا يمثل أكثر من 10% من الميزانية الكلية للفيلم، إلا أنه سيساعد على إنجاز اللقطات الأخيرة وخصوصا التي تتم تحت الماء، وهو ما يحتاج لمعدات وإمكانيات خاصة وميزانيات ضخمة لا يمكن إلا للمؤسسات الاضطلاع بها.
    السينما المستقلة من أكثر أنواع السينمات صعوبة في التمويل وهو ما ينطبق أيضا على السينما التسجيلية أو الوثائقية، كونك أحد صُناع الأفلام الشباب كيف ترى تجربة التمويل الجماعي، وهل من الممكن الاستعانة بها في فيلمك القادم؟، يبتسم منجوته متمنيا أن يكون حظ فيلمه القادم أفضل حال من فيلمه الحالي، فمسألة التمويل الجماعي ليست سهلة كما قد يظنها البعض، وأنصح أي مخرج ينوى على مثل تلك الحلول ألا تكون في المراحل المتقدمة من الفيلم، وأن تقتصر فقط على المرحلة النهائية حتى تحقق المرجو منها.
    تمتع التمساح قديما بكثير من التبجيل والتقديس، والآن كُتب على الأجيال الجديدة منه الانتقال بين أقفاص التجار مكممي الأفواه...؛ "ومنها أيضا من يختبئ من الصيادين داخل أطلال لمعابد مغمورة بالمياه" يستنكر منجوته موضحا كيف تحولت هذه العلاقة السحرية بين الحيوان وجاره الإنسان الشريك المُزعج في النهر، ويُخبرنا أن سيناريو الفيلم يطرح هذا التحول من خلال الاستعانة بالمؤثرات البصرية كالجرافيك والتحريك للربط بين الماضي والحاضر، وواقع البحيرة الآن بالإضافة إلى واقع التمساح نفسه بين الصيادين والتجار وباحثي البيئة.
    يأمل فريق الفيلم الوصول إلى النسخة النهائية منتصف العام القادم، ويبدو أننا في حاجة إلى مثل هذه الأفلام بالفعل، وإن كنا في حاجة أمس إلى تغيير ثقافتنا في التعامل مع الكائنات الحية حولنا بالشكل الملائم، وهو ما يبدو صعبا، سيما بعد الفيديوهات التي انتشرت منذ أيام لسمكة قرش تلتهم ثلاث سياح في مدينة الغردقة، وكيف استنفرت المدينة كل جهودها للقبض على القرش القاتل، وما إن نجحت الحشود في العثور على بغيتها، حتى انتشرت الفيديوهات بتعذيب القرش بالهراوات حتى أردوه كمدا، قبل أن يدرك القرش المعتمد في غذائه على الافتراس، جرمه الذي استحق مثل هذا القصاص!
يعمل...
X