الفيلم الخالد
المريض الإنجليزي The English Patient
فيلمٌ يترسخُ في الذاكرة و الوجدان .. و لا يَمّحي أبداً
عام 1992 صدرت للكاتب الكندي " مايكل أونداتجي " ــ و هو من أصل سيريلانكي و يعيش في مدينة ( تورونتو ) الكندية ــ روايةٌ بعنوان ( المريض الإنجليزي ) ، و في نفس العام فازت بجائزة ( بوكر ) للرواية ، و بعد أربع سنوات ( 1996 ) حوّلها المخرج البريطاني " أنتوني منغيلا " ( 1954 ــ 2008 ) الى فيلم سينمائي ( يستغرق ساعتين و 40 دقيقة ) فترشح لإثنتي عشرة جائزة أوسكار فاز منها بتسعٍ جوائز ، منها جائزة أفضل ممثلة في دور مساعد ذهبت للممثلة الفرنسية " جولييت بينوش " عن تجسيدها شخصية الممرضة الكندية " هانا " في الفيلم ، كذلك فاز الفيلم بجوائز ( غولدن غلوب ) و ( بافتا ) . و كانت الرواية قد وصلت ، عام 2018 ، الى القائمة القصيرة لجائزة بوكر الذهبية التي أُقيمت بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيس الجائزة ففازت بها كأفضل رواية خلال خمسين عاماً بعد تصويت جمهور القراء لها ، و الذي اقترحته الروائية " كاملة شمسي " ، و قال الكاتبُ حينها : لم أكن أفكر لثانية واحدة أن هذه الرواية ستفوز بهذه الجائزة لولا العمل العظيم الذي قدمه المخرج " مانغيلا " بتحويله الرواية الى فيلم و بالتالي منحها كل هذه الشهرة . و قد تُرجمت الرواية الى نحو 300 لغة ، منها العربية بترجمة " أسامة أسبر " و مراجعة الشاعر " سعدي يوسف " عن ( دار المدى ) عام 1997 ، و صدرت بتوقيع المترجم نفسه في دولة الإمارات العربية عن مجموعة ( كلمات ) عام 2019 ، ولكن كُتبت عليها عبارة ( الطبعة الأولى ) .
تقول الروائية البريطانية ـ من أصل باكستاني ـ " كاملة شمسي " عن رواية ( المريض الإنجليزي ) أنها : ( روايةٌ نادرة ، تحكُّ جلدَك وتُجبرُك على العودة إليها مراراً و تكراراً ، و فى كلِّ مرةٍ تسبّبُ للقارئ مفاجأةً أو بهجة ً جديدة ) .
تدور الأحداث أثناء الحرب العالمية الثانية ، و في صحراء مصر الغربية و قريباً من كهوف ليبيا القديمة التي يعود تاريخها الى آلاف السنين ، و أبطال الرواية هم مستكشفون جغرافيون زملاءٌ في الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية و تشمل الأحداث الإستكشاف و الرحلات و التجسس و الخيانات و مَشاهد الحرب . و تنقسم الرواية الى عشرة أقسام ، و إذ تبدأُ بالقسم الذي بعنوان ( الفيلّا ) التي هي منزلٌ كبيرٌ مُخرّب من أثر القصف ، و مهجور ، لتكون المكان الذي تعتني فيه الممرضة " هانا " بـ ( المريض الإنجليزي ) الذي هو " ألماسي " ، المحترق جسمُهُ تماماً ، فإن الفيلم يبدأ من الطيران فوق كثبان رمال الصحراء حيث يحصل الإحتراق ، أما ( تايتل ) الفيلم فيبدأ بفرشاة ترسم شكلاً من أشكال الرسوم على جدران الكهوف ، مصحوبةً بأغنية شعبية هنغارية ربما في إشارة الى " ألماسي " ذي الأصول الهنغارية و مكتشف ( كهف السبّاحين ) الذي تحتوي جدرانُهُ على تلك الرسوم . و في الغرفة التي مُدِّدّ فيها يروي الحكاية للممرضة .. لتبدأ التداعيات ، و الواقع إن المكان عبارةٌ عن ديرٍ مهجور ، بدليل برجه الذي يعلوه الصليب و قاعاته المزدانة بالرسوم المستوحاة من الإنجيل على غرار الكنائس و الأديرة الكاثوليكية في إيطاليا . و لا ندري لماذا سُمّيت ( فيلاّ) .
تركز الرواية على علاقة الحب الشفافة بين الممرضة الكندية " هانا " و الهندي السيخي نازع الألغام " كيب " ــ لعب دورَهُ " نافين أندروز " ــ بينما في الفيلم غيّر المخرجُ التركيز فأحاله الى العلاقة العاطفية الخيانية بين البريطانية " كاثرين كليفتون " ــ لعبت دورَها " كريستين سكوت توماس " ــ و بين " ألماسي " الهنغاري الذي هو زميل الجمعية الجغرافية الملكية ــ لعب دورَهُ " رالف فاينس " ــ وكان يُعتقد أنه إنجليزي ، ولكنه في الحقيقة هنغاريٌ مولودٌ في النمسا ، و " كاثرين " هي زوجة الإستكشافي " جيفري كليفتون " الذي كان يزود الإستخبارات البريطانية بالمعلومات ــ لعب دوره " كولين فيرث ــ و يرد إسمُه في مقطعٍ من محضرٍ لأحد إجتماعات الجمعية الجغرافية الملكية ( 1 ) ، و الذي يظهر في مطلع الرواية كما يلي : ( أنا متأكدٌ أن معظمكم يتذكر الظروف المأساوية لموت جيوفري كلفتون في الجلف الكبير ( 2 ) الذي تبعه فيما بعد اختفاء زوجته كاثرين كلفتون أثناء بعثة عام 1939 الصحراوية التي انطلقت للبحث عن الزرزورة ( 3 ) .... ) . و قد اعتمد كاتب الرواية على محاضر اجتماعات هذه الجمعية و وثائقها ، و يذكر في إيضاح في نهاية الكتاب أنه قرأ الكثير من الكتب عن الرحلات و الإستكشافات في الصحراء المصرية و عن الرياح و العواصف الرملية و طرق تفكيك الألغام و القنابل ، ولكن كل ما دار في الرواية هو من نسج خياله .. كما يذكر.
حصر الفيلم الشخصيات الأساسية في أربعة :
1 ــ الممرضة الكندية " هانا " التي فقدت أحبابها : أباها و رفيقتها " جان " و حبيبها العقيد " مكغين " . تقول : ( لابد أني ملعونة ، كلُّ مَن يُحِبُني ، كلُ مَن يقتربُ مني .. لابُد أني ملعونة ) و تمثل " هانا " الخلاصة الإنسانية النابعة من مآسي الحروب و أوجاعها ، لما تنطوي عليه شخصيتها من محبة و رأفة و حنان فائض رغم آلامها .
2 ــ الإستكشافي " ألماسي " الملقب بـ ( المريض الإنجليزي ) الذي يمثل الشخصية الرئيسة في الرواية و في الفيلم ، و يعكس وجوده ــ بوضعه المأساوي ــ خلاصة الحرب بجراحاتها و تشوهاتها و آلامها و خياناتها .
3 ــ الإستكشافية " كاثرين كلفتون " ، التي وضعت كل الإعتبارات المتعلقة بالخيانة الزوجية أو الخيانة الوطنية جانباً لتتبع قلبها ، و هي زوجة المستكشف " جيوفري كلفتون " الذي كان يعمل لصالح الحلفاء تحت غطاء الجمعية الجغرافية الملكية و الذي مات أثناء سقوط الطائرة حين أراد أن يقتل زوجته و عشيقها " الماسي ".
4 ــ " ديفيد كارافاجيو " اللص و المدمن على المورفين الذي يظهر في الفيلاّ على حين غرة ــ لعب دورَهُ " وليم دافو " ــ و هو صديقٌ لوالد " هانا " ، و هو الذي يكشف حقيقة " ألماسي " الذي تسبب بقطع أبهامَي يديه من قِبل الآلمان بعد أن وشى به . و قد عرفه ــ رغم غياب ملامحة بسبب الإحتراق ــ من خلال كتاب المؤرخ الإغريقي " هيرودوتس " الذي لا يفارقه ، و هو مؤرخٌ استكشافي أيضاً عاش في القرن الخامس قبل الميلاد و زار مختلف البلدان و كتب عن أحوالها .. و منها مصر .
و لعله بسبب رفقة كتاب " هيرودوتس " عمل بعض النقاد على ربط أحداث الرواية بالماضي السحيق و إسقاط قصة ( طروادة ) التاريخية على هذه الخيانة ، من خلال الربط بين " هيلين " زوجة " منيلاوس " إبنُ ملك اسبارطا التي خانت زوجها و هربت مع " باريس " إبن ملك طروادة ، فتسببت بدفع الإسبارطيين الى تحريك أساطيلهم نحو طروادة و شن تلك الحرب الطريفة الضارية التي قامت على حيلة إدخال حصانٍ خشبي المدينة َ المحصّنة و في داخله عدد من المحاربين بينهم " منيلاوس " ليفتحوا الأبواب لرفاقهم و يُسقطوا طروادة و يستعيد زوجته ، ولكن ــ كما تقول المثيولوجيا الإغريقية ــ فإن أسطوله تشتت في طريق العودة و رمت عاصفةٌ بسفينته على شواطيء مصر، و وصل بعد ثماني سنوات من الترحال الى جزيرة فاروس و منها عاد الى إسبارطا .
هذا هو الربط الذي حاول بعض النقاد اسقاطه على الفيلم ، ولكن الذي حصل هو أن " جيفري " مات قبل زوجته " كاثرين " و هي نفسها ماتت و لم يستعدها زوجها كما حصل في إلياذة " هوميروس " عن حرب طروادة ، و لم تكن " كاثرين " على علمٍ بخيانة " ألماسي " لصالح الآلمان حين وهبهم خرائط الحلفاء كي يحصل منهم على وقود للطائرة التي ينوي أن ينقذ بها حبيبته " كاثرين " التي تركها في الكهف الصخري ، فكيف شاركته الخيانة و هي تحتضر دون علمها بما أقدم عليه " ألماسي " من أجل إنقاذها ؟ إنها تبعت قلبها و هواها حسب . فما الربط بين الرواية أو الفيلم و بين حرب طروادة ؟
و لأنه في أحد مشاهد الفيلم يذكر " ألماشي " لـ " كاثرين " بأن زميلهما " برودكس " يعرف بعلاقتهما و يتحدث عن " آنا كارنينا " و قد استشهد الراوئي في الصفحة 255 من روايته ( المريض الإنجليزي ) بمقطع من رواية ( آنا كارنينا ) للروائي الروسي " تولستوي " فقد اعتبر بعض مراجعي الرواية أو الفيلم هذا الإستشهاد تأثراً بتلك الرواية . ما هذا الإسقاط المضحك و التسطيح السخيف في النقد السينمائي ؟ فنحن لو راجعنا هوامش الرواية التي توضح مساند عمل الروائي و استشهاداته و نظرنا اليها كما يفعل ( نقاد الصحافة ) لكانت النتيجة إلغاء صفة الإبداع لدى هذا الروائي الفذ الذي يصر على أنه كتب روايته على عجل ، و يبدو أن هؤلاء ( النقاد ) بحاجةٍ دائمة الى تذكيرهم بمقولة الشاعر الفرنسي " بول فاليري " أن ( الأسد إن هو إلاّ مجموعة خِراف ) . و أستغربُ من ( النقاد السينمائيين العرب ) أنهم يأخذون على الفيلم كونه قد وضع العرب في خلفية ضبابية ، تُرى ماذا كان للعرب من دورٍ في الحرب العالمية الثانية و في الإستكشاف الجغرافي ؟ صحيح أن الإستعمار كان هو المهيمن في تلك الحقبة ، ولكن ذلك لا يعني أن للعرب دوراً بطولياً في فيلم لا شأن لهم في أحداثه سوى أنها تدور في صحاراهم و في أسواقهم البدائية.
بعيداً عن هذا الإسفاف ، عندما نقرأ الرواية ، قبل مشاهدة الفيلم ، نشعر و كأننا أمام مشاهد بصرية ينقلها الينا الكاتب بلغة سينمائية ، ذلك يعود الى أن الكاتبَ نفسَهُ مخرجٌ سينمائي ، أما في الفيلم فتختلطُ السينما بالشعر بالمسرح ، يعودُ ذلك الى أن الكاتبَ الروائي شاعرٌ أيضاً ( أصدر أكثر من 13 مجموعة شعرية ) ، و لطالما أُنشِدت أشعارُهُ على المسارح ، كل ذلك التقى بعبقرية المخرج " أنتوني مانغيلا " الذي قدّم لنا هذه الملحمة السينمائية التي تترسخ في الوجدان و الذاكرة .. و لا يمكن نسيانُها .
من ضمن جوائز أوسكار التسع التي فاز بها الفيلم ، جائزتا أفضل تصوير و أفضل موسيقى . فقد كان لكاميرا المصور الأسترالي البارع " جون سيل " دورٌ بطوليٌ غيرُ مُعلن في صناعة هذا الفيلم باذخ الروعة ، حين جعل للتصوير السينمائي فيه لغة ً صوَرية ً بالغة َ الفصاحة بزواياها المختارة بدقة و مساحتها العريضة البانورامية خصوصاً في الفضاءات المفتوحة في الصحراء .. و قد تمّ تصويرُ معظم مشاهد الفيلم في تونس .
أما الموسيقى التصويرية للفيلم فقد خلق الموسيقيُ اللبناني " غبريال يارد " سحراً موسيقياً عظيماً ، تفوّق فيه على نفسه ، و غطى على سحر موسيقى جميع الأفلام التي تعامل معها قبل هذا الفيلم و بعده ، فكانت ( أوسكار ) و ( غولدن غلوب ) استحقاقه الطبيعي لما قدّمه من شجنٍ موسيقي يمور في الوجدان مترافقاً مع الصور البصرية التي خلقها " جون سيل " .
الإنارة في الفيلم كانت تستحق الترشيح للجوائز ، بإمتياز ، ولكن ذلك لم يحصل . و قد كانت عنصراً ناجحاً في تقديم المشهد البصري .
تبدو فكرة العمل برمتها قائمة على الفقدان :
* " ألماسي " يفقد هويته الوطنية بين نَسَبهِ الهنغاري الأصلي و إسمه الغريب و بين عمله في الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية ، و اتهاماته بالتجسس لطرفين متحاربين . و بالتالي فقدانه وجوده الإنساني السليم بعد تعرضه للحرق و التشويه إثْر سقوط طائرته و إنقاذ ( حياته ) على يد بدو الصحراء المصرية.
* " جيفري كلفتون " يفقد زوجته التي عشقت " ألماسي " وعاملته بالجفاء .
* " كاثرين كلفتون " التي فقدت قوامَ العلاقة الزوجية السليمة و بالتالي فقدت روحها في ظلام ( كهف السبّاحين ) ( 4 ) بعد أن تأخر " ألماسي " عليها و قد أسره الجيش البريطاني بسبب فَقدهِ أوراقه الثبوتية و تسبب إسمُه الغريب في التشكيك بهويته . و كان " ألماسي " هو الذي اكتشف هذا الكهف عام 1933 .
* الممرضة الكندية " هانا " فقدت أباها و حبيبها و صديقتها و خليلها نازع الألغام السيخي الملازم " كيت " .. و بالتالي باتت تعيش على هامش أملٍ هلامي .
* اللص " ديفيد كارافاجيو " فقد شخصيته الإجتماعية السليمة حين احترف اللصوصية ، فأعتمدته قوات الحلفاء ، و دفعته الى سرقة كاميرا من الآلمان ، فعوقب بفقدانه إبهاميه ، ما دفعه بالتالي الى الإدمان على المورفين كتعويض عن هذا الفقدان .
و الآن مَن هو ( ألماسي ) الشخصية المحورية في الفيلم ؟
إن وجود هذه الشخصية كان وجوداً حقيقياً و ليس من نسج خيال الكاتب " مايكل أونداتجي " في الرواية ، فالخيال الكتابي التقط الشخصيات و صنع الأحداث ، و هذه الأحداث في الرواية تصرّف بها الخيالُ السينمائي لدى المخرج العبقري " أنتوني مانغيلا " ، و هنا أصبح المخرجُ مؤلفاً ثانياً للرواية.
ولد ( الكونت ) " لازلو ألماسي " لعائلة هنغارية نبيلة في النمسا عام 1895 ، و كان والدُهُ " جيورجي ألماسي " ضليعاً في علم الحيوان و الأثنوغرافيا ( الدراسة الوصفية لطريقة و أسلوب الحياة لشعب من الشعوب) .
انضم " لازلو " و شقيقه " جانوس " الى فرقة الفرسان الحادية عشرة أثناء الحرب العالمية الأولى ، ثم التحق في العام 1916 بجيش الإمبراطورية النمساوية و بقوات الطيران الملكي ، ولكن بعد إسقاط طائرته في شمال إيطاليا عام 1918 تحول الى مدرب طيران . انخرط بعدها في عدة أعمال ، لكن رحلته من مصر الى السودان على أمتداد نهر النيل ، عام 1926 ، أحدثت تحولاً في حياته . و منذ ذلك التاريخ استهوته المنطقة و بدأ بعدة رحلات استكشافية . ففي عام 1932 قام برحلة للبحث عن واحة ( زرزورة ) مع ثلاثة بريطانيين هم سير " روبرت كلايتون " و " هوبرت بندريل " و " باتريك كلايتون " ولكن محاولتهم فشلت في الوصول الى مصب الوادي بالسيارة ، غير أن السير " روبرت كلايتون " الذي ظهر في فيلم ( المريض الإنجليزي ) بإسم " جيفري كلفتون " التقط عدوى مرض شلل الأطفال و توفي في نفس العام و ليس في حادث سقوط الطائرة كما رأينا في الفيلم ، و كانت زوجته طيارةً أيضاً و إسمها " دورثي " و قد ماتت إثرَ سقوط طائرتها في حادث غامض عام 1939 ، و هي ذاتها التي تظهر في الفيلم باسم " كاثرين كلفتون " .
بعد ذلك قام " ألماسي " بعدّة رحلات ناجحة مع مختلف المستكشفين ، فاكتشف واحة ( زرزورة ) و جبل ( عوينات ) و كهف ( السبّاحين ) و منطقة بحر الرمال الكبرى من ( عين دلة ) حتى واحة (سيوة ) ، وهي آخر بقعة فارغة لم يصل اليها مستكشفون قبله.
و يُشار الى أن " الماسي " لم يكن معروفاً حتى عام 1996 عندما ظهرت شخصيته في فيلم ( المريض الإنجليزي ) . و في عام 2010 تم في آلمانيا اكتشاف رسائل كان " ألماسي " قد كتبها ، وتثبت هذه الرسائل إنه كان مثلياً ، و كان عشيقُهُ ضابطاً ، هو الفيرماخت " هانز إنثولت " ، الذي مات بعد أن داس على لغمٍ أرضي . و يُقال أن بعض الأمراء المصريين كانوا من عُشاق " الماسي " . و ثمة احتمالٌ بأن عشاقه كانوا من الطرفين : سلبيين و إيجابيين.
أثناء زيارته الى النمسا توفي " لازلو ألماسي " في مستشفىً في سالزبورغ ، بتاريخ 22 مارس / آذار من عام 1951 ، نتيجة الزحار الأميبي الذي اكتسب عَدواه أثناء رحلةٍ الى موزمبيق .
في تقديري ، إن الممثل " رالف فاينس " الذي لعب دور الشخصية الرئيسة " ألماسي " لم يستحق الترشيح للأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيس ، لذلك فإن عدمَ فوزه بالجائزة كان طبيعياً ، ذلك أنه كان أدائياً في دورٍ تمثيليٍ خالٍ من التعبير ، و سطحي . و لا نعرف السبب الذي دفع المخرج العبقري " أنتوني مانغيلا " الى إختياره لهذا الدور ، و أعتقد أن الممثل المناسب كان هو " بن كنغسلي " ، و هذا رأي شخصي .
" رالف فاينس " ممثل رائع ، ولكن هذا الدور لم يكن مناسباً له ، و تمثيلهُ كان باهتاً تماماً .. و مُفتـَعَلاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما ورد في هوامش الرواية :
( 1 ) الجمعية الجغرافية الملكية ، هي جمعية ٌ علمية تأسست في لندن عام 1830 ، مكونة من المهتمين بالإستكشاف و الدراسات الجغرافية . تُصدر مجلةً فصلية بعنوان ( المجلة الجغرافية) .
( 2 ) الجلف الكبير ، هو هضبة ٌ تقعُ في منطقة نائية في جنوب غرب مصر . ترتفع 1000 فوق سطح البحر . و هي مشهورة بجمالها و أهميتها الجغرافية و الرسومات و المنحوتات الصخرية التي تصور حياةً حيوانية و مستوطناتٍ بشرية تعود الى عصور ما قبل التاريخ . كان الجلف الكبير محلاً للعديد من عمليات القوات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية ، و مازالت آثارها و بقاياها متناثرة ً هناك .
( 3 ) الزرزورة ، واحةٌ اشتهر ( كتاب الكنوز ) بذكرها ، و هو مخطوطٌ يعود ظهوره الى القرن الخامس عشر . مجهول الكاتب و تاريخ الكتابة ، ترد فيه قوائم بأكثر من أربعمئة موقع في مصر تحمل كنزاً خفياً . وُصفت الواحة في عدة كتب بأنها بيضاء لكثرة الحمام ، تحرسها الجان . يُرشدُ المخطوطُ الباحثَ عن الكنز الى أخذ مفتاح الواحة من فم طائرٍ منحوت على جدارٍ فوق بوابتها . بشكلٍ عام يعود ذكرُ واحات الكنوز المخفية في أعماق صحراء الغرب الى ما قبل دخول الإسلام الى مصر ، و قد خرجت الكثير من البعثات الإستكشافية للعثور عليها حتى العصر الحديث .
" 4 " كهفُ السبّاحين ، هو كهفٌ في وادي صورة ، في منطقة الجلف الكبير الجبلية في الصحراء الغربية . اكتشف الكهف في أكتوبر 1933 المستكشف الهنغاري " لازلو الماسي " , تحملُ جدرانه رسومات لأشخاص يسبحون نُقشت على الصخور أثناء العصر الجليدي الحديث .
رابط الفيلم في التعليق الأول
المريض الإنجليزي The English Patient
فيلمٌ يترسخُ في الذاكرة و الوجدان .. و لا يَمّحي أبداً
عام 1992 صدرت للكاتب الكندي " مايكل أونداتجي " ــ و هو من أصل سيريلانكي و يعيش في مدينة ( تورونتو ) الكندية ــ روايةٌ بعنوان ( المريض الإنجليزي ) ، و في نفس العام فازت بجائزة ( بوكر ) للرواية ، و بعد أربع سنوات ( 1996 ) حوّلها المخرج البريطاني " أنتوني منغيلا " ( 1954 ــ 2008 ) الى فيلم سينمائي ( يستغرق ساعتين و 40 دقيقة ) فترشح لإثنتي عشرة جائزة أوسكار فاز منها بتسعٍ جوائز ، منها جائزة أفضل ممثلة في دور مساعد ذهبت للممثلة الفرنسية " جولييت بينوش " عن تجسيدها شخصية الممرضة الكندية " هانا " في الفيلم ، كذلك فاز الفيلم بجوائز ( غولدن غلوب ) و ( بافتا ) . و كانت الرواية قد وصلت ، عام 2018 ، الى القائمة القصيرة لجائزة بوكر الذهبية التي أُقيمت بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيس الجائزة ففازت بها كأفضل رواية خلال خمسين عاماً بعد تصويت جمهور القراء لها ، و الذي اقترحته الروائية " كاملة شمسي " ، و قال الكاتبُ حينها : لم أكن أفكر لثانية واحدة أن هذه الرواية ستفوز بهذه الجائزة لولا العمل العظيم الذي قدمه المخرج " مانغيلا " بتحويله الرواية الى فيلم و بالتالي منحها كل هذه الشهرة . و قد تُرجمت الرواية الى نحو 300 لغة ، منها العربية بترجمة " أسامة أسبر " و مراجعة الشاعر " سعدي يوسف " عن ( دار المدى ) عام 1997 ، و صدرت بتوقيع المترجم نفسه في دولة الإمارات العربية عن مجموعة ( كلمات ) عام 2019 ، ولكن كُتبت عليها عبارة ( الطبعة الأولى ) .
تقول الروائية البريطانية ـ من أصل باكستاني ـ " كاملة شمسي " عن رواية ( المريض الإنجليزي ) أنها : ( روايةٌ نادرة ، تحكُّ جلدَك وتُجبرُك على العودة إليها مراراً و تكراراً ، و فى كلِّ مرةٍ تسبّبُ للقارئ مفاجأةً أو بهجة ً جديدة ) .
تدور الأحداث أثناء الحرب العالمية الثانية ، و في صحراء مصر الغربية و قريباً من كهوف ليبيا القديمة التي يعود تاريخها الى آلاف السنين ، و أبطال الرواية هم مستكشفون جغرافيون زملاءٌ في الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية و تشمل الأحداث الإستكشاف و الرحلات و التجسس و الخيانات و مَشاهد الحرب . و تنقسم الرواية الى عشرة أقسام ، و إذ تبدأُ بالقسم الذي بعنوان ( الفيلّا ) التي هي منزلٌ كبيرٌ مُخرّب من أثر القصف ، و مهجور ، لتكون المكان الذي تعتني فيه الممرضة " هانا " بـ ( المريض الإنجليزي ) الذي هو " ألماسي " ، المحترق جسمُهُ تماماً ، فإن الفيلم يبدأ من الطيران فوق كثبان رمال الصحراء حيث يحصل الإحتراق ، أما ( تايتل ) الفيلم فيبدأ بفرشاة ترسم شكلاً من أشكال الرسوم على جدران الكهوف ، مصحوبةً بأغنية شعبية هنغارية ربما في إشارة الى " ألماسي " ذي الأصول الهنغارية و مكتشف ( كهف السبّاحين ) الذي تحتوي جدرانُهُ على تلك الرسوم . و في الغرفة التي مُدِّدّ فيها يروي الحكاية للممرضة .. لتبدأ التداعيات ، و الواقع إن المكان عبارةٌ عن ديرٍ مهجور ، بدليل برجه الذي يعلوه الصليب و قاعاته المزدانة بالرسوم المستوحاة من الإنجيل على غرار الكنائس و الأديرة الكاثوليكية في إيطاليا . و لا ندري لماذا سُمّيت ( فيلاّ) .
تركز الرواية على علاقة الحب الشفافة بين الممرضة الكندية " هانا " و الهندي السيخي نازع الألغام " كيب " ــ لعب دورَهُ " نافين أندروز " ــ بينما في الفيلم غيّر المخرجُ التركيز فأحاله الى العلاقة العاطفية الخيانية بين البريطانية " كاثرين كليفتون " ــ لعبت دورَها " كريستين سكوت توماس " ــ و بين " ألماسي " الهنغاري الذي هو زميل الجمعية الجغرافية الملكية ــ لعب دورَهُ " رالف فاينس " ــ وكان يُعتقد أنه إنجليزي ، ولكنه في الحقيقة هنغاريٌ مولودٌ في النمسا ، و " كاثرين " هي زوجة الإستكشافي " جيفري كليفتون " الذي كان يزود الإستخبارات البريطانية بالمعلومات ــ لعب دوره " كولين فيرث ــ و يرد إسمُه في مقطعٍ من محضرٍ لأحد إجتماعات الجمعية الجغرافية الملكية ( 1 ) ، و الذي يظهر في مطلع الرواية كما يلي : ( أنا متأكدٌ أن معظمكم يتذكر الظروف المأساوية لموت جيوفري كلفتون في الجلف الكبير ( 2 ) الذي تبعه فيما بعد اختفاء زوجته كاثرين كلفتون أثناء بعثة عام 1939 الصحراوية التي انطلقت للبحث عن الزرزورة ( 3 ) .... ) . و قد اعتمد كاتب الرواية على محاضر اجتماعات هذه الجمعية و وثائقها ، و يذكر في إيضاح في نهاية الكتاب أنه قرأ الكثير من الكتب عن الرحلات و الإستكشافات في الصحراء المصرية و عن الرياح و العواصف الرملية و طرق تفكيك الألغام و القنابل ، ولكن كل ما دار في الرواية هو من نسج خياله .. كما يذكر.
حصر الفيلم الشخصيات الأساسية في أربعة :
1 ــ الممرضة الكندية " هانا " التي فقدت أحبابها : أباها و رفيقتها " جان " و حبيبها العقيد " مكغين " . تقول : ( لابد أني ملعونة ، كلُّ مَن يُحِبُني ، كلُ مَن يقتربُ مني .. لابُد أني ملعونة ) و تمثل " هانا " الخلاصة الإنسانية النابعة من مآسي الحروب و أوجاعها ، لما تنطوي عليه شخصيتها من محبة و رأفة و حنان فائض رغم آلامها .
2 ــ الإستكشافي " ألماسي " الملقب بـ ( المريض الإنجليزي ) الذي يمثل الشخصية الرئيسة في الرواية و في الفيلم ، و يعكس وجوده ــ بوضعه المأساوي ــ خلاصة الحرب بجراحاتها و تشوهاتها و آلامها و خياناتها .
3 ــ الإستكشافية " كاثرين كلفتون " ، التي وضعت كل الإعتبارات المتعلقة بالخيانة الزوجية أو الخيانة الوطنية جانباً لتتبع قلبها ، و هي زوجة المستكشف " جيوفري كلفتون " الذي كان يعمل لصالح الحلفاء تحت غطاء الجمعية الجغرافية الملكية و الذي مات أثناء سقوط الطائرة حين أراد أن يقتل زوجته و عشيقها " الماسي ".
4 ــ " ديفيد كارافاجيو " اللص و المدمن على المورفين الذي يظهر في الفيلاّ على حين غرة ــ لعب دورَهُ " وليم دافو " ــ و هو صديقٌ لوالد " هانا " ، و هو الذي يكشف حقيقة " ألماسي " الذي تسبب بقطع أبهامَي يديه من قِبل الآلمان بعد أن وشى به . و قد عرفه ــ رغم غياب ملامحة بسبب الإحتراق ــ من خلال كتاب المؤرخ الإغريقي " هيرودوتس " الذي لا يفارقه ، و هو مؤرخٌ استكشافي أيضاً عاش في القرن الخامس قبل الميلاد و زار مختلف البلدان و كتب عن أحوالها .. و منها مصر .
و لعله بسبب رفقة كتاب " هيرودوتس " عمل بعض النقاد على ربط أحداث الرواية بالماضي السحيق و إسقاط قصة ( طروادة ) التاريخية على هذه الخيانة ، من خلال الربط بين " هيلين " زوجة " منيلاوس " إبنُ ملك اسبارطا التي خانت زوجها و هربت مع " باريس " إبن ملك طروادة ، فتسببت بدفع الإسبارطيين الى تحريك أساطيلهم نحو طروادة و شن تلك الحرب الطريفة الضارية التي قامت على حيلة إدخال حصانٍ خشبي المدينة َ المحصّنة و في داخله عدد من المحاربين بينهم " منيلاوس " ليفتحوا الأبواب لرفاقهم و يُسقطوا طروادة و يستعيد زوجته ، ولكن ــ كما تقول المثيولوجيا الإغريقية ــ فإن أسطوله تشتت في طريق العودة و رمت عاصفةٌ بسفينته على شواطيء مصر، و وصل بعد ثماني سنوات من الترحال الى جزيرة فاروس و منها عاد الى إسبارطا .
هذا هو الربط الذي حاول بعض النقاد اسقاطه على الفيلم ، ولكن الذي حصل هو أن " جيفري " مات قبل زوجته " كاثرين " و هي نفسها ماتت و لم يستعدها زوجها كما حصل في إلياذة " هوميروس " عن حرب طروادة ، و لم تكن " كاثرين " على علمٍ بخيانة " ألماسي " لصالح الآلمان حين وهبهم خرائط الحلفاء كي يحصل منهم على وقود للطائرة التي ينوي أن ينقذ بها حبيبته " كاثرين " التي تركها في الكهف الصخري ، فكيف شاركته الخيانة و هي تحتضر دون علمها بما أقدم عليه " ألماسي " من أجل إنقاذها ؟ إنها تبعت قلبها و هواها حسب . فما الربط بين الرواية أو الفيلم و بين حرب طروادة ؟
و لأنه في أحد مشاهد الفيلم يذكر " ألماشي " لـ " كاثرين " بأن زميلهما " برودكس " يعرف بعلاقتهما و يتحدث عن " آنا كارنينا " و قد استشهد الراوئي في الصفحة 255 من روايته ( المريض الإنجليزي ) بمقطع من رواية ( آنا كارنينا ) للروائي الروسي " تولستوي " فقد اعتبر بعض مراجعي الرواية أو الفيلم هذا الإستشهاد تأثراً بتلك الرواية . ما هذا الإسقاط المضحك و التسطيح السخيف في النقد السينمائي ؟ فنحن لو راجعنا هوامش الرواية التي توضح مساند عمل الروائي و استشهاداته و نظرنا اليها كما يفعل ( نقاد الصحافة ) لكانت النتيجة إلغاء صفة الإبداع لدى هذا الروائي الفذ الذي يصر على أنه كتب روايته على عجل ، و يبدو أن هؤلاء ( النقاد ) بحاجةٍ دائمة الى تذكيرهم بمقولة الشاعر الفرنسي " بول فاليري " أن ( الأسد إن هو إلاّ مجموعة خِراف ) . و أستغربُ من ( النقاد السينمائيين العرب ) أنهم يأخذون على الفيلم كونه قد وضع العرب في خلفية ضبابية ، تُرى ماذا كان للعرب من دورٍ في الحرب العالمية الثانية و في الإستكشاف الجغرافي ؟ صحيح أن الإستعمار كان هو المهيمن في تلك الحقبة ، ولكن ذلك لا يعني أن للعرب دوراً بطولياً في فيلم لا شأن لهم في أحداثه سوى أنها تدور في صحاراهم و في أسواقهم البدائية.
بعيداً عن هذا الإسفاف ، عندما نقرأ الرواية ، قبل مشاهدة الفيلم ، نشعر و كأننا أمام مشاهد بصرية ينقلها الينا الكاتب بلغة سينمائية ، ذلك يعود الى أن الكاتبَ نفسَهُ مخرجٌ سينمائي ، أما في الفيلم فتختلطُ السينما بالشعر بالمسرح ، يعودُ ذلك الى أن الكاتبَ الروائي شاعرٌ أيضاً ( أصدر أكثر من 13 مجموعة شعرية ) ، و لطالما أُنشِدت أشعارُهُ على المسارح ، كل ذلك التقى بعبقرية المخرج " أنتوني مانغيلا " الذي قدّم لنا هذه الملحمة السينمائية التي تترسخ في الوجدان و الذاكرة .. و لا يمكن نسيانُها .
من ضمن جوائز أوسكار التسع التي فاز بها الفيلم ، جائزتا أفضل تصوير و أفضل موسيقى . فقد كان لكاميرا المصور الأسترالي البارع " جون سيل " دورٌ بطوليٌ غيرُ مُعلن في صناعة هذا الفيلم باذخ الروعة ، حين جعل للتصوير السينمائي فيه لغة ً صوَرية ً بالغة َ الفصاحة بزواياها المختارة بدقة و مساحتها العريضة البانورامية خصوصاً في الفضاءات المفتوحة في الصحراء .. و قد تمّ تصويرُ معظم مشاهد الفيلم في تونس .
أما الموسيقى التصويرية للفيلم فقد خلق الموسيقيُ اللبناني " غبريال يارد " سحراً موسيقياً عظيماً ، تفوّق فيه على نفسه ، و غطى على سحر موسيقى جميع الأفلام التي تعامل معها قبل هذا الفيلم و بعده ، فكانت ( أوسكار ) و ( غولدن غلوب ) استحقاقه الطبيعي لما قدّمه من شجنٍ موسيقي يمور في الوجدان مترافقاً مع الصور البصرية التي خلقها " جون سيل " .
الإنارة في الفيلم كانت تستحق الترشيح للجوائز ، بإمتياز ، ولكن ذلك لم يحصل . و قد كانت عنصراً ناجحاً في تقديم المشهد البصري .
تبدو فكرة العمل برمتها قائمة على الفقدان :
* " ألماسي " يفقد هويته الوطنية بين نَسَبهِ الهنغاري الأصلي و إسمه الغريب و بين عمله في الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية ، و اتهاماته بالتجسس لطرفين متحاربين . و بالتالي فقدانه وجوده الإنساني السليم بعد تعرضه للحرق و التشويه إثْر سقوط طائرته و إنقاذ ( حياته ) على يد بدو الصحراء المصرية.
* " جيفري كلفتون " يفقد زوجته التي عشقت " ألماسي " وعاملته بالجفاء .
* " كاثرين كلفتون " التي فقدت قوامَ العلاقة الزوجية السليمة و بالتالي فقدت روحها في ظلام ( كهف السبّاحين ) ( 4 ) بعد أن تأخر " ألماسي " عليها و قد أسره الجيش البريطاني بسبب فَقدهِ أوراقه الثبوتية و تسبب إسمُه الغريب في التشكيك بهويته . و كان " ألماسي " هو الذي اكتشف هذا الكهف عام 1933 .
* الممرضة الكندية " هانا " فقدت أباها و حبيبها و صديقتها و خليلها نازع الألغام السيخي الملازم " كيت " .. و بالتالي باتت تعيش على هامش أملٍ هلامي .
* اللص " ديفيد كارافاجيو " فقد شخصيته الإجتماعية السليمة حين احترف اللصوصية ، فأعتمدته قوات الحلفاء ، و دفعته الى سرقة كاميرا من الآلمان ، فعوقب بفقدانه إبهاميه ، ما دفعه بالتالي الى الإدمان على المورفين كتعويض عن هذا الفقدان .
و الآن مَن هو ( ألماسي ) الشخصية المحورية في الفيلم ؟
إن وجود هذه الشخصية كان وجوداً حقيقياً و ليس من نسج خيال الكاتب " مايكل أونداتجي " في الرواية ، فالخيال الكتابي التقط الشخصيات و صنع الأحداث ، و هذه الأحداث في الرواية تصرّف بها الخيالُ السينمائي لدى المخرج العبقري " أنتوني مانغيلا " ، و هنا أصبح المخرجُ مؤلفاً ثانياً للرواية.
ولد ( الكونت ) " لازلو ألماسي " لعائلة هنغارية نبيلة في النمسا عام 1895 ، و كان والدُهُ " جيورجي ألماسي " ضليعاً في علم الحيوان و الأثنوغرافيا ( الدراسة الوصفية لطريقة و أسلوب الحياة لشعب من الشعوب) .
انضم " لازلو " و شقيقه " جانوس " الى فرقة الفرسان الحادية عشرة أثناء الحرب العالمية الأولى ، ثم التحق في العام 1916 بجيش الإمبراطورية النمساوية و بقوات الطيران الملكي ، ولكن بعد إسقاط طائرته في شمال إيطاليا عام 1918 تحول الى مدرب طيران . انخرط بعدها في عدة أعمال ، لكن رحلته من مصر الى السودان على أمتداد نهر النيل ، عام 1926 ، أحدثت تحولاً في حياته . و منذ ذلك التاريخ استهوته المنطقة و بدأ بعدة رحلات استكشافية . ففي عام 1932 قام برحلة للبحث عن واحة ( زرزورة ) مع ثلاثة بريطانيين هم سير " روبرت كلايتون " و " هوبرت بندريل " و " باتريك كلايتون " ولكن محاولتهم فشلت في الوصول الى مصب الوادي بالسيارة ، غير أن السير " روبرت كلايتون " الذي ظهر في فيلم ( المريض الإنجليزي ) بإسم " جيفري كلفتون " التقط عدوى مرض شلل الأطفال و توفي في نفس العام و ليس في حادث سقوط الطائرة كما رأينا في الفيلم ، و كانت زوجته طيارةً أيضاً و إسمها " دورثي " و قد ماتت إثرَ سقوط طائرتها في حادث غامض عام 1939 ، و هي ذاتها التي تظهر في الفيلم باسم " كاثرين كلفتون " .
بعد ذلك قام " ألماسي " بعدّة رحلات ناجحة مع مختلف المستكشفين ، فاكتشف واحة ( زرزورة ) و جبل ( عوينات ) و كهف ( السبّاحين ) و منطقة بحر الرمال الكبرى من ( عين دلة ) حتى واحة (سيوة ) ، وهي آخر بقعة فارغة لم يصل اليها مستكشفون قبله.
و يُشار الى أن " الماسي " لم يكن معروفاً حتى عام 1996 عندما ظهرت شخصيته في فيلم ( المريض الإنجليزي ) . و في عام 2010 تم في آلمانيا اكتشاف رسائل كان " ألماسي " قد كتبها ، وتثبت هذه الرسائل إنه كان مثلياً ، و كان عشيقُهُ ضابطاً ، هو الفيرماخت " هانز إنثولت " ، الذي مات بعد أن داس على لغمٍ أرضي . و يُقال أن بعض الأمراء المصريين كانوا من عُشاق " الماسي " . و ثمة احتمالٌ بأن عشاقه كانوا من الطرفين : سلبيين و إيجابيين.
أثناء زيارته الى النمسا توفي " لازلو ألماسي " في مستشفىً في سالزبورغ ، بتاريخ 22 مارس / آذار من عام 1951 ، نتيجة الزحار الأميبي الذي اكتسب عَدواه أثناء رحلةٍ الى موزمبيق .
في تقديري ، إن الممثل " رالف فاينس " الذي لعب دور الشخصية الرئيسة " ألماسي " لم يستحق الترشيح للأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيس ، لذلك فإن عدمَ فوزه بالجائزة كان طبيعياً ، ذلك أنه كان أدائياً في دورٍ تمثيليٍ خالٍ من التعبير ، و سطحي . و لا نعرف السبب الذي دفع المخرج العبقري " أنتوني مانغيلا " الى إختياره لهذا الدور ، و أعتقد أن الممثل المناسب كان هو " بن كنغسلي " ، و هذا رأي شخصي .
" رالف فاينس " ممثل رائع ، ولكن هذا الدور لم يكن مناسباً له ، و تمثيلهُ كان باهتاً تماماً .. و مُفتـَعَلاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما ورد في هوامش الرواية :
( 1 ) الجمعية الجغرافية الملكية ، هي جمعية ٌ علمية تأسست في لندن عام 1830 ، مكونة من المهتمين بالإستكشاف و الدراسات الجغرافية . تُصدر مجلةً فصلية بعنوان ( المجلة الجغرافية) .
( 2 ) الجلف الكبير ، هو هضبة ٌ تقعُ في منطقة نائية في جنوب غرب مصر . ترتفع 1000 فوق سطح البحر . و هي مشهورة بجمالها و أهميتها الجغرافية و الرسومات و المنحوتات الصخرية التي تصور حياةً حيوانية و مستوطناتٍ بشرية تعود الى عصور ما قبل التاريخ . كان الجلف الكبير محلاً للعديد من عمليات القوات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية ، و مازالت آثارها و بقاياها متناثرة ً هناك .
( 3 ) الزرزورة ، واحةٌ اشتهر ( كتاب الكنوز ) بذكرها ، و هو مخطوطٌ يعود ظهوره الى القرن الخامس عشر . مجهول الكاتب و تاريخ الكتابة ، ترد فيه قوائم بأكثر من أربعمئة موقع في مصر تحمل كنزاً خفياً . وُصفت الواحة في عدة كتب بأنها بيضاء لكثرة الحمام ، تحرسها الجان . يُرشدُ المخطوطُ الباحثَ عن الكنز الى أخذ مفتاح الواحة من فم طائرٍ منحوت على جدارٍ فوق بوابتها . بشكلٍ عام يعود ذكرُ واحات الكنوز المخفية في أعماق صحراء الغرب الى ما قبل دخول الإسلام الى مصر ، و قد خرجت الكثير من البعثات الإستكشافية للعثور عليها حتى العصر الحديث .
" 4 " كهفُ السبّاحين ، هو كهفٌ في وادي صورة ، في منطقة الجلف الكبير الجبلية في الصحراء الغربية . اكتشف الكهف في أكتوبر 1933 المستكشف الهنغاري " لازلو الماسي " , تحملُ جدرانه رسومات لأشخاص يسبحون نُقشت على الصخور أثناء العصر الجليدي الحديث .
رابط الفيلم في التعليق الأول